يعتبر المسرح المصري من أعرق المسارح في العالم رغم عدم شهرته عالميًا بشكل كبير، وقد تشعر بالغرابة إذا عرفت أن جذور المسرح المصري تعود لأيام قدماء المصريين، حيث كانت قصور الملوك والأمراء تعج بتقديم العروض الفنية والموسيقية في ساحة القصور.
اليك ايضاً مقال عن أجمل لوحات فنية من هنا.
ونرى هذا بوضوح من خلال العديد من النقوش والرسومات التي تغطي مئات المعابد والمقابر الفرعونية المكتشفة، وقد أيد هذا المؤرخ الكبير هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد،
حيث ذكر أن النبلاء والأمراء كانوا يعدون ساحة القصور في المناسبات كمسرح يقدم من خلاله العروض الفنية التي كان أعظمها ملحمة إزيس وأوزوريس الشهيرة، وبهذا يعتبر المسرح المصري من أقدم المسارح التي بدأت في التاريخ.
خلال العصر اليوناني كان يقدم المسرح في مدينة الإسكندرية في ساحة قصور النبلاء والأمراء، حيث كان مسرحًا في صورته الإغريقية الكلاسكية، ثم بدأ إنشاء المسارح بصورتها التقليدية في العصر الروماني، وهو النظام في أوروبا في هذا الوقت، وكانت متخصصًا لمقابلة الشعراء والأدباء.
ومن أهم المسارح التاريخية المَكتشفة هو المسرح الروماني بالإسكندرية الذي تم اكتشافه في عام 1964م. أما عن المسرح الشعبي فقد كان يقدم من خلال مسارح متنقلة في شكل عروض قصيرة تغلب عليها الشكل الموسيقي والاستعراضي متجولًا في الأقاليم المصرية.
تعرف ايضاً على تاريخ الرومان من هذا المقال.
أما عن المسرح المصري المنتشر بداية من القرن الثامن عشر فكان عبارة عن مسرح الظل، فيه يكون هناك ملاءة بيضاء كبيرة ومن خلفها تتحرك شخصيات كانت تُصنع عادة من الكرتون أو الجلد،
ثم تطور مسرح الظل قليلًا وأصبحت الشخصيات تخرج أمام الملاءة، وهو ما عرف بفن ” قَرَه قُوز” والمعروف شعبيًا بـ ” الأراجوز “، وطبعًا لم يكن هناك توثيق لأعمال أو أسماء أو حتى بعض القصص التي كانت تقدم بشكل بسيط وعفوي لإيصال رسالة معينة أو للمتعة فقط في بعض الأحيان.
مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر في 1798م قام نابليون بونابرت بإنشاء مسرح لتسلية جنوده فتكونت فرقة ” الكوميدي فرانسيز ” الكوميدية، ظلت الفرقة تقدم عروضها حتى خروج الحملة الفرنسية من مصر في 1801م، عقبها فترة اختفى فيها المسرح الكوميدي مرة أخرى.
قبل حفل افتتاح قناة السويس عام 1869م قام الخديوي إسماعيل بإنشاء أول مسرح أوبرا مصري بوسط البلد بمنطقة العتبة، وذلك لتقديم فن الأوبرا للملوك والأمراء المدعويين لحضور حفل الافتتاح. وكلف الخديوي إسماعيل المسيقار الإيطالي فيردي بكتابة أوبرا لها الطابع المصري، فكتب أوبرا عايدة الشهيرة باللغة الإيطالية،
ثم تم ترجمتها لعدة لغات بعد ذلك، ثم تم إغلاق مسرح الأوبرا لفترة طويلة حتى ترجمت أوبرا عايدة للغة العربية وتم تقديمها للجمهور المصري في نهاية القرن التاسع عشر، والتي لم يتقبلها الجمهور المصري في بادئ الأمر.
في عام 1870م أنشأ الخديوي إسماعيل مسرح آخر في الطرف الجنوبي من حديقة الأزبكية من ناحية ميدان العتبة، حيث شهد هذا المسرح أول عروض مصرية من خلال فرقة أبو خليل القباني في عام 1885م، وظل المسرح يعمل حتى تألق منذ عام 1891م حتى عام 1905م مع فرقة إسكندر فرح وبطلها سلامة حجازي.
يرجع الفضل في دخول المسرح المصري في صورته الحديثة ليعقوب صنوع، الذي كان يتقن بعض اللغات منها الإيطالية والفرنسية، فقام بترجمة العديد من الأعمال وبدأ في تقديمها منذ عام 1876م بتشجيع من الخديوي إسماعيل، الذي تمنى رؤية مسرح محترف كما شاهده في أوروبا،
وظل يقدم فنه بكل شجاعة وجرأة حتى قدم مسرحيته الشهيرة ” الوطن والحرية “، والتي انتقد فيها بشدة الأوضاع في مصر وأداء الحكومة المصرية والمسئولين بل انتقد الخديوي إسماعيل ذاته، فكانت النتيجة أنه أمر بإغلاق مسرحه.
قد يكون المعروف عن سليم النقاش هو تاريخه الصحفي وإنشاء جريدة “مصر”، وجريدة العصر الجديد”، وجريدة ” المحروسة ” .. إلخ، إلا إنه يرجع الفضل في بداية المسرح المصري باللغة العربية لسليم نقاش، حيث قام في عام 1875م بترجمة أوبرا عايدة وأهداها في مقدمتها للخديوي إسماعيل ، ثم حضر إلى مصر وتحديدًا إلى الإسكندرية.
قدم هو وفرقته بعد ضم أديب إسحاق لها، مسرحية أبو الحسن المغفل في ديسمبر من عام 1876م وبعدها ” السليط الحسود “، ثم مسرحية ” مي وهوراس “، وبعدها انشغل عن فن المسرح بالصحافة التي أكمل حياته الأدبية يعمل بها.
استلم الشعلة من بعده يوسف الخياط، بعد انشغال سليم نقاش وأديب إسحق سويًا في العمل الصحفي، قام يوسف الخياط بإنشاء فرقته على أنقاض فرقة سليم نقاش، وقدم أول عمل لها ” صنع الجميل ” في عام 1877م وتلاها برواية “الجبان “،
حيث حقق نجاحًا كبيرًا على مسرح زيزينيا بالإسكندرية وواصل تقديم الأعمال المتميزة المترجم منها والمكتوب خصيصًا، وجال في جميع الأقاليم المصرية يقدم أعماله حتى عام 1888م، لتنتهي بعدها أول فرقة مسرحية عربية.
ثم ظهرت منذ عام 1987 فرقة سليمان قرداحي، وحققت نجاحات كبيرة وقدمت عددًا كبيرًا من الروايات في جميع الأقطار المصرية حتى عام 1907م وانتهت الفرقة بوفاة سليمان قرداحي بعد جولة فنية في هذا العام،
على جانب آخر بنفس التوقيت كانت فرقة القباني تحظى بمتابعة العديد من رواد المسرح المصري، وتحقق نجاحًا ومتابعين خاصين بها، وقدمت أعمالًا مميزة حتى وافته المنية في عام 1903م.
تعرف على حكاية تمثال الحرية من هنا.
ولد في عام 1880 وعندما شاهده الخديوي عباس أثناء التمثيل في مسرحية مترجمة بعنوان برج نيل عام 1904م، أعجب به فأرسله لدراسة الفن المسرحي في فرنسا، وعندما عاد أسس فرقته المسرحية التي قدمت ما يزيد على 130 عملًا ما بين الناطق بالفرنسية والمترجم والمكتوب خصيصًا حتى عام 1932م،
أصبحت فرقته مثل المدرسة الكبيرة التي خرَّجت العديد من النجوم والرواد للمسرح المصري والعربي طوال تاريخها، تم انتخابه كأول نقيب للممثلين في مصر عام 1943م، وبعد إنشاء معهد الفنون المسرحية ظل يدرس به حتى توفي في عام 1959م، كما يعتبر هو من قدم أول فيلم غنائي مصري وهو فيلم “أنشودة الفؤاد” عام 1932م.
ولد سلامة حجازي في عام 1852م بالإسكندرية، بدأ في تقديم حفلات غنائية خاصة به منذ عام 1885م، ثم انضم لفرقة إسكندر فرح المسرحية، وظل هو الممثل الأول لها لمدة 6 سنوات. كون فرقة مسرحية باسمه منذ عام 1905م وظل يقدم الفن الغنائي والأوبريت حيث أصبح هو الرائد الأول لهذا النوع من الفن في مصر حتى توفي عام 1917م.
قدم الشيخ سلامة حجازي سيد درويش لأول مرة للغناء بين الفصول في عام 1914م حيث لم يتقبله الجمهور وقتها فعاد للإسكندرية، فإذا بسلامة حجازي يسافر له ويعرض عليه تلحين أول عمل مسرحي كامل لصالح فرقة جورج أبيض،
فلحن تحفته الشهيره”فيروز شاه” لتلاقي نجاحًا كبيرًا يزيد من شهرة الشيخ سيد درويش، وتتوالى بعدها العروض والمسرحيات لعدد كبير من الفرق الشهيرة في هذا التوقيت، رحلة مميزة قدم خلالها عشرات الأعمال التي حفرت في ذاكرة المسرح والفن المصري.
بدأ حياته الفنية بإلقاء المنولوجات بالنادي الأهلي والمدرسة، ثم سافر إلى إيطاليا وتتلمذ على يد الفنان الإيطالي كيانتوني، بعد عودته أسس بميراثه عن والده فرقة رمسيس المسرحية وافتتح مسرح رمسيس في 10 مارس 1923م،
وقدم مسرحية المجنون كأول أعماله لتتوالى بعدها الأعمال المترجمة والمقتبسة عن المسرح العالمي لتصل إلى 300 عمل حققت نجاحًا مبهرًا وتم نقل عدد كبير منها لشاشة السينما مثل: كرسي الاعتراف، راسبوتين، المائدة الخضراء، بنات الشوارع، أولاد الفقراء، وبيومي أفندي، اتسم أسلوبه بالميلودراما مما ميزه عن كل ما يقدم من أعمال في هذه الفترة.
اهتم بتوعية جمهور المسرح وأعاد له الكثير من هيبته المفقودة، منع التدخين في قاعات العرض، شدد على احترام مواعيد رفع الستار، كان الهدف الرئيسي من أعماله هو نشر الوعي الاجتماعي، فتفنن في كشف عيوب المجتمع ونقد ما لا يعجبه.
ناقش مشاكل كثيرة كانت تهم المجتمع آنذاك مثل أطفال الشوارع، الزواج من أجنبيات، وكثيرًا ما حارب الاستعمار وكل أشكال الفساد، عهدت له الدولة بتأسيس مسرح فقام بتأسيس فرقة أصبحت فيما بعد نواة المسرح القومي، انشغل قليلًا بعد دخوله عالم التمثيل السنمائي الذي حقق فيه نجاحًا كبيرًا، لكن ظل المسرح في وجدانه دائمًا.
ولد في يناير عام 1889م، نشأ في حي باب الشعرية وعاش حياة بسيطة مكنته من دراسة الواقع المصري والاقتراب من عامة الشعب. عمل بأحد البنوك ثم بشركة السكر قبل أن يتجه للتمثيل المسرحي ليصبح من أعظم من اعتلوا خشبة المسرح المصري،
قدم خلال مشواره عشرات الأعمال المسرحية والغنائية والميلودراما، وبرع في أداء شخصيته التي اشتهر بها وهي “كشكش بيك” خاض رحلة طويلة من النجاحات والاخفاقات.
بداية من عام 1910م عمل بفرق عديدة حتى أسس فرقته الخاصة، قدم أعمالًا تعتبر هي من روائع التراث المسرحي المصري والعربي، كما قدم عدد من الأفلام السينمائية المميزة التي تم توثيق معظمها من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية.
اشتهر أسلوبه بكوميديا الموقف النابع من تفاصيل البسطاء في الحياة المصرية لغالبية الشعب المصري لذلك أثرت أعماله في الجمهور ودخلت لقلوبهم بشكل سريع، ظل يعطي المسرح بكل سخاء إلى أن أصيب بالتيفود وتوفي متأثرًا به في 8 يونيو عام 1949م عن عمر يناهز 60عامًا.
تعرف على أسرار أبو الهول من هنا.
ولد في حي السيدة زينب في عام 1887م، كون أول فرقة مسرحية له في عام 1907م وسماها بدار التمثيل الزينبي، ثم عمل مع عدة فرق منها فرقة جورج أبيض حتى قام بتأسيس فرقة باسمه. نجح نجاحًا باهرًا في تقديم شخصية “عثمان” الرجل النوبي البسيط،
قدم العشرات من الأعمال المسرحية فقد كان يتم تقديم عمل جديد كل 3 أسابيع خلال الموسم، حتى وصل عددهم إلى ما يزيد عى 130 عملًا تتسم معظمها بالأسلوب الفكاهي.
أسس لنفسه أسلوبًا خاصًا جعله أشهر من قدموا الأعمال المسرحية الكوميدية في مصر، توافدت الآلاف من الجماهير لمشاهدة عروضه حتى عام 1950م، ثم اتجه للتمثيل السينمائي وقدم العديد من الأعمال الناجحة وعددها 36 فيلمًا.
أثر الكسار في تاريخ المسرح المصري حيث صنع تاريخه الخاص، شق طريق تميز به وسط عمالقة لم يكن من السهل مباراتهم مثل: يوسف وهبي، وجورج أبيض، ونجيب الريحاني، وكثيرين.
تاريخ المسرح المصري في بدايات القرن العشرين ذاخر بمئات التجارب والأسماء والفرق المسرحية التي كانت تثري المجتمع المصري بالأعمال الجيدة، وتعتبر هذه الفترة حتى نهاية الثلاثينات من أفضل فترات رواج المسرح المصري الذي كان يعتبر وسيلة الترفيه الأساسية للجمهور المصري، فتم إنشاء عشرات الفرق والمسارح،
وتم تقديم مئات العروض المتنوعة بين الكوميدي والتراجيدي والميلودراما، والأوبريت والمسرحيات الموسيقية، بل وصل الأمر لتقديم بعض الفرق لعمل مختلف كل أسبوع مما زاد من التنوع الكبير وساعد على ظهور عشرات الرواد والممثلين العظماء الذين استمروا في مسيرة عطاء أبهجت جمهور المسرح وأثْرت تاريخ المسرح، ومن بعده صناعة السينما في مصر والوطن العربي.