“عندما تكون الحياة مسرح كبير لتمثيل أعظم مشاهد التراجيدي الأدبية”
بالجملة دي بنفتتح مقالنا عن أخطر تأثير حصل لمجموعة كبيرة من القُراء المراهقين بسبب رواية!
في طبيعة الحال بنحب نقلد حاجات بنقرأها في الروايات، بنروح نفس الأماكن اللي اتذكرت في الرواية، بناكل أكلة معينة البطل كان بيحبها وبياكلها على مدار الأحداث، بنحاول نحاكي الأحداث ونجسدها في حياتنا.
على سبيل الذكر، من خلال قرائتي لرواية “كافكا على الشاطئ” من تأليف الروائي الياباني هاروكي موراكامي، لاحظت إنجذاب البطل “كافكا” لمزيكا معينة خصوصًا وهو بيشرب قهوته، اثرني الفضول أسمعها وافهم إيه سبب إنجذابه ليها، واللي حصل إن لقيت نفسي أنا كمان بحاكي الرواية وبسمع مقطوعة “ثلاثية الأرشيدوك – بيتهوفن” رقم 7 لروبن شتاين، هيفتيز وفيورمان،
صباح شتوي في العمل، بجهز قهوتي السادة، ريحتها مع المزيكا وأول رشفة منها حسيت إني بعيش الرواية، ومن يومها وأنا بسمعها وبستمتع جدًا وكأني شخص خيالي زي “كافكا”.
الخيال جامح، وأحياناً الواقع بيكون مُمل، وده دافع قوي لمحاكاة القارئ للرواية اللي بيقرأها، لعل وعسى حياته تقلب حكاية مثيرة ينفع تتكتب عمل أدبي.
حكايتنا في المقال ده عن الرواية اللي أثرت بشكل كبير على قُرائها ولكن بطريقة سلبية جدًا.
نبذة عن “آلام فرتر” لجوهان جوته
هي رواية من الأدب الألماني للكاتب جوهان فولفغانغ فون جوته، الرواية بتتكلم عن بطلها صاحب القلب الرقيق “فرتر”، فرتر شاب عنده 25 سنة سافر لقرية ريفية صغيرة من قرى ألمانيا الساحرة بحثًا عن السكينة والسلام النفسي،
حب الحياة الريفية وأهلها وهما كمان حبوه، واتعرف فيها على بنت اسمها “شارلوت” بترعى إخواتها بعد موت مامتها، ووقع فرتر في حب “شارلوت” ولكن الحب ده مبيكملش لأن “شارلوت” مخطوبة لراجل أكبر منها ب 11 سنة وبيجهزوا لجوازهم.
هنعيش مع فرتر أحزانه وهو بيوصفها في رسايله اللي بيكتبها عن حبه المستحيل لـ “شارلوت”، فرتر شاف إن مثلث الحب ده مش هيتحل إلا بموت حد فيهم، وقرر إنه ينتحر ويسيب الدنيا وشارلوت وقريته الصغيرة.
الرواية بتمثل الرومانسية السوداء اللي بتتسم بالكآبة، العاطفة، واللاعقلانية، وجذبت كتير من القُراء خصوصاً فئة الشباب.
“حمى فرتر”
في سنة 1807، على ضفاف نهر هدسون الرملية في منطقة سيكاوكوس في نيو جيرسي، كان فيه واحد اسمه بيرتل شاب ألماني مهاجر عنده 20 سنة، لابس بدلته الأنيقة استوحاها من “فرتر” بطل رواية “آلام فرتر”،
فتح صفحة 70 منها وحدد خط تحت اقتباس منها بيقول “إنهم محمَّلون—تدق الساعة الثانية عشرة—أذهب”، جهز المسدس بتاعه وضغط على الزناد!
بيرتل مكنش أول واحد.. ولا كان آخر واحد يتأثر بموت “فرتر” ويحاكي نفس طريقة انتحاره في الرواية، وأغلب اللي تأثروا برواية جوته كانوا في سن العشرين، بنفس البنطلون الأصفر والصدرية اللي كان لابسها “فرتر”، بنفس طريقة الإنتحار،
وده اللي تم الإبلاغ عنه وتم ربطه ببعض بعد عدد كبير من حالات الإنتحار المشابهة لحالة الشاب “بيرتل” في ألمانيا وإنجلترا، وفرنسا وأمريكا، تحت تأثير “فرتر” الرومانسي اللي ألهمهم بعملية تدمير الذات من خلال إنهم ينهوا حياتهم، منهم حالة طفل عنده 12 سنة في برايتون سنة 1892 ومزارع في وارويكشير سنة 1894.
