من أروع القصص الدينية المليئة بالعديد من الدروس الحياتية والعبر والقيم هي قصة أهل الكهف، وهي أيضا من الكنور التاريخية المُثمرة التي كلما تعمقت في قراءتها، كلما اكتشفت وجهاً آخر للحياة وجمالها، لا شك أنه قد تربى مُعظمنا على سماع قصة أهل الكهف،
تعرف ايضاً على المسرح المصري وتاريخه من هنا.
وذُكرت تفاصيلها في القرآن الكريم في سورة الكهف التي اعتدنا قرائتها في يوم الجمعة، وتضمنت سورة الكهف على قصص أخرى تُحرك رغبة الإنسان على التعرف والبحث، ومعرفة تفسير الآيات القرآنية وما تُشير إليه، فهيا بنا عزيزي القارئ لنتوغل ونكتشف سوياً خبايا أهل الكهف.
تبدأ قصة أهل الكهف من قرية مُشركة انحرف ملكها وأهلها عن الطريق المُستقيم، وعبدوا آلهة أخرى لا تنفعهم، عبدوها بدون أي دليل يثبت ألوهيتها ودافعوا عن هذه الآلهة بكل ما يملكون، ولم يسمحوا أن يمسها أحد بسوء، بل قاموا بمُحاربة كل من لا يعبدها، وقاموا بإيذاء كل من كفروا بهذه الآلهة.
ثم ظهر وسط هذه الكُتلة الفاسدة مجموعة من الشباب العقلاء، استخدموا عقولهم ليتفكروا في قدرة الله خالق هذا الكون، ويتدبروا رسائل الله وحكمته من كل ما يمرون به ليعقلوا كل شيء حولهم. هؤلاء الشباب رفضوا السجود لغير الله عز وجل، فهم آمنوا بالله، فألهمهم طريق الهُدى والرشاد.
لم يكُن هؤلاء الفتية رسلاً ولا أنبياء، ولكنهم كانوا مؤمنين وبداخلهم إيمان راسخ، فأنكروا شرك قومهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة أخرى غير الله، ولكن لم يستجب أهل القرية لمطلبهم، فقرروا الهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه، فقد اختار هؤلاء الفتية النجاة بدينهم وبأنفسهم، وذلك بعد أن تَشَعب الفساد في القرية، وسيطر الضلال على عقول أهلها.
قرر الفتية الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذهم الآمن وحصنهم المنيع من قوى الضلال والفساد، فخرجوا ومعهم كلبهم من الأرض الواسعة للكهف الضيق، تركوا البراح في منازلهم، ليسكنوا مكان موحش ومُظلم، زهدوا الحياة ومتاعها، والحُجَرات الفسيحة والأسرة الناعمة، واختاروا كهفاً ضيقاً.
وهذا ما يُميز المؤمن عن أي شخص آخر لم يملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء الجرداء روضة من رياض الجنة، إذا استشعر وأحس أن الله معه. ويرى الكهف الضيق قصراً واسعاً لا نهاية لحدوده، فقد خرج هؤلاء الفتية طمعا ًفي رضا الله عز وجل. فهدفهم الوحيد في الخروج من قريتهم، هو البحث عن مكان آمن يعبدون فيه الله عز وجل وينالون رضاه بعيدا ًعن فساد أهل قريتهم.
دخل الفتية الكهف واستلقوا فيه وجلس كلبهم على باب الكهف لحِراستهم، ومن هنا حدثت المعجزة الإلهية، فقد نام الفتية لمدة ثلاثمائة وتسع سنوات مُتواصلة، وطوال هذه المدة كانت الشمس تشرق عن يمين الكهف، وتغرُب عن شماله وهذا لحماية أجسادهم، والحفاظ على صحتهم فلا تُصيبهم أشعة الشمس في أول ولا آخر النهار.
ومن مُعجزات الله عز وجل لأهل الكهف هو تَقلُبهم أثناء نومهم حتى لا تهترئ أجسادهم، فمن يراهم يُصيبه الرعب لأنهم نائمون كالمُستيقظين من كثرة تقلبهم. وبعد هذه السنوات بَعثهم الله مرة أخرى.
