أرسطو هل سمعت هذا الإسم من قبل؟ بالطبع نعم فتلك الثورة العلمية الهائلة التي نعيشها الأن، والتي بدأت مع النهضة الغربية الحديثة، ارتكزت على الحضارة اليونانية، ومن قبلها الحضارة الإسلامية التي ترجمت جوافر الفكر اليوناني، لتعتمد الحضارة الغربية على تلك الترجمات.
لأن الحضارة اليونانية القديمة وضعت حجر الأساس للفكر والعلوم والفنون والفلسفة زالت الإمبراطورية الرومانية التي لا تغيب عنها الشمس ولم تبقى إلا الذكرى.
الحضارة المصرية القديمة لازال العالم عاجزا أمام أسرارها، بينما رواد الحضارة اليونانية يصنعون كل حضارة جديدة، فهم الحضارة والتاريخ، أرشميدس، إقليدس، سقراط، أفلاطون، أرسطو وغيرهم، أسماء لا تمحى وكُتاب مشهورين سبقوا عصرهم لأن العبقرية الفردية لن تموت، وفي هذا المقال سوف نغوص في عالم أرسطو.
أرسطو هو تلميذ أفلاطون الذي تتلمذ على يد سقراط، عائلته مقدونية ووالده يعمل بالبلاط الملكي، لذلك أصبح فيما بعد معلم الإسكندر الأكبر. بالماضي لم تكن التخصصات واضحة، التفرد والتميز يأتي من العبقرية الفردية.
درس الفيزياء والأحياء لدرجة اعتبار دارون له مؤسس علم الأحياء. درس الميتوفيزيقيا، والفلسفة والشعر، ويعتبر مؤسس علم الأخلاق. ظن أنه سيموت كسقراط فهرب ليموت من المرض بالثالثة والستين من عمره.
ولد بالعام 384 قبل الميلاد، بمقدونيا بمدينة صغيرة، والده نيكوماخوس طبيب يعمل ببلاط الملك امينتاس الثالث المقدوني جد الأسكندر الأكبر. انتقل إلى أثينا بالسابعة عشر من عمره ليدرس بأكاديمية أفلاطون ويتتلمذ على يديه.
استمر بالأكاديمية قرابة العشرين عاماً كطالب ثم كمعلم، ينهل من علم أفلاطون حتى وافته المنية، فقرر أن يغادر أرسطو أثينا في العام 347 قبل الميلاد، لم يعد أرسطو لبلاده بل توجه لأحدى مدن اليونان وتُدعى أترنيوس، ثم تزوج من شقيقة حاكمها، وأنجب ابنته، ليدعوه الملك فيلبيوس المقدوني لتعليم ابنه الذي صار الأسكندر.
ساعده كثيراً كون والده طبيب ليتعلم منه العلوم والتشريح والأحياء وخصائص الكائنات، وساعده كذلك قرب والده من البلاط الملكي وأهله ليصبح معلم الأسكندر الأكبر، عندما ألتحق أرسطو بأكاديمية أفلاطون علا شأنه وأصبح من أكثر المقربين لأفلاطون، يشتركون في الرغبة في المعرفة والوصول للحقيقة.
عمل بالأكاديمية كمعلم، لا تتوقف خدمات الأكاديمية على تقديم العلوم والفلسفة، بل يقدمون المشورات السياسية للحكام، ويعدون كوادر شبابية سياسية جديدة.
أعجبت كثيراً بتلك الحضارة السابقة لعصرها، فالمشورات السياسية يقدمها مختصين يدرسون بأكاديمية معينة، بينما نعاني في عصرنا الحديث من الفراغ السياسي وعدم وجود بديل، هم قبل الميلاد يعدون الكوادر الشبابية بأكاديمية مختصة، الملك المنتظر معلمه لم يكن قائد أو محارب بل فيلسوف، ولهذا حكم الإسكندر العالم.
أصبحت أكاديمية أفلاطون تقوم بالدور الذي قام به سقراط بشكل أكثر تنظيما يرغبون في بلورة المعارف الإنسانية وفصلها، ووضع نظريات وأسس واضحة، ونشر تلك المعارف بكافة الاتجاهات.
اهتم أرسطو بالنباتات والفيزياء والميتوفيزيقيا والشعر والفلسفة والأخلاق والسياسة، إلا أنه اعتبر مؤسس لنواحي فلسفية وأخلاقية، وضعت الإطار العام الذي ترجمه ابن رشد لينقل أفكاره إلى الحضارة الإسلامية.
يعتبر هو مؤسس الإطار الذي صارت به الفلسفة الإسلامية بعد ذلك، حتى حدثت النهضة الغربية الحديثة فاعتمدت على ترجمات ابن رشد لتعتبر أفكار أرسطو لبنة رئيسية للأفكار الفلسفية الموجودة الآن.
بعد زواجه وإنجاب ابنته بفترة عاد مرة أخرى إلى أثينا لينشئ مدرسته الخاصة على شاكلة أكاديمية أفلاطون، لتسمى مدرسة المشائين، نسبة لأنه وطلابه يسيرون ويتبادلون الأحاديث أثناء المشي، وهذا هو حال سقراط مع تلاميذه، لعله أخذ عنه تلك الطريقة.
