من هو فرانز كافكا ؟ نشأته وحياته الخاصة
“أن تدرك ما لا يدركه الآخرون، هو جحيم لا يطاق” عبارة شهيرة ذكرها كافكا في إحدى كتاباته تعكس لنا بعض الشيء عن حياته الخاصة، فقد نشأ كافكا البائس في كنف أسرة يهودية من الطبقة المتوسطة وهو الابن البكر لها، شهد على موت شقيقين له وهم مازالوا رُضع، فأصبح الذكر الوحيد في العائلة وسط ثلاثة شقيقات لقين حتفهن فيما بعد داخل المعسكرات النازية، غلب التوتر والمشاحنات على العلاقة التي جمعته بوالديه،
فالأم كانت ربة منزل لا يشغلها شيء في الحياة إلا القيام على خدمة أسرتها وزوجها، وكانت تتسم بالضحالة الفكرية الأمر الذي جعلها تنظر إلى حلم كافكا بأن يصبح كاتباً على أنه شيئاً تافهاً لا يستحق منه أن يكافح ليحققه، بينما اتسم والده بالشخصية الصارمة المتسلطة وقد وصفه في كتابه رسالة إلى أبيه كافكا حقيقي في القوة والصحة والشهية وجهارة الصوت والفصاحة ورضا النفس،
فهو تاجر التحف الثري الذي لا يفهم في الحياة سوى لغة الأرقام، ويرى الفن عبثاً يضيع الوقت ولا جدوى منه في زمن تطغى فيه المادة على كل شيء.
لطالما لازم كافكا منذ الصغر شعور بالغربة والانعزال وقد تولد لديه هذا الشعور بسبب ما عايشه من أحداث في صغره أثرت على شخصيته فيما بعد وانعكست على كتاباته التي يغلب عليها طابع الحزن والوحدة واليأس، وقد اعتبر كافكا الكتابة مخرجه الوحيد مما فيه من معاناة وآلام نفسية لازمته حتى وفاته.
التحق كافكا بجامعة براغ لدراسة القانون وهناك التقى بزميله ماكس برود، وقد تطورت العلاقة بينهما فيما بعد ليصبح ماكس الصديق المقرب لكافكا مدى الحياة، وهو من قام بنشر بعض أعمال كافكا بعد وفاته منها: المحاكمة وأمريكا والقلعة.
ما ألهمه ليصبح كاتبًا
“حتى لو لم يأت الخلاص، فإنني أريد مع ذلك أن أكون جديراً به مع كل لحظة”.
ولع كافكا منذ الصغر بالقراءة والمطالعة فأصبحت الكتب أصدقائه المقربين وتحولت شخصياتها إلى أسرته التي فقدها وسط مشاغل الحياة، عشق دوستويفسكي وأحب جوستاف فلوبير وأخذ الحكمة عن فولفغانغ جوته وأبحر في كتابات فرانس جريلبارتسر، واعتبرهم جميعاً رموزاً للتمرد على الاستبداد والتسلط والطغيان الذي ضرب بجذوره في كل مكان.
وقد تجمعت لدى كافكا العديد من العوامل التي جعلته يتجه إلى الكتابة التي اعتبرها مخرجاً من وحدته وتعبيراً عن الصراعات التي تدور بداخله، فقد تأثر كثيراً بشخصية والده المتسلطة وانعكست على العديد من كتاباته التي يحارب فيها أبطالها ضد القوة المتطلبة والمتجبرة.
غلبت على كتابات كافكا الطابع السوداوي الذي تحول فيما بعد إلى نوع خاص به، وهو الكتابة الكابوسية التي تجعل الشخصيات يعيشون داخل حياة أشبه بالكابوس وأقرب إلى الواقعية، يحاربون فيها أعداءاً غامضة ومجهولة ويعجزون في كثير من الأحيان عن تحقيق الانتصار ويلاقون في الأخير نهايات مأساوية ومفزعة.
