أب يترك لإبنه مذكرات تحكي عن رحلة هجرته الغير شرعية من الجزائر لأرض الأحلام -فرنسا.
احصل علي نسخة“عندما تصبح موضة عند الفرنسيين أن يهبوا أولادهم أسماء شرقية كنوع من مواكبة العولمة و تحطيم الحدود الجغرافية التي تصّر دولتهم على حمايتها بأسلاك شائكة.”
في رواية أن تبقى كان خليل دانييل الشاوي محامِ فرنسي من أصول عربية، يسعى دائما لإثبات ولائه والهروب من الإحساس المُلازم بأنه دخيل. فأثناء فترة ترشحه في مجلس النواب فوجئ بالماضي يطرق بابه لِيُعلِن عن تاريخ لم يكن يعرف عنه شئ. فبعد أعوام عديدة من رحيل والده تصله الحكاية الكاملة عن رحلة هجرة والده الغير شرعية من الجزائر لأرض الأحلام -فرنسا.
تظل د.خولة حمدي مبهرة في اختيارها لطرق سرد الأحداث ومناقشة المواضيع المحظورة من أبعاد مختلفة، وبناء شخصيات مُرَكبة غير متوقعة ومنتقية في آنٍ واحد. الهجرة الغير شرعية موضوع نوقش وعايشناه مرارا وتكرارا حتى فهمنا أسبابه ونتائجه! لكننا لم نتكلم قط عن حياة المحظوظين الذين لم يهلكوا في الطريق، ووصلوا لبر الأمان كما نسميه. هل أرض الأحلام تحتضن اللاجئين لها أم هو السراب بعينه؟ أم هو سيناريو ثالث يجمع ما بين الإثنان؟
من أهم ما ستعيشه مع نادر الشاوي في هذه الرواية؛ أن رؤية الأحلام تتحقق في الجانب الآخر من العالم، ما هو إلا إختيار. فإما أن تختار الأحلام وتحارب من أجلها على يقين أنك ستواجه الموت مرات عديدة في طريقك أو تختار الواقع الملموس! فهو رجل آمن يكل ما فيه أن مشكلة الحياة هي أننا نعيشها مرة واحدة، فلا نحظى بفرص لنصلح أخطائنا أو نُعدِل إختيارانا المبنية على أسس غير ثابتة!
“أن تكون عاريا من الهوية
حافيا من الإنتماء
فذلك أقسى أشكال الفقر
إلى الفقراء الذين لم يدركوا مدى فقرهم”
رواية أن تبقى لن تحثك على حب الوطن والعمل من أجله، بل ستريك نتائج إختيارات بسيطة أثناء السعي وراء الأحلام الوردية، أحلام المكوث في بلد أجنبي عادل يحترم حريتك.
فعندما تتشابك خيوط قصة خليل ووالده و يبدأ خليل أن يرتاب كل مفاهيمه ومعتقداته وحتى مخاوفه، فهل سيحتقر جذوره أم سَيُمسِي المدافع الأول عن حقوق أبناء العرب القاطنين في الغرب من أمثاله؟
أن تبقى رواية تنتزعك من أرض الوطن تاركة لجذورك في بطن تلك التربة الحية. فتتخبط و تقع مرات عديدة و تبدأ في تلقي الصفعات منذ اللحظة التي قررت فيها أن تتمرد على واقعك الرتيب، خصوصا عندما تقابل كل ما هربت منه لتجده منتظرك في بلد الأحلام، فتكتشف أنها أيضا ساحة حرب!
فتظل تسأل نفسك عند كل صفعة، أتستحق الحرية تبعثر ضميري حتى التلاشي؟ أتستحق الأحلام المضي بكل ما عَلَت نفسي عليه في موطني؟ أي حرية و أي أحلام تستحق النضال و مجابهة الموت في كل خطوة؟ فبعدما ظلت السنين الحالكة تزداد سوءا، كيف تظل الأحلام مفعمة بالحياة؟ هل لأن مهما بعدت عن أرض الوطن سترشدك جذورك المتشبثة بتلك التربة لا محال؟ لتكتشف أن عذابها يُمسي مضاعفا حين يختلط بإحساس الغربة المتزايد.