مدينة الإسكندرية، لها روح خاصة بها تجذب كل من يذهب إليها وإلى شاطئها. لها تاريخ ممتد في عمق التاريخ ويُحكي عنه الكثير، منذ بداية بناءها حتى الآن .
تعرف ايضاً على تاريخ الدولة الفاطمية من هنا.
لم تكن الإسكندرية في بداية القرن الرابع قبل الميلاد سوى قرية صغيرة تدعى “راكتوس” أو “راقودة” يحيط بها قرى صغيرة، يقول عنها علماء الآثار أنها ربما كانت تعدّ موقعًا إستراتيجيًا لطرد الأقوام التي قد تهجم من حين إلى آخر من الناحية الغربية لوادي النيل، أو لربما كانت مجرد قرية صغيرة تعتمد على الصيد ليس إلا،
وعلى إمتداد الساحل الرئيسي للقرية توجد جزيرة تسمى “فاروس” يوجد بها ميناء يخدم الجزيرة والقرى الساحلية معًا. في ذلك الوقت كانت مصر تحت الإحتلال الفارسي منذ سقوط حكم الفراعنة والأسرة الثلاثون عام 343 ق.م،
وفي مقابل قوة الفرس كانت قوة الإغريق في إزدياد سريع، وبدأت المواجهة بينهما في ربيع عام 334 ق.م، واستمرت المعارك بينهما حتى دخل الإسكندر الأكبر مصر عام 333 ق.م.
بعد دخول الإسكندر الأكبر مصر وطرده للفرس منها، إستقبله المصريون بالترحاب نظرًا للقسوة التي كانوا يُعاملون بها تحت الإحتلال الفارسي، ولكي يؤكد الإسكندر الأكبر أنه جاء إلى مصر صديقًا وحليفًا وليس غازيًا مستعمرًا، إتجه لزيارة معبد الإله آمون إله مصر الأعظم في ذلك الوقت، فذهب إلى المعبد في واحة سيوة،
وأجرى له الكهنة طقوس التبني ليصبح الإسكندر الأكبر إبنًا للإله آمون، ولُقب فيما بعد بإبن آمون، وفي طريقه إلى المعبد مرّ بقرية للصيادين كانت تُسمى “راقودة”، فأعجب بالمكان وقرر أن يبني مدينة تحمل اسمه لتكون نقطة وصل بين مصر واليونان وهي مدينة الإسكندرية، وعهد ببنائها إلى المهندس دينوقراطيس،
والذي شيدها على نمط المدن اليونانية، ونسقها بحيث تتعامد الشوارع الأفقية على الشوارع الرأسية.
إتسمت الإسكندرية في بدايتها بالصبغة العسكرية كمدينة للجند الإغريق، ثم تحولت أيام البطالمة الإغريق إلى مدينة ملكية بحدائقها وأعمدتها الرخامية البيضاء وشوارعها المتسعة، وتحوّلت في ذلك الحين إلى عاصمة لمصر،
وأصبحت إحدى حواضر العلوم والفنون بعد أن شيد فيها البطالمة عددًا من المعالم الكبرى من شاكلة مكتبتها الضخمة التي تعد أول معهد أبحاث حقيقي في التاريخ، ومنارتها التي أصبحت أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وكانت تطل على البحر وجنوب شرقي الميناء الشرقي الذي كان يطلق عليه الميناء الكبير.
خضعت المدينة اسميًا للرومان سنة 80 ق.م، وفقًا لرغبة بطليموس العاشر، واستمر الأمر قرابة قرن من الزمن قبل أن تسقط بيد يوليوس قيصر سنة 47 ق.م، عندما استغلت روما النزاع والحرب الأهلية القائمة بين بطليموس الثالث عشر ومستشاريه وشقيقته كليوبترا السابعة، وبعد عدة معارك إنتصر قيصر وتم قتل أخيها، وبذلك استطاعت كليوباترا الانفراد بحكم مصر،
وعلى أحد آراء بعض المؤرخين فقد تم حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة في ذلك الوقت في صراع يوليوس قيصر مع بطليموس الثالث عشر. سقطت المدينة بيد القائد أوكتافيوس الذي أصبح لاحقًا الإمبراطور “أغسطس” في 1 أغسطس سنة 30 ق.م، وبهذا أصبحت مصر ولاية رومانية.
