القصة القصيرة فن من الفنون التي تعتمد على أسلوب السهل الممتنع، فبالرغم أنها تعتمد على كلمات وأحداث أقل من الرواية ولكن هنا تكمن الصعوبة، فكيف ستحكي قصتك وستصل بفكرتك من خلال عدد قليل من الصفحات وبدون سرد طويل أو تفاصيل مختلفة ؟ وكيف ستجعل القارئ يتعلق بأبطال قصتك ؟ وهل تستطيع إيصال فكرة القصة للمتلقي ؟ ولو تكلمنا عن القصة القصيرة فهناك كُتاب أبدعوا في كتابتها وكانوا من روادها وأحدهم هو بطل مقال اليوم الأديب الكبير يحيى حقي، ونقدم في هذا المقال مجموعة من أهم مؤلفات يحيى حقي.
“حينما فزت بجائزة فزت بجائزة نوبل فى الأدب عام ١٩٨٨، وقلت لأول من سـألنى عمن يستحق الجائزة من الأدباء العرب فوضعت اسم “حقى” فى المقدمة، كما أننى أهديت له الجائزة باعتباره واحدا من الأدباء الكبار الذين يستحقونها عن جدارة” نجيب محفوظ
هذه كانت كلمات أديب نوبل نجيب محفوظ عن يحيى حقي عندما تم سؤاله عن رائد القصة القصيرة يحيى حقي في حواره مع الناقد رجاء النقاش في كتاب ” صفحات من مذكرات نجيب محفوظ”. وبعيدًا عن علاقة نجيب وحقي الوطيدة وعمل نجيب محفوظ تحت رئاسة يحيى حقي في مصلحة الفنون، تقدير نجيب لأستاذنا الكبير لم يكن على سبيل المجاملة فيحيى حقي يعتبر أبو القصة القصيرة ومثل أعلى للعديد من الكتاب خلال حياة نجيب أو حتى الآن.
وُلد يحيى حقي -او كما يسميه النقاد “صاحب القنديل” في ١٧ يناير ١٩٠٥ في السيدة زين، هذا المكان سيكون بطل لأهم أعماله الأدبية. حصل يحيى حقي على درجة الليسانس في الحقوق عام ١٩٢٥ وعمل فترة سنتين في الصعيد المصري محقق جنائي في منفلوط في محافظة أسيوط قبل أن ينتقل إلى عمله الدبلوماسي. بعد رحلة طويلة مع السلك الدبلوماسي استمرت ٢١ عاما تقريبًا عمل فيها في دول مختلفة حول العالم. عُيِّنْ مديرًا لمصلحة الفنون وأنشأ فريقًا للفنون الشعبية.عين مستشار لدار الكتب وعمل رئيسًا لتحرير مجلة المجلة. كل هذه المحطات كانت مصدر إلهام كاتبنا الكبير الذي أثرى المحتوى العربي بإبداعاته.
وخلال السطور القادمة سأستعرض لكم مجموعة من أهم أعمال الأستاذ يحيى حقي ولكن كل أعماله كانت إضافة للمكتبة العربية.
العمل الأشهر ليحيى حقي والذي تحول لفيلم سينمائي من إخراج سعيد مرزوق ومن بطولة شكري سرحان وسميرة أحمد والفيلم تم اختياره من ضمن أفضل ١٠٠ فيلم في تاريخ السينما المصرية. ولكن بعيدًا عن الفيلم والذي لم يتفوق على الرواية والعكس صحيح، رواية “قنديل أم هاشم” ورغم عدد صفحاتها القليل تعتبر من روائع الأدب المصري في القرن العشرين. وتحكي قصة إسماعيل الطالب الذي تربى في حي السيدة زينب بالقاهرة ويساعده والده في السفر لأوروبا وبالتحديد لندن لدراسة الطب بعد عدم تحقيقه المجموع المطلوب.
