بعدما نجحت ثورة الـ ٢٥ من يناير عام ٢٠١١، تعددت الاتجاهات والتيارات ونوايا الموجودين على الساحة، فسعى الأديب "علاء الأسواني" إلى شرح ما حدث وقتذاك ولكن بشكل رمزي.
احصل علي نسخةبعدما نجحت ثورة الـ ٢٥ من يناير عام ٢٠١١ في إطاحة نظام مُبارك عن عرش السُلطة، تعددت الاتجاهات والتيارات ونوايا الموجودين على الساحة، فسعى الأديب “علاء الأسواني” إلى شرح ما حدث وقتذاك ولكن بشكل رمزي، يتلقفه القارئ في نهم وشوق، ولكن، من خلال شخصيات ورموز قد يغيب عنها الناس وقت القراءة، فكتب أديبنا العالمي قصة قصيرة بعنوان “أبو شامة” ونشرها في جريدة المصري اليوم، وأثارت تلك القصة جدلًا واسعًا بين جمهور القُراء، الذين بدأوا يتراشقون الاتهامات، وأخذوا يُحللون ويفكون رموز تلك القصة التي حاكها الكاتب، ليعرفوا من المقصود في تلك القصة، لكن –حسب رأيي- القصة كانت تُشير بأصابع الاتهام لكل المصريين.. وليس لفئة دون فئة.
تحكي القصة عن حي بسيط، يوجد فيه رجل عصابات خطر اسمه “أبو شامة”، كان كل ليلة يقتحم بيت أحد الساكنين، ويغتصب زوجته، وإن تجرأ ذلك الزوج على المقاومة، كان “أبو شامة” يقتله، ويترك رسالة على صدره: “هذا جزاء من يعترض طريق أبي شامة”. حدثت تلك الحادثة أكثر من مرة، وكان السكان كل مرة يلجأون إلى الضابط، والذي كان يعدّهم بالقبض على ذلك المجرم، ولكنه لا يفيّ بوعده، إلى أن كلت عزائم الرجال واستسلموا، وصاروا يتركون زوجاتهم يُغتصبن أمام أعينهم، بل صار هناك رجال يقدمون زوجاتهم هدية لذلك المجرم مُقابل أن يُسدي لهم معروفًا، فقد ذهبت النخوة عن هؤلاء الرعاع.
والأفظع من ذلك، أن النساء صرن يتباهين بقوة “أبي شامة” الجنسية، وأنه صاحب شامة سوداء أسفل رقبته، وكل امرأة تنتظر دورها بفارغ الصبر حتى ترى قوة ذلك المجرم التي صارت النساء يتغنين بها، بل وصار الرجال في الحيّ يبررون ذلك، فإمام الجامع الذي اُغتصبت زوجته أمام عينه برر ذلك، وقال: أن الأمر يندرج ضمن الضرورات. والمثقف اليساري الشيوعي، برر ذلك هو أيضًا ورأى أن المرأة حُرة، ولابد أن تجد لذتها مع غير زوجها.
استمرت تلك الأوضاع الرهيبة، واستمر الناس في انحطاط أخلاقهم، إلى أن جاء شاب اسمه “كريم” وهو شاب “ثائر”، بل قُل يُمثل الثورة، وقرر أن يتزوج ليواجه المُجرم مُغتصب النساء هذا، فصار الناس يحذرونه، بل وتطاول البعض عليه بالإهانة، إذ كيف له أن يُخالفهم، ولكن حدث ما كان يُريده، فقد جاءه أبو شامة وحدث العراك، وانتصر كريم الثائر في النهاية، وفرح الناس بكريم الثائر. ولكن، ازدادت نسبة الجرائم والسلب والنهب بعد موت المُجرم، فظهر بعض الناس ليقولوا: “ولا يوم من أيام أبي شامة.. كان يغتصب نساءنا، ولكن يحمي مالنا، ولا يجوعنا”. تقدم “كريم” بشكوى للضابط، فتكاسل الضابط عن أداء مهامه، ليكتشف كريم في النهاية أنه توجد شامة أسفل رقبة ذلك الضابط!
إن أردت رأيي في القصة وتقييمها، فلا تقل عن عشرة نجوم من أصل عشرة، والسبب يرجع إلى كم الاسقاطات في تلك القصة الرمزية، التي جعلت منها قصة حساسة، رغم صغر حجمها، وكأن الأسواني أراد أن يشرح للأجيال القادمة ما كان يحدث في تلك الفترة بتلك القصة الغريبة، فأبو شامة هذا، هو مُبارك ونظامه، والناس الذين رضوا بالذل، هم –مع الأسف- الذين رفضوا المُشاركة في الثورة، وكانوا ضدها، وهؤلاء الذين بعد موت مُبارك –إلى يوم الناس هذا- يقولون: “ولا يوم من أيامك”، هم أنفسهم في القصة من ترحموا على أيام المُجرم أبي شامة. وكريم هذا هو جيل الشباب الثائر، والضابط هو الحكومة الانتقالية وقتذاك، التي كانت تغض الطرف عن الجرائم