في اسطنبول – مدينة محصورة بين الشرق والغرب ، الماضي والمستقبل ، وفي نفس الوقت مزيج جذاب من الحجر واللون والصوت وواجهة خادعة لا يمكن اختراقها – شرعت الفتاتان في سلسلة من الأحداث التي تكشف عن أسرار دفينة.
احصل علي نسخةآسيا، فتاة بالغة من العمر تسعة عشر عامًا ، مثل العديد من المراهقين ، مليئة بالغضب. تشعر وكأنها دخيلة في أسرة من النساء ، فهي تثور ضد كل ما تعتقد أن عائلتها وثقافتها تتوقعه منها. ولدت وترعرعت في اسطنبول ، تركيا ، آسيا هي أصغر أنثى في عائلة كازانجي: المتكونه من بيتيت ، الجدة الكبرى الحساسة التي تفقد ذكرياتها ببطء بسبب مرض ألزهايمر ؛ الجدة غولسوم ، امرأة قاسية تحاول أن تحاصر بمرارة بناتها بعد أن هرب ابنها الوحيد مصطفى إلى أمريكا، العمة بانو ، التي اختارت العيش مع أخواتها بدلاً من زوجها ثم أصبحت كاهنة ؛ العمة فريد ، التي أمضت حياتها تتعافى من مرض عقلي إلى آخر ؛ العمة سفريّ، أرملة مدرس التاريخ في المدرسة الثانوية ؛ والعمة زليحة ، الأصغر ، التي تدير صالونًا للوشم وترفض إن تمشي حسب قواعد أي شخص غيرها، وهي أيضا والدة آسيا.
آسيا ، الطفلة غير الشرعية ، تجهل هوية والدها وتمزق بين الرغبة اليائسة في معرفة حقيقة ماضيها والانطلاق نحو مستقبل مبني بشكل مستقل عن جذورها المجهولة. تكتسب مشاعرها المتضاربة بشأن الماضي طابعًا فوريًا أكثر عندما تأتي ابنة عمها مصطفى ، أرمانوش ، فجأة للزيارة. أرمنوش أميركية أرمنية، كانت طفلة من الشتات الأرميني تكافح مع التاريخ القمعي لأسلافها ، وتأمل أرمانوش أن تتمكن أخيرًا من معرفة هويتها في البلد الذي عانت فيه عائلتها من هذا الحزن والخسارة في عمليات الترحيل والمجازر عام ١٩١٥.
في اسطنبول – مدينة محصورة بين الشرق والغرب ، الماضي والمستقبل ، وفي نفس الوقت مزيج جذاب من الحجر واللون والصوت وواجهة خادعة لا يمكن اختراقها – شرعت الفتاتان في سلسلة من الأحداث التي تكشف عن أسرار دفينة منذ فترة طويلة والتي ستربط الفتاتين وعائلاتهما معًا بطرق لا يتوقعها أحد.
ابتكرت شفق حكاية منسوجة بشكل معقد حول الصراعات المختلفة للغاية ولكن بنفس الصعوبة المتمثلة في التعايش مع الماضي ومحاولة البقاء بدون ماضي. مليئة بالشخصيات الجريئة التي لا تُنسى ، تكشف الرواية أنه حتى أسوأ الأحداث هي مكونات مهمة في الوصفات التي تجعل كل واحد منا ما نحن عليه.
أليف شفق كاتبة قادرة على أن تسرق انتباهك من الصفحة الافتتاحية! اعتبرها النقاد واحدة من أكثر الأصوات تميزًا في الأدب المعاصر باللغتين التركية والإنجليزية.
إليف شفق روائية تركية بريطانية وكاتبة مقالات وأكاديمية ومتحدثة عامة وناشطة في مجال حقوق المرأة. درّست شفق في جامعات مختلفة حول العالم ، كان آخرها في كلية سانت آن بجامعة أكسفورد.
“إن الأغلبية الساحقة من الناس لا يفكرون مطلقاً، و الذين يفكرون لا يصبحون الأغلبية الساحقة أبداً، فاختاري في أي فئة تريدين أن تكوني”
ومن الواضح أن إليف شفق ، مؤلفة الرواية ، اختارت ألّا تكون من الأغلبية الساحقة ، فهي اختارت أن تفكر. وربما لهذا السبب تعرضت لملاحقات قضائية في بلدها تركيا بسبب ما تناولته في هذه الرواية.
إليف شفق الطبّاخة بدرجة روائية ماهرة ، تعزمنا جميعاً في هذه الرواية على طبق عاشوراء لذيذ ما يجعلك تنجذب فوراً إلى تلك الرواية ، فكل فصل يحمل اسم من أسماء مكونات طبق العاشوراء ، فتارةً نجد فصل باسم القرفة وآخر باسم حمص وآخر باسم سكر وآخر فانيلا وهكذا ، وكل فصل يحمل شيئاً من اسمه وهو ما جعل الأسلوب مختلف عن باقى الروايات الاعتيادي.
تأخذنا شفق في رحلة بين تركيا وأمريكا وكعادتها تنسج إليف الحوار بين شخصيات الرواية متنقلة بين الماضي والحاضر بكل سلاسة وبأسلوبٍ شيّق وممتع.
تتناول هذه الرواية العائلة أولاً وأخيراً ، والماضي الذي يلتصق بصاحبه فينام تحت جلده ليخرج في أشد أوقاته مذكراً بوجوده الأبدي. فتطرح تعاقُب الأجيال على عائلتين، عائلة تركية وأخرى أرمنية، ما قد يبدو بداية مغامرة غير محسوبة نظراً للعداء التاريخي القائم بين الأتراك والأرمن.
فمن جهة نجد المجتمع التركي الذي ما يزال في طور التعايش مع دولته العلمانية الحديثة نوعاً ما، هذا المجتمع الذي فصل تاريخه عن حاضره تماماً وبات ينظر إليه من الخارج كمتفرجاً لا تربطه أية صلة بما جرى على أرضه ومن قبل أجداده.
وتبدأ رحلتك من إسطنبول المدينة التي تتدلى على حافة المتوسط في مجتمع يتأرجح بين الشرقية البحتة المتشبثة بتفاصيلها الصغيرة وعاداتها الخانقة أحياناً والغربية المتبلدة العواطف التي تفرض عليك الجري اللانهائي وراء صورة الحياة المتخيلة في عقلك الباطن.
المجتمع الذي تصفه شافاق من خلال عائلة قازانچي، العائلة التي تتكون فقط من الإناث لأن جميع الذكور في العائلة أصيبوا ب”لعنة الموت” ، حيث أنه ما إن يصل أحد الذكور في العائلة لسن الأربعين حتى يتوفى؛ لذا تجتمع نساء العائلة ويقررن أن آخر الذكور في العائلة (مصطفى) يجب إرساله إلى أمريكا حماية له من ذاك المصير.
نساء هذه العائلة الكائنات الغريبة اللواتي يبدون أحياناً وكأنهن قد أقسمن ألا يتفقوا على شئ في هذه الحياة فجمعوا بين الأخت الكبرى التقيّة ظاهرياً و الواثقة بموهبتها في قراءة الطالع التي تتفرد بها وسعيها لمساعدة الآخرين كجزء من زغبتها الدائمة بالتكفير عن ذنب غامض، إلى معلمة الثقافة القومية التي لا تحيد عن الصواب والغارقة في عالم مجرّد من الألوان، مروراً بالأخت التي تعيش في عالم تحكمه المؤامرات والغموض والأمراض المنقرضة التي لا تصيب أحداً غيرها على هذا الكوكب، وأخيراً الأخت الصغرى المتمردة وفنانة الوشوم الجميلة التي أنجبت إلى هذه المدينة لقيطة جديدة تضاف إلى هذه اللوحة النسائية وتضفي عليها مزيداً من التمرد والتناقض والعشوائية وهي لقيطة إسطنبول “آسيا” .
تبدأ الحكاية مع سفر مصطفى لأمريكا حيث يلتقي بروز ويتزوجها وهنا يربط بلا وعي منه عائلتين من الأرمن والأتراك، فروز هي أم لآرمانوش والتي هي ابنة روز من طليقها الأرمني التي نتعرف من خلالها على العائلة الأرمنية المتعلقة بأحداث الماضي من تهجير وقتل وإعدام والرافضة لأي علاقة بينها وبين الأتراك.
تعيش آرمانوش بذلك أزمة هوية فتقرر السفر إلى تركيا للبحث عن أصولها ولمعرفة الحقائق ولتحل ضيفة على منزل قازنچي وهنا تبدأ الأحداث الشيقة، فقد تكونت صداقة بين آرمانوش وآسيا ويسعيان كلتاهما للنبش في ماضي العائلتين لتكتشفا أن العائلتين مرتبطتين من ناحية الجدة الكبرى وتجدا اللغز في هوية والد آسيا …
تتيح لك الرواية رحلة مجانية في شوارع إسطنبول فتجلس لتشرب الشاي وتتأفف من نظرات المارة الفضولية أو لامبالتهم التي لا تطاق أحياناً ، وتتجاوز البرك التي سببها المطر اللانهائي، وتدخل مقاهٍ تبدو وكأنها قد هربت من ثقب كوني أسود وسقطت في أحد شوارع المدينة فقط لتؤمّن ملاذاً لأولئك المنبوذين من العدميين والمتشائمين والفوضويين.
ويتاح للقارئ أن يطلع على قدسية الذكر في مجتمع يعاني من فجوة حضارية ثقافية عميقة متجلية في شخصية الأخ مصطفى الذي الكائن البليد الذي هجر حياته الشرقية بعد أن أرسلته عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية كمحاولة لخداع الموت.
ولعل أصدق وأقسى جانب اجتماعي متناول في هذه الرواية هو شعور الإناث في عائلة تشبه القازنچي بالنقص الدائم لكونهن إناث لا أكثر ، لا تحيط بهن هالة الذكور المهيبة التي تضفي على صاحبها نوعاً مميزاً من الاحترام المشوب بالتقدير ، هالة لا يمكن اكتسابها وتكون محظوظاً فقط إن ولدت مباركاً بها.
ثم تعبر بنا هذه الرواية إلى الجانب الآخر من العالم ، الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تقطن عائلة تعتبر نفسها جزءاً من الشتات الأرمني الذي خرج إلى العالم بعد المجزرة بحثاً عن ملاذ يبنون فيه كياناً لأولادهم وأحفادهم بعيداً عن دماء الأجداد ، ويبرز في هذه العائلة تمسكهم الفلاذي بإرثهم الحضاري ، يقبع خلفه خوفهم الدائم المتوارث من ضياع آخر آثارهم في هذا الكوكب رغم مرور عشرات السنين على نهاية الصراع الدموي الذي طال الجالية الأرمنية في الدولة العثمانية وقيام دولة أرمنية مستقلة تنمو وتتطور يوماً بعد يوم.
ولا يغيب عن هذا العمل الجانب التاريخي وإن كنا لا نستطيع اعتباره مرجعاً شاملاً موثوقاً لسنوات الألم والبؤس التي عاصرت المذبحة الأرمنية لكنها تسلط الضوء بشكل جرئ على حالة الانفصال التي يعيشها المجتمع التركي عن هذا الحدث التاريخي الذي لا يزال حتى يومنا هذا يعتبر وصمة عارٍ في تاريخ الإنسانية جمعاء مما قد يثير دهشة القارئ في مرحلة من المراحل نظراً لكون المجتمع التركي محافظاً بشكل ما وشديد الفخر بتاريخ دولته التي اعتبرت في وقتها كأحد أعمدة القوة والنفوذ في المنطقة.
وقد يكون أحد أهم نقاط القوة في هذه الرواية قدرتها على إيضاح وجهات نظرٍ لا تزال عصية الفهم على الكثيرين سواءً بطرحها لحقيقة بحث الجميع عن الانتماء لشئ ما مهما اختلفت أدايانهم أو قومياتهم أو مجتمعاتهم فهم في بحث دائم عن دائرة بشرية صغيرة تحتويهم بكل عيوبهم وميازاهم.
كذلك تتناول الرواية بطريقة غير مباشرة السعي الدائم للجيل الشاب في هذا العالم لإيجاد ترياق للتمزق الذي يعيشه، جيل يطلب منه يومياً أن يتشبث بماضيه كجزء من حاضره ومستقبله وهويته بينما تنملكه رغبة عارمة في نفس الوقت للانعتاق من كل هذه الفوضى والدماء والتخلص من ثقل السنوات التي تقبع فوق رأسه وتذكره دائما وأبداً بالتوقعات المطلوبة منه كفرد منتمٍ إلى تجمع بشري موسوم بعلامات فارقة تميزه عن غيره،
بعض الشخصيات كان وجودها أقوى من الأخرى مثل شخصية زليخة وآسيا وآرمانوش والبعض الآخر جاء ضعيفاً مثل شخصيتى روز ومصطفى التي كانت ف حاجة إلى مزيد من العمل عليها بشكل أكبر.
أكثر ما أثارني في الرواية بالإضافة إلى كل ما سبق هو وصف إليف لاسطنبول، المدينة المجنونة المتناقضة حيث تختلط روائح المسك بروائح الخمور وروائح البحر حيث الازدحام وتعدد الثقافات والأجناس فتشعر من خلال كلمات إليف أنك هناك في إسطنبول تعرفها شارع شارع وتعرف رائحتها جيداً وتتذوق معها طعم العاشوراء اللذيذ والحقيقة أنك لم تغادر غرفتك بعد.
في النهاية إن كنت تبحث عن فرصة للغوص في بحر المجتمعات الإنسانية المخيف لا تترد في إعطاء هذه الرواية فرصة.