ثورات مصر كثيرة وعديدة وعلى مدار أكثر من سبعة آلاف عام عانت مصر من احتلال دول مختلفة وشن حروب من معظم أرجاء العالم، فقد كانت مصر مطمع لكثير من الدول المجاورة لها، حيث كانت تتمتع بموقع جغرافي متميز أطلق عليه قلب العالم القديم.
وتطل على بحرين كبيرين هما البحر الأحمر الذي يربط القارة الآسيوية بالقارة الأفريقية والبحر الأبيض المتوسط الذي يربط القارة الأوربية بالقارة الآسيوية، كما أنها تعد الدولة التي تقع في قارتين مختلفتين حيث تقع شبه جزيرة سيناء وهي تمثل ربع حجم مصر تقريبا في قارة آسيا.
بينما تقع باقي الأراضي المصرية في قارة أفريقيا وهي ميزة لا تحظى بها دولة أخرى في العالم سوى تركيا التي يقع جزء منها في آسيا.
ولم تمتاز مصر بموقعها الفريد فقط بل كانت تتمتع بالأراضي الزراعية الخصبة، فمرور نهر النيل بها من الجنوب إلى الشمال جعل أرضها صالحة للزراعة. فقد كانت تمتلك أكبر مساحة لأفدنة القمح في الصحراء الغربية في عهد الدولة الرومانية وتصدره لجميع أنحاء العالم.
كما كان ينتشر بها العديد من الصناعات التي من أهمها صناعة ورق البردي منذ نشأ الدولة الفرعونية قبل الميلاد، وقد ساعدت صناعة الورق والأقلام على نشر العلم والثقافة بين أرجائها وأن تكون مركز للعلم والمعرفة لكثير من علماء وفلاسفة وآدباء العالم.
كل العوامل السابقة دفعت الكثير من المستعمرين إلى السعي نحو احتلالها والاستيلاء على خيراتها، العديد من الدول والشعوب شنت الهجوم عليها بداية من الهكسوس واليونان مرورا بالبطالمة والرومان إلى الأتراك والفرنسيين والإنجليز في العصر الحديث.
وعلى نحو آخر لم يقبل الشعب المصري الاحتلال الأجنبي بل كان يقاوم ويدافع عن أرضه بالثورات التي لم تكن في كل الأحيان ضد المحتل فقط بل تم توجيهها أيضا ضد الحكام المصريين التي عانى الشعب المصري من سلبياتهم طوال فترة حكمهم.
وقد كانت أول ثورات في عهد الفراعنة ضد أحد ملوك الأسرة السادسة حيث استمر حكمه ٩٤ عاما عانى فيها الشعب المصري من بطشه وظلمه وهو الملك پيپي الثاني نفر كا رع.
عند الحديث عن ثورات مصر وملوك الفراعنة والحضارة الفرعونية لا نستطيع نسيان الملك پيپي الثاني (2278 قبل الميلاد- 2184 قبل الميلاد) كان فرعون من الأسرة السادسة في الأسر الفرعونية.
تولى الحكم بعد وفاة مري أن رع أخوه الملك، الذي ذكر عنه مانيتون أنه وصل إلى العرش وعمره 6 سنوات بعد وفاة والده وأنه حكم 94 عاماً وأن امه كانت الوصية عليه كما أن خاله الأمير “جاو” ووزير في نفس الوقت صاحب اليد العليا في تصريف أمور البلاد.. وقد عانى الشعب المصري طوال فترة حكمه من الظلم الشديد
لهذا السبب قام الشعب المصري بعمل الاحتجاجات واستطاع طرق باب قصر الملك ومواجهة الملك بما آلت إليه البلاد من خراب ودمار.
بالفعل نجح المصريين في إجبار الحاكم على التنحي عن السلطة بعد فترة استمرت ما يقرب من اربعة وتسعون عاما من خلال اعتصام المتظاهرين في أكبر معابد مصر و محاولة زلزلة أبواب المعابد والعصيان المدني كما يفعل المتظاهرون الآن.
كأن تلك المظاهر الاحتجاجية تم توريثها مع منذ عهد الفراعنة لأجيال العصر الحديث مع ثقافتهم وحضارتهم و عاداتهم وفي ثورات مصر أيضاً.
نحن جوعى .. نحن جوعى
بالحديث عن ثورات مصر العظيمة لابد من ذكر جملة رددها العمال للحاكم في عام ١١٥٥ ق.م والتي تشابهت كثيرا مع جملة
“عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية”
بعد مرور ما يزيد من ثلاثة الألاف سنة
تعتبر تلك الثورة مشابهة لثورة ٢٥ يناير عام ٢٠١١ فهي تحمل نفس الأسباب، وضد حاكم قضى نفس مدة الحكم.
فقد قامت الثورة ضد رمسيس الثالث بعد فترة حكم دامت ثلاثين عاما نفس فترة حكم الرئيس محمد حسني مبارك، ولنفس السبب فقد كان الملك رمسيس الثالث يريد توريث الحكم لابنه “بينتاور” من زوجته “تيا” الذي كان أشد ظلما منه.
وقد بدأت الثورة من فئة العمال في مدينة الأقصر بعدما تركوا جوعى لمدة عشرين يوما حيث كانت الأجور عبارة عن سلع غذائية وقد قام العمال بعمل إضراب كامل عن العمل وطالبوا في تلك الثورة بزيادة الأجور وتقليل عدد ساعات العمل.
مثلما طالب عمال مدينة المحلة الكبرى في القرن الحادي والعشرين نفس المطالب ودعمتهم حركة السادس من أبريل وانتقلت الثورة من فئة العمال إلى جميع أطياف وفئات الشعب، مثلما حدث أيضا في عهد الملك رمسيس الثالث تلك الثورة التي انتهت بتحقيق مطالب الشعب.
وكأننا الشعب المصري لم يرث الحضارة و التقدم فقط من الفراعنة بل ورث نهج ثورات مصر القديمة أيضا.
عانى الشعب المصري من بطش حكم البطالمة الذي بدأ منذ عهد بطليموس الأول ولكن غضب الشعب قد اشتد غضبه في عهد بطليموس الثالث وذلك لزيادة الضرائب الذي قام بفرضها على الشعب والاتاوات أيضا، خاصة بعدما شن الحرب على سوريا وغالى في سعر الضرائب على المصريين نظرا لاحتياجه لها في الحرب.
كما فرض ايجارات مجحفة على الفلاحين مما اضطرهم إلى الهجرة من مكان إقامتهم وعملهم. كما أن انخفاض منسوب مياه النيل وانتشار الجفاف عمل على استشاط الغضب وزيادة الضيق لدى الشعب المصري.
اشتعلت الثورة في عام ٢٤٦ قبل الميلاد في الوقت الذي كان بطليموس الثالث يحارب في سوريا، فعاد مسرعا إلى مصر من أجل إخماد الثورة، ولم ينجح الشعب المصري في إجبار البطالمة على الجلاء من مصر فقد استمرت قائمة على مدار حكم أربعة عشر ملكا كان آخرهم بطليموس الثالث عشر الأخ الأصغر للملكة كليوباترا.
كما شاهدنا ذلك في كتب تاريخ مصر القديمة أن آخرهم الملكة كليوباترا التي انتحرت حين وقعت مصر في أيدي الرومان.. ولتبدأ مصر تاريخ جديد مع محتل جديد يدعى الرومان.
لم يعلن نابليون بونابرت عندما شن حملته على مصر في عام ١٧٩٨ عن نواياه الحقيقية للحملة التي كانت تكمن في الاستيلاء على خيرات البلاد والسيطرة عليها و جعلها جزء من إمبراطورتيه التي كان يحلم بتكوينها ليحكم العالم، بل أعلن للمصريين أنه جاء فاتحا من أجل أن يخلصهم من ظلم المماليك ولنشر العلم والثقافة بين أفراد المجتمع.
قد بدأ بالفعل في بعض الحملات الثقافية التي كان من أهم نتائجها اكتشاف حجر رشيد و نسخ كتاب وصف مصر الذي عمل على تأليفه مجموعة كبيرة من العلماء الفرنسيين النابغين في مختلف التخصصات والذي يعد من أهم الكتب في العالم.
لكن مع مرور الوقت اتضحت نوايا نابليون الحقيقية التي تبلورت في السيطرة على خيرات البلاد وفرض الضرائب الباهظة والإتاوات على الشعب المصري مما أشعل غضب المصريين ونشأت ثورة القاهرة الأولى بقيادة رجال الأزهر ضد الفرنسيين وانتهت بإعدام ستة من شيوخ الأزهر، وتعد هذه الثورة من أعظم ثورات مصر.
بالرغم من فشل ثورة القاهرة الأولى إلا أن المصريين لم يتوقفوا عن المحاولة بل بدأوا في شن ثورة القاهرة الثانية في ٢٠ مارس ١٨٠٠ واستمرت حوالي شهر كامل قام فيها المواطنون المصريون بالتظاهر ضد الفرنسيين.
