المعذبون في الأرض، في أربعينات القرن الماضي، تفشى الجهل والخرف والفقر، بجانب تفشي الأمراض كالكوليرا وغيرها، وكانت الحكومة وقتئذ مُتقاعسة عن أداء مهامها على أكمل وجه، فجاءت تلك المجموعة القصصية بمثابة ثورة أو صرخة في وجه ذلك الفساد والاستبداد القائم.
في 11 فصلًا، حاول طه حسين رسم صورة الفساد القائم حينئذ ومعاناة الطبقة الكادحة الفقيرة التي وصفها بالمعذبين، الذين لا يسمع معاناتهم وصراخهم أصحاب الكروش والقروش والتخمة الزائدة في القصور.
في المعذبون في الأرض ومن تلك القصص، قصة صالح، وهي قصة لطفلين يتدارسان في الكُتاب، أحدهما غني ميسور الحال اسمه أمين، والآخر فقير اسمه صالح، يأخذنا طه حسين بلغويته الأخاذة إلى ماضي الثاني (صالح)؛
فقد ماتت أمه وتكفل أبوه بتربيته، ولمّا تزوج بأُخرى، علّها تُشاركه في تربية ابنه، حملت بطفل أسمته سعيدًا، فتغير أسلوبها في التعامل مع صالح، وصارت امرأة نرجسية ومسّها خرف بسيط. وتستمر القصة بسرد معاناة صالح معها ومع عائلته، وكيف انتهت حياته المأساوية بصورة دامية أكثر تراجيدية من حياته كلها.
ويسرد عميد الأدب في القصص التالية من كتاب المعذبون في الأرض كافة أنواع الفقر وضيق العيش وسخط الناس، ففي قصة مصر المريضة، يهاجم طه حسين بشكل لاذع الحكومة المصرية نظرًا لفشلها في إدارة أزمة الكوليرا المُتفشية في البلاد! فقد ساد الخراب وعمَّ الظلام، وهو ليس كأي خراب، ولم يكن الظلام ظلامَ كهف يسلم مقاده لكل نافخ عود أو قادح زند، لكنه ظلامُ الجهل والفساد القائم، وخرابُ الاستبداد الماثل.
وفي قصة المُعتزلة، قدم طه حسين نقدًا ساخرًا لاذعًا من طبقة الأثرياء الأغنياء غافلي البؤس والشقاء الذي يمر به الآخرون.
وفي قصة خطر، ينتقد طه حسين الوعظ الذي يتسم هو نفسه به والمثقفون معه، ويُشير إلى حاجة هؤلاء الضعفاء – الطبقة الكادحة – لمن يؤويهم من ذل الحياة، وليس من يُقدم لهم النصائح! فيقول في قصة خطر: “أبغض كثيرا،
إلقاء الدروس في الوعظ والإرشاد وتنبيه الغافلين، وإيقاظ النائمين، وتحذير الذين لا يغنى فيهم التحذير والنذير، ومع ذلك فأنا مضطر إلى القيام بإلقاء الدروس والوعظ، لأن ذلك هو ما تفرضه عليَّ الوطنية الصادقة والكرامة الإنسانية”.
المعذبون في الأرض تلك المجموعة – حسب رأيي – ليست سوى رد فعل طبيعي ناتج عن مُعاناة طه حسين مع الفقر في صغره، والتي انعكست عليه بعد أن صار ملء السمع والبصر، فقد أسرف في وصف حال تلك الطبقة، بل ووصل الأمر لوصف المشية والوقفة والهمسة، وكل ذلك لا يُعاب عليه لأنه أراد أن يُشعر القارئ بمعاناة المُجتمع وقتئذ.