في بداية تعريفنا لمفهوم السيريالية قررنا نوصفها بأبسط طريقة بعيدًا عن المفاهيم الأدبية العميقة والمركبة بمفردات صعبة قد تربك بعض القُراء.
المدرسة السيريالية منهجها الأساسي هو اللامنطقية، مش لازم تحلل العمل الفني بمنظور منطقي بهدف إنك توصل لمفهوم معين، السيريالية بتعتمد على الأحاسيس الغير مفهومة والمعقدة، واللي أحيانًا مش بنلاقي طريقة تانية توصف دواخلنا النفسية والعقلية المعقدة غيرها.
أغلب الأعمال السيريالية مش واقعية ولا تمت للواقع بصلة، بتحاول تلاقي نفسك فيها، وكل واحد فينا بيشوفها من وجهة نظره الشخصية اللي بيختلف بيها عن غيره، عشان كدة هتلاقي أي عمل سيريالي عليه مراجعات مختلفة عن بعضها وقد تصل إلى حد التناقض!
في المقال ده هنقولك على أغرب مشاهد سيريالية وقفنا عندها واحنا بنقرأ، يلا نبدأ بأول مشهد..
1- المسخ – فرانز كافكا
بيصحى “غريغور سامسا” من نومه زي أي يوم ولكنه مكنش زي أي يوم!
سامسا بيلاقي نفسه أتحول لحشرة ضخمة، بيبدأ المشهد السيريالي يعبّر عن التباين المروع بين الواقع الداخلي والخارجي.
مفيش أي تفسيرات منطقية للتحول اللي حصله، ولا عند البطل أي فرصة عشان يفهم السبب!
هل إحنا محتاجين نتحول لحشرات عشان نفهم اللي كافكا كتبه؟!
وليه ما اختارش حشرة جميلة شكلها حلو؟ ممكن عايز يقول إن الجمال يكمن في الأشياء المهملة أو المنبوذة؟
النوع ده من التحولات الغريبة بيعكس الصراع الداخلي والانعزالية في حياة الأفراد، واللي بيخلي الرواية تمثل طابع سيريالي بإمتياز.
2- مائة عام من العزلة – غابريل غارسيا ماركيز
في ظل أسطورة توارثوها عيلة بوينديا عن لعنة زيجة الأقارب، وبالتحديد في آخر مشهد في الرواية،
أخر أوريليانو في عيلة بويدنيا يأتي للحياة بذيل خنزير ليؤكد اللعنة، تسحبه النمل من جنب أمه اللي فقدت روحها أثناء الولادة، تجره النمل جرّ من البيت، مروراً بعيون الأب الجالس كحاضر غائب على كرسي الشرفة بنظرات خالية من أي شي سوى التيه، لجحورها في جنينة البيت التعيس كغنيمة مهملة ومتروكه للقدر! وتيجي نهاية المشهد بعاصفة تبلع أوريليانو الأب بالمدينة والحياة كلها!
مشهد حزين وعبثي في عالم متشابك ومتناقض، بسيط ومعقد، سعيد وأليم مابين موت وحياة، بيرسملنا ماركيز كادر غريب و مميز بغرابته بداية من اللامكانية واللازمنية اللي صنعها ماركايز حتى آخر صفحة في الرواية.
ماركيز خلق حياة بالكامل هنا، مش مجرد “قصة” بس على غير المعتاد في أغلب الأعمال الروائية، وده اللي خلاها مميزة بسرياليتها وخلق لها سحر خاص.
3- كافكا على الشاطئ – هاروكي موراكامي
بعد ما تنبأ العجوز ناكاتا بالحدث قبل ما يحصل، بيجهز مظلة المطر ويبدأ رحلة الهجرة من المدينة كلها، وفي شوارع المدينة بتبدأ السما تمطر سمك سردين على رأس كل المارة في الشارع!
ممكن نقول إن حادثة مطر سمك السردين دي في الحقيقة استعارة بتشير لاختلال توازن الكون وكأن القوانين الطبيعية اتلخبطت.
رواية “كفاكا على الشاطئ” هي رواية سيريالية بامتياز، قائمة بشكل كبير على عدم الفهم: عدم فهم الحياة، عدم فهم الحب، وعدم فهم الذات.
4- عصور دانيال في مدينة الخيوط – أحمد عبد اللطيف
في صباح يوم من المفترض إنه يكون عادي، في خلفية المشهد يعزف شوبان سمفونيته “رومانس لارجيتو” في سماء المدينة، وعرايس من كروشيه بعيون زجاجية بتفتح شبابيك بيوتها على نافورة الميدان وحواليها جثث عرايس ذكور عرايا على شكل وردة وفي بقهم عضوهم الذكري!
رواية ميتافيزيقية عن الكينونة والواقع، ملهمة ومؤلمة وباعثة على التفكير، عوالم الرواية مربكة وتداخلاتها بتمحي فيها الخط الفاصل بين الواقعي والفانتازي، فالفانتازي فيها واقعي النبرة والواقعي فيها يشبه الفانتزي في الخيال الروائي.
في رواية عصور دانيال في مدينة الخيوط، إقتحم الكاتب أحمد عبد اللطيف، الأبواب الخفية للمسكوت عنه من التحرش الجنسي للأطفال، والأثر النفسي اللي بينتج عنه في عقل ونفس الطفل طول حياته.
5- “البحث عن الزمن المفقود” – مارسيل بروست
من بين أشهر الروايات السيريالية اللي بيتناول الذكريات والشعور بالزمن.
وفي أحد المشاهد الأيقونية، بيقوم الراوي بتناول قطعة من الكعك المبلل بالشاي، واللي بتعيده فجأة إلى ذكريات الماضي بطريقة غير منطقية.
مزيج بين الحاضر والماضي بيعكس حالة من اللامنطقية اللي بتخلي الزمن يبدو وكأنه يتداخل بشكل غير قابل للفهم، في إشارة إلى قوة الذاكرة اللي قادرة تعيد تشكيل الواقع.
6- “اسم الوردة” – أمبرتو إيكو
مشهد المكتبة المتاهة، اللي مُصممة كمتاهة عملاقة سداسية الشكل بحسب تصميم هندسي غريب بيشبه الكون نفسه، جواها أسرار مرعبة وكتب محرمة في أعماقها، وبيصبح الضياع في المتاهة بمثابة ضياع الزمن والمعرفة.
7- “عالم صوفي” – يوستاين غاردر
تحتوي الرواية على لحظة سيريالية صادمة لما بتكتشف صوفي أنها مجرد شخصية في كتاب يكتبه أحدهم كهدية لبنت تانية، فبتتحطم حدود الواقع وبتبدأ الشخصيات في التمرد على كاتبها.
المشاهد السيريالية كتير، قد يكون في مشاهد أكثر غرابة من اللي ذكرناها، ولو فاكر مشهد منهم شاركنا بكتابته في تعليق، ولو عجبك المقال دوس إعجاب قبل ما تخرج.
شكراً إنك وصلت لحد هنا، إلى لقاء آخر في مقال جديد.