وهناك يحتك بثقافات جديدة، أهمهم اسمها ماري. وهذه الفترة تغيره، وتغير تفكيره ومعتقداته. ويعود إسماعيل للقاهرة بعد أن أصبح طبيبًا للعيون ليجد بنت عمه فاطمة في حالة صحية سيئة وعينيها امتلئت بالرماد بسبب زيت قطرة قنديل أم هاشم “أحد المقامات التي يتبرك بها الناس في السيدة زينب” ليجن جنونه من جهل الناس ويقوم بهدم المقام ومع انتهائه يهجم عليه الناس وينهالون عليه ضربًا وتتوالى الأحداث في القصة. الرواية تتناول العديد من الأفكار وظهر فيها تأثر يحيى حقي بالمكان الذي ترعرع فيه ولكن الفكرة الأساسية للقصة هي علاقة الدين بالعلم وأن كل منهم يكمل الأخر وعلاقة الجهل والخرافة بالعلم .
بعيدًا عن النهاية التي قد يعتبرها البعض استسلامًا للواقع ولكنك عند الإنتهاء منها ستفكر كثيرًا هل ما توصل له إسماعيل في نهاية الرواية هو انهزامية واستسهال أم هو القرار الصحيح أترك لك الإجابة.
“عملي في الأرياف جعلني أتصل بالفلاح وجميع مشاكله، وعرفت الطبيعة المصرية سمائها وأرضها وحقلها ونباتها -قبل ما أروح لم أكن أعلم الفرق بين القمح والشعير والقصب والذرة ورغم صعوبة السنتين فهم كانوا أهم سنتين في تكويني.”
هذه كانت كلمات يحيى حقي عن فترة عمله في الصعيد في لقائه مع التلفزيون مصري في برنامج “قصة وكتاب” تقديم سميرة الكيلاني والتي يعتبرها أحد أهم الفترات التي ساهمت في تكوينه الأدبي. “دماء وطين” هي مجموعة قصصية تحتوي على ٦ قصص أهمهم قصة “البوسطجي” والتي تحولت لفيلم من بطولة شكري سرحان وصلاح منصور وإخراج حسين كمال. وأنا أنصحك بقراءة القصة ومشاهدة الفيلم.
القصة تحكي عن عباس ناظر مكتب البريد الناقم على حياته بعد أن انتقل لقرية كوم النحل وبسبب الضجر والمعاملة السيئة من أهل القرية يقرر أن يفتح الجوابات المرسلة من وإلى قرية كوم النحل ولكنه لم يكن يعلم أنها سيتسبب في أذى شخص بدون أي ذنب.
القصة جميلة وسنرى فيها روعة سرد يحيى حقي للأحداث وأيضًا روعة وصفه للمكان وهذا ليس فقط في قصة “البوسطجي”، بل في كل قصص “دماء وطين” ستجد وصف من يحيى حقي وكأنك تعيش في الريف المصري في العشرينيات. فانظر مثلًا إلى قصة “قهوة ديمتري” وستفهم قصدي.
ونبقى مع القصص القصيرة ومجموعة قصصية أخرى ليحيى حقي وأنا أعتبرها المفضلة بالنسبة لي لأنها تحتوي على قصتين من أقرب القصص إلي قلبي من كل قصص حقي “إمراة مسكينة” و”كأن”.
المجموعة تحتوي على ٤ قصص لا يجمعهم الا البيئة وهي “البيئة الفقيرة” والقصص هي “سارق الكحل” ، “كأن” ، “إمرأة مسكينة” و”الفراش الشاغر”. القصص تستعرض مجموعة مختلفة من قضايا المجتمع. في أسلوب سرد ممتع من حقي وأنا متأكد أنك ستستمتع بكل قصة في المجموعة.
مجموعة قصصية أخرى ولكن هذه المرة بعدد أكبر من القصص، فتحتوي هذه المجموعة على ١٦ قصة من مراحل مختلفة في حياة يحيى حقي ، أبطال قصص حقي كعادة أغلب قصصه هم من البسطاء والمهمشين. وستجد في بعض القصص تأثره بالريف أو بالسيدة زينب. كما ستجد في قصص هذه المجموعة أسلوب يحيى حقي البديع في السرد والوصف إذا كان المكان أو الشخص أوما يشعر به.
