في هذا المقال مراجعة كتاب مطلوب حبيب وهو أول تجربة للشاعر الشاب محمد إبراهيم خارج الشعر وهو كتاب غير روائي أقرب في طابعه إلى التنمية البشرية، حيث يتناول الكاتب العديد والعديد من المواضيع المُختلفة من خلال حكايات، بعضها شخصي، والبعض الآخر لشخصيات عامة، عرفناها جميعًا وأحببناها.
اليك ايضاً مراجعة رواية سارة من هنا.
صَنف محمد إبراهيم كتاب مطلوب حبيب بأنه كتاب “اعترافات” ولكن قراءه لا يوافقونه الرأي. الكتاب بالفعل أقرب إلى “الفضفضة” منه إلى الاعترافات.
فعلى الرغم من وجود بعض اللمحات الشخصية عن حياة محمد إبراهيم من طفولته إلى مراهقته وفترة الشباب، إلا أنه يُركز بشكلٍ كبير على قصص وحكايات خارج دائرة تجاربه الشخصية ومن ثمَّ يُضفي عليها آراءه الشخصية. بعض هذه الحكايات حقيقية وبعضها خيالي.
ولكن ربما كان يقصد محمد إبراهيم بـ “الاعترافات” الأدب الطائفي أو بالانجليزية “Confessional Literature” وهو أدب يَستخدم صيغة المُتكلم في سرد الأفكار، ويكون هذا النوع أشبه بالخطابات أو المُذكرات حيث يكشف الكاتب عن آرائه وأفكاره ومبادئه الشخصية، والترجمة الحرفية لكلمة “confessional” هي “اعتراف”، وهو شبيه جدًا لما قدمه محمد إبراهيم في كتابه.
محمد إبراهيم هو شاعر مصري شاب ولد عام 1992 في المحلة الكُبرى وتخرج من كلية التجارة. بدأ مشواره الشعري بديوان فلوماستر أبيض عام 2014. صدر له 7 دواوين شعر بالعامية المصرية و3 كُتب غير روائية.
الكتاب مكون من 22 فصل، يتمحور حول مواضيع أساسية هي الحُب والفراق والخوف والقدر. بعض الكتاب مكتوب باللغة الفصحى ولكن معظمه مكتوب بالعامية وهو ما تحدث عنه محمد إبراهيم في المُقدمة “كبرت لكن مكبرتش أوي، كبرت وانا لسه بكتب العامية جنب الفصحى، عارف أن الأفضل أنه يكون الكتاب كله بالفصحى، لكن حابب أعبر أكتر بالعامية”.
من مراجعة كتاب مطلوب حبيب أن في الفصول الأولى يُناقش فكرة التأقلم، ومدى الاستنزاف العقلي والنفسي الذي ينتج عن فكرة “الروتين” والتعود لمجرد أنه لا يوجد سوى ذلك الاختيار. على رغم من حقيقة أننا من نصنع الاختيار، ونحن أيضًا مَن نَصنع التأقلم.
ويربط إبراهيم هذه الفكرة بأفكار شائعة في مجتمعاتنا، جُمل أو أمثال نُكررها دون وعي منا بمدى زيفها مثل “خُد اللي يحبك وماتاخدش اللي تحبه”. يَعتبر الكاتب هذه الجُملة أو هذا المثل نوع من أنواع التأقلم: أن تختار شريك حياة لأسباب معينة وتسمح لنفسك بالتيه داخل متاهة الروتين.
إقراء ايضاً مراجعة لسلسلة العبقريات من هذا المقال.
يستعين محمد إبراهيم في كل فصل باقتباسات وحكايات بعضها من الحياة الواقعية وبعضها من أفلامه ومسلسلاته المُفضله. مثلًا في هذا الفصل يستعين بقصة حُب المُغني الشهير جوني كاش والمُغنية جون كارتر.
بعد ذلك يُناقش فكرة الاحتياج. كيف يُمكن للاحتياج أن يَسلب من الإنسان إرادته ويُخلف ورائه بقايا هشة، ويجعله فريسة لأي “طبطبة” حتى لو من يدٍ غريبة. أيضًا كيف يسمح الاحتياج لبعض العلاقات الميتة لأن تستمر على حساب الشخص المائل للاحتياج.
في الفصلين الخامس والسادس يتطرق محمد إبراهيم إلى فكرة التعود والفقد. الإنسان لا يفقد الشيء فعلًا إلا عندما يعتاد عليه ولا يسترده إلا عندما ينفلت من بين أصابعه. فالنسيان الحقيقي هو التعود.