شاع مصطلح “حمى فرتر” في أوروبا واتأثر بيها عدد كبير من الشباب والرجال، حتى إن نابليون بونابرت كان معاه نسخة من الرواية في حملته على مصر، فضلاً عن العطر اللي تم إنتاجه بنفس اسم بطل الرواية.
“حمى فرتر” اتحولت لمصدر قلق وخوف من عدوى التأثر والمحاكاة لدرجة حظرها في إيطاليا والدنمارك بتهمة التحريض على الإنتحار، وفرضت مدينة لايبزيج الألمانية قيود صارمة على الزي الرسمي اللي كان لابسه فرتر في الرواية، وبتمنع أي مواطن يحاكي زي “فرتر”.
قضايا أخري على غرار “أحزان فرتر”
“آلام فرتر” مكنتش الرواية الوحيدة اللي أثرت في المجتمع لدرجة المحاكاة، ولكن كان في حالات تانية سببت حوادث،
خلال أواخر القرن الـ 19، تم الإستعانة بروايات باسم “بيني دريدفل” في المحاكم على إنها أدلة في محاكمات لجرائم قتل.
ووجه المجتمع الإنجليزي اتهامات ضد روايات “سر قلعة كوسي” و “مغامرة بوبي كوكني الكبرى” على إنهم بيتاجروا بجرائم القتل الحقيقية.
رواية “الجامع” لجون فاولز
” الفن قاسٍ. يمكنك أن تفلت من جريمة قتل بالكلمات” الجامع – جون فاولز
الرواية فيها أحداث قاسية وصعبة، بتتكلم عن طالبة فن تم اختطافها وتعذيبها جنسيًا، ودي مكنتش مجرد رواية عند بعض الناس، فهي كانت دافع قوي وقصة مٌلهمة لبعض من القتلة المحترفين.
روبرت بيرديلا جونيور في سنة 1985، ارتكب 6 جرائم قتل في مدينة تكساس الأمريكية، كريستوفر وايلدر في سنة 1984 ارتكب ما لا يقل عن 8 جرائم قتل في أستراليا، الأتنين لقوا في متعلقاتهم الشخصية نسخة من رواية “الجامع” لجون فاولز وده كان الرابط مابينهم.
المجرمين ليونارد ليك وتشارلز إنج، ارتكبوا 25 جريمة قتل في كاليفورنيا، قاموا فيها بالتعذيب، اغتصاب، وتعذيب الضحية قبل قتلها، على خُطى الأحداث اللي حصلت في الرواية بالفعل،
ولما تم القبض عليهم وصفوا رواية “ألجامع” لفاولز على إنها “فلسفتهم في الحياة” وكانوا متأثرين بيها لدرجة إنهم سموا العمليات القتل اللي ارتكبوها على اسم البنت اللي كانت في الرواية!
رواية “سايكو أمريكي”بريت إليس”
“أشعر بألم مستمر وحاد ولا أتمنى عالمًا أفضل لأي شخص. في الواقع، أريد أن يلحق الألم بالآخرين” سايكو أمريكي – بريت إليس
تم إصدار الرواية في سنة 1991، وبتدور أحداث الرواية حوالين البطل “باتريك بيتمان” وهو رجل أعمال بيقتل الناس بكل سهولة وبدم بارد، وتمت كتابة وصف مشاهد القتل بشكل مقزز وعنيف.
“ويد فرانكوم” هو قاتل جماعي استرالي، وبول برناردو قاتل كندي، الأتنين لما أتقبض عليهم لقوا معاهم نسخة من رواية “سايكو أمريكي”.
من الواضح من الحالتين دول إنهم لقوا فيها ظلامهم الداخلي ورغباتهم السوداوية العميقة.
