آيا صوفيا صرح معماري عظيم وفي الإنجاز المعماري للعصور القديمة كان في ذروته، وفي العمارة البيزنطية كان درتها، وفي المباني المثيرة للجدل حتى هذه اللحظة تصدر القائمة، إنه آيا صوفيا.
مبنى من حجر استطاع أن يؤثر تأثيرًا عميقًا في العمارة والتاريخ والدين والسياسة، فغير من وجه العمارة للديانتين المسيحية والإسلامية فيما بعد، وجمع حضارة الشرق والغرب، للدرجة التي وصلت بالمؤرخين أن يصنفوا آيا صوفيا ثامن عجائب الدنيا كاستثناء للقاعدة.
آيا صوفيا أو آجيا صوفيا، وتعني الحكمة الإلهية، هو مبنى تاريخي بطابع تعبدي يقع في الشق الأوروبي التركي لمدينة إسطنبول، المصنف ضمن الجواهر البيزنطية وأهم ما قدمته هندستها من عمارة وأكثرها فرادة وتميزًا.
وقد كان في وقتها أكبر مبنى في العالم، وبه أول قبة معلقة في سبق إنشائي معماري غيّر تاريخ العمارة كما يُقال، وبعد افتتاحه صُنف ضمن أعظم الكنائس المسيحية في العصر الروماني، وأهم الجوامع الشريفة في العصر العثماني أكثر المتاحف زيارة في زمن تركيا الجمهورية.
وأكثر المباني إثارة للجدل بعد تحويله إلى مسجد في العصر الحالي.
مبنى واحد جمع دينين سماويين ومتحفًا تاريخيًا، واختلف الناس حول أصله وتوجهه. وأثّر على العمارة البيزنطية وما بعدها، فجاءت الكاتدرائيات تحاكي فكرته بقبة كبيرة مدعومة بقباب أخرى. ثم جاءت المساجد والجوامع وتأثرت بنمطه، مثل مسجد سليمان القانوني ومسجد السلطان أحمد وغيرهما.
وأُدرج ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، وواحد من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول، فقد وصل زواره في العام 2019 إلى أكثر من أربعة ملايين زائر وسائح، تُرى ما هي حكايته؟ وما سبب تحولاته المستمرة على مر التاريخ وبعمر وصل لـ 1500 عام؟ كل ذلك سنتعرف عليه في مقالنا اليوم.
قبل أن نحكي عن آيا صوفيا الحالية، دعونا نعود بالتاريخ قليلًا إلى أوروبا في فترة العصر البيزنطي وفي عهد الإمبراطورية الرومانية الشرقية بالعاصمة بيزنطة، إسطنبول حاليًا.
هناك حيث بُنيت كنيسة على نفس موقع آيا صوفيا الحالي، إلا أنها دُمرت على يد الإمبراطور الروماني سيفيروس، أُعيد بناؤها في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين الثاني وهنا أُطلق عليها رسميًا اسم آيا صوفيا، لتعود وتتدمر بعد أربعة وأربعين عامًا من بنائها.
ثم أُعيد بناؤها مجددًا في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، لتتعرض للحريق وتتدمر مرة أخرى.
وبعد كل هذه المحاولات من بناء وتدمير، يأتي الإمبراطور جستنيان الأول ويبني آيا صوفيا ويفتتحها رسميًا بشكلها الحالي مع بعض الإضافات والترميمات التي غيرت من بعض ملامح المبنى من قِبل الحكام المتتابعين، والجدير بالذكر أنه وإلى اليوم هناك أجزاء من الكنيسة الأولى متاخمة للمدخل الغربي لأيا صوفيا الحالية.
وبعد أن تعرفنا على الخلفية التاريخية للمبنى، نذهب إلى العام 532م والحاكم الروماني السابق ذكره المعروف بـ الإمبراطور جستينيان الأول، الذي أعاد لآيا صوفيا مجدها، حيث قال لأعوانه أنه يريد كنيسة مركزية، بطراز تتفرد به يُبقي على اسم هذا الصرح واسمه واسم مدينته وتاريخها للأبد لينفق عليها من ماله.
