الحرب العالمية الأولى من أهم الحروب التي خاصتها البشرية ومن ضمن عدد الحروب التي خاصتها مصر وهنا عزيزي القارئ، سنتحدث بين هذه السطور القليلة عن حرب قالوا عنها الحرب العظمى، شارك فيها سبعين ألف جندي ونتج عنها أربعون مليون قتيل، إنها الحرب التي غيرت وجه العالم للأبد، إنها الحرب العالمية الأولى.
هناك روايات حربية تدل علي أن عملية الاغتيال لم تستغرق سوى دقيقة واحدة نتج عنها حرب استمرت أربعة أعوام. في مطلع القرن العشرين كانت منطقة (البلقان) في أوروبا تعيش حالة من التوتر، فقد خرجت من عباءة العثمانيين إلى مظلة حكم الإمبراطورية النمساوية المجرية، وهو الأمر الذى لم يعجب الأغلبية في عام ١٩١٤
جاءت الفرصة لهم عندما خرج (الأرشيدوق) (فرانز فرديناند) في جولة أمام شعبة في البوسنة، وحينها قررت منظمة (اليد السوداء) تنفيذ المهمة، وبالفعل وضعت سبعة أشخاص في طريقه ووضعوا قنبلة يدوية الصنع وعندما انفجرت لم تصبه بأي أذى، ولكنها أصابت بعض الأشخاص من الحرس الذين كانوا معه في موكبه.
ذهب الأرشيدوق فرانز فرديناند حينها لزيارة المصابين بالمستشفى. هناك شاهده اليوغسلافي (غافريلو يرانسيب)، و كان واحدًا من الأشخاص السبعة الموكلين بتنفيذ مهمة قتل الأرشيدوق، وعلى الفور قام بإشهار مسدسه وأطلق النار على الأرشيدوق ليعلن اغتيال الأرشيدوق وعندها قرعت طبول الحرب العظمى.
عقب اغتيال الأرشيدوق أرسلت الإمبراطورية النمساوية برقية لصربيا اتهمتها باغتيال الأرشيدوق ووجهت إنذارًا أخيرًا لها مع بعض الشروط الذي عليها أن توافق عليها وإلا الحرب. رفضت صربيا كل تلك الشروط واتصلت بحليفتها روسيا تبلغها بقدوم الحرب والتي بدورها أصدرت أوامرها للتحضير للحرب في ٢٨ يوليو ١٩١٤
قصفت النمسا العاصمة الصربية بالطائرات واتفقت النمسا مع ألمانيا ليكونا في خندق واحد في الحرب، وخلال أيام قليلة كان الجنود كلهم على أهبة الاستعداد للحرب.
أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا ثم اتجهت بإعلان الحرب على فرنسا، لتنطلق الحرب بين دول المحور المتمثلة في إمبراطورية النمسا المجرية والإمبراطورية الألمانية ضد دول الحلفاء متمثلة في روسيا وفرنسا وصربيا وبريطانيا تدخلت في الحرب دعامة لفرنسا.
منذ بدء شرارة الحرب كانت الإمبراطورية العثمانية على أهبة الاستعداد لمواجهة روسيا لما بينهما من عداء. وفجأة؛ أعلنت روسيا الحرب على الإمبراطورية العثمانية بعدما كشفت عن اتصالات عثمانية مع ألمانيا، وقبل هذا بأيام كانت اليابان قد دخلت الحرب في صفوف الحلفاء ومعها مملكة الجبل الأسود.
وهنا ومن دون أي إنذار مسبق للعالم اتسعت رقعة الحرب من أوروبا إلى أنحاء العالم حيث وصلت إلى مستعمرات تلك الدول في مختلف القارات. لكن ألمانيا كانت تسعى للفوز تطلق خطة (شليفن) التي وضعها رئيس أركان الجيش الألماني (ألفريد جراف فون)
كانت تعتمد هذه الخطة في الحرب العالمية الأولى على دخول الإمبراطورية الألمانية المتمثلة في الجيش الألماني إلى فرنسا عبر بلجيكا والسيطرة عليها في غضون أربعة أسابيع.
في تلك الأثناء تكون روسيا لم تكمل بعد تجهيز قواتها ما يسهل الهجوم عليها بعد هزيمته فرنسا. ومع حلول صباح السابع من أغسطس اتجهت القوات الألمانية إلى بلجيكا وأعلنت الحرب على فرنسا، ولكن بلجيكا رفضت أن تكون ممرًا لعبور القوات الألمانية وقاومت مقاومة عنيفة منعت الألمان من التقدم.