مشواره الأدبي
بدأ مشوار كافكا الأدبى سنة 1904 عندما نشر مجموعته القصصية “تأمل” في مجلة هايبيريون الأدبية، وجاءت انطلاقته الفعلية في عالم الأدب سنة 1912 عندما قام بنشر قصة “الحكم” والتي سلط فيها الضوء على العلاقة المتوترة التي جمعت بين ابن وأبيه المتسلط.
كتب في نفس السنة قصة “التحول أو المسخ” ولكنها نُشرت في عام 1915 وهي قصة خيالية تتناول قصة حياة تاجر استيقظ من النوم ذات يوم ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة عملاقة، فاعتقد أنه مجرد حلم وعاود نومه، ولكنه يكتشف أنه لم يكن حلماً وأنه أصبح مسخاً قبيحاً،
وينتهي الأمر بنفور عائلته والمجتمع من هيئته فيقرر أن يعزل نفسه في غرفته ويبتعد عن الناس حتى يلقى حتفه كأية حشرة تافهة قذرة، لتجده عائلته في النهاية وقد لفظ أنفاسه الأخيرة مما يجعلهم يحتفون بتخلصهم من هذا المسخ الذي أصبح يمثل لهم عبئاً على حياتهم بسبب توقفه عن العمل.
وعلى الرغم من الخيالية المفرطة للقصة، إلا أن قيمتها الرمزية عظيمة للغاية، فهي تمثل التحكم المستبد لأصحاب رؤوس الأموال في طبقة العمال الفقيرة وانغماس الإنسان في متطلبات الحياة المادية التي تسقط معها القيم الإنسانية والأخلاقية.
وكتب في عام 1914 قصة “في مستعمرة العقاب” ونُشرت عام 1919 وتتناول القصة تعذيب شخص في مستوطنة عقاب في وادي رملي صغير وتنتهي بإعدامه، وتتكون القصة من أربع شخصيات هم الضابط الذي يتحكم في آلة الإعدام، والشخص “المحكوم” عليه بالإعدام، و”الحارس” الذي يقوم على حراسته، والشخصية الأخيرة هي شخصية “المستكشف”، وقد تحولت القصة فيما بعد إلى عدد من المسرحيات التي تحمل اسمها.
وآخر قصصه القصيرة جاءت باسم “فنان الجوع” وتم نشرها في عام 1924 وتستعرض حياة فنان يقوم بتجويع نفسه لإعجاب المشاهدين، إلى أن يصاب المشاهدين بالملل ويعرضون عن مشاهدة عروضه فيحزن كثيراً ويجد أن حياته لم يعد لها قيمة مع إعراض الناس عن فنه ليقرر تجويع نفسه حتى الموت.
ثم تحول كافكا للأدب الروائي حيث كتب رواية “المحاكمة” و”أمام القانون” و”القلعة” و”أمريكا”، ونُشرت جميعها بعد وفاته من قبل صديقه المقرب ماكس برود بعد تجاهله لوصية كافكا الذي طلب منه فيها أن يحرق جميع أعماله بعد وفاته، ومن أعماله أيضاً “رسائل إلى ميلينا” ونُشرت أيضاً بعد وفاته على يد الصحفية ميلينا جيسينسكا التي وقع في حبها قبل وفاته سنة 1924 بمرض السل.
محطات مميزة في حياته
غرقت حياة فرانز كافكا في الحزن والوحدة واليأس والعزلة حتى أصبحت الحياة في نظره مجرد سجن كبير يبحث دوماً عن الخلاص منه، إلى أن التقى برفيق دربه وصديقه المقرب ماكس برود في المرحلة الجامعية فتحسنت نفسيته بعض الشيء، خاصة بعد أن وجد في ماكس مسانداً وداعماً له، كما اعتبر الفترة التي قضاها برفقة ميلينا حبيبته التي عشقها حد الجنون شمساً أضاءت جزءاً من حياته المظلمة والكئيبة.
اقتباسات فرانز كافكا
نستعرض معكم الآن بعض من اقتباسات كافكا الشخصية التي أصبحت تتردد بكثرة في العديد من الكتابات الأدبية وخلال مواقع التواصل الاجتماعي.
“وأنتِ يا ميلينا لو أحبكِ مليون فأنا منهُم، وإذا أحبكِ واحدٌ فهذا أنا، وإذا لم يُحبكِ أحدٌ فـ اعلمي حينها أنِّي مُت” من رسائل كافكا إلي ميلينا.
“أن أسوأ مافي الامر ليس تبصر المرء بأخطائه الواضحة، بل تبصره بتلك الاعمال التي اعتبرها ذات مره اعمالاً صالحة”.
“من كافكا إلى ميلينا :تتوهمين ! فلن تستطيعي البقاء إلى جانبي مدّة يومين.. أنا رخو أزحف على الأرض. أنا صامت طول الوقت،انطوائيٌّ، كئيبٌ، متذمرٌ، أنانيٌّ وسوداويّ ، هل ستتحملين حياة الرهبنة، كما أحياها ؟ أقضي معظم الوقت محتجزاً في غرفتي أو أطوي الأزقَّة وحدي، هل ستصبرين؟” من رسائل كافكا لميلينا.
“أن تدرك ما لا يدركه الأخرون، هو جحيم لا يطاق” كتاب التحول ساعاتنا في الحب لها أجنحة، ولها في الفراق مخالب.
“ليس من الضروري أن تقبل كل شيء على أنه صادق، بل إن علينا أن نقبله كشيء ضروري” كتاب المحاكمة.
“في كُل مرة كنا نختلف فيها كان الحبُ حاضرًا، فتتحول شجاراتنا إلى ضحكات، إلى أحضان ربما، لكن في آخر خلافٍ دار بيننا لم يكن الحبُ حاضرًا لينقذنا، غاب الحبُ فاِنتصر المنطق تبادلنا العتاب بطريقة مُؤذية ثم تبادلنا الصمت فلم نعد كما كُنا وربما لن نعود” من رسائل كافكا إلى ميلينا.
“فإن فكرة من الأفكار لا يمكن أن تنقرض مهما كانت متطفلة، ما دامت قد وجدت ذات مرة، أو إنها لا يمكنها على الأقل أن تنقرض دون صراع رهيب، ودون أن تتمكن من تحقيق لنفسها دفاعاً فعلاً ينجح في أن يثبت طويلاً” التحول.
“إن البدناء هم فقط الأشخاص الموثوقون، فهم أقوياء جدا إلا حين يتعلق الأمر بالأكل”
“لطالما كان لدي هذا الخوف من الناس، ليس من الناس أنفسهم ولكن من توغلها في كينونتي الضعيفة”
أعماله خارج العالم الأدبي
حصل كافكا على درجة الدكتوراه في القانون، وعلى الرغم من ذلك ترك هذا المجال وعمل موظفاً في شركة التأمين الإيطالية “اسيكورازيوني جنرالي”، إلا أنه تركها بعد فترة قصيرة بسبب عدم رضاه عن عدد ساعات العمل المعتمدة بالشركة، وانتقل بعدها للعمل في هيئة للتأمينات العمالية وكان يدرس الإصابات التي يتعرض لها العمال لتحديد قيمة التأمين الذي يحصلون عليه،
وقد جعلته ظروف عمله مقرباً بشكل كبير من العمال وملامساً لمشاكلهم والأزمات التي يعانون منها، واتجه بعد ذلك سنة 1911 للعمل في أول مصنع للأسبست في براغ، كما أنه شارك في الحرب العالمية الأولى، وحاول كثيراً أن ينضم للجيش إلا أن محاولاته باءت بالفشل نظراً لظروف مرضه.
أسماء بعض مؤلفاته:
-
تأمل
-
التحول
-
فنان الجوع
-
طبيب ريفي
-
المحاكمة
-
في مستعمرة العقاب
-
أمريكا، المسخ
-
رسائل إلى والدي
-
أمام القانون