قد انطلقت ثورات من حي بولاق بالقاهرة واستطاع القائد كليبر إرهاب الثائرين من خلال حرق الحي بأكمله والقضاء على الثورة، وبالرغم من فشل ثورة القاهرة الأولى والثانية إلا أن الشعب المصري استمر في المقاومة حتى تم جلاء آخر جندي فرنسي من مصر عام ١٨٠١ ميلادية وعدم العودة نهائيا حتى يومنا هذا.
من ضمن ثورات مصر التي نشأت في في التاسع من سبتمبر عام ١٨٨١ حيث اندلعت شرارة الثورة العرابية التي لم تقتصر تلك المرة على الجيش فقط بل اشتملت أيضا على المواطنين من جميع فئات الشعب.
كان سبب ثورات مصر في هذا الوقت هو سوء الأحوال الاقتصادية، وسوء معاملة رياض باشا رئيس الوزراء حينئذ للمصريين إلى جانب التدخل الأجنبي السافر في شئون مصر كانت العوامل التي تمثل الوقود الذي أشعل النيران في حماس المصريين وفار تنور الصبر لديهم وخرجوا من كل أرجاء مصر مطالبين بالعدل والمساواة.
ازداد نمو الوعي القومي لدى الشعب بقيادة عرابي بقيام ثورات عظيمة، وبخطب ملك الخطابة عبدالله النديم الذي شارك عرابي في الثورة، وبأشعار محمود سامي البارودي الحماسية الذي كان يبثها في آذان المصريين لتخرج أول ثورة في العصر الحديث في مصر تنادي بالعدالة وقد طالب عرابي بثلاث مطالب محددة:
ليأتي رد الخديوي مستفزا لمشاعر المصريين قائلا :
كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت مُلك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا
ويرد عرابي عليه بمقولته التي خلدها التاريخ في ثورات مصر العظيمة وذكرتها كافة كتبه ومجلداته:
لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقار فوالله الذي لا إله ألا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم.
تم عزل رياض باشا من رئاسة الوزارة بناء على قرار الخديوي الذي استجاب لمطالب الشعب، وتم تأليف وزارة جديدة في سبتمبر ١٨٨١ بقيادة شريف باشا عين فيها محمود سامي البارودي وزيرا للحربية، الذي قام بوضع دستور يحمي قوانين البلاد وقام بعرضه على مجلس النواب الذي وافق على بنوده كاملة فيما عدا عدد قليل لا يذكر.
ولكن انجلترا وفرنسا قامت بإرسال مذكرة مشتركة في يناير ١٨٨٢ تعلن فيها مساندة الخديوي الذي قبل تلك المذكرة واستند إليها في دعمه لرفض دستور البارودي واستقال شريف باشا من منصبه.
تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي شغل فيها عرابي منصب وزير الحربية وقيادة الجيش وتم إعلان دستور البارودي الذي أصدر به الخديوي مرسوما ملكيا في السابع من فبراير عام ١٨٨٢.
وقد أطلق على هذه الوزارة اسم وزارة الثورة التي حققت مطالب الشعب والجيش المصري، والتي كانت تعتبر إلى جانب الدستور أهم انجازات ثورات مصر وخاصاً الثورة العرابية التي ضمنت حقوق المصريين والتي تعد من أعظم ثورات مصر.
عند الحديث عن ثورات مصر لابد من ذكر معاناة الشعب المصر فقد عانى الشعب كثيرا من قسوة وبطش الاحتلال الانجليزي منذ سيطرته على مصر عام ١٨٨٢، وقد قام باستغلال خيرات البلاد لصالح الشعب الإنجليزي وتكوين الإمبراطورية البريطانية.
ازدادت أفعال الظلم والاستبداد مع بداية الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤ التي استمرت طوال أربعة سنوات متتالية ذاق فيها الشعب المصري كافة ألوان الظلم والاستبداد التي بدأت من الاستيلاء على محاصيلهم الزراعية دون مقابل إلى قتل الأرواح المصرية بتجنيدها مجبرة للقتال في الحرب.
انتشار الفقر بين المصريين خاصة الفلاحين، كما انتشرت بعض الأمراض التي عجز المواطن المصري البسيط عن معالجتها نظرا لشدة فقره، وبدأ بعض المثقفين والوطنيين أمثال سعد زغلول وأحمد لطفي السيد ومحمد فريد محاولة البحث عن حلول للشعب المصري.
وفي عام ١٩١٨ طرأت إلى الزعيم “سعد زغلول” فكرة تكوين حزب الوفد المصري ليكون لسان الشعب المصري في المطالبة بحقوقه، وقد انضم للحزب كل من مصطفى باشا النحاس، أحمد لطفي السيد، مكرم عبيد، عبد العزيز فهمي، هدى شعراوي، محمد الفريد.
قد بدأ الحزب في المطالبة بحقوق المصريين من الاحتلال الانجليزي بالطرق السلمية المشروعة، ولكن الانجليز كانوا رافضين أية مقاومة من جانب الشعب المصري فأمر قوات الاحتلال بنفي سعد زغلول إلى جزيرة مالطة ٨ مارس ١٩١٩ ومن ثم اندلعت ثورة ١٩١٩ من قبل الشعب المصري احتجاجا على ذلك القرار.
خرج طلاب جامعة القاهرة وجامعة الأزهر تبعوا اضراب عمال الترام والسكك الحديدية والبريد وتم قطع خطوط المواصلات وخروج المظاهرات من كافة أنحاء البلاد.
فاستجابت الحكومة الانجليزية لمطالب الشعب وسمح لوفد سعد زغلول بالمشاركة في مؤتمر السلام بباريس ولكن طلب الوفد بإلغاء الحماية البريطانية على مصر قوبل بالرفض ونفي سعد زغلول إلى جزيرة سيلان.
ويعود الشعب المصري لإشعال ثورات مصر التي استمرت إلى عام ١٩٢٢ حين أصدر تصريح ٢٨ فبراير الذي ينص على إلغاء الحماية البريطانية على مصر ووضع دستور ١٩٢٣ يضمن حقوق المواطن المصري وعودة سعد باشا زغلول من المنفى وتعيينه في شغل منصب رئيس مجلس الوزراء عام ١٩٢٤.
وبالحديث عن ثورات مصر فقد عاني الشعب المصري من ظلم واستبداد الاستعمار الانجليزي الذي استمر طوال سبعين عاما متتالية منذ عام ١٨٨٢ حتى عام ١٩٥٢ ميلادية حاول فيها الشعب المصري المقاومة من خلال ثورة ١٩١٩.
إلا أنه لم يحصل على حريته كاملة فقد تم إلغاء الحماية البريطانية ولكن استمر تدخل الانجليز في شئون الحكم بالتعاون مع الملك فاروق، كما لم يرحل الجنود الانجليز من مصر بل تمركزوا في سيناء.
قد ظهرت عوامل متعددة لإشعال ثورات مصر منها ثورة يوليو بخلاف الفقر وانتشار الأمراض وسرقة أراضي الفلاحين وتسخير المصريين للمشاركة في الحرب العالمية الثانية “١٩٣٩- ١٩٤٥”.
لكن كان هناك عاملين أساسيين لقيام الثورة أولهما هي هزيمة العرب في حرب ١٩٤٨ واحتلال فلسطين من الصهاينة إثر خيانة الملك للجيش المصري المحارب وإمداده بالأسلحة الفاسدة التي تقوم بالانفجار في المحارب قبل استخدامها.
العامل الثاني هو اندلاع حريق القاهرة في يناير ١٩٥٢ ليسفر عن حريق ٧٠٠ محل تجاري ودار الأوبرا ودور السينما والمسرح.
قامت ثزرات مصر بقيادة أعظم الزعماء وفي ثورة يوليو بقيادة عدد من ضباط الجيش أطلق عليهم الضباط الأحرار وقد نشأت تلك الحركة عقب حرب ٤٨ والتف الشعب حول تنظيم الضباط الأحرار وخرجت جميع فئات وأطياف الشعب من كافة القرى والمدن تنادي بجلاء الانجليز ورحيل الملك.
قد نجحت الثورة في تحقيق مطالبها وتم تعيين الضابط محمد نجيب رئيسا للجمهورية لمدة عامين ١٩٥٢- ١٩٥٤م ثم تم عزله وعين الرئيس جمال عبد الناصر عام ١٩٥٤ الى أن توفى في عام ١٩٧٠.
وقد حققت ثورات الشعب مطالبه كاملة التي كان من أهمها جلاء الانجليز ورحيل الملك وتأميم قناة السويس والشركات المصرية الكبرى وتطبيق دستور جديد يكفل حماية المواطن المصري بقوانينه وتشريعاته الجديدة.
كما تم تطبيق قانون الاصلاح الزراعي الذي يتضمن إرجاع الأراضي المنهوبة من الاقطاعيين إلى أصحابها الفلاحين، ونشر التعليم والعلاج بالمجان.