تخطف الروايات القارئ من عالمه الخاص إلى عالم آخر، أكثر خيالا، أكثر جاذبية، أعمق سحراً، فيعيش حياة أخرى مختلفة و بعيدة كل البعد عن حياته.
أى رواية تتحول لعمل درامى، أو فيلم سينمائى تدخل دائرة المقارنة خصوصاً من طرف القارئ. فلا شك ان يحدث مقارنة بين قصة فيلم هيبتا وقصة الرواية.
تلعب الرواية دوراً هاماً فى خلق حالة من المتعة، يغوص القارئ فى أعماقها، فيصبح جزءا لا يتجزأ منها ، لدرجة تقمصه دور أحد أبطالها.
هذا ما حدث لمعظمنا عند قراءة رواية “هيبتا” للكاتب محمد صادق، و التى تم تحويلها لفيلم سينمائي.
تنويه: يحتوي المقال على حرق لأحداث رواية وفيلم هيبتا
إقرأ ايضا عن مقارنة لن أعيش في جلباب أبى بين الرواية والمسلسل.
حظيت رواية هيبتا على نجاح جماهيرى، حيث كانت من ضمن الكتب الأكثر مبيعاً، بالإضافة إلى عدد هائل من الطبعات. تدور أحداث الرواية عن اكتشاف ٧مراحل للحب ، من خلال ٤حكايات مختلفة. تبدأ من مرحلة الطفولة، وتنتهي بمرحلة منتصف العمر.
يسرد الرواية راوى عليم دكتور “أسامة” فى إحدى محاضراته، عن كيفية اكتشاف الحب، العثور عليه وإمكانية الحفاظ عليه ، من خلال أربع حكايات لثمانية أشخاص لنكتشف في نهاية الرواية أنها حكاية واحدة لشخص واحد، ولكن فى مراحل مختلفة من عمره ، حيث تمثل كل حكاية مرحلة ما من عمر بطل الرواية.
تتخلل داخل الرواية الكثير من التفاصيل فى رسم الشخصيات، و بناءها، تسلسل الأحداث ، سردها، مع تماسك الحبكة، فلكل شخصية مساحة واسعة داخل الرواية. التعايش مع الأبطال كأن القارئ أحد أبطال هذه الرواية.
التعاطف مع الأبطال و الشخصيات الفرعية فى الرواية، التعمق أكثر فى تفاصيل كل شخصية، و ذلك من خلال البناء النفسى لها، إبراز مشاعرها، أحاسيسها، ألمها، وجعها، فرحتها، حزنها، شعورها بالانتصار تارة و بالانهزام تارة أخرى، مما يجعل القارئ يشعر بتوحد مع أبطال الرواية دون أن يراهم.
يسبح بخياله فى توقع النهاية، بل يفكر و يطرح تساؤلات بينه و بين نفسه أو مع أصدقائه ممن قرأوا الرواية. كيف ستكون نهاية مصائر أبطال الرواية؟
تميزت رواية هيبتا بتسمية أبطالها بالحروف الأبجدية مثل :(أ) ،(ب)، (ج) و (د)، و ليست أسماء عادية ، فبطل كل حكاية يدعى بحرف أبجدي و ليس اسما، مما أضفى جوا من الغموض وأعطى القارئ الحرية المطلقة فى اطلاق اسمائهم.
تمتاز الرواية بعنصر التشويق والإبهار. فالقارئ لا يعرف نهاية الأحداث إلا فى آخر صفحة من صفحات الرواية. لم تخلو رواية هيبتا من عنصر المفاجأة فى آخر صفحة من صفحاتها، عندما يكتشف القارئ أن الأربع حكايات متصلة ببعضها، يجمعها شئ مشترك هو فقدان الحب، وما يتعرض له من تقلبات و تغيرات نتيجة ظروف الحياة، سواء كانت نفسية، مادية أو مشاكل فى مرحلة الطفولة.
طرح محمد صادق سؤالا فى غاية الأهمية، هو
“هل نستطيع أن نحب مرة أخرى إذا فشلنا فى أول تجربة لنا فى الحب؟! هل يصنع الحب منا شخصا آخر لا نعرفه؟”
إقرأ ايضاً روايات تحولت إلى افلام عربية في السينما المصرية
أما بالنسبة لهيبتا كفيلم سينمائى، انتظره معظم قراء الرواية، ليستطيعوا رؤية أبطالها كحقيقة ملموسة صوب أعينهم أشخاص حقيقية من لحم ودم.
حقق فيلم هيبتا نجاحا منقطع النظير من أول يوم عرض له، ساهم نجاح الرواية فى تشكيل نجاح الفيلم بشكل كبير. قام ببطولة الفيلم نخبة من النجوم منهم عمرو يوسف، ياسمين رئيس، أحمد داوود، دينا الشربينى، هانى عادل، كندة علوش، أحمد بدير، أحمد مالك، جميلة عوض، نيللي كريم، ياسمين الرئيس، شيرين رضا، أنوشكا و غيرهم.
فيلم هيبتا، هو رؤية بصرية لأحداث الرواية، مع اختزال بعض التفاصيل منها، واضافة تفاصيل أخرى أو تغيير بعض منها، لإخراج الصورة النهائية للفيلم بشكل مختلف إلى حد ما مع الحفاظ على أساس القصة.