تجمع كل مؤلفاته بالمنطق تحت اسم أرجانون المقصود بها الأداة لأن الفكرة هو الأداة أو الوسيلة للمعرفة، فهو أول من اعتمد منهج الاستدلال أو الاستنتاج المنطقي، فهو شكل من أشكال البرهان المنطقي ويسمى بالقياس، وقد استخدمت الفلسفة الإسلامية القياس كطريقة لربط السلف بالمواقف الآنية.
وهنا سنتطرق لبعض الفروع التي نبغ بها أرسطو:
وبسهولة نلاحظ أن دارون استقى فكرة تطور الإنسان من الحيوان من أفكار أرسطو، وسيجمند فرويد الطبيب الفسيولوجي، الذي ربط التشريح الفسيولوجي للإنسان بطبيعة نفسه البشرية، هنا بأفكار أرسطو نجد أيضاً مصدراً لتلك الأفكار.
وقد وضح أن الانفعالات كالغضب والفرح، والراحة والسكينة أحوال نفسية يتبعها تغيرات جسمانية، وهي أفكار تشبه الاختبار الذي أجراه ابن سينا على قلب أحد الشباب فلاحظ زيادة دقات قلبه عند ذكر فتاة معينة أو ذكر أمور تتعلق بها.
الفيلسوف والفاتح المحارب، المنطق يوشي باستحالة تقابلهم عند نفس النقطة، البعض يرى أن تأثير أرسطو على تلميذه كبير، الاسكندر اعتبره معلمه وصديقه فانعكس ذلك على طريقة تعامله مع الشعوب التي يغزوها.
لم يعمم عليهم الثقافة اليونانية بالقوة، على العكس عاملهم كما يعامل معلمه تلاميذه، حرص الإسكندر أن يأخذ من كل دولة يدخلها النباتات المختلفة ويرسلها لمعلمه لتتسع قدرته على دراسة الأحياء والنباتات والتجريب.
من ناحية أخرى طبيعة الفيلسوف جعلت أرسطو لا يتعاطف مع مطامع تلميذه الاستعمارية، فقد كره أرسطو النظام الملكي وما يستتبعه من ظواهر وهو ما يظهر في أفكاره عن الأخلاق والسياسة، فالنموذج السياسي بالنسبة له دولة صغيره بلا أطماع سياسية، وهو بالطبع ما يرفضه الإسكندر ووالده.
يرى البعض أن العلاقة بينهما سببها الأساسي قرب أرسطو من البلاط الملكي، وحاجة الملك المنتظر لمعلم ليس أكثر.
واحد ممن أسس لفكرة دونية المرأة وكونها أقل من الرجل في القدرة العقلية، نظرة دونية تبناها الفلاسفة على الأغلب لأن هذه نظرة عصرهم ومكانهم للمرأة، ولأنهم هم من شكل الحضارات والتاريخ، أصبحت مكانة المرأة ندبة بتاريخ الإنسانية. فبأثينا المرأة لم تحمل الجنسية شأنها شأن العبيد.
وقد قال أرسطو أنها أقل من الرجل ولابد أن تكون خاضعة له بحيث لا تكون لهن سلطة وبنفس الوقت لا يصلون لمرتبة العبيد، فقد وجد أن الرجل يجب أن يكون له حكم سياسي على زوجته، وعلل ذلك بأنها أكثر اندفاعا وأكثر عاطفة وأكثر شكاية وخداعاً.
إلا أن أرسطو وبعض الفلاسفة لم ينكروا على المرأة حقها في السعادة، فلن يسعد الرجل بدون سعادة المرأة.
يبدو أن أرسطو فيما خص المرأة أكثر انغلاقا من معلمه أفلاطون الذي فتح أكاديميته للمرأة لتتعلم كما الرجل لأنها تدنوه بالقوة الجسمانية وتساوية بالقوة العقلية، أما أرسطو وضعها كصاحبة ميراث جيني للعقل الضعيف.
علينا أن نحرر أنفسنا من الأمل في أن البحر سيهدأ يوماً، علينا أن نتعلم الإبحار وسط الرياح العالية.
إن أكثر أعمال الإنسان مرهونة بالعواطف والشهوات، لذلك فإنه يقع بالخطأ مهما علم العقل بضرره، فالإنسان يفكر جيداً ويرشده فكره للصواب، لكن تتغلب عليه شهوته فتغويه.
انزل برغباتك إلى مستوى دخلك الحالي، وارتفع بها فقط عندما يسمح لك دخلك المرتفع بذلك.
الجاهل يؤكد والعالم يشك والعاقل يتروى.
ترياق الخمسون عدواً صديق واحد.
من يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه، لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات.
أن يحب المرء يعني أنه يتمتع، في حين أنه يتمتع إذا كان محبوبا.
في العام 322 مات أرسطو باعتلال معوي، بعد احتلال أثينا أثناء وجوده بها من أعداء مقدونيا، وهو من أنصار المقدونين، فهرب من أثينا خوفا من مصير سقراط، ليموت بالمرض وهو بالثالثة والستين تقريبا، ليصبح منهجه أقرب لمن اختار العلم والفلسفة، ومنهج أفلاطون الروحاني أقرب لأتباع الدين المسيحي ومن بعدها الإسلامي.