وتخليد تاريخ الإمبراطورية البيزنطية بأكبر كنيسة في العالم المسيحي وقتها، كما أرادها أكبر كاتدرائية يعجز أي شخص عن بناء مثلها لمدة ألف عام، وهو ما لم يتحقق حيث أنه في العام 1520 نافستها في الضخامة كاتدرائية إشبيلية في إسبانيا.
وبهذه الإرادة والرغبة الملحة للحاكم، استنفر أعوانه ومستشاريه بحثًا عن معماري يمتلك قدرة عقلية معمارية فذة وأفكارًا جديدة تُبهر الحاكم لتنفيذ صرحه الديني المنشود، وقد حملهم البحث خارج روما وصولًا لآسيا الصغرى، ووقع الاختيار أخيرًا على مهندسين معماريين، هما إيزيدور الملاطي و أنتيموس الترالسي.
وبالإضافة لتصميمها كدار للعباد، فهي أيضًا مقر للاحتفالات الرسمية للإمبراطورية البيزنطية، ومقرًا رسميًا لتتويج الأباطرة البيزنطيين وتسليمهم مقاليد الحكم، وقد بقيت على ما هي عليه كنيسة من العام 537 م إلى العام 1453 م.
تعاقبت السنوات وقُدر للمدينة وكنيستها آيا صوفيا أن تقع في يد الصليبيين، وذلك في أعقاب الحملة الصليبية الرابعة في العام 1204م، لتتحول آيا صوفيا إلى كاتدرائية أيضاً، ولكن على الديانة المسيحية الكاثوليكية التابعة للإمبراطورية اللاتينية بدلًا عن سابقتها الأرثوذكسية.
لاحقًا وفي العام 1261م تعود آيا صوفيا أرثوذكسية مجددًا بعد أن استطاعت الإمبراطورية البيزنطية أن تسترد أراضيها.
بعد فتح القسطنطينية عام 1453م، إسطنبول حاليًا، من قبل العثمانيين وعلى يد محمد الثاني الملقب بـ محمد الفاتح، سار في شوارعها وصولًا لـ آيا صوفيا، وحولها إلى مسجد تابع للدولة العثمانية، بعد أن توقف عندها للصلاة.
ويقال أنه أمر بتوقيف جميع عمليات النهب التي طالت المبنى، وقد بقي مسجدًا لمدة 481 عامًا منذ 1453م حتى 1935م، ونُقلت كاتدرائية المدينة إلى كنيسة أخرى تُدعى الرسل المقدسة، وبقي هو جامع المدينة المركزي إلى ان تم بناء جامع السلطان أحمد عام 1616م الملقب بالمسجد الأزرق.
لاحقًا وبعد سقوط الدولة العثمانية، والإعلان رسميًا عن تركيا الجمهورية، وجد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية أن البقاء في صف الحياد هو الأنسب لدولة علمانية، ولتتحول معها آيا صوفيا إلى متحف تاريخي ومزار سياحي منذ 1935 حتى 2020.
في شهر يوليو من العام الماضي 2020 تحولت آيا صوفيا رسميًا إلى مسجد، وذلك بأمر من المحكمة الإدارية العليا في تركيا، لم تكن رغبة تحويل آيا صوفيا كمسجد وليدة العام 2020، بل هي خطوة سبقت ذلك العام بعامين، حيث وفي العام 2018 أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد مجددًا.
توالت الحركات والتجمهرات التي تبشر بتحويله إلى مسجد رسميًا، ليتحقق لهم ما أرادوا، حيث تزامن تحويلها لمسجد أن احتفلت الدولة التركية بمرور 567 عام في مايو 2020 على فتح القسطنطينية من قبل محمد الفاتح وصلّوا في رحاب آيا صوفيا، وتُليت فيها آيات من القرآن.
ليأتي يوليو 2020 وتُوقع المحكمة العليا على قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، والإعلان رسميًا عن فتح أبوابها للمسلمين وغير المسلمين للزيارة والسياحة، وفُرش السجاد الفيروزي للصلاة، لتستوعب أكثر من ألف مصلٍ، مع الإبقاء على الأيقونات المسيحية والإضافات الإسلامية كما هي.