من ضمن هذه التغييرات، هو تسمية أبطال الرواية بأسماء بدلا من الحروف الأبجدية. فأصبحت الشخصية (أ) يوسف، الذى قام بدوره الفنان عمرو يوسف، و الشخصية (ب) كريم، الذى قام بدوره الفنان أحمد مالك، و الشخصية (ج) رامى، الذى قام بدوره الفنان أحمد داوود،والشخصية (د) شادى، الذى قام بدوره الطفل عبدالله عزمى.
هذا كان ضرورياً أن يكون هناك اسما لكل شخصية فى الفيلم، حتى يسهل على المشاهد التفاعل معهم وتمييز كل شخصية، مع عدم التشتت أثناء مشاهدة الفيلم، لتظل هذه الشخصيات محفورة فى ذاكرة المشاهد.
من أبرز الاختلافات بين الرواية وقصة فيلم هيبتا، هى تغيير اسم المحاضر الذى ألقى محاضرته، عن كيفية العثور على الحب من دكتور أسامة فى الرواية إلى دكتور شكرى فى الفيلم.
فى نهاية الفيلم نكتشف أن دكتور شكرى لم يلقى مجرد محاضرة عادية، بل إنه قام بسرد حكايته الشخصية فى هذه المحاضرة لنفاجأ فى النهاية أن يوسف ، وكريم، و رامى ، وشادى هم نفسهم دكتور شكرى . حتى أن أول حروف في اسمائهم تكون اسم شكرى.
اختزلت تفاصيل كثيرة من الرواية داخل الفيلم، نظرا لأن الفيلم السينمائى مرتبط بمدة زمنية أقصاها ثلاث ساعات، حتى لا يمل المشاهد. من ضمن هذه التفاصيل المختزلة شخصية “سارة”، التى ظهرت فى رواية هيبتا تحديدا فى المستشفى مع الشخصية (ب).
كانت سارة من ضمن الشخصيات الفرعية فى الرواية، مريضة بالسرطان، تعرفت على الشخصية(ب) فى المستشفى، وأصبحوا أصدقاء ، توطدت صداقتهم بسبب عوامل مشتركة بينهما كالمرض، الوحدة و الألم.
من ضمن الاختلافات بين الفيلم والرواية، رسم شخصية أ، أو يوسف فى الفيلم، مرت هذه الشخصية بضغوطات نفسية رهيبة من خذلان ، فقد ومرض، لحظات ضعف، مع تكرار محاولة الانتحار.
فكان من الأفضل رسم هذه الشخصية فى الفيلم بشكل يتناسب مع بنائها النفسي فى الرواية، فكان من الأفضل أن تكون شخصية يوسف، هزيلة، يبدو عليها الضعف الجسدى ، نقص الوزن لتتلائم مع الظروف الحياتية و النفسية التى مر بها يوسف أهمها اقدامه على محاولة الانتحار.
شخصية “أميرة” التى قامت بدورها الفنانة كندة علوش أو والدة الشخصية (د) بالرواية، أو بمعنى أدق والدة شادى فى الفيلم أفرد لها مساحة أوسع فى الفيلم، مع تسليط الضوء على كم الضغط النفسى التى تعرضت له. نتيجة تدفق، و انبعاث المشاكل التى لا نهاية لها مع زوجها و اكتشافها خيانته لها مما أثرسلبا على حياتها النفسية وترتب على ذلك انتحارها.
حيرت شخصية أميرة الكثير ممن شاهدوا الفيلم، فمنهم من تعاطف معها و التمس لها العذر فيما فعلته بانهاء حياتها، و البعض الآخر كان قاسياً عليها فى الحكم، وحكم عليها بالضعف فى مواجهة الحياة و مشاكلها، وأنها لا تستحق لقب أم، و كان عليها أن تتحمل أكثر من ذلك من أجل ابنها.
اختلف مشهد نهاية قصة فيلم هيبتا عن مشهد نهاية الرواية تماماً، حيث التقت علا التى قامت بدورها الفنانة شيرين رضا فى مرحلة النضوج، بدكتور شكرى بعد انتهاء المحاضرة للاطمئنان عليه، ثم غادر دكتور شكرى مع رؤى متجهان إلى منزلهما القديم، الذى شهد ولادة قصة حبها و حديثهما عن ابنهما عبد الحميد، وعن امتنانه لحب رؤى الذى أعادت له حب الحياة من جديد، فأحب نفسه مرة أخرى .
السينما تؤرخ العمل الأدبى، فيظل خالداً مهما مر عليه الزمن، و تعاقبت أجيال مختلفة لمشاهدته. هى الرؤية البصرية لكل تفاصيل و أحداث و شخصيات الرواية، أما فن الرواية فى رؤية تخيلية تعتمد على مدى قدرة القارئ فى التخيل، مع رفع فكره فى البحث للإجابة على أسئلة وجودية ومصيرية تهمه.
تعرف علي مجموعة افلام مقتبسة من روايات عالمية استطاعت الوصول لشرائح أكبر من الجمهور.
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة