الإنسان مطبوع على حب الجريمة، عاشق لتفاصيلها، لذا نقدم لك مجموعة من افضل روايات الجاسوسية والجريمة. إن البعض يعتقد أن الشيطان هو من يشجعه والبعض يميل إلى أنها غريزة و شهوة تنبع من النفس.
بعد فترة إقامة سعيدة فى الجنة، ارتكب أبونا آدم أول جريمة وخالف القانون فكان مصيرنا الهبوط إلى الأرض، تاب آدم لكن لم تتب ذريته فها هو قابيل يقتل أخاه هابيل بدم بارد ليسفك أول دم بشرى على الأرض.
على مر الدهر، الشهوة تزداد و التعطش للدماء يشتد، وكلام الأنبياء عن العقاب والنار إن أخاف البعض فهناك الكثير لا يخافون ولا يتعظون، لابد من قانون أرضى ولابد ممن يردعهم و يوقف نزيف الدماء، هنا نشأت أجهزة الشرطة وكان الملك مينا نارمر أول مؤسسيها.
هنا بدأت تكتمل الأركان وأصبحت جاهزة، فلم يكتف الإنسان بإرتكاب الجريمة بل بدأ ينسج ويسرد القصص والحكايات حولها، يطوف فى البلدان و يروى ما حدث من جرائم ويخترع من خياله ما لم يقع بعد.
ومع تطور المجرم وتعدد حيله، تطورت فى المقابل أجهزة الشرطة وظهر المحققون وعلم البحث الجنائى؛ وبالتالى أصبحت الأركان متطورة، فلزم تطور الحكايات التى تروى لتلاقي مستوى وطموح الحدث، فظهر فن الأدب البوليسي، ومن أشهرها افضل روايات دان براون.
ويعتبر إدجار آلان بو أول من ابتدع القصة البوليسية بشكلها المنظم من خلال قصته “جرائم شارع مورغ” ثم بدأت بعدها الجريمة تأخذ شكل الروايات المنظمة والتى برع فيها السير آرثر كونان دويل مؤلف شخصية المحقق شارلوك هولمز، وإيان فيلمنغ، مؤلف قصص جيمس بوند وبالطبع أجاثا كريستى و جورج سيمون و غيرهم من رواد الأدب البوليسى.
ولما كان العرب هم أهل الكتابة والأدب على مر العصور فكان ينبغى أن يكون لهم نصيب من ذلك النوع المميز من الأدب خاصة وأننا شعوب تعشق المغامرات وتحب الأبطال وتهوى نظريات المؤامرة وما يثار حولها من حواديت.
وبالتالى فإن تلك البلاد التى نشأت فيها ألف ليلة وليلة ومغامرات علاء الدين؛ كان لابد أن تظهر فيها سلاسل من المغامرات الشيقة لحل ألغاز الجرائم وكشف المؤامرات وإحباط الخطط الشريرة. ومصر بالتحديد لها صبغة خاصة في هذا النوع من الأدب، لذلك دعوني أرحب بكم فى هذا المقال وحوار شيق حول:
إقرأ ايضاً مؤلفات يحيى حقي
و بما أننا بدأنا الحديث عن العرب فمن المنطقى أن نفتتح كلامنا بأستاذ العرب وكبيرهم فى الرواية صاحب نوبل، الذي وضع العرب على خريطة الرواية العالمية و جذب إلينا الأنظار؛ العالمى نجيب محفوظ ، وبذكر محفوظ يذكر الإبداع و كسر التابلوه المعتاد وهذا ما فعله فى روايته البوليسية “اللص و الكلاب”.
من عادة الرواية البوليسية أن يكون بطلها هو الشرطى أو المحقق الذى يقبض على المجرم المكروه من القراء ويقدمه للعدالة ليسعد القراء بتحقق العدالة فى النهاية.
لكن نجيب محفوظ أبى أن يسير فى ذلك الدرب المعتاد و قرر أن يشق دربا جديدا كعادته فها هو بطل قصته المجرم الهارب من العدالة سعيد مهران يخطف قلوب القراء و يثير تعاطفهم معه و يشحنهم كرها ضد الشرطة والصحافة والعدالة.
حتى تحول كل أعداء سعيد مهران إلى أعداء للقراء الذين أصبحوا كمشجعين الدرجة الثالثة يهتفون بإسم سعيد مهران كلما سجل قتيلا جديدا ، و يسامحوه كلما ارتكب خطأ جسيما ، وكلما اقتربت الشرطة من تحقيق العدالة يغضب القراء ويدعون الله أن ينجو سعيد من العدالة التى اعتاد جمهور القراء على مساندتها إلا فى تلك الرواية.