على طراز البازيليكا ذو القباب والنمط الفارسي، بطول 82 مترًا ويقال 100 مترًا، وعرض 73 مترًا، وارتفاع للقبة يصل إلى 55 مترًا وقطر يصل إلى 30 مترًا، وأربع مآذن ضُمت لاحقًا، وبمواد بناء من الحجر والطوب بدلًا من الخشب لمقاومة الحرائق.
شُيدت آيا صوفيا كمبنى ديني تاريخي يحكي فصول من تاريخ تركيا المعاصر وما قبله، مشكلة بذلك فجر العمارة البيزنطية، ليأخذ من العمر خمس سنوات وعشرة أشهر حيث تم تأسيسه عام 537 م.
وحتى تظهر آيا صوفيا بصورتها الفنية النهائية شارك في تصميمها وتنفيذها قرابة المائة مهندس معماري، لكل معماري منهم مائة عامل وبنّاء تحت تصرفه، وكلهم تحت إشراف اثنين من المهندسين المعماريين السابق ذكرهم، أي الحصيلة أكثر من عشرة آلاف عامل.
وبأمر من الإمبراطور اُرسلت البرقيات لأمراء وملوك المناطق أن يبعثوا أجود أنواع الرخام، فوصل الحال بهم أن قاموا بنزع الأعمدة الرخامية والقضبان والنوافذ من المعابد والقصور، ومن غنائم الحرب ومن جميع أنحاء الامبراطورية تلبية لطلب الإمبراطور.
ثم لاحقًا وفي فترة الدولة العثمانية وقع الاختيار على المعماري الأشهر سنان باشا لتصميم وإضافة بعض العناصر والسمات الإسلامية.
بُنيت آيا صوفيا من الحجر مع تطعيمات مفصلية من الطوب والبلاط المكون من خليط الرمل والخزف، ويعد هذا الخليط هو أول ملامح الخرسانة الحديثة، والمعروفة باسم الخرسانة الرومانية، وتم تكسية الجدران الداخلية للمبنى بأعمال فسيفسائية وحُمل سقفها بأعمدة رخامية.
هيكلها الإنشائي فصنف من الهياكل المعقدة السابقة لعصرها، فالصحن مغطى بقباب هي الأكبر فترتفع حتى أعلى نقطة فيها الى أكثر من 55 مترًا، أما أرضيتها وجزء من الجدران فقد غطيت بالرخام الأبيض الذي تم جلبه مخصوص من جزيرة مرمرة.
أما الرخام الأخضر، فقد جُلب من اليونان، وقد كان مزيج الرخام الأبيض والأخضر كلوحة شاعرية تشبه موجات البحر أو تدفق مياه النهر، والرواق العلوي فقد جاء تخطيطه على شكل حدوة حصان، حيث يحيط بالصحن المغطى بالقبة المركزية، ويقع به جناح الإمبراطورة، أما المآذن فقد تم إضافتها في العهد العثماني بعد تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
بنيت المئذنة الأولى من الطوب الأحمر في الجنوب الشرقي للمبنى، ويرجح أنها من عهد محمد الفاتح، والبعض يرجح أنها من عهد بايزيد الثاني.
أما المآذن الثلاث الأخرى فبُنيت من الحجر الجيري والحجر الرملي، الأولى في عهد بايزيد الثاني في الجانب الشمالي الشرقي، والثالثة والرابعة في عهد سليم الثاني في الجانب الغربي بتصميم وتنفيذ المهندس سنان باشا، ويبلغ اطوالهن 60 مترًا.
أما الزخارف الفسيفسائية واللوحات الفنية والدينية المسيحية والرومانية فقد استخدم فيها الذهب والفضة والزجاج الملون والرخام بألوان متعددة منسجمة.
لـ أيا صوفيا 361 باب، ثلث العدد منها هي أبواب ضخمة وكبيرة بطول سبعة أمتار، ومصنوعة من الخشب الذي زعم البعض أنه بقايا خشب سفينة نوح، اما الباب الملقب بالباب الإمبراطوري.
