الثورة العرابية من ضمن ثورات مصر العظيمة لاحظناها جميعاً فقد عانت مصر منذ قبل الميلاد وعلى مدار أكثر من سبعة آلاف سنة من أطماع الدول المجاورة لها، حيث كانت محط أنظار العالم ومطمعاً جغرافياً وحضارياً لكافة الدول.
تمتاز مصر بموقع جغرافي فريد يربط بين ثلاث قارات هم أوروبا وآسيا وأفريقيا “قارات العالم القديم”، كما تطل على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط شرقاً وشمالاً، ويجري بداخلها نهر النيل الذي قامت حوله الحضارة الفرعونية القديمة ونشأت على ضفتيه الزراعة ومن ثم حرفة الصناعة والبناء والتشييد.
كل تلك المميزات جعلت مصر الجهة التي يقصدها أقطار العالم ومطمع للشرق والغرب ليتوالى عليها المستعمرين بدءًا من الهكسوس قبل الميلاد حتى العدو الصهيوني الغاشم في النصف الأخير من القرن العشرين عام 1967 ميلادية.
ومن أهم المستعمرين الذين اعتدوا على مصر في القرن التاسع عشر هم الأتراك الذين استأثروا بالحكم عليها عشرات السنين، فكيف دخلوا مصر، وكيف نجحت الثورة العرابية في التخلص منهم؟ وكيف استطاع البطل أحمد عرابي التصدي لهم دون مؤن وذخيرة؟ هذا ما سنتعرف عليه في ذلك المقال.
في كتب التاريخ المصري نجد أن أحمد عرابي قد ولد في مدينة الشرقية عام ١٩٤١، حيث تلقي حفظ القرآن الكريم بكتاب المدينة ثم أكمل تعليمه في الأزهر بالقاهرة.
استطاع أن يلتحق بالكلية الحربية حينما سمح الخديوي سعيد باشا لأبناء المشايخ والأعيان من المصريين بدخول الكلية الحربية، وأن يصبحوا أعضاء في الجيش الدفاعي للبلاد بعد أن كان مقتصراً على الأتراك فقط.
عُين ملازماً في الجيش عام ١٨٥٨، وفي عهد الخديوي توفيق تم تعيينه أميرالاي عام ١٨٧٩ وهي رتبة (عميد حالياً)، ثم عين وزيراً للحربية في عام ١٨٨٢ في عهد محمود سامي البارودي، وبالرغم من قيادته للثورة العرابية في عام ١٨٨١ وتصديه لفساد الخديوي توفيق.
إلا أنه لم يستطع مقاومة الغزو البريطاني في عام ١٨٨٢ لمدينة الإسكندرية وبالفعل دخل الإنجليز مصر، وقد كان ذلك العام هو بداية الاحتلال البريطاني لمصر الذي استمر لمدة سبعين عاماً حتى عام ١٩٥٢.
لم تنسى السلطات الإنجليزية مقاومة عرابي للاحتلال ومحاولة منعه من الدخول إلى مصر، وفي يوم 28 ديسمبر عام ١٨٨٢.
غادرت الباخرة مريوط ميناء السويس برفقة الأسطول البريطاني لنفي أحمد عرابي وزمليله محمود سامي البارودي ولاحقاً ملك الخطابة عبدالله النديم إلى سريلانكا، حيث استقروا بمدينة كولومبو لمدة 7 سنوات.
بعد ذلك تم نقل أحمد عرابي و البارودي إلى مدينة “كاندي“؛ ليعيش منفياً وحيداً لمدة تسعة عشر عاماً كاملاً دفعها من سنين عمره من أجل محاولة الدفاع عن أرض بلاده.
عاد عرابي إلى مصر في عام ١٩٠١ ليستقر فيها ويموت على أرضها عام ١٩١١ عن عمر يناهز سبعين عاماً كان خلالها أول قائد للثورة في العصر الحديث لجمهورية مصر العربية.
نشأت الثورة العرابية نتيجة مؤامرة تمت بين أفراد الجيش المصري عرفت باسم مؤامرة الشراكسة، والشراكسة أو الأتراك هم الذين كانوا يحكمون مصر في ذلك الوقت تحت قيادة الخديوي توفيق باشا.