فماذا فعلت بعقول قرائك يا محفوظ! قد كنت حقا طبيبا نفسيا بارعا فى تشكيل عواطف القراء ومن ملك عواطف القوم، ملك عقولهم فبدلها كيفما شاء، ويذكر أنه تم تحويل تلك الرواية لفيلم سينمائى من بطولة شكرى سرحان و كمال الشناوي.
تعرف ايضاً على افضل كتب نوال السعداوي
وكما كان للعرب حظا في الروايات البوليسية بشكلها الأول فكذلك كان لهم حظا فى وليدتها روايات الجواسيس ، فها هو صالح مرسى رائد ذلك الفن فى الأدب العربى من خلال رائعته “رأفت الهجان” عن بطولة حقيقية لرجل المخابرات المصرية (رفعت الجمال )، والتي هي واحدة من أشهر و افضل روايات الجاسوسية.
وتمتاز تلك السلسلة عن غيرها من روايات الجاسوسية بأنها كشفت عن قصة مخابراتية حقيقية تعاون فيها الكاتب الراحل مع المخابرات المصرية لتقديم تلك الحكاية الرائعة التى زلزلت العدو الإسرائيلي الذي ما زال ينكوي بآثارها حتى اليوم.
لصالح مرسي رواية أخرى أقل شهرة من “رأفت الهجان” ولكنها لم تخلو من الاسرار وهي “الصعود إلى الهاوية” تدور القصة حول عميلة مصرية أطلق عليها صالح مرسى عبلة كامل، بينما اسمها الحقيقى “هبة سليم” يتم تجنيدها من قبل المخابرات الإسرائيلية فى فترة حرب الاستنزاف للتجسس على مصر.
لم يكن صالح موسى هو أول من كتب في الجاسوسية، فالسبق بين العرب فى الروايات البوليسية والجاسوسية كان للكاتب ماهر عبد الحميد من خلال رواية “قصتى مع الجاسوس”. كان ماهر عبد الحميد ضابط مصرى وأحد جنود حرب ١٩٦٧، ويقوم العمل على وقائع روايات جاسوسية حقيقية بطلها الكاتب، إذ كان فيها عميلاً مزدوجاً لحساب المخابرات المصرية.
وفي هذا الكتاب لا يكتفى بوصف عملية سرية بل يعرف أدق التفاصيل، الدراسات التى أجريت والأبحاث التى تمت ثم القرارات التى اتخذت على أعلى مستوى، بالإضافة إلى الاتصالات التى كانت تجرى بين الحكومات العربية، التى دارت على أرضها أحداث تشد الأنفاس، تتسم بالإثارة وهو يسلط شعاعا خاطفا من الضوء على أسرار ذلك العالم الغامض والغريب، عالم المخابرات.
بالحديث عن الروايات البوليسية لا يفوتك قراءة أفضل أعداد رجل المستحيل سحر خاص من الروايات البوليسية والغموض.
وبذكر العطش يذكر الماء، وكذلك بذكر الروايات الجاسوسية يذكر الدكتور نبيل فاروق ( رحمه الله) كرائد من رواد ذلك المجال، أثرى الأدب العربى والعالمى بالعديد من السلاسل التي تعد من افضل روايات الجاسوسية.
كسلسلة صراع الجواسيس التى صدرت فى ١٧ جزء هى : “صراع الجواسيس، الخدعة الكبرى، قلب العدو، الجاسوس الغامض، الجاسوس، عملية الكود ألفا، المغامرة السويسرية، جاسوس المحيط، عملية إكس ١٠٧، العراف، المنشق، الدرس، أشهر الجواسيس، وسقطت كل الرؤوس، قاهر الجواسيس، عيون الصقر، زهرة السم”.
ولنبيل فاروف أيضا سلسلة أخرى وهي الأشهر على الإطلاق و الأقرب لقلوب قرائه لكونها واحدة من افضل روايات الجاسوسية وهى سلسلة رجل المستحيل، التي تدور حول رجل المخابرات المصرية أدهم صبرى، صدرت فى ١٦٠ عدد أولها عام ١٩٨٤ بعنوان “الإختفاء الغامض” وآخرها “الوداع” عام ٢٠٠٩.
واشتهر أدهم صبرى بشجاعته وإجادته لكل فنون القتال و استخدامه عدة أنواع من الأسلحة، المراكب، الغواصات والطائرات، كما يجيد التحدث بأكثر من لغة و لهجة مختلفة و يمتلك مهارة تقليد نبرات الأصوات و التنكر و تقمص شخصية من أمامه ، بالإضافة إلى وسامته التى تحمل ملامح مصرية أصيلة.
و فى خلال تلك السلسلة يخوض أدهم صبرى العديد من المغامرات ضد المخابرات الأجنبية و يحبط العديد من المحاولات و الأخطار التى تهدد بلده مصر و يجوب كل بلدان العالم فى سبيل رفقة فريق عمله و على رأسهم منى توفيق و قدرى صديقه المفضل و خبير التزوير الذى يعتمد عليه أدهم فى كثير من الأمور .
لم تكن سلسلة رجل المستحيل مجرد سلسلة بوليسية لعيش أجواء المغامرات و المتعة بل كانت بالنسبة للجيل الناشئ وقتها بمثابة شبكة إنترنت ومنهجا دراسيا تلقى منها كل معلوماته عن العالم وعواصمه والمعالم السياحية بكل بلد بالإضافة لانواع الأسلحة والطائرات وغيرها.
تلك السلسلة أنشأت جيلا مثقفا و دارسا أقوى من أى جيل سبقه ، بالإضافة لأنها غرست فيهم منذ الصغر روح الإنتماء وحب الوطن و الرغبة فى تقديم كل غالى فى سبيل الوطن ، فرحم الله نبيل فاروق و جعل كل ذلك فى ميزان حسناته.
كعادته فى كل رواياته لابد أن تكون هناك علامة بارزة وخروج عن المألوف، ليحلق بخياله الخصب بعيدا عن كل من سبقوه واضعا من يأتون بعده فى معضلة كبيرة، قدم لنا أحمد مراد “فيرتيجو” في عام ٢٠٠٧.
فى الأولى قدم جريمة سياسية وكانت إضافته الإبداعية بأن جعل البطل الرئيسي للرواية مجرد شخص عادي، لا يختلف عن اى منا كما أنه لم يكن المجرم أو المحقق أو له علاقة بأي جانب من جوانب الجريمة ، بل كان ضيفا بالصدفة على الأحداث، ولكنه وجد نفسه يكافح فى سبيل كشف الحقائق وتحقيق العدالة الضائعة وكاد أن يكون ضحية لذلك.
و إن كنت ترغب فى رأى أكثر ثقة منى فيمكنك أن تطلع على رأى الأديب الكبير صنع الله إبراهيم فى تلك الرواية وانطباعه عنها، وقد تم تحويل الرواية إلى مسلسل من بطولة الفنانة هند صبرى.
ثم عاد إلينا مراد في ٢٠١٠ بالتحديد، برائعته “تراب الماس”، والتى أصابت القراء بجنون من روعتها، حيث لم يكتف مراد بإثارة تعاطف القارئ مع المجرم وحسب، بل جعل المحقق شريكا له فى جرائمه، وعلى عكس جميع الروايات التى يكون فيها المجرم شخصيا قويا مفتول العضلات ضليع فى القتل.
فقد جعل أحمد مراد مجرمه أضعف من أن يدوس نملة بإصبع قدمه، ومع ذلك نجح فى قتل عدد كبير من الضحايا، كما أنه جعل له هدفا قد يبدو شريفا أثار رضا الناس وتعاطفهم معه، لا يمكننى أن أذكر أكثر من ذلك حتى لا أحرق كل الأحداث.
لكن كل ما أستطيع أن أذكره أخيرا هو أن تلك الرواية حاصلة على تقييم ٤.٦ من موقع good reads كما أنه تمت ترجمة تلك الرواية للإيطالية والألمانية وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي من بطولة آسر ياسين ومنة شلبى .
لن أتكلم كثيرا هنا ولكنى سأكتفى بطرح سؤال بسيط: من قال أن القاتل المتسلسل لابد أن يكون شخصا عاقلا؟ و هل تستطيع أن تكون المرأة قاتلا متسلسلا؟ و كيف يمكن أن تكون السوشيال ميديا بوابة لعالم القتل والجريمة؟ سأترك لكم إجابة تلك الأسئلة أثناء قراءة تلك الرواية الرائعة .
يذكر أنه تم تحويل تلك الرواية إلى مسلسل من خلال منصة شاهد من بطولة آسر ياسين و منة شلبى ( يبدو أنهما سيسيطران على كل الروايات البوليسية).
فى النهاية كان هذا المقال على سبيل الذكر لا الحصر وربما أكون قد أغفلت عن ذكر الكثير من الروايات البوليسية الرائعة ولكنى حاولت أن أذكر افضل روايات الجاسوسية من كل الأنواع وأن أركز بقدر الإمكان على العلامات البارزة وعلى نقاط الإبداع والتجديد والخروج عن المألوف، أتمنى أن أكون قد أفدتكم قليلا .