رواية “الغضب” لستيفن كينج
“اللحظة التي يتوقف فيها الإنسان عن التفكير في العواقب، هي اللحظة التي يبدأ فيها خطره الحقيقي.” الغضب – ستيفن كينج
تاريخ نشر الرواية بيرجع لسنة 1977 وصُدرت باسم مستعار”ريتشارد باكمان”، ولكن طالب كاتب الرواية ستيفن كينج دور النشر بسحبها من الطباعة بعد ما حصل 6 حوادث قتل بإطلاق النار في 6 مدارس واللي تسببت بمقتل أبرياء كتير من الطلاب والمدرسين والعاملين،
تعتبر الـ 6 حوادث دول محاكاة جزئية من الرواية بنفس التفاصيل والأحداث، والمثير للإهتمام إن الناشر استجاب لطلب الكاتب وسحب الرواية من الطباعة خوفًا من تزايد حوادث إطلاق النار في المدارس.
رواية “الحارس في حقل الشوفان” ل ج. د. سالينجر
“أنا لست ضدهم، أنا فقط لا أستطيع أن أتحملهم” الحارس في حقل الشوفان – ج. د. سالينجر
تأثراً بالرواية واللي كانت بتتكلم عن “فقدان البراءة”، اعترف مارك ديفيد تشابمان بقتل الموسيقي الأمريكي جون لينون مساء 8 ديسمبر سنة 1980 في نيويورك بخمس رصاصات، واعترف في التحقيقات إنه كان بيخطط لقتل لينون بقاله 3 شهور، ومش بس كدة..
مارك كان كاتب قائمة للقتل بأسماء شخصيات معروفة منهم جوني كارسون، اليزابيث تايلور، جورج سكوت C. وجاكلين أوناسيس كينيدي، ولكن الحظ مكنش في صالحه واتقبض عليه قبل ما ينفذ خطته.
المجرم قال إن كان مصدر إلهامه هو رواية “الحارس في حقل الشوفان” وهي اللي شجعته على خطته الشريرة.
رواية “البرتقالة الآلية” لـ أنتوني برجس
” لا داعي لأن تأخذ الأمر إلى أبعد من ذلك، يا سيدي” البرتقالة الآلية – أنتوني برجس
قال الجملة دي القاتل والمغتصب “أليكس” في الرواية وهو بيتوسل أثناء ربط جفونه للخلف مُجبر ومُسير إنه يتفرج على مقاطع فيديو مروعة من قبل الأطباء النفسيين، ده مجرد مشهد من الرواية حبينا نشاركه معاكم عشان تفهموا اللي جاي
على حسب اللي اتذكر في جريدة “الديلي ميل”، إن رواية “البرتقالة الآلية” للكاتب أنتوني برجس كانت الدافع والإلهام للمراهق “ريتشارد بالمر” لقتل متشرد في بلتشلي بإنجلترا سنة 1972 واللي اعتبرته الصحيفة إن الجريمة تعتبر محاكاة للرواية وربطت بين الحادثتين، الواقعية والخيالية.
هل الأدب سبب كل ده؟
الأدب بيأثر علينا وعلى مشاعرنا، وكمان في تفكيرنا وفي طريقة نظرتنا للحياة، زي إن قارئ الأدب الروسي بيتسم بالسوداوية وإن قارئ الأدب الياباني غالباً بيتسم بالسريالية واللامنطقية، وقارئ الأدب الفرنسي اللي بشكل كبير بتكون مشاعره جياشة، وغيره من أنواع الأدب.
ولكن هنا ممكن نفرق بين إنه يأثر فينا، و إننا عندنا نزعات مدفونة بتطلع للنور وقت ما بنلاقي دافع أو إلهام، بمعنى إن كتاب واحد بيحتوي على عنف مبيأثرش على كل القُراء بشكل سلبي،
هنا بنلاقي فروق فردية مابين شخص مستني دافع للإجرام عشان يلاقي شماعة يرمي عليها أفعاله وإن هي اللي خليته يعمل كدة، وفي شخص معندوش أي نزعات داخلية تخليه يرتكب جريمة تحت مسمي “التأثر الأدبي”.
ولو الأدب بيشجع على العنف والإجرام كان كل قارئي روايات الجريمة والروايات البوليسية اتحولوا لمجرمين ورا السجون بأعداد مهولة على مستوي العالم!
وبكده ننتهي بأن الأدب يؤثر في النفس ولكنه مش السبب الرئيسي، دي نظرية قد تكون صحيحة وقد تتضمن أبعاد آخري، لو عندك وجهة نظر تانية نحب إنك تشاركها معانا في التعليقات، ولو عجبك المقال دوس علامة صح، شكراً إنك وصلت لحد هنا.
مصادر:
LitHUB
Wikipedia
Independant Arabia