كتب ممنوعة؛ عِبارةٌ كافية لتسويق الكتب بلا بذلِ أي جهدٍ إضافيّ، وقد امتدّ عُمر تلك العِبارة، فإذا كانت الكتب قد مُنِعت قديمًا، فهيَ تُمنَع الٱن أيضًا، ولـعلّها ستُمنَع كذلك في المستقبل.
قد تختلفُ أسبابَ المنعِ وتتعدد، ولكن النتيجة تبقى واحدة دائمًا، فالأفكارُ المجنونةِ لطالما كانت وجبة شهيّة للمنع، وفي بعضِ الأحيان، تُحاصَرُ الأفكارُ فقط لأنها تصرُخُ بالحقّ الذي نتغافلُ عن وجودِه، وبعضُها تتلقَ المنع الشـرِس لتجاوزِها حدودَ المُجتمع المتعارف عليها، ولكننا نبقى دائمًا أمامَ حقيقةٍ واحدة لا يستطيعُ أحد إنكارها.
وهي أن كتب ممنوعة التي توضَع في خانةِ المحظورات تُشتهر أوسع مما لو لم يتم منعها، رُبما تبقى الأفكارُ مقصوصةُ الجِناح لبعضِ الوقت، ولكنها تُحلق من بعدِها وتترُك أثرها في عقولِنا!
كل المحظورِ مرغوبٌ عِبارةٌ قد وُلِـدَت من رحمِها مقالتي هذه، فلطالما كان مُصطلحُ المحظورِ مُـثيرًا للرهبةِ والخوفِ بقدرِ إثارتِه للفضول. رُبما لأن الحُريّة لا تؤمنُ بكـلمةِ ممنوع، لا تؤمنُ بالقيودِ، ورُبما لأنه مُصطلحٌ نابعٌ من قلبِ السُلطةِ القـانون، فقـط!
والٱن؛ دعوني ٱخذُكم معي في جولةٍ سريعة، سنذهبُ معًا فيها إلى شوارعِ أوشينيا حيثُ جريمةُ الفِكر، وسنُلقي التحية على الأخِ الأكبر ومن ثَمّ سنستأنفُ رحلتنا ونذهبُ باتجاهِ حاراتِ مصرَ القديمة وشوارعِها الدافئة.
نخرُج من هناكَ مُباشرةً إلى الحياة، نعم، إلى تلك التي نعيشُها،ولكننا سنراها اليوم بشكلٍ مُختلف، ونصلُ من بعدِها إلى وُجهتِنا الأخيرة، سنتجهُ باتجـاهِ الصمتِ، ذاك الذي نسبحُ فيه جميعًا، أو لعلّنا نغرقُ به ولكن ببطئ!
”وإليكُم من هذا العصرِ الذي يعيشُ فيه الناس مُتشابهين مُتناسخين، لا يختلفُ الواحد منهم عن الٱخر، من عصرِ العُزلة، من عصرِ الأخِ الأكبرِ، من عصرِ التفكيرِ المُزدوج، تحياتي!“
في هذه الرواية يُثبت جورج أورويل أنه ليسَ أديبًا فـذًا فقط، بل يُثبت كذلك أنه مُفكرٌ سياسيّ حاذِق، ومُحلل بارِع؛ فقـد كُتبَت هذه الرُواية عام ١٩٤٨،أي قبل ذاك العام الذي سُميت به الرواية بحوالي أربعين عامًا كاملين، مما جعل هذه الرواية مميزة بشكلٍ خاصّ.
وتُصنّف ضمنَ أدب الديستوبيا، فقـد تنبأ فيها أورويل بالمستقبلِ ولما سيؤول إليه هذا الفكر إذا استمرّ على ما هو عليه، وأنّ مُجرد تفكير الإنسان سيصبح جُرمًا! لذا كان من ضمن كتب ممنوعة كثبرة تنبت نفس الأفكار.
ويرى قارئُ الرواية أمثلة على التضارُب الفكري و الحديث المُختزَل الذي يحرم به النظام مُعارضيه من أدواتِ التعبـيرِ عن الرفض، وشُرطة الفِكر ووزارة السِلم التي تشّـنُ هي نفسها الحَرب على كلِ من يفكر في النُطقِ لذا يعد من ضمن كتب ممنوعة كثبرة .