الذين بدأ حكمهم في مصر في عام ١٨٠٥ في عهد محمد علي باشا الكبير الذي نجح في التصدي للحملة الفرنسية “١٧٩٧-١٨٠١” كما تصدى للإنجليز، ليبدأ عهد الأتراك كامتداد للدولة العثمانية الحديثة في مصر.
وهي التي كانت تمنح لبعض الضباط المصريين المشاركة في قيادات الجيش المصري إلى جانب الضباط الشراكسة ولكن لا تعطي لهم نفس الحقوق ولا تمنحهم كافة الصلاحيات اللازمة لحماية شئون البلاد.
قد قام بعض الضباط الشراكسة ببث الفتن للقيادات الصغيرة في الجيش لعدم تنفيذ أوامر الضباط المصريين، إلى جانب إصرار الأتراك على عدم ترقية الضباط المصريين إلى المراتب العليا لينشأ الصراع بين القومية العربية المصرية والقومية التركية.
يقوم الأميرال رتبة الضابط وقتذاك الشجاع أحمد عرابي بقيادة ثورة ضد الأتراك مكونة من ١٥٠ ضابطاً يساندها كل من شاهين باشا، مرعشلي باشا، درا مالي أحمد باشا ولكن من هو أحمد عرابي قائد الثورة العرابية؟
في التاسع من سبتمبر عام ١٨٨١ اندلعت شرارة الثورة العرابية التي لم تقتصر تلك المرة على الجيش فقط، بل اشتملت أيضاً على المواطنين من جميع فئات الشعب حيث أن سوء الأحوال الاقتصادية، وسوء معاملة رياض باشا رئيس الوزراء حينئذ للمصريين إلى جانب التدخل الأجنبي السافر في شئون مصر.
كانت العوامل التي تمثل الوقود الذي أشعل النيران في حماس المصريين وفار تنور الصبر لديهم وخرجوا من كل أرجاء مصر مطالبين بالعدل والمساواة.
فقد ازداد نمو الوعي القومي لدى الشعب بقيادة عرابي، و بخطب ملك الخطابة عبدالله النديم الذي شارك عرابي في الثورة، و أشعار محمود سامي البارودي الحماسية التي كان يبثها في آذان المصريين لتخرج أول ثورة في العصر الحديث في مصر تنادي بالعدالة.
قد طالب عرابي بثلاث مطالب محددة، وهي كالتالي:
ليأتي رد الخديوي مستفزاً لمشاعر المصريين قائلاً :
كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت مُلك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا
ليرد عرابي عليه بمقولته التي خلدها التاريخ وذكرتها كافة كتبه ومجلداته قائلاً:
لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً، فوالله الذي لا إله إلا هو، فإننا لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم
تم عزل رياض باشا من رئاسة الوزارة بناء على قرار الخديوي الذي استجاب لمطالب الشعب، وتم تأليف وزارة جديدة في سبتمبر ١٨٨١ بقيادة شريف باشا عُين فيها محمود سامي البارودي وزيراً للحربية، الذي قام بوضع دستور يحمي قوانين البلاد.
قام بعرضه على مجلس النواب الذي وافق على بنوده كاملة فيما عدا عدد قليل لا يذكر، ولكن إنجلترا وفرنسا قامتا بإرسال مذكرة مشتركة في يناير ١٨٨٢ تعلن فيها مساندة الخديوي الذي قبل تلك المذكرة واستند إليها في دعمه لرفض دستور البارودي، واستقال شريف باشا من منصبه.
تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي شغل فيها عرابي منصب وزير الحربية وقيادة الجيش، وتم إعلان دستور البارودي الذي أصدر به الخديوي مرسوماً ملكياً في السابع من فبراير عام ١٨٨٢.
قد أطلق على هذه الوزارة اسم وزارة الثورة التي حققت مطالب الشعب والجيش المصري، والتي كانت تعتبر إلى جانب الدستور أهم إنجازات الثورة العرابية التي ضمنت حقوق المصريين.
مما لاشك فيه أن الثورة العرابية نجحت نجاحاً مذهلاً في التصدي لظلم الخديوي ورئيس الوزراء للشعب المصري والتي كانت من أهم انجازاتها ما يلي: