البتراء من أهم المدن الأثرية العربية التى ذكر الكثير عنها في كتب عن التاريخ فهي تحمل طابعاً خاص من حيث موقعها الجغرافى، وتاريخها وحضارتها العريقة. كما أنها تتمتع بمعالم أثرية عريقة، وتُعتبر مزاراً للسُياح من جميع أنحاء العالم، كما أنها تتميز بغموضها، وسحر خاص يجذب إليها كل من يزورها لاكتشاف كنوزها الدفينة.
تقع مدينة البتراء فى منطقة لواء البتراء التابعة لمحافظة معان على بُعد٢٢٥ كيلو متر جنوب العاصمة الأردنية الهاشمية عمان، وه٤ى أيضا تُمثل حلقة الوصل بين عمان ومدينة العقبة على ساحل خليج العقبة، وذلك من جهة الغرب من الطريق الصحراوى. يقع اللواء فى الجهة الغربية من مدينة معان ويبعد عنها ٣٦ كم.
تتميز البتراء بطبيعة جُغرافية خاصة، مُحاطة بالجبال، وتتواجد على امتداد سلسلة جبال الشراه المُطلة على وادى عربة. تبلغ مساحة اللواء ٩۰۰ كم٢، أما بالنسبة للمحمية الأثرية فتبلُغ مساحتها ٢٦٤ كم٢. وتُعتبر البتراء أحد مناطق هذا اللواء ومركزه مدينة وادي موسى.
تتميز مدينة البتراء بطبيعة رملية، ذات طابع صخري، فهى مدينة محفورة فى الحجر الرملي المُلون فى صخور جبال موسى الوردي ولهذا السبب سُميت البتراء بـ المدينة الوردية نسبة لألوان صخورها الملتوية.
تشتهر البتراء بعمارتها المنحوتة بالصخور، ونظام قنوات جر المياه القديمة، وأطلق عليها قديما اسم سلع.
يرجع تاريخ إنشاء مدينة البَتراء إلى الأنباط، ولكن قبل ذلك الوقت كان يعيش الآدوميين فى هذه المنطقة. وكانوا فى حالة عداء دائم مع الدول المُجاورة لهم. سيطر الآدوميين واستوطنوا جميع التلال المُحيطة بالبتراء فى الفترة من عام ١٢۰۰ إلى ٥٣٩ قبل الميلاد.
لم يدخل الأنباط مدينة البَتراء مرة واحدة، بل فضلوا الإقامة على التلال المُحيطة بها. فلم يكُن لديهم الاهتمام بالنحت أو شغف البناء فى الصخر، ولكنهم برعوا فى صناعة المنتجات الفُخارية التى نقلوها إلى العرب الأنباط، الذين استقروا فى هذه المنطقة بعد هجرتهم من الجزيرة العربية فى نهاية القرن السادس قبل الميلاد.
وقام الآدوميين باحتلال جزءا هاما من المنطقة التى تمركزت عند تقاطع عدة طرق تجارية مهمة. واستفادوا من القوافل التجارية التى كانت تمر عبر طرقهم. وهُناك اعتقادا بأن الآدوميين هُزموا على يد اليهود بقيادة الملك سُليمان، والأنباط ذاتهم هُم من بسطوا سيطرتهم على هذه المنطقة بالكامل لمدة مائتى عام.
ثم قام البابليون بغزو فلسطين، وأخذوا اليهود كأسرى. وبعد ذلك بدأ الآدوميين الذين طُردوا من هذه المنطقة بالتحرك لإعادة احتلال الأراضى التى كانت خاضعة من قبل تحت سيطرتهم.
وعلى الرغم من كل هذا تم اجتياح هذه المنطقة مرة أخرى، ولكن من قبل الأنباط. والأنباط يُمثلون قبيلة بدوية، ينحدرون من أصول عربية، وتعايش الآدوميين مع الأنباط حياة مستقرة.
تأسست البتراء فى عام ٣١٢ قبل الميلاد كعاصمة لمملكة الأنباط. تبوأت البتراء مكانة مرموقة لعدة سنوات، وذلك لموقعها الاستراتيجى على طريق الحرير، والمتوسط لحضارات بلاد ما بين النهرين وفلسطين ومصر.
كما أنها لعبت دورا كبيرا وبارزا، جعل الأنباط يمسكون بزمام التجارة بين حضارات هذه المناطق وسكانها. تقع البتراء فى موقع مُميز على مُنحدرات جبل المذبح بين مجموعة من الجبال الصخرية الشاهقة، التى شكلت الخاصرة الشمالية الغربية لشبه الجزيرة العربية، وتحديدا وادي عربة المُمتد من البحر الميت وحتى خليج العقبة.
ظل موقع البتراء مجهولا وغير مُكتشف على الخريطة للغرب طيلة الفترة العثمانية، وقد أعاد اكتشافها المُستشرق السويسرى ” يوهان لودفيغ بركهارت ” فى عام ١٨١٢. ودرس يوهان الإسلام، وتعلم اللغة العربية فى سوريا، ثم جاء إلى البتراء مُدعيا أنه مسلم قادم من الهند بعد أن تنكر بزي إسلامى.
وبتلك الخديعة التى قام بها، سمح له السُكان بالدخول إلى المدينة الوردية، واحتوى كتابه رحلات فى سوريا والديار المقدسة على صور كثيرة لمدينة البتراء، تم ادراج مدينة البتراء على لائحة التراث العالمي التابعة لمُنظمة اليونيسكو فى عام ١٩٨٥، وتم اختيارها كواحدة من عجائب الدنيا السبعة الجديدة فى عام ٢۰۰٧،كما ذكر في كتب ثقافية كثيرة.
وتُمثل البتراء اليوم رمزا لدولة الأردن. بالإضافة إلى أنها أكثر الأماكن جذبا للسياح على مُستوى المملكة الأردنية، كما أنها تُعد من أهم الوجهات السياحية لزعماء العالم. فى نوفمبر عام ٢۰١٩ احتفلت المدينة بالزائر رقم مليون لأول مرة فى تاريخ السياحة الأردنية.
تقع مدينة البَتراء جنوب بلاد الشام. تتمركز حول وادي عربة من جهة وصحراء النقب من جهة أخرى. وتتميز المدينة بطيبعة برية، حيث تعيش فيها أنواع عُشبية مُعمرة وحولية، يُوجد بها الكثير من الأنواع البصيلية والدرنية: كالعنصل، والبلفسة من الفصيلة الهليونية، والعصفلدين من الفصيلة الزانثورية.
كما ينتشر شجر العرعر الفينيقى فى مدينة البتراء باعتبارها امتدادا لمناطق تواجده فى المشرق العربى، وهو عبارة عن نوع نباتي شجري من العرعر الذى يتبع الفصيلة السروية.
كما تتميز منطقة النقب ببعض الأنواع التى تُعد امتدادا للغطاء النباتى فى افريقيا، ومن هذه الأنواع العشار الباسق، والسنط الملتوى، وينتشر أكثر من ثلاثين نوعا من الثوم، وأربعين نوعا من القنطريون أو ما يُسمى بالفصيلة النجمية، و التى تُوجد فى مناطق الشام المُختلفة المُمتدة من مرعش إلى سيناء.
بالإضافة إلى سبعة وثلاثون نوعا من الأربيان التابعة للفصيلة النجمية، وتتواجد فى معظم البيئات الشامية نوعيات مختلفة ومتنوعة من الأجناس النباتية مثل: نبات السوسن، والذى ينتشر منه أكثر من ثلاثين نوعا مُوزعة على مناطق مُختلفة فى الشام حسب تأقلم كل نوع منها.
أما بالنسبة للحيوانات الموجودة فى مدينة البَتراء، فهى أيضا برية نظرا لطبيعة المدينة الجبلية و الصخرية، حيث يعيش فيها كل من الجمال والخيول والحمير والماعز، وذلك لتحمُلها درجة الحرارة العالية، ولتكيفها مع بيئة الصحراء الجافة.
كانت البَتراء بمثابة عاصمة لدولة الأنباط، بل إنها من أهم مدن مملكتهم العربية التى استمرت مابين عامى ٤۰۰ قبل الميلاد وحتى عام ١۰٦ قبل الميلاد. وامتدت حدودها من ساحل عسقلان فى فلسطين غربا وحتى صحراء بلاد الشام شرقا، وتوجد دمشق من جهة الشمال مُمتدة إلى البحر الأحمر جهة الجنوب.
فى عام ٣۰۰ قبل الميلاد بسط الأنباط سيطرتهم الكاملة على المنطقة، وأسسوا لأنفسهم مُستعمرة حضرية ، وقاموا بنحت أحيائهم السكنية ومبانيهم وقبورهم فى الصخور بجانب الجبال، وازدهر الأنباط فى القرن الأول قبل الميلاد، حيث كان يعيش فى المدينة ما يقارب ٣۰۰۰۰ نسمة.
يحكمهم ملك من عام ١٦٨ قبل الميلاد، أسسوا دولة ديمقراطية، وكان الملك عُرضة للمحاسبة عن كل أفعاله، ويُعتبر موقع البتراء مُميزا بين حضارات بلاد مابين النهرين، وبلاد الشام، والجزيرة العربية فى نفس الوقت.
مدينة البَتراء لها أهمية دينية وتاريخية قصوى بالنسبة لليهود، حيث يعتقد اليهود أنها تحتوى على أهم وأثمن سر فى تاريخهم. وهو تابوت العهد الذى يحتوى على الوصايا العشر التى أعطاها الله لموسى، بالإضافة إلى وجود عصا هارون بداخله.
كما يُوجد مقام هارون فى البَتراء على أحد قممها العالية المُطلة على المدينة الأثرية، والتى تبلُغ ارتفاعها ١٣٥٣ مترا عن سطح البحر، ويُطلق على هذا المقام مقام النبى هارون.
وادعى بعض اليهود أنهم هم من أسسوا مدينة البَتراء، وذلك لاعتقادهم أن التوراة قد أشارت إلى أن أول من بنى هذه المدينة هم سُلالة النبى نابوت الابن الأكبر للنبى إسماعيل. واستندوا أنه ذُكر فى التوراة اشارة إلى عاصمة آدوم، المدينة الحصينة فى وادي موسى، والتى عُرفت باسم البَتراء، التي تعني صخرة باللغة اليونانية.
وطرح الكاتب اليهودى كين كلين كتابه البَتراء، وذكرفيه أن مدينة البَتراء القديمة فى التوراة ستُصبح ملاذا لليهود.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
حلو .. ممكن لينك كتاب بتراء بتاع كين كلين ؟