استيقظوا من سُباتهم الطويل، ولكن من رحمة الله عليهم أنهم لم يُدركوا كم مضى عليهم من الوقت أثناء فترة نومهم. بدت آثار النوم طويلة عليهم فتساءلوا كم لَبِثنا؟ فأجاب بعض منهم: “لَبِثنا يوماً أو بعض يوم”،
ولكنهم تجاوزوا مرحلة الدهشة بسرعة وفكروا فيما هو أهم من مدة نومهم، وأدركوا أن الأهم من معرفة مدة نومهم هو استيقاظهم، فعليهم أن يتدبروا أمورهم، فقاموا بإخراج النقود التي كانت معهم، ثم اتفقوا على أن يذهب واحداً منهم مُتخفياً للمدينة، ويشترى طعاماً طيباً بهذه النقود، ثم يعود إليهم بدون أن يشعر به أحد.
وكان صوب أعينهم قبل الخروج للمدينة جنود الملك، وأنهم ربما يقعون في أيدى الجنود للمُعاقبة، أو أن يقعوا في فخ منصوب من أهل القرية ليُخيرونهم بين العودة للشرك أو الرجم حتى الموت. توكل الرجل على الله، وخرج متوجهاً للقرية، وأصابته حالة من الدهشة والمفاجأة، فقد تغيرت الأماكن وتغير الناس، وتبدلت الوجوه، وتغيرت النقود والبضائع. لم تُصبح القرية كسابق عهده بها.
واندهش من كل ما رآه، وتردد في ذهنه سؤالاً واحداً فقط هو كيف حدث كل هذا التغيير في يوم وليلة؟ وما أدهشه أكثر عدم تعرف أهل القرية عليه، وأن هذا الرجل غريب عليهم، وهيئته غير معروفة لهم، وعرفوا هذا من ثيابه ونقوده التي يحملها.
وتكتمل قصة أهل الكهف بأن آمن أهل القرية التي خرج منها هؤلاء الفتية، وهلاك الملك الظالم، وتولى مكانه العرش رجل صالح، وفرح أهل القرية بهؤلاء الفتية المؤمنين، فقد كانوا أول من يؤمن بالله من هذه القرية، وهاجروا من قريتهم، واختاروا كهف ضيق حتى لا يُفتَنوا في دينهم، وها هم قد عادوا مرة أخرى، وذهبوا للقرية التي خرجوا منها بإراداتهم واختيارهم.
تعوف ايضاً على الرومان من هنا.
تميز أهل الكهف ببعض الصفات، فقد قال الله تعالى في سورة الكهف: “إنهم فتية آمنوا بربهم وزِدناهم هدى”، في هذه الآية الكريمة من سورة الكهف بيان وتوضيح لصفات أهل الكهف وأهمها ما يلي:
ووضحت الآية رقم ١٤ من سورة الكهف صفات أخرى لأهل الكهف في قوله سبحانه وتعالى: “وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا رَبُنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذا شططًا”، فمن ينظر لأهل الكهف يرى أنهم:
وحينما أخذوا بالأسباب، وصدقوا بها، واختاروا طريق الله، وفروا إليه نزلت عليهم سكينة القلب والطمأنينة والرضا، حيث أغناهم الله سبحانه وتعالى عمن سواه، وحماهم من شرور الدنيا ومخاوفها.
في النهاية فإن قصة أهل الكهف هي بوصلة لكل إنسان أسير لشهواته، ومُقيد بفِتَن الدنيا، فمن مَلكته الفِتن، فَقد حُريته، وضَل طريقه، وتاه في دروب مُظلمة، افتقد فيها لذة الإيمان النابع من القلب والرضا بقضاء الله وقدره،
أهل الكهف موجودون في كل عصر، ولكن بصور مختلفة فقصتهم باقية حتى نهاية الزمان، ومُتكررة في كل عصر وأوان، وكلما تكررت قصة أهل الكهف، كلما أيقنا قدرة الله سبحانه وتعالى، واكتشفنا أنفسنا، واختلف شكل الحياة في أعيننا وأذهاننا، وتتبدل رؤيتنا لكل ما حولنا.
تعرف ايضاً على الإغريق من هنا.