القصص تتنوع بين الدراما والكوميديا، بعض الأحيان ستضحك وفي بعض الأحيان ستحزن متخيلًا نفسك مكان البطل. أعتقد أن هناك بعض القصص لحقي -ومنها الموجود في هذه المجموعة- تستحق أن تتحول يومًا ما لفيلم سينمائي.
اقراء ايداً من القصص القصيرة
“هل في هذه الذكريات دليل على أن الناس يتوهمون أنهم يعيشون أحرارًا في يقظة الحاضر وهم في الحقيقة أسرى في قبضة أحلام الماضي رغم نسيانه”
ولو أنت ممن يهتمون بسيرة الكُتاب ولمحات من حياتهم فهذا الكتاب لك. في هذا الكتاب يستعرض يحيى حقي لمحات من حياته في صورة قصص قصيرة، ستجد لمحات من أيام الدراسة ولمحات من عمله في الريف وهو الجزء المفضل لي في الكتاب. هي مجموعة من المذكرات التي كتبها يحيى خلال فترات متفرقة في حياته وحتى لو لم تكن من محبي السير الذاتية ستستمتع بأسلوب حقي وحكايته للأحداث.
في هذا الكتاب ستتعرف على جانب آخر من يحيى حقي وهو الجانب العاشق للموسيقى. يأخذنا حقي في هذا الكتاب في رحلة موسيقية بديعة. ما بين الاوركسترا والموسيقى الكلاسيكية إلى عبقرية سيد درويش ستعيش في رحلة سريعة حالمة مع الموسيقى. بعد انتهائك من الكتاب ستقوم بحجز أول حفلة ستجدها أمامك في الأوبرا حتى لو كنت الآن تعاني مع متلازمة “أخر الشهر”.
يحيى حقي خلال مسيرته الأدبية كتب العديد من المقالات في مختلف الصحف المصرية. وجمع مجموعة منها في أكثر من كتاب. فمثلًا كتاب “أنشودة البساطة” يجمع مجموعة من مقالات حقي الخاصة بنقد القصة القصيرة ويقدم فيه نصائح للكُتاب والأدباء الشبان خاصة كُتاب القصة.
استفدت كثيرًا من هذا الكتاب فهو عصارة خبرات الكاتب ولو كنت تتمنى أن تلتقي بحقي أو تشارك في أحد ورشه في الكتابة فهذا الكتاب سيحقق حلمك!
هذه المجموعة القصصية الجميلة تقع أحداثها في نفس المكان وهو القرية ولكن في أزمنة مختلفة والحد الزمني الفاصل بينهما هو إنشاء السكة الحديد و مرور القطار بالقرية. ستتعرف من خلال القصص المختلفة الاختلاف الذي حدث في القرية قبل وبعد بناء السكة الحديد. فما هو الفرق ؟
ترددت كثيرًا قبل اختيار هذه مجموعة من أعمال هذا الكاتب الكبير والذي أثرى الأدب العربي بكتاباته وقصصه ومقالاته. الكاتب الذي أبدع في وصف المشاعر الإنسانية والريف المصري وكان بحق رائد القصة المصرية القصيرة عبر تاريخها. وقبل أن اذهب عزيزي القارئ لتستكمل رحلتك مع إبداعات يحيى حقي سأتركك مع كلماته مع المذيعة أماني ناشد معلقًا على علاقة البشر ببعضهم البعض. إلى اللقاء يا صديقي ولنا لقاء قريب قد يكون في السيدة زينب أو قرية كوم النحل.
“يجب أن نعمل على اراحة بعضنا البعض ، الشخص يجب أن يحسن الإستماع لمن يُحدثه ، أن تعطيه ما تقدر عليه من إنتباه حتى لو أن الكلام مجرد مدح في النفس أو رثاء للنفس .عندما يستمع الشخص للناس يتعلم ويرى طبائع الأشخاص ويكتشف أكثر عن هذا الشخص ، والشخص الذي أُحسن الاستماع إليه يشعر براحة كبيرة. نحن نحتاج صنف من الناس تُحسن الاستماع أكثر من أن تُحسن الكلام.”
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة
تعليقات على "أهم مؤلفات يحيى حقي رائد القصة القصيرة “صاحب القنديل”"