مجموعة قصصية وأولى أعمال علاء الأسواني الأدبية، مُتضمنة نواة الثورة الروائية المُستقبلية له، تضم سبعة قصص، والمشترك بينها أن أبطالها تعرضوا للظلم.
احصل علي نسخةكان “علاء الأسواني” ومازال نبضًا واضحًا لما يجول في الشارع المصري من فروقات طبقية، ونعرات اجتماعية، تجعل مجتمعنا صورة طبق الأصل من المجتمعات الطبقية التي ضجت بها الروايات الروسية القيصرية. فقد برع “الأسواني” في جميع أعماله، خاصة القصصية منها، مثل “الذي اقترب ورأى”، والتي تُعد أولى أعماله الأدبية، والتي كتبها في عام 1989م، مُتضمنة نواة وفسيفساء الثورة الروائية المُستقبلية له، فرغم أنها أولى أعماله الأدبية، إلا أننا نلحظ تميزه الواضح، والذي سيظهر كاملًا في رواية “عمارة يعقوبيان” فيما بعد، لتكون سبيله إلى العالمية.
نبذة عن العمل:
تضم تلك المجموعة داخلها سبعة قصص، تشترك في أمر واحد، وتختلف في أمور أُخرى، وأما الأمر التي تشترك فيه؛ فهي أن أبطال القصة تعرضوا لكل معاني الظلم من مجتمعهم والمحيطين بهم، مما جعل بعضهم بل وأغلبهم ناقمين على المجتمع أشد النقم، بين من يُريد الانتقام، ومن لم يعد يأبه بشيء في تلك الحياة.
وبعض تلك القصص منها الحقيقي الذي عاصره وعاينه “الأسواني” فكتب عنه وسجله، ومنه ما أوحى به خياله؛ فأولى القصص هي “أوراق عصام عبد العاطي”، وهو رجل ناقم بكل ما تحمله الكلمة من معنى على كل شيء حوله، فقد تملكه اليأس.. فانعزل، واكتشف أنه يعيش داخل كذبة كبيرة،
حتى لتجد سخريته اللاذعة وهو يسجل مذكراته، سخريته من مُناخ مصر الذي أقنعونا في المدارس أنه حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً، وسخريته من أن الله حمى مصر لأنها مذكورة في القرآن، بينما يبين لنا التاريخ أن مصر كانت قابعة تحت احتلال كل دول العالم،
ويتحول ذلك النقم الشديد عنده ليظهر في تعاملاته مع الناس وعائلته، الذين لم يستطيعوا التعامل معه، لينتهي بنهاية مأساوية.
القصة الثانية “المرمطون”، وهي عن شاب جامعي يُحضر لدرجة الماجستير وطموحه أن يتعين في الجامعة، فنرى كم الظلم والذل الذي يُعانيه من قِبل أساتذته، الذين يتباهون في إذلاله والتقليل من شأنه، وهو صامت ساكت، ليُعين في آخر الأمر، ولكن بعد أن يكون قد فقد شيئًا ما في شخصيته.
القصة الثالثة “إنا أغشيناهم”، تحكي عن موظف يحصل على فرصة ليظهر وسط زملائه بعد أن نال فرصة السفر لبورسعيد، حيث سيحضر لهم كل ما يرغبون فيه، فيجد أن من كانوا لا يهتمون به في الأمس مثل مُدير القطاع، أصبحوا بين يوم وليلة ينهالون عليه بالطلبات. القصة الرابعة “أمر إداري”، تحكي عن “عم إبراهيم” رجل كان يعمل في المستشفى، وتنقل بين وظائفها لكسب لقمة العيش، من عامل نظافة لحارس أمن، فنرى تحول شخصيته من الشخصية الهادئة الحكيمة، إلى الشخصية الناقمة غير المبالية المتوحشة. القصة السادسة “لحظة كسر” تحكي عن زوجان، يكتشف الزوج خيانة زوجته، وكيف يُكسر رباط الحب بينهما، وكيف يصبح ويُمسي وهو يضرب زوجته ويُذلها جزاء فعلتها تلك. القصة السابعة “لاتيني ويوناني”، تحكي عن فتاة تخرجت في كلية الآداب، ووجدت إعلان في الجريدة عن رجل أعمال يريد مدرسة لغة فرنسية لابنه، فتسعى لنيل تلك الوظيفة، فيصور “الأسواني” نرجسية رجل الأعمال في ذلك اللقاء وتفاخره المُبالغ به، ومحاولته للإنقاص من الشابة وإذلالها بكل السُبل.
وبسبب جرأة “الأسواني في تلك المجموعة على لسان شخصياته، كانت أن رفضت دور النشر نشر تلك المجموعة أول الأمر، ولكنها وافقت فيما بعد، وبعد صدورها، نالت إعجاب النُقاد ومنهم “علاء الديب” الذي قال: “هذا الكاتب يمتلك موهبة قوية مُسلحة بالفصاحة والبلاغة، فهو يُناقش تلك العلاقة العكسية بين الوعي والفعل رافضًا كل شيء حوله في تعالِ غير مُجدٍ، وتصير العُزلة قدره لأنه فهم.. لأنه اقترب ورأى
وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا ؛ مجموعه قصصيه من 7 حكايات تظهر في هيئه صوره بانوراميه من منظور من إقترب ورأىَ الحقيقة .. بنبرة ساخره مهزومه أحياناً ومتعاليه أحيان أخرىَ تتحدث شخصيات “الأسواني” لتكشف لنا بعين أنهكت التفاصيل من كثرة تمحيصها ومتابعتها ماهية مساوئ المجتمع ؛ في اللحظات الأولىَ من القراءه كان بإمكاني نسبياً تحديد جودة ما أنا مُقبل علي قرائتهُ حيثُ أنني حين أقرء لكاتب ما أول ما يثير إهتمامي للبحث عنه بين الكلمات هو قدرتهُ علي إظهار مدىَ فهمه للدوافع النفسيه لشخصياتهُ وتفسيرها وإستعراضها بشئ من التفصيل ليجعل منها شخوصاً حقيقيه تصدقها وتتفاعل معه وهو ما نجح فيه “الأسواني” من السطور الأولىَ فنظرته التحليليه الفلسفية كانت جيده تمنح القارئ منظوراً قريباً ليرىَ و جيداً ليستمتع
في الحقيقة تلك المجموعه القصصية مميزه في جودة أفكارها وأسلوب نقد الكاتب لسلبيات دقيقة في المجتمع تبدو غير واضحه ويتم تجاهلها عمداً أحياناً وأحيان أخرىَ يتم تجاهلها لأن مرتكبي الحماقات لا يدركون أنهم يرتكبون الحماقات ويظنون في أفعالهم وتصرفاتهم المنطقيه وهي أبعد ما يكون عن ذلك للأسف.
كانت القصة الأولىَ هي الأطول والأكثر تأثيراً من وجهة نظري فقد تجاوبت معها حتي أنني كنت أبادل بطلها “عصام” وجهات النظر وأناقشُه في خيالي وأستفزتني شخصيته المتعاليه الواثقه الساخره في نفس الوقت ولم يعجبني تطرُفه وتمحوره حول ذاته مما يجعله ينتقد الأخرين بإنطباعيه ذاتيه وليس بناءاً علي رؤيه نقديه ورغم ذلك كانت بعض أفكاره صائبه وتكشف بعض الحقائق .. كانت تلك الحاله من التفاعُل التي إنتابتني مع القصه هي مؤشر شخصي علي جودتها لذلك أحببتها خصوصاً بعد أن فاجئتني نهايتها.
أما في باقي القصص يجعلك “الأسواني” تقترب وترىَ العديد من المساوئ والسلبيات المجتمعية كالمحسوبيه والإنبطاح وضئالة أحلام البُسْطاء وعجزهم رغم ذلك علي تحقيقها وخضوع أصحاب المناصِب لرغبات الأخرين من أهل السُلطه ؛ ترىَ الخيانه بعد حُب والتعالي بعد فقر وصِغر مكانة المثقفين والمجتهدين والمتعلمين وحتي الأبطال الخياليين في نظر أهل المال بمكانتهم المجتمعية الوهمية .. سُتنهي هذه المجموعه بقدر كبير من الإعجاب والحزن بسبب المحتوىَ
في النهاية أسوء ما في تلك المجموعه القصصية هو المفردات فبشكل شخصي لا أفضِل السُباب والألفاظ الفجه المبالغ بها في الأدب بحجة الواقعيه وهذا الرفض ليس بوازع أخلاقي وإنما بدافع جمالي فبعض المفردات خصوصاً إن كانت بالعاميه المُبتذله قادره علي تشتيت القارئ وجرُه بعيداً عن الإستمتاع بجودة الحْكي والإنغماس في الحاله الأدبيه فالألفاظ والمفردات هي التي تميز الأدب عن أحاديث العامه في المقاهي .. وحتي أكون مُنصفاً لم تتكرر هذه المفردات كثيراً لكن حضورها وتأثيرها كان واضحاً لذلك كان من الأفضل عدم وجودها ؛ قد تختلف أراء القراء حول تلك النقطه تحديداً ولكن الأكيد أنها ستتفق علي أن هذه المجموعه القصصية إحدي الأعمال التي لن تندم علي الوقت الذي قضيتهُ في قرائتها.
يذهب بنا الكاتب هنا لمعايشة سبعة قصص مختلفه في أبطالها وحياتهم وتوجهاتهم ولكن يجمعهم عامل مشترك وحيد الا وهو الظلم لنرى معاً نظرتهم للحياة وما يمر بهم من مواقف وتأثير تلك المواقف عليهم وعلى ذويهم وما آلت إليه الأمور.
القصة الأولى هي “أوراق عصام عبد العاطي” يولد عصام لأسرة فقيرة ولكن هذا لم يكن ليؤرقه فما كان يؤلمه فعلاً وآلمني أيضاً هو حال والده وأصدقائه فكلهم كانوا طموحين ويملكون من المهارة ما يؤهلهم للتفوق في المجتمع والحياة المهنيه ولكن العكس هو ما حدث فقد تأكد عصام أن الموهبة والتفاني ليس سببا للتفوق وبدأت المأساة منذ الصغر ليجد أب متعاطي ليغيب عن الواقع الذي يكره وأم سلبيه أنانيه لا تفكر سوى في نفسها يتخرج عصام ليصبح باحث كيميائي ولكنه يشعر بضآلة حجمه في المجتمع ويموت والده قبل أن يتخرج وتصاب والدته بعدها بالسرطان ولكن كل ما يهمها هو أن يكون الجميع حولها وأن تعيش حتى لو اُفتدت بوحيدها عصام فيقرر عصام الإنزواء والتعالي على الجميع من زملاء عمل وأهل حتى أصبح مهووس بالغرب ناقم على مصر ومن فيها من متملقين ورعاع كما أسماهم ليتحول إلى مريض نفسي ويصاب بالجنون.
القصة الثانيه هي “المرمطون” وللأسف هذا المرمطون هو دكتور هشام نائب جراح متفوق ونابغة من يومه كما يقال يسعى للحصول على درجة الماجستير ولكنه يواجه بالإحباط من الجميع أساتذة وزملاء بل وحتى من يرأسهم هو يتحكمون فيه لفرط وداعته وسكوته على الإهانه حتى تحدث المعجزة ويحصل على الماجستير ولكن بعد أن يفقد جزء في شخصيته فلا يعود كما كان.
القصة الثالثة هي “إنا أغشيناهم” تتحدث عن أستاذ جودة الموظف بإدارة التخطيط الذي يعاني من ضعف الحال حتى يشعر بالقهر لضعف هندامه فتخبره الزوجة بأنها ستسافر به ل “بورسعيد” لشراء بعض الملابس فيتحول في عمله من شخص مهمل لشخص مهم فيتودد له الجميع ليحصل على مبتغاه من هناك.
القصه الرابعة هي “سيدي المسؤل عن تكييف القاعة” تتحدث عن مأساة “جِنين” العروس الفلسطينية التي ظُلم شعبها أجمع وليس فرد واحد فبعد أن رحب الشعب بجيش الأردن ليحارب معه العدو المحتل وبعد أن اقنعهم “الضابط عظيم” أن جيش العراق سيكمل الحرب وأنهم سينسحبوا يكتشف الشعب أن الدبابات العراقية كانت محملة باليهود ويتم إحتلالهم في سهولة ويسر مؤلم.
القصة الخامسة هي “أمر إداري” تحكي عن عم إبراهيم والذي يتم تعيينه كعامل نظافة فيستعين على قضاء حوائج الحياة بصنع الشاي والقهوة حتى يصدر أمر بتعيينه فرد أمن فيضيق عليه الحال ويحاول أن يعود كعامل نظافة ولكن مديره يرفض فيكتئب عم إبراهيم حتى أنه في أحد الأيام وبدون سابق إنذار ينهال بالضرب على سيدة ترغب في زيارة إبنها في المشفى.
القصة السادسة هي “لحظة الكسر” وتحكي عن زوج يكتشف خيانة زوجته له فينكسر ويتشظى داخلياً فيقوم بضربها ليلاً ونهاراً مراراً ولكنه يجهش بالبكاء أخيراً فما كُسر لا يمكن إصلاحه.
القصة السابعة والأخيرة هي “لاتيني يوناني” تحكي عن نادية عبد السلام خريجة كلية الآداب قسم لاتيني يوناني وتجيد الفرنسية فتسعى لتنال وظيفة مدرسة لغة فرنسية لأحد الأطفال ولكنها تتفاجأ بنرجسية والده المتناهيه فتقرر تركهم ورفض الوظيفة.
القصص جميلة ومحملة بالعديد من المشاعر فقد أبدع الكاتب في الغوص في نفوس الشخصيات ولكن لي تحفظ على بعض المفردات الفجه والتي لا احبذها كما تأذيت من وصفه للعلاقة بين عصام وهدى الخادمه فلم أجد لها مبرر واستنكرت حال عصام في شربه للسجائر وغيرها مع والده وبعلم الأم فهذا مما لا يكون واستنكرت حال الأب وأصدقائه أيضاً فلا يجب الانكسار بهذه الطريقة مهما سأت الأمور واحببت بشدة روح السخريه في الكتابه في المجمل كانت مجموعة قصصية ممتعه.