وهو أكبر أبواب أيا صوفيا، فقد خُصص في وقتها لدخول وخروج الإمبراطور وعائلته وحراسه وحاشيته فقط، أما حاليَا تدخل المبنى من تسعة أبواب رسمية.
أما ثاني باب منهم، فهو باب الرخام، الواقع في الجهة الجنوبية، وكان يفتح على قاعة الاجتماعات الرسمية لعقد الاتفاقات واتخاذ القرارات المهمة، ويقال أن كل جانب من جانبي الباب يرمز لشيء، جانب يرمز للجنة والآخر للجحيم، وهناك الباب الجميل. وهو أحد أقدم العناصر المعمارية في آيا صوفيا، مزخرف بزخارف هندسية بأشكال نباتية.
وللقبة حكاية أخرى، هذه القبة تتكئ على رواق به أربعين نافذة مقوسة، ثم هناك سلسلة من القباب الصغيرة المشكلة أسفلها فراغًا بمساحة داخلية تتجه كلها إلى فراغ القبة المركزي.
هذه القبة استقطبت انتباه أهم المهندسين في العالم بهندستها الفريدة التي استخدمت فيها نظريات هندسية معقدة لحل معضلة بناء قبة شاسعة معلقة على مساحة كبيرة.
بالأربع حنيات وأضلاع تمتد من الأعلى للقاعدة بحيث تنقل الأضلاع وزن القبة من النوافذ إلى الدعامات وصولًا للأساسات بالأسفل كأول من استخدمها كأسلوب بناء للقباب، لتبدو كالمعلقة، بلا أية حوامل ولا أعمدة.
وقد أعطى الضوء، في صحن أيا صوفيا أسفل القبة والمتسلل من أربعين نافذة حول قاعدتها لتقليل وزنها، بخلق إيحاء بأن القبة معلقة، وظلت هذه القبة متربعة على عرش أكبر القباب المعلقة في العالم إلى أن جاءت قبة كاتدرائية القديس بطرس ونافستها حجمًا وارتفاعًا.
وبعد مرور عشرة أعوام من البناء ضربت هزة أرضية قوية المدينة، فسقط معها جزء كبير من القبة، وتصدع الجزء الشرقي من آيا صوفيا، ليأمر الإمبراطور جستنيان بإعادة بناء ما تهدم وترميم ما تصدع لتبدو القبة هذه المرة أكثر ارتفاعًا، وأضاف على ذلك تدعيم للأساسات حتى تقاوم أي هزات أرضية مستقبلية.
وعلى الرغم من صمودها الفريد، لم يمنع من تعرضها لبعض الأضرار من حريق عام 859 م، وزلزال عام 869 م الذي انهارت معه نصف القباب، وزلزال عام 989 م الذي انهار معه قوس القبة الغربية، وزلزال 1354 م.
ثم وفي عهد الدولة العثمانية، دخلت إضافات جديدة على آيا صوفيا وإصلاحات وترميمات بما يتناسب ويتوافق مع وظيفة المبنى الجديدة كمسجد، فقد غُطيت الأعمال الفسيفسائية بطبقة من الجص لعدم تناسب الرسومات التي تحتويها مع طبيعة المسجد.
كما أُضيفت عناصر العمارة الإسلامية إليها مثل المنابر والمآذن الأربع والمحراب، ولاحقًا من الأعوام 1481م حتى 1877م تعاقب الحكام عليها تباعًا ومعهم المهندسون المعماريون والانشائيون وتعهدوها بالترميمات والإصلاحات والإضافات من دعامات وأعمال فنية ونحوها.
حيث تم تعزيز الإنشاء بإضافة الدعامات الهيكلية الخارجية في عهد سليم الثاني، بعد دراسة حالة المبنى من قِبل المهندس المعماري العثماني سنان باشا، المتخصص في هندسة الزلازل، كما بنى سنان المئذنتين الكبيرتين في الطرف الغربي لـ آيا صوفيا.
واستُحدثت المناطق المحيطة بالمبنى وأُزيلت المباني والمساكن العشوائية. وأُضيف للمحيط مقبرة بها أضرحة الأمراء العثمانيين، يليها وفي عهد السلطان أحمد الثالث، تم إضافة مدرسة إسلامية لـ آيا صوفيا ليتحول المبنى إلى جامع، وهي نفسها التي أصبحت لاحقًا مكتبة المتحف.
وفي عهد السلطان عبد المجيد الأول جدد المبنى تجديدًا شاملًا بالاستعانة بأكثر من 800 عامل وتحت إشراف مهندسين معماريين من إيطاليا وسويسرا، ليُنجز الترميم في عامين، حيث دعمت القبة بسلسلة حديدية، وقُومت الأعمدة.
وكُشف عن بعض الأعمال الفسيفسائية، كما وعُلقت ثمانية أقراص دائرية عملاقة على الأعمدة الأربعة خطها الخطاط “قاضي عسكر أفندي” منها لفظ الجلالة الله واسم النبي محمد وأسماء الخلفاء الراشدين، واستبدلت الثريات القديمة بأخرى جديدة، ورُممت المآذن لتكون متساوية الارتفاع.
بإعلان تركيا جمهورية في العام 1935م قام أتاتورك بتحويل آيا صوفيا رسميًا الى متحف تاريخي تذكاري، وبهذا القرار أُزيل سجاد الأرضيات لتظهر الزخارف الأرضية، وكُشف اللثام عن الأعمال الفسيفسائية التي غُطيت من قبل بالجص.
وقد تصدع السقف النحاسي لـ آيا صوفيا وتسربت نسبة من المياه على اللوحات الجدارية، وارتفعت معدلات الرطوبة الداخلية للمبنى بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وعليه فقد خُصصت للمبنى منح لترميم أجزاء منه من الصندوق العالمي للآثار العالمية بمشاركة وزارة الثقافة التركية.
ومن العام 1997م إلى العام 2002م. وبحلول العام 2006م كانت منحة الترميم قد اكتملت، على الرغم من بقاء أجزاء كبيرة من المبنى بحاجة للترميم والحفاظ.
أما اللوحات الفسيفسائية فقد عج بها المبنى، ورُسمت على الجدران والأسقف والأرضيات وواجهات الأبواب الداخلية، وقد تدمر بعضها، ورُمم بعضها الآخر، واكتشف بعضها تحت طبقات من الجص، ولكثرتها سُميت هذه الفسيفساء بأسماء.
فهناك فسيفساء القبة، وفسيفساء البوابة الإمبراطورية، وفسيفساء الحنية، وفسيفساء الإمبراطور ألكسندر، وفسيفساء الإمبراطورة زوي، وفسيفساء كومنينوس والديسيس وغيرها.
كما ويحتوي آيا صوفيا على مدافن لشخصيات تاريخية مهمة، وخمسة أضرحة لسلاطين عثمانيين هم: محمد الثالث، سليم الثاني، مراد الثالث، إبراهيم الأول، مصطفى الأول، وهناك ضريح إنريكو داندولو، دوق البندقية الواحد والأربعين الواقع في الرواق الشرقي.
أما في نطاق آيا صوفيا والفناء الخارجي، هناك عدد من المعالم الأثرية، لتشكل المنطقة بكلها منطقة تاريخية مهمة، فهناك عمود جستنيان المغطى بالبرونز الواقع في الميدان المجاور، وقرب الميدان أُنشأت حمامات القسطنطينية وكنيسة يقع تحتها خزان المياه الأرضي المعروف بـ صهريج البازيليك.
يقال أن أصل التسمية يعود إلى نهايات القرن الأول الميلادي لقديسة مصرية قبطية تدعى صوفيا خرجت من الوثنية واعتنقت المسيحية، وعندما ذاع صيتها لصلاحها وكثرة أعمالها الخيرية، أمر الحاكم الوثني الخاضع للإمبراطورية الرومانية أن تعود إلى الوثنية وتترك دينها وإلا قطع رأسها، وقد كان.
فسجنت القديسة صوفيا وقُطعت رأسها. ولما سمع الإمبراطور قسطنطين بالقصة أمر بنقل رفاتها إلى مقر حكمه القسطنطينية وبنى لرفاتها كنيسة تحمل اسمها، فجاءت آيا صوفيا مستنبطة من نفس الاسم أو أنها هي نفسها الكنيسة المعنية في القصة.
بينما البعض يرجح أن القصة لا علاقة لها بـ آيا صوفيا، وإنما المقصود من الاسم هو الترجمة باليونانية الحكمة الإلهية.
ظل آيا صوفيا مبنى مثيرًا للجدل، يقع في المنتصف بين النزاعات التي شهدتها المدينة، وشاهد على تتابع الحكام والديانات والتوجهات الفكرية المتنوعة إلى يومنا هذا. وآخرها قرار تحويله إلى مسجد، حيث تفاوتت وجهات النظر في الشارع التركي والعربي والعالم ككل، ما بين مؤيد وآخر معارض.
وبالإضافة لآراء الشعوب، فقد عارضت دول وحكومات ومنظمات هذا القرار، وأيدته دول أخرى، حيث وقف في صف المعارضة عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة واليونسكو وعدد من الطوائف المسيحية وبعض الدول العربية، أما في صف التأييد فوقف عدد من الدول العربية الأخرى ودول إسلامية وحركات دينية.
وكان أهم موضوع دارت حوله الكثير من القصص وتفاوتت الآراء بصدده هو أن محمد الفاتح اشترى آيا صوفيا من حر ماله وليس من بيت مال المسلمين، ثم أوقفه كمسجد ودفع المال للرهبان الأرثوذكس، وهو ما استند عليه مجلس الدولة في قراره.
وهناك قول آخر أن السلطان حوله في الأول إلى مسجد، ثم لاحقًا اشتراه، وهو ما أكدته وثيقة تدعى وثيقة الطابو، وهي سند شراء آيا صوفيا، وتقع حاليًا في السجل العقاري للمديرية العامة لمدينة أنقرة، ونسخة أخرى قديمة منها محفوظة في متحف الآثار التركية في إسطنبول تؤكد ما تم ذكره على حد قولهم.
أما من ناحية أخرى، ففي كتب المؤرخ أحمد بن يوسف القرماني، وُجد أن السلطان لم يشتري آيا صوفيا، وأن وثيقة الطابو ليست سند شراء بل وثيقة تؤكد على أنها أصبحت ملك لحاكم المدينة تلقائيًا حسب العرف السائد في تلك الفترة.
أما عالميًا فقد استقطبت آيا صوفيا انتباه قيادات غربية كُثر. ففي العام 2007 أسس كريس سبيرو وهو سياسي أمريكي، منظمة تحمل اسم مجلس آيا صوفيا الحر، يدعو فيها إلى تحويل المبنى إلى كنيسة مسيحية.
وبالمقابل من العام 2010 إلى 2014 طالب عدد من السياسيين الأتراك من ضمنهم نائب رئيس الوزراء في وقتها بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
بالإضافة إلى حركات شبابية وجمعيات تركية دعت إلى نفس الشيء آخرها عام 2017 حيث نُظمت وقفة احتجاجية للمطالبة بتحويل آيا صوفيا لمسجد، وهو ما ترتب عليه صدور قرار بالسماح بتلاوة القرآن والصلاة في آيا صوفيا في ليلة القدر فقط.
مبنى تاريخي بعراقة آيا صوفيا لابد وأن تحاك حوله القصص والحكايات والأساطير بالضرورة والتي وجدناها في كتب عن التاريخ، من ضمنها أن الإمبراطور جستنيان قال عندما رأى آيا صوفيا وقد اكتملت.
يا سليمان الحكيم لقد تفوقت عليك
قاصدًا بذلك النبي سليمان الذي سخّر الجن لبناء صروح مبهرة لا يقدر عليها إلا الجان.
ومن ضمن القصص المتداولة حيث يزعم البعض أنه في ليلة سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين، قد رحلت الروح القدس وتخلت عن المدينة بإشارة مهمة ظهرت جلية في آيا صوفيا، حيث حدث خسوف كامل للقمر، لحقه ضباب كثيف غطى أفق المدينة.
وعند انتهاء الخسوف وانقشاع الضباب، لاحظ سكان المدينة ومضات ضوء تتلألأ بغرابة من على قبة آيا صوفيا، وبهذه الظاهرة زعم الناس أنها دلالة على أن الروح القدس قد غادرت المدينة باتجاه السماء مرتحلة من قبة آيا صوفيا.
أما البعض فقد فسر ظاهرة الضوء على أنها انعكاسات لنيران معسكر حاكم المجر منذرًا بقدوم الدعم لإخراج العثمانيين، أما حاليًا ففسر العلماء هذه الظاهرة أنها ظاهرة مناخية يتسبب بها تيار كهربائي يخلقه الضباب.
وهناك قصة أخرى تحكي عن كاهنين كانا يتلوان القُداس في آيا صوفيا قبل دخول العثمانيين المدينة بقليل، لينشق أحد الحوائط ويختفيان فيه بالتزامن مع دخول العثمانيين للمدينة، وهناك معتقد أن الحائط سينشق مرة أخرى عندما يخرج المسلمون من المدينة.
وهناك قصة ثالثة أن الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر قد تحول إلى رخام بفعل ملاك لينقذه، قد ظهر له ما إن دخل العثمانيون المدينة، ولقب من وقتها بالملك الرخامي. ويزعم البعض أن التمثال الرخامي لا زال في كهف تحت الأرض قريب من البوابة الذهبية لـ آيا صوفيا، ينتظر هناك للأبد حتى يوقظه أي أحد.
وهناك قصة بخصوص أحد العناصر المعمارية للمبنى، وهو عمود يعرف باسم عمود الأماني، وقد لُقب هذا العمود بعمود البكاء أو عمود التعرق، وذلك لأنه وكما يزعم البعض عند لمسه يتعرق وتخرج من مساماته رطوبة تشبه الماء، وعند لمس المريض هذه الرطوبة الصادرة منه يشفى من مرضه ويذهب سقمه.
تم إجراء عمليات حفر وتنقيب قامت بها عالمة الآثار الألمانية ماريا شنايدر في ثلاثينات القرن الماضي، والتي اُوقفت بعدها وبقيت أجزاء الخنادق التي تم اكتشافها مكشوفة بعد أن خافت الجهات المسؤولة من تأثير هذه العمليات على أساسات آيا صوفيا.
أما في نهايات القرن العشرين فكشفت عملية تنقيب أخرى عن دعامات مخفية تدعم القبة العلوية، والتي سجلت باكتشافها أقدم دعامات في تاريخ الهندسة المعمارية بامتياز.
ويقع حاليًا المبنى في منطقة السلطان أحمد الواقعة في الشق الأوروبي من مدينة إسطنبول التركية، في منطقة تعد سياحية تاريخية.
وقد أُدرج عام 2014 ضمن أهم المتاحف في تركيا، ليحتل المركز الثاني في عدد الزوار والسياح، كما ضمته وزارة الثقافة والسياحة التركية إلى قائمة المعالم التاريخية الجاذبة والأكثر زيارة في عام 2015 و 2019.
على الرغم من أن آيا صوفيا قبل العام 2020 كانت متحف، إلا أنه تم تخصيص غرفة للصلاة لكل من الديانتين المسيحية والإسلامية، كما سمحوا برفع آذان الصلوات الخمس من اثنين من مآذن آيا صوفيا منذ العام 2013.
في العام 2016 قام الأتراك المسلمون بالصلاة في الأول من يوليو في آيا صوفيا في صفوف جماعية لأول مرة بعد 85 عام. وسمح بالصلاة وتلاوة القرآن فيه في ليلة القدر من كل عام، وفي شهر يوليو من العام الماضي 2020 اُلغي قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934م بتحويل المسجد إلى متحف.
لتتحول آيا صوفيا رسميًا إلى مسجد للمرة الثانية، وتقرأ عنها أجمل القصص والروايات في روايات جميلة للقراءة تستمتع بها وتشعر بعظمة هذا الصرح الكبير.