تعرف ايضاً على عجائب الدنيا السبع من هنا.
ظلت الإسكندرية أكبر مدينة في الإمبراطورية الرومانية الواسعة بعد روما العاصمة، وأقدم الرومان على عمل العديد من الإصلاحات فيها، وكذلك فقد أعطى الرومان لليهود في الإسكندرية، والذين كانوا يمثلون جزءا أساسيا من التركيبة السكانية للمدينة، حريات كثيرة وسمح لهم بإدارة شئونهم الخاصة.
غير أن كل ذلك لم يوقف حركات التمرد والتوتر في المدينة والتي وصف أحد الكتاب القدماء أهلها بأنهم “الأكثر رغبة في الثورة والقتال من أي قوم آخر”، فمن تمرد اليهود في عام 116م، والتوتر المتواصل بين اليهود واليونان على مسائل قديمة،
فضلاً عن إحتجاج السكندريون بصفة عامة على الحكم الروماني، والذي أدى في عام 215م وعلى إثر زيارة الإمبراطور الروماني إلى الإسكندرية إلى قتل ما يزيد عن عشرين ألف سكندري بسبب قصيدة هجاء قِيلت في الرجل.
غير أن من أهم أسباب الإضطراب هو أن العالم قد شهد أحد أهم الأحداث في التاريخ وهو ميلاد الديانة المسيحية، والتي تزامنت مع بداية الحكم الروماني في مصر، وحيث أن الديانة الجديدة بدأت تجذب الكثير من المصريين وتدعوهم إلى نبذ الوثنية وعبادة الله،
فقد بدأ عصر جديد من الاضطهاد حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين. ضربت موجة تسونامي هائلة المدينة بتاريخ 21 يوليو سنة 365، جرّاء زلزال وقع بالقرب من جزيرة كريت، ونجم عنها خراب ودمار كبيرين.
خضعت الإسكندرية للإمبراطورية البيزنطية بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين غربي روماني وشرقي رومي بيزنطي، وفي القرن السابع الميلادي كانت الإمبراطورية البيزنطية قد وصلت إلى حالة بالغة من الضعف، فشجع ذلك الإمبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق على الهجوم على ممالكها وإحتلال الشام ومصر،
فدخل الفرس الإسكندرية ونهبوا المدينة وقتلوا الكثير من أهلها، لكن الحكم الفارسي لم يدم إلا بضع سنين حيث إستطاع الإمبراطور هرقل إسترداد ممالكه ورجعت الإسكندرية من جديد تابعة للإمبراطورية البيزنطية.
وقد أراد هرقل تعيين بطريرك قوي في الإسكندرية يسند له الرئاسة السياسية بجانب سلطته الدينية ليكون قادر على قهر الأقباط وإرغامهم على إتباع مذهب المونوثيليتية فعين بطريركًا رومانيًا يدعى كيرس والمعروف عند مؤرخي العرب باسم “المقوقس”، لتحقيق هذه الغاية، إلا أنه فشل في ذلك.
وخلال هذا العهد كان الإسلام قد برز في شبه الجزيرة العربية واستقطب أعدادًا كبيرة من الناس، وكان النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) قد أرسل إلى حكام الدول المجاورة رسائل يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكان المقوقس من ضمن هؤلاء الحكام.
خرج العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية لنشر الإسلام في أنحاء العالم المعروف، فانطلق عمرو بن العاص من القدس إلى مصر، بعد أن شاور الخليفة عمر بن الخطاب، واصطدمت القوة العربية بالروم في مدينة الفرماء، مدخل مصر الشرقية، فسقطت المدينة بيد عمرو، ثم تبعتها بلبيس. وكان المقوقس، قد تحصن بحصن إزاء جزيرة الروضة على النيل،
ورابط عمرو في عين شمس. ولما وصلت الإمدادات من الخليفة عمر، تقاتل الفريقان في منتصف الطريق بين المعسكرين، فانهزم المقوقس واحتمى بالحصن، ولمّا ضيّق عمرو عليه الحصار اضطر إلى القبول بدفع الجزية. وتابع عمرو إستيلائه على المدن المصرية، ولم يبق إلا الإسكندرية قصبة الديار المصرية وثانية حواجز الإمبراطورية البيزنطية.