كما هاجمت القوات الفرنسية القوات الألمانية وهزمتها في معركة (مارن) نسبة إلى نهر مارن، وبدلًا من أن تنتصر القوات الألمانية كما كانت الخطة، فشلت وقامت بحفر خنادق بطول حدودها وحفرت فرنسا هي الأخرى بدورها خنادق على الشريط الحدودي لها.
قام القائد الفرنسي العام جوزيف جوفر بشن هجوم على الحدود الألمانية الفرنسية، وبالرغم من أن جوفر لم يستبعد أن يهجم الألمان عبر بلجيكا المحايدة، لكنه لم يتوقع أن ذلك الهجوم هو الهجوم الرئيسي، وظل مشتبكاً فيما اعتقد أنه المعركة الأساسية (معارك الحدود)
رغم أن معارك الحدود، اعتبرت معارك ثانوية مقارنة بمعركتي لياج والمارن، إلاّ أن معارك الحدود قد كلفت الفرنسيين والبريطانيين حوالي ثلاثمائة ألف جندي ما بين قتيل، وأسير، وجريح.
مقسمة على سبع جيوش تتلقى أوامرها من هيلموت فون مولتكه الأصغر، رئيس أركان القيادة الألمانية في برلين
مقسمة إلى تسع وحدات يقودها القائد الفرنسي جوفر
كانت هذه المعركة في الحرب العالمية الأولى هي نقطة النهاية في حرب الحركة، ونقطة البداية في الحرب الجامدة في الجبهة الغربية، إذ اشتبك الطرفان في معارك دموية حتى مارس ١٩١٨ بدون أن يحقق أي من الطرفين مكاسب إقليمية مهمة، هنا يبدأ الألمان تحقيق نجاح مبدئي تتلوه الهزيمة النهائية في الحرب .
بعد المعركة قابل فون مولتكه الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني وقال له: “صاحب الجلالة. لقد خسرنا الحرب”، لكن الإمبراطور لم يكن على ما يبدو مقتنعاً بكلامه، حيث عزل فون مولتكه يوم ١٩١٤، وحل محله إريش فون، فالكنهاين. استمر أكثر من أربع سنوات قبل أن يدرك الإمبراطور أنه خسر الحرب
نجحت معركة المارن الأولى في دفع الألمان إلى الخلف لمسافة ٤٠-٥٠ ميلاً، وحافظت على العاصمة باريس ومنعتها من السقوط في يد الألمان. ومن هذا المنطلق يعتبر هذا الحدث نصراً استراتيجياً كبيراً مكّن الفرنسيين من تجديد الثقة بالنفس والاستمرار في الحرب، إلا أن العدو الألماني الكبير.
ورغم أنه لم يحقق هدفه بإبعاد فرنسا عن الحرب العالمية الأولى في وقت مبكر، إلا أنه مكّن ألمانيا من السيطرة على قطاعات كبيرة في شمال فرنسا. وكان على فرنسا أن تواصل الحرب لاستعادة المنطقة الصناعية الغنية بالفحم والحديد والمنتجة للمعادن، فقد كان سقوط تلك المنطقة ضربة قاصمة للاقتصاد الفرنسي.
كانت الحرب خاصاً الحرب العالمية الأولى مأساة للعرب حيث قسمت الدولة العثمانية وقسم العرب ولم توف بريطانيا بوعودها بإقامة دولة عربية مستقلة تحت حكم الشريف حسين.
في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً يوم ١١ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩١٨، خيّم الهدوء على الغربية بفرنسا معلنا بذلك نهاية الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عقب حادثة اغتيال ولي عهد النمسا، فرانز فرديناند، لتستمر الحرب العالمية الأولى لأكثر من ٤ سنوات، متسببة في سقوط ما يزيد عن ٤٠ مليون ضحية بين قتيل وجريح.
وبدل إنهاء العمليات القتالية عن طريق استسلام أحد الطرفين، فضّلت كل من ألمانيا من جهة والحلفاء من جهة ثانية وقف إطلاق النار عقب التوصل لهدنة، حيث اعتبرت الأخيرة أنسب حل لإنهاء مآسي الحرب العالمية الأولى بشكل سريع.
بعد ٤ سنوات من القتال في الحرب العالمية الأولى، عانت الأطراف المتحاربة من الخسائر البشرية المرتفعة في صفوف الجنود وتراجع كبير في كمية العتاد العسكري خاصة بالنسبة للألمان، وخلال صيف وخريف عام ١٩١٨.