أبو الهول تمثال من أشهر التماثيل في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، وخاصة بمحافظة الجيزة، وأكثر ما كان يُميز حضارة المصريين القدماء هو تشييد التماثيل الضخمة، ذكر في كتاب تاريخ مصر القديم والذي كان من أهم التماثيل وأكثرهم شهرة بين قدمائنا المصريين.
ويُعتبر ابو الهول من ضمن شخصيات تاريخية مصرية معروفة للعالم كله و أحد أهم رموز الحضارة المصرية القديمة التي أثارت دهشة العالم، ولا زالت حتى وقتنا هذا تُلفت انتباهه، بل تجذبه لاستكشاف واكتشاف المزيد من أسرار حضارتنا المصرية العريقة.
يُمثل تمثال ابو الهول مخلوق أسطوري بجسم أسد ورأس إنسان، وتم نحته من الحجر الكلسي، وقد تم نحته فى عهد الأسرة الرابعة ما بين عامي 2613 ق.م -2494 ق.م، وقد بُني تمثال أبو الهول على هيئة جسم أسد كإشارة إلى مدى قوته.
وتُشير بعض الدلائل إلى أن نحته تم فى عهد الملك خفرع صاحب ثاني أهرامات الجيزة فيما بين عامي 2525-2532 ق.م.
ويُعتبر أبو الهول من أقدم المنحوتات الضخمة المعروفة، فهو بمثابة حارس لهضبة الجيزة، يبلُغ طوله 73.5 متراً، حيث يُمثل طول قدميه الأماميتين 15 متراً، ويبلغ عرضه نحو 19.3 متراً، وأعلى ارتفاع له عن سطح الأرض إلى قمة الرأس حوالي 20 متراً.
تم نحت التمثال من إحدى صخور هضبة الجيزة، وكان بمثابة مقلع لأهرام الجيزة والآثار الأخرى بالمنطقة، يتكون الجسد من طبقة من الحجر الجيري، وبعض الطبقات ذات مُقاومة مختلفة لتعرية الرياح، وهو ما يُوضح التدهور الظاهر فى جسد أبو الهول.
أما الجُزء السُفلي من الجسم يتكون من صخرة صلبة بما فيه من الساقين، أما باقي جسم التمثال حتى رقبته يتكون من طبقات أكثر ليونة، تعرضت لتفكك كبير، وأصعب طبقة في التمثال تم نحتها هي الرأس.
ويُوجد داخل وأسفل جسد تمثال ابو الهول عدد من الأعمدة تسمى المسدودة، ومن المعتقد أن صائدي الكنوز ولصوص القبور هم من قاموا بحفر هذه الأعمدة.
يقع تمثال ابو الهول أعلى هضبة الجيزة على الضفة الغربية من النيل، وبُني التمثال بجوار معبد وادي خفرع مباشرة في الجزء السفلي من الطريق الصاعد المؤدي إلى معبد أبو الهول الجنائزي والهرم.
ويُعد ابو الهول جزء لا يتجزأ من مجمع أهرامات الجيزة الكبير لخفرع، ومن المُعتقد أن أبو الهول كان محجراً قبل أن يُفكر الملك خفرع في نحته كتمثال، لينظر له ناحية الشرق.
تمثال ابو الهول هو أحد أكبر وأقدم التماثيل في العالم، لكن بعض الحقائق الأساسية عنه كتاريخ بنائه ومن قام به لا زالت محل جدال ونقاش.
لا يظهر تمثال ابو الهول في أي نقش معروف للمملكة المصرية القديمة، ولا تُوجد أي نقوش تصف شكل بنائه أو الغرض الأصلي منه.
فى المملكة المصرية الحديثة، تم تبجيل أبو الهول لأنه بمثابة الإله الشمس حور إم آخت، والتي تعني بالعربية حورس في الأفق، ومن الأسماء الشائعة التى أطلقت على أبو الهول اسم سفنكس.
قد ظهر هذا الاسم له في العصور الكلاسيكية القديمة، ويرجع ذلك لحوالي 2000 عام من التاريخ المقبول عموماً لبنائه، واسم سفنكس هو إشارة إلى سفنكس الوحش الأسطوري اليوناني الذي يتكون من رأس إنسان أو صقر أو قطة أو شاه وجسم أسد بجناحى نسر.
تضاربت الأقاويل ووجهات النظر والأدلة حول المنشأ والإطار الزمنى لتشييد تمثال أبو الهول، إلا أن وجهة النظر التي يتبناها علم المصريات الحديثة لا زالت حتى الآن تشير إلى أن تمثال أبو الهول قد تم بناؤه في حوالي عام 2500 ق.م.
كما كتب دكتور سليم حسن فى عام ١٩٤٩م عن الحفريات الأخيرة فى حظيرة أبو الهول، موضحاً أنه لا يُوجد نقش واحد مُعاصر يربط أبو الهول بخفرع.
ترددت الكثير من الشائعات حول أنف ابو الهول، وكيف فُقدت، فقد ورد عن المقريزي والمسعودي قصة تحطيم أنف أبو الهول على يد شيخ صوفي مغربي يُدعى صائم الدهر، وذلك باعتبار أبوالهول مُنكراً يجب تغييره بالقوة وفوراً.
ويرجع ذلك لقصة أخرى، حيث كانت تتبرك به النساء، وتُقدمن له النذور والقرابين، في يوم ما وصل صائم الدهر إلى منطقة الأهرامات، وواصل طريقه، حتى وصل إلى تمثال أبو الهول، وصعد فوق رأسه، وحطم أنفه وجزء من جانب رأسه.
وأُشيعت رواية أخرى تقول أن أنف أبو الهول دُمرت بمدفعية جنود الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 م بقيادة نابليون بونابرت، وذلك يرجع لسبيين إما لكسر أنف المصريين أو لتدريب قوات المدفعية الفرنسية على الرماية خلال معركة إمبابة التى دارت بين نابليون والمماليك.
وأشارت رواية ثالثة أن فُقدان أنف ابو الهول حدث فى القرن العشرين خلال الحرب العالمية الأولى أو الثانية، فقد دار القتال بين القوات الإنجليزية والألمانية حول مُحيط الهرم، وتسبب ذلك فى تدمير وسقوط أنف ابو الهول، ولكن هذا الأمر غير منطقى وليس حقيقى.
ولكن الرأي الأقرب للمنطق والصواب هو أن الأنف تمثل الجزء الأضعف، والتي تعرضت للتهشم والكسر نتيجة العوامل المناخية المتغيرة عبر القرون، وأن الروايات الثلاث حول فقد أنف أبو الهول غير حقيقية، وكلها شائعات لا أساس لها من الصحة.
تم تغطية ابو الهول بالرمال التي أزيلت عنه عدة مرات، وتم تسجيل أشهر عملية إزالة على لوحة الحلم أمام أبو الهول مباشرة، والتى أمر الفرعون تحتمس الرابع بوضعها في عامي 1400 – 1390 ق.م.
وهذه اللوحة تصف الرؤية التي رآها في الحلم، بأنه سيُصبح ملكاً في حالة واحدة، إذا قام بإزالة الرمال حول تمثال أبو الهول قبل أن يتولى عرش مصر فى عام 1401 ق.م، ولهذا السبب سُميت بلوحة الحُلم.
لوحة الحلم هذه القائمة بين ذراعي ابو الهول عبارة عن مُستطيل حافته العليا مُقوسة، ويبلُغ ارتفاع اللوحة 144 سنتيمتر، وعرضها 40 سنتيمتر، و يبلُغ سُمكها 70 سنتيمتر، وفي جُزئها العُلوي شكلان منحوتان للفرعون تحتمس الرابع جهة اليمين، ومن جهة اليسار يتم تقديم القرابين إلى ابو الهول.
وأخذ عُلماء الآثار الأجانب قوالب من اللوحة، واستخرجوا منها قوالب من الجبس لترجمتها، وتفسير الكتابة الهيروغليفية عليها، وتُوجد إحدى هذه اللوحات طبق الأصل من لوحة الحُلم فى أحد المتاحف بلندن.
أُذيعت بعض الخرافات حول تمثال ابو الهول، ومن أشهر هذه الخُرافات، أنه يخفي بداخله العديد من الممرات والأنفاق السرية التى تُؤدى إلى حُجرة مليئة بالكنوز مخفية أسفله.
وقيل أيضاً أن هناك حُجرة للسجلات السرية، مدفونة في مكان ما أسفل أبو الهول تحديداً تحت قدميه، وتلك الحُجرة مليئة بمصادر متعددة من أسرار المعرفة والحكمة لدى المصريين القدماء، وعلومهم المتنوعة التي قاموا بتدوينها على ألواح الذهب ولفائف البردي.
وقد تحتوي هذه الغُرفة على أسرار، ومكان قارة أطلانتس المفقودة، ويرجع ذلك بأن أحد الناجين من غرق هذه القارة، هرب إلى مصر ومعه صندوق يحوي تلك الأسرار والكنوز وحدث ذلك فى عام 10500 ق.م.
ختاماً، يُمثل تمثال ابو الهول رمزاً من رموز الحضارة المصرية القديمة، وشاهداً على تطور قدماء المصريين فى عمليات التشييد والبناء، وكنزاً يُخبئ لنا العديد من الأسرار والمعرفة لا حدود لها حول هذه الحضارة العظيمة، المُبهرة والمُثيرة فضول الإنسان لاكتشافها.