وكان الاسطول البيزنطي يحميها من البحر، ولكن شدّة الغارات البريّة العربية، وموت هرقل وإرتقاء إبنه قسطنطين الثاني عرش الإمبراطورية وكان حديث السن، جعلت الروم يوافقون على شروط الصلح، فجلت قواتهم وأسطولهم عن المدينة ودخلها المسلمين فاتحين، وأطلقوا الحرية الدينية للأقباط وأمّنوهم على ممتلكاتهم وأرواحهم.
ولكن بعد مدة قصيرة من السيطرة على المدينة قام البيزنطيون بهجوم مضاد ليستعيدوا المدينة من جديد إلا أن عمرو بن العاص إستطاع هزيمتهم ودخل الإسكندرية مرة أخرى في صيف سنة 646، ورحب الأقباط في الإسكندرية بقيادة البطريرك بنيامين الأول بالمسلمين ترحيباً بالغاً وبذلك فقدت الإمبراطورية البيزنطية أغنى ولاياتها إلى الأبد.
فقدت الإسكندرية مكانتها السياسية بعد ذلك بسبب إتخاذ عمرو بن العاص من الفسطاط عاصمة له بدلاً منها، لكنها إستمرت الميناء الرئيسي لمصر وأبرز مرافئها التجارية.
نشطت حركة التجارة في الإسكندرية خلال العهد الإسلامي، كذلك تم بناء سور جديد للمدينة، ووفد إليها الكثير من العلماء من أمثال الإمام الشاطبي والحافظ السلفي وإبن خلدون وغيرهم الذين أثروا الحركة العلمية للمدينة.
تعرضت المدينة لعدة زلازل قوية عام 956 ثم 1303 ثم 1323، أدت إلى تحطم منارتها الشهيرة ولم يبق منها سوى الأساس الحجري. كما تعرضت الإسكندرية لهجمات صليبية كان أخرها في أكتوبر سنة 1365م عانت فيها من أعمال قتل دون تمييز بين مسلم ومسيحي ونهب وضربت المساجد،
إلا أنه وفي عام 1480 قام السلطان المملوكي قايتباي ببناء حصن للمدينة لحمايتها في نفس موقع المنارة والمعروفة الآن “بقلعة قايتباي”، حيث حظيت الإسكندرية في عهده بعناية كبيرة، وقد هيأت دولة المماليك وسائل الراحة لإقامة التجار الأوروبيين في ميناء الإسكندرية فبنيت الفنادق ووضعت تحت تصرف التجار حتى يعيشوا وفق النمط الذي اعتادوه في بلادهم.
فقدت الإسكندرية الكثير من أهميتها بعد إكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في عام 1498 وتحوّل طريق التجارة إلى المحيط الأطلسي بدلاً من البحر الأبيض المتوسط، وكذلك بعد جفاف فرع النيل والقناة التي كانت تمد المدينة بالمياه العذبة.
خضعت الإسكندرية مع باقي مصر إلى الحكم العثماني بعد إنتصار السلطان سليم الأول على المماليك في معركة الريدانية ودخل مصر فاتحًا عام 1517. شهدت الإسكندرية أحداثًا مهمة خلال القرن الثامن عشر تمثلت بالحملة الفرنسية على مصر ودخول الجنود الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت الأول الإسكندرية في أوائل شهر يوليو عام 1798 بدون مقاومة تذكر،
واعتبرت الدولة العثمانية احتلال بونابرت لمصر اعتداءً عليها، ووقف الإنجليز والروس إلى جانب العثمانيين وعرضوا المساعدة على الباب العالي لإخراج الفرنسيين من مصر، وسرعان ما إلتحمت القوات البريطانية مع الفرنسية في الإسكندرية في عام 1801م في معركة أدت لخروج القوات الفرنسية من مصر.