على العكس منه، الخسارة تُقوي الذاكرة، فتصبح كُل الأماكن والأشياء مرتبطة بشخصٍ واحد وحقيقة واحدة: أنك فقدت، وأنك تفتقد.
أما الفصلين السابع والثامن يتناولان فكرة العطاء وأهميته لاستمرار أي علاقة. العطاء في أبسط تفاصيل الحياة. العطاء لغرض العطاء فقط.
ومُكمل العطاء هو التضحية، فالاثنان في قلبهم يعنيان الشيء نفسه. العطاء جُزء منه تضحية والتضحية جُزء منها عطاء. ولكن التضحية لها شروط مثلها مثل العطاء وهي النقطة الأساسية التي يُركز عليها الكاتب.
يُمكن للتضحية أن تُفسد العلاقة بدلًا من أن تُحييها، ويشبه محمد إبراهيم هذه الفكرة بلعبة الشطرنج. في لعبة الشطرنج يُضحي اللاعب بكل جنوده لحماية قطعة واحدة وهي الملك. لذا عندما تُفكر في التضحية بجميع جنودك يجب عليك التأكد من أن القطعة الأساسية تستحق خسارة القطع الباقية كُلها.
في مراجعة كتاب مطلوب حبيب نُلاحظ من ترتيب الكتاب أن الجُزء الأول -من الفصل الأول إلى العاشر- يُناقش كُل الأشياء التي يُمكن أن تخلق علاقة صحية وكيفية تطبيقها في علاقتنا مع مَن حولها. أما في هذا الجُزء نتطرق إلى الأشياء والعادات التي يُمكنها هدم أي علاقة وكيف يُمكن تجنبها.
يبدأ محمد إبراهيم بالملل.
الملل هو “سرطان العلاقات” كما سماه الكاتب. فهو يتسلل دون وعي إلى طرفيّ العلاقة وفي الوقت الذي يَفيق كلاهما تكون النهاية قد حلت بالفعل.
بعد ذلك ينتقل إلى الخيانة. كيف تُصبح الخيانة مسؤولية الطرف المُخان؟
عندما يتغاضي عنها ويغفرها. في هذه الحالة يُصبح هو الآخر مُشترك في الخيانة.
وإذا كان الملل والخيانة هي عوامل يُمكن تجنبها، يُناقش الكتاب أيضًا عامل القدر. العامل الوحيد الذي يخرج عن إرادة أي شخص. يُمكن لنا أن نتوقع ونُخطط ونرسم ولكن القدر يُمكنه التدخل في اللحظة الأقل توقعًا.
الخوف هو الضلع الرابع في مربع موت العلاقات. ليس فقط الخوف من الأشياء ولكن أيضًا الخوف عليها. يُمكن لخوفك من خسارة الشيء يجعلك تخسره فعلًا.
ومن مراجعة كتاب مطلوب حبيب وفي الجزء الأخير يتطرق محمد إبراهيم إلى مواقف شخصية حيث يتحدث قليلًا عن علاقته بأمه ومن ثمَّ علاقته بوالده وارتباط ذلك بمفهوم الأبوة لديه، بعدما أصحب هو نفسه أبًا.
يعود إبراهيم بذاكرته أيضًا لفترة الطفولة المُبكرة ومعاناته مع مرض أصابه في أول 4 أو 5 سنين من حياته وتأثير مرضه على نظرة من حوله له ونظرته إلى ذاته ومحاولاته لتجاوز تلك المحنة.
في النهاية يختم محمد إبراهيم الكتاب بقصة لقائه بحبيبته وزوجته آية و”الصدفة” التي جمعتهما.
الكتاب في مُجمله يشبه أسلوب “تيار الوعي” أو “Stream of Consciousness” وهو أسلوب سردي قريب من الأدب الطائفي. يبدو الكتاب أحيانًا غير مُتماسك من ناحية وحدة الموضوع، فنجده يتطرق إلى نقاط غير مرتبطة بالفكرة الأساسية للكتاب مثل الجزء الذي ناقش فيه “الأمومة”.
تعرف ايضاً عن قضايا هامة ناقشتها دراما 2022 من هنا.
ومن مراجعة كتاب مطلوب حبيب أنه أيضًا لا توجد الكثير من تجارب الكاتب الشخصية في الكتاب، بل يُسيطر عليه الاقتباسات وقصص عن مشاهير، ربما أفقدت الكتاب حميميته قليلًا.
ولكن بشكلٍ عام الكتاب به شيء من الدفء، ويُمكنك اعتباره أشبه بـ “دردشة” بينك وبين شخص غريب قابلته في قطار أو في طابور انتظار أو في طائرة وفتح لك قلبه وفتحت له قلبك.
آخر المراجعات