وحينما نقرأ اليومَ ١٩٨٤ نشعُرُ بالتوجسِ، إذ نقيسُ عليها أين أصبحنا وإلى أين نتجه؛ والعالمُ على خارِطة الجحيمِ الذي وصفها أورويل، وأينما قَـلبَ المرءُ وجهَه في عالمِنا المُعاصِر.
رأى أصحابَ السُلطةِ المُطلقة يُمسِكون بزمامِ الأمورِ و تجمعهم الرغبة في سحقِ كل من يُعارضهم، وهكذا باتَ للأخِ الأكبرِ أشقاء عديدون يجوبون طولَ الأرضِ وعرضِها.
وبينَ أوامِرِ الأخِ الأكبر الذي رمزَ أورويل لأصحابِ السُلطةِ به، كان هناكَ مشهدٌ ٱخر أكثرَ رُعبًا، فصوّر أورويل ذاك المشهد البشِع الذي يتمّ فيه الاختزال المُمَنهج للغة، فالنظامُ يعمل على محوِ كلمـات و أفكـار بعينِها من عقولِ البشر، وعدوّ النِظام الحقيقي، هو الحقيقةُ نفسُها!
تعد هذه الرواية من ضمن كتب ممنوعة كثبرة، ورُغمَ أن الرواية قد تعرضت للمنعِ من قِبَل عدّة دول مثل الاتحاد السوفييتي والولايات المُتحدة، إلا أنها استطاعت التسلل بشكلٍ أو بٱخر إلى أيدي القُراء، رواية ١٩٨٤ ليست إلا تذكرة لأن نُفكر، قبل أن يُصبحَ الفِكر جريمة!
”كلما ضاقَ أحد بحالِه أو ناءَ بظلمٍ أو سوء مُعاملة، أشارَ إلى البيتِ الكبير على رأسِ الحارةِ من ناصيتِها وقال في حسرة: هذا بيتُ جدنا، وجميعُنا من صُلبِه، ونحنُ مُستحقو أوقاف، فلماذا نجوعُ وكـيف نُضان؟“
هكذا افتتح نجيب محفوظ رُوايته الأكثر جدلًا في تاريخِ الروايات العربية. ففي هذه الرُواية؛ نجد أنفسَنا أمامَ مُجتمعٍ مُنحطّ، يعبثُ فيه الفُـتوات متى أرادوا، وتعد هذه الرواية من ضمن كتب ممنوعة كثبرة.
أما العامة فهم ليسوا إلا مجموعةً من الأغبياءِ يهوون الذلّ والعبودية، وأمّا الطرف الثـالث فهم أولئك الذين يُحاولون الإصلاح؛ ولا تلبَث أن تصيرَ جُهودُهم هباءً منثورًا.
وقد اعتمد نجيب محفوظ في روايته على الرموز، وبسببِ هذا المنهج الرمزيّ الذي يعتمدُ في الأساسِ على طريقة فهم كل شخص الخاصة، اختلف النُقاد على مقصدِ نجيب محفوظ في روايتِه وما الرِسالة التي يُحاول إيصالَها؟
أما عن الزمنِ، فهو غير مُحدد، وأعتبرُ أن هذه نُقطة القوة؛ وكأنه يقول بطريقةٍ غير مُباشرة أنه لا يُهم الزمان، فالحِكاية ستستمرُ وستُناسب كل عصر، ”لأن ٱفـة الإنسان النِـسيان،“
وخلال كل أحداث الرُوايةالتي منعت من ضمن كتب ممنوعة كثبرة ؛ ظل محفوظ يردد سؤالًا محوريًا جدليًا ويطرحُه مِرارًا، وهو ”لماذا لا يقومُ الجبلاوي بتنفيذِ وصاياه بنفسِه؟ لماذا لا يُحقق العدلَ بنفسِه؟“.
وربما لم يُجب نجيب محفوظ على سؤالِه بل كان يُحاول فقط أن يعرِضَ القضايا التي تؤرقُه وتشغل تفكيره، وكأنه يُفكر معنا بصوتٍ عالٍ، من خلالِ الكلمات.
والبعضُ قال أنه يرمُزُ للذات الإلهية بصاحب البيت الكـبير، والبعضُ الٱخر يقول أن مقصدَه الحقيقي هو رموز ثورة يوليو ١٩٥٢، بعدما أمل الجميع في حياةٍ أفضل وخابَ ظن محفوظ، وهذا ما دفعه لكتابة هذه الرُواية، وكأنه يسأل: ”هل تُريدون طريقَ الأنبياءِ؟ أم الفتـوات؟“
وأيًـا كان المقصد، يجبُ علينا تذكر أنّ ”أولاد حارتنا“ ليست إلا رُواية تعد هذه الرواية من ضمن كتب ممنوعة كثبرة، والرُوايات ليست إلا أفكارًا، ليست قرٱنًا!
وقد صرّح نجيب محفوظ من قبل قائلًا:
”مُشكلة أولاد حارتنا منذ البداية أنني كتبـتُها كرواية وقرأها بعضُ الناسِ كـتابًا!“
تعرف أيضاً علي أفضل روايات نسائية عربية ومصرية
”وما جدوى الـكُتُـبُ إذا لم تُرجِعـنا للحياة؟ إذا لم تجعلـنا نعُبّ من مائها بلهفةٍ أشد؟“
رواية ”مدار السرطان“ تعد هذه الرواية من ضمن كتب ممنوعة كثبرة وهي أول وأبرز عمل لهنري ميلر، وما يجعل هذه الرُواية استثنائية -برأيي- هو أن أجودَ ما كتبه المؤلف وأردأه موجودان جَنبـًـا إلى جنب في هذا العمل؛ وبذلك يكون ميلر قد حقق ما نادى به طويـلًا.
وهو أنه يريدُ فقط تقديمَ الحياة كما عرفَها، دون تشذيب أو زخرفة، وأن يتركَ نفسَه على سجيتها، مُنطلقةً تُعبـر عن ذاتها بلا قيود، فإذ بزوايا منها تحملُ الشرّ، وأخرى تضجّ بالطيبة، وهذه الرواية أعتبرُها خيالًا أكثر منه حقيقة.
وهذا أيضًا ما يجعلُ لها رونقها الخاص، فهي لا تدّعي المِـثالية، فقبل كل شيء، نحنُ لا نكـتُب لنستعيدَ التجربة، بل نكـتُب لنقترب منها قـدْر استطاعتنا.
هنري لم يُرِد أن يحوّل الكلمات إلى مساحيق تجميليّـة لذلك يعد من ضمن كتب ممنوعة كثبرة علي نفس السياق، ولا أن تدورَ المواضيع عن كل ما هو مُستصاغ، وكما يصفُه البعض، فهنري ميلر صادمٌ للحياة، لا نمطيّ، عابثٌ، غريبٌ وأليف في نفسِ اللحظة، وكل هذا بالتأكيد كان له أثرٌ على نمطِ كتابته.
إن كنتَ من أنصارِ قراءةِ الكـلمة بوجهٍ واحد فلن تفهم ما يرمي به ميلر، لأن ميلر يحوّل كل كـلمة يكتُبها لعالمٍ مختلف، عالمًا يُمكنك مُشاهدته من كذا زاوية، وباريس كانت الزاوية الأولى التي نما فيها مدار هنري السرطانيّ، والتي لم يعرف أبدًا سبب ذهابِه إلى هناك، ورُبما كان السبب الوحيد هو حِسّ مُغامرته الذي لا يـسكُن أبدًا.
إن المُتعة الحقيقية التي نجنيها من وراء روايةٍ كهذه، هي أننا نمضي معهُ حياةً حيّـة، صادقة؛ بكـل تناقُـضاتها وأوجاعِها، بكل بؤسِها وتقـلبّاتها، بكل جُـنونِها وصخبِها، نمضيها!
يحكي لـنا هنري في هذا الكـتاب عن مُغامراتِه المُتوالية التي عاشَها، ليُـذكرّنا أن الحيـاةَ ليست إلا مُغامرة، ولِـكُلٍ مُغامرتِه،
ونُـشِرَ الكتاب للمرة الأولى عام ١٩٣٤ في باريس، ولـكن تمّ منع نشره من ضمن كتب ممنوعة في الولايات المتحدة بسبب مُحتواها الجنسيّ، وتعد هذه الرواية من ضمن كتب ممنوعة كثبرة ولـكن بعدها بعدة سنوات، أعلنت المحكمة العُـليا في أمريكا أن الكـتاب ليسَ فاحِشًا، ويُعتبر على نِطاق واسِع تُحفةً فنيّة في أدب القرن العشرين.
يمكنك التعرف أيضاً علي أفضل 8 روايات كلاسيكية عربية، خالدة لا زمنية تأخذك في رحلة زمنية
”شعبُنا لا يثورُ أبدًا، وإن ثارَ، فسُرعانَ ما يتخلى عنِ الثورة، شعبُنا ليسَ على استعداد لدفعِ ثمنَ الحُريّـة،“
عن الثورةِ، وما بعدها من صمتٍ، تأتي ”جمهورية كأنّ“، رُوايةٌ صادِمة وجريئة ومُتمردة في ٱنٍ واحد، فأسطرِها تتحدثُ عن ذاك الإحباط الذي تملّـك المصريين بعدَ ثورةِ ينايـر، وكل تـبعاتِها، ولكـن الأسواني قد عرضها بشيءٍ من الاختلاف.
فهذه المرّة لم يستخدم علاء الأسواني الأسلوبَ الرمزيّ كما سبقه محفوظ وأورويل، بـل تحدّث بصراحةٍ بالـغة عن كل ما يدور داخله من إحباطٍ ويأس لما ٱلت إليه الأمور!
”جمهورية كأنّ“ بقلمِ الأسواني قد تكون لها الوقعَ الكابوسيّ نفسَه الذي أحدثـتهُ رُواية أورويل ”١٩٨٤“. وبنفسِ اللهجةِ اليائسة يقولُ الأسواني في رُوايتِه:
”المصريون يعيشون في جمهورية كأنّ، يعيشون في مجموعةِ أكاذيب تبدو كلها وكأنها حقيقية، لكنهم في الحقيـقةِ فاسدون تمامًا، كل شيء في مصرَ يبدو حقيـقيًا، لكـن الحقيقة الواحدة، هو أنه كله كذبٌ في كذب،“
لقّـب الأسواني رُوايته بـ”جمهورية كأنّ“ أي كأنّ الثورةَ شيئًا لم يكُـن، وأنها قد ذهبت هباءَ الريـح، فهي رُوايةٌ تُهدى لدمّ المصريين الذي اسـتُباحَ، ولشبابِهم الذي سُـرِقَ من أيديهم.
كـان الصمتُ هو سيّـدُ الموقِـف في نهايةِ المطاف، فـقد أنهى د.علاء الأسواني رُوايتِه بهذه الكلمة، والتي لم يتمّ اختيارها عبـثًا بالتأكيد، فالصمتُ هُـنا عبارةٌ عن أحداثٍ مُستمرة ترسِمُ ملامِحَ تلك الجمهورية التي يعيشُ بداخلِها الشعبُ المصريّ ويأبى الخروجَ منها.
الصمتُ هُـنا هو الأوكسجين الذي يتنفسُه الشارعُ المصريّ على الرُغمِ من ثورتِه التي قامَ بها، الصمتُ هُـنا هو نـحنُ، ونـحنُ هُمُ الصمت،
بلغةِ الشارع المصريّ، بلغةِ الشعبِ وجُرحِه الذي لم يندمل بعد، كتـب الاسواني ”جمهورية كأنّ“، ولكـن الكثير من دورِ النشر المصرية قد منعت نشرها من ضمن كتب ممنوعة كثبرة لمُحتواها السياسيّ الجريء، رُغمَ أنّ فيها الكثيرَ ليُـقال!
وما زالت الكثير من الأفـكارِ لم تُحرر بعد في كتب ممنوعة كثبرة ، ما زالت الكثير من الأفـكار تقعُ تحت قيـدِ السُلطةِ والقانون، ولـكن بعضُها قد استطاعَ التمرد على تلك القيودِ والتحليق، وتأكيدًا على أهمية تلك الأفكار التي تعرضها الكتب الممنوعة من النشر، فالقُراء قد خصصوا أسبوعًا كاملًا باسمِها، ويأتي مطلَعَ شهر أكتوبر.
لا تنسوا أن تُـخبرونا أي كتاب تتوقون أولًا لفـك قيدِه؟ أي كتاب تريدون جعله يُحلق في سماءِ عقولِكم أولًا؟