تدين الإسكندرية لمحمد علي باشا بالنهضة حيث أنه أعاد للمدينة الحياة بعدّة وسائل ففي عام 1820م تم الانتهاء من حفر قناة المحمودية لربط الإسكندرية بنهر النيل، وتحت حكم خلفاء محمد علي استمرت الإسكندرية في النمو الاقتصادي، فشهدت في عهد الخديوي إسماعيل تحديداً اهتماماً يُشابه الاهتمام الذي أولاه لتخطيط مدينة القاهرة،
فأنشأ بها الشوارع والأحياء الجديدة وتمت إنارة الأحياء والشوارع بغاز المصابيح، وأنشئت بها جهة خاصة للاعتناء بتنظيم شوارعها وللقيام بأعمال النظافة والصحة والصيانة فيها، ووضعت شبكة للصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، وتم رصف الكثير من شوارع المدينة،
وقامت إحدى الشركات الأوروبية بتوصيل المياه العذبة من منطقة المحمودية إلى المدينة وتوزيعها، وأنشئت في المدينة مباني ضخمة وعمارات سكنية فخمة في عدد من الأحياء.
اليك ايضاً كتاب تاريخ مصر في هذا المقال.
تعرضت الإسكندرية خلال هذه العصر الحديث إلى الكثير من الأحداث وخاصة عند بداية الإحتلال البريطاني لمصر، حيث قام الأسطول البريطاني بقصف المدينة لمدة يومين متواصلين حتى إستسلمت المدينة معلنةً بداية الإحتلال البريطاني لمصر والذي دام لسبعين عامًا،
وتحت الإحتلال البريطاني زاد عدد الأجانب وخاصة اليونانيون الذين أصبحوا يمثلون مركزًا ثقافيًا وماليًا مهم في المدينة، وتحولت الإسكندرية إلى موقع إستراتيجي مهم للقوات البريطانية. تعرضت المدينة لأضرار هائلة في فترة الحرب العالمية الثانية،
حيث كانت تقصفها الطائرات الحربية لدول المحور خصوصًا الإيطالية والألمانية ما تسبب في دمار ومقتل المئات واعتبرت الإسكندرية أكثر المدن المصرية تضرراً من تلك الحرب. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ألغيت الملكية في مصر، وقامت الجمهورية المصرية على أنقاض المملكة بقيادة جمال عبد الناصر الذي أعلن من الإسكندرية،
وبالتحديد في ميدان المنشية حيث تعرض لمحاولة إغتيال، تأميم قناة السويس. وقد قلت أعداد الجاليات الأجنبية في الإسكندرية بعد سياسة التأميم التي اتبعها عبد الناصر وكذلك بسبب الحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل، إلا أنه ما يزال هناك جالية يونانية بسيطة في المدينة.
مدينة هرقليون وتعرف أيضا باسم ثونيس وأحيانا تسمى ثونيس-هرقليون، كانت مدينة قديمة تقع قرب الفرع الكانوبي من النيل، حوالي 32 كم شمال شرق الإسكندرية، تقع بقايا مدينة هرقليون حاليا في خليج أبي قير على بعد 2.5 كم من الشاطيء وعلى عمق 30 قدم، حيث اكتشف علماء الآثار المدينتين الغارقتين هرقليون وكانوبوس منذ عام 1992.
وبجانب كونها مركزًا دينيًا بارزًا، كانت مدينة هرقليون نقطة تجارية رئيسية على البحر المتوسط في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت توصف بأنها “مدخل بحر اليونانيين”، كما هو معروف من لوحة في ناوكراتيس وجدت في عام 1899.
عندما بدأ علماء الآثار الغوص في هذا الموقع في التسعينات من القرن الماضي، اكتشفوا أطلال معبد هرقليون الذي كان مخصصًا لآمون وهرقل-خونسو. كما عثروا أيضًا على تماثيل ضخمة للآلهة وللملوك البطالمة وزوجاتهم وآنياتهم وجواهرهم والعديد من السفن الخشبية المحطمة.
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة