كلما سمعت اسم الملكة حتشبسوت، شعرت بمدى فخرى وامتنانى لكونى مصرية. يراودني احساس الهيبة أمام ما فعلته أعظم ملكات مصر القديمة، وما قدمته لمصر، ومدى قوتها وشجاعتها فى مواجهة الطغيان من كل الجوانب حولها.
تقرب الأفاعى والشياطين حولها فى صورة بشر من أجل الإستيلاء على عرشها والإنتقام منها أو ربما لوجود ضغائن وحسابات قديمة فى نفوس هؤلاء.
ستظل حتشبسوت أسطورة تاريخ مصر القديمة وأحد أفضل ملوك الفراعنة والحضارة الفرعونية ، لما تحمله قصتها من معارك خاضتها، وقوة شخصيتها، وذكائها، ودهائها من أجل تحقيق حلمها، ومن أجل الحفاظ على مصر والارتقاء بها.
الملكة حتشبسوت ابنة الملك تحتمس الأول أهم وأشهر ملكات مصر والتي ذكرت كثيراً في كتب تاريخ مصر القديمة، نجحت فى حكم مصر بقوة وجدارة على مدار أكثر من عشرين عاما، صنعت فيها الكثير والكثير من الإنجازات.
خاضت الكثير من المعارك من أجل الدفاع عن مصر وشعبها، ومن أهم انجازاتها تشييد معبد حتشبسوت بالدير البحرى، اسمها الحقيقى غنمت آمون حتشبسوت، هي ملكة مصرية حكمت مصر، وتعد خامس ملوك الأسرة الثامنة عشر، تزوجت من أخيها تحتمس الثانى من أجل الحفاظ على العرش، وكانت هى الحاكم الفعلى للبلاد.
حكمت مصر بعد وفاة زوجها الملك تحتمس الثانى بالنيابة عن ابن زوجها تحتمس الثالث الذى مازال صغيرا على اعتلاء عرش مصر وقتها، وذلك فى بداية حكمها، ثم قيل أنها حكمت مصر بناءا على أنها ملكة وابنة الإله آمون.
قد كتبت قصتها ونقشتها على جدران معبدها بالدير البحرى، تروى فيها أنها كانت نتيجة لقاء حميم بين آمون وأمها الملكة أحمس.
ومن التقاليد السائدة فى مصر القديمة، منع المرأة من تولي منصب ملكة مصر، واعتلاء عرش البلاد إلا أنها كسرت هذه القاعدة، وتمكنت من تولى حكم البلاد باعتبارها ذات دم ملكى خالص، لأنها ابنة ملك وزوجة ملك، واستطاعت فرض نفسها ملكة لمصر رغم اعتراض الكهنة على ذلك.
ومعنى اسمها هو خليلة آمون المفضلة على السيدات أو خليلة آمون درة الأميرات. ويعتبر علماء المصريات شخصية حتشبسوت واحدة من أنجح وأقوى ملوك مصر القديمة على مر العصور.
ولدت الملكة حتشبسوت فى عام ١٥۰٨ قبل الميلاد. وهى الابنة الكبرى للملك تحتمس الأول والملكة أحمس. ويعد الملك أحمس الأول صاحب الانتصار العظيم فى تحرير مصر من يد الهكسوس، كما أنه الجد الأكبر لحتشبسوت، ومؤسس الأسرة الثامنة عشر الفرعونية.
تعتبر الملكة حتشبسوت الوريثة الشرعية للعرش، وذلك بسبب عدم وجود وريث شرعى من الذكور، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد تزوج أبيها من امرأة تدعى موت نفرت، وأنجب منها تحتمس الثانى أخا لحتشبسوت ينازعها في توليها عرش البلاد.
تميزت الملكة حتشبسوت بذكائها الشديد، ورجاحة عقلها، وشغفها لتعلم الفنون والعلوم .بالإضافة إلى حب استطلاعها لاكتشاف المزيد فى الفن والعلم.
تلقت حتشبسوت تعليما من طراز خاص فى شتى المجالات مثل : علوم الأخلاق، والسلوك الصحيح، الحساب و الفلسفة، وقواعد اللغة والإنشاء، والطقوس الدينية، وحبها الشديد للقراءة و الكتابة.
تعد الملكة حتشبسوت شخصية شجاعة، ومثابرة على نقل وتعلم الحكم المأثورة عن الحكماء المصريين القدماء مثل أى فرد من زملائها: كأخيها تحتمس الثانى، وبعض الأمراء الصغار، وعدد من أبناء الوزراء والأسر النبيلة.
كانت تخشى معلمها بسبب اسلوبه العنيف مع تلاميذه، مهما علا شأنه يعتبر هذا مثال حى للعدالة التى تطبق على الجميع بدون تمييز أو خوف، لم تطالب حتشبسوت بأى امتيازات خاصة فى معاملتها.
من روتين الدراسة فى المدرسة الملكية فى بيت فرعون، البدء منذ الصباح الباكر، وانتهاء الدراسة عند الظهيرة.
تعد الملكة حتشبسوت نموذجا للمرأة القوية فى مصر القديمة، بل إنها من أقوى الأمثلة التى يحتذى بها فى قوة شخصية المرأة فى التاريخ، تزوجت من أخيها غير الشقيق تحتمس الثانى على عادة الملوك المصريين القدماء، كان الغرض الأساسى لكل منهما أن تتم هذه الزيجة من أجل الحفاظ والإمساك بلجام الحكم.
أنجبت الملكة حتشبسوت من تحتمس الثانى ولد وابنتان، لكن مات الولد فى طفولته، ولهذا السبب لم يبقى اسمه على أى آثر من الآثار، أما الإبنتان فهما نفرو رع ومريت رع حتشبسوت.
تزوج تحتمس الثانى من أحد محظيات البلاط الملكى تدعى ايزة وأنجب منها ابنا سماه تحتمس الثالث.
كانت الملكة حتشبسوت امرأة فى غاية الجمال، تمتلك كل مقومات الأنوثة الطاغية، لها وجه مستدير وأنف معقوف قليلا، بشرتها خمرية، كانت تحب الحدائق والأشجار والزهور، وتعشق الألوان الزاهيةوقد تستمتع بقراءة الكتب التي لم تنسي أعمالها وهناك أفضل كتب للقراءة ذكرت تاريخ الفراعنة العظيم ومنهم الملكة حتشبسوت.
على الرغم من كل هذا أصبحت ترتدى ملابس تشبه ملابس من سبقها من الرجال فى الاحتفالات الرسمية، ولها بعض التماثيل التى تظهرها بذقن مستعارة، كما هو المألوف فى تماثيل قدماء المصريين.
فى بداية حكمها صورت كإمرأة بكامل زينتها وأنوثتها، لكن مع مرور الوقت أصبحت حتشبسوت مثال حى على الفرعون القوي ذو العضلات الذى يضع لحية مستعارة.
واجهت الملكة حتشبسوت صعوبات، وعوائق كثيرة للوصول إلى عرش البلاد، وتمكنها من حكم مصر. فكان طريقها مزروعا بالشوك، ومليئا بالعراقيل والصعاب، على الرغم من عناد المجتمع الذي ولدت فيه وعاشت معه.
أصرت إلى الوصول للحكم، وتحقيق حلمها على الرغم من وجود سلطة دينية ذكورية، ديكتاتورية أبت أن ترى الحاكم فى صورة امرأة.
فى عمر العشرين بدأت حتشبسوت فترة عصيبة من حياتها، وذلك بعد وفاة والدها تحتمس الأول. فقد تقاسمت مع أبيها حكم البلاد، فهى الوريثة الشرعية للعرش، فكان من المنطقى أن تصبح هى الفرعون الذى يلى تحتمس الأول فى الحكم.
لكن لم تمهلها تقاليد البلاط الملكى، ودسائس الكهنة اعطائها هذه الفرصة، وذلك لأن فكرة حكم امرأة ووضع جميع السلطات فى يدها أمرا مرعبا لهم.
لهذا السبب كان نازع الملكة حتشبسوت مع أخيها غير الشقيق تحتمس الثانى، لكى يدير شئون البلاد وأن يصبح شريكا معها فى الحكم كفرعون للبلاد، فتزوجها لتصبح حتشبسوت مجرد زوجة ملكية ليس أكثر.
لم تستطع حتشبسوت أن تحتج أو أن ترفض هذا العرض. فكل الظروف ضدها، وبدأت مراسم الإعداد لزواجها من تحتمس الثانى، وحصل على شرعية الحكم ولا يعرف علماء التاريخ والمصريات الكثير عن فترة حكمه، حيث أنها كانت قصيرة المدة.
كان للكهنة، ورجال البلاط وكبار الموظفين رأى آخر، فكان السؤال الشاغل بالنسبة لهم من سيحكم البلاد بعد وفاة تحتمس الثانى؟ وهل ستتولى حتشبسوت حكم البلاد بعده؟ وهل ستحكم البلاد بمفردها؟
أراد تحتمس الثانى أن يمنح حق تولى حكم البلاد من بعده إلى ابنه تحتمس الثالث، وكان هناك شخصا خفيا يدبر المؤامرات فى معبد آمون بالكرنك. ليثير شعور عام بالاشمئزاز والكراهية بين الكهنة والشعب ضد فكرة تولي امرأة حكم البلاد. وهذا الشخص هو تحتمس الثالث نفسه، الذى عاش فى المعبد كأحد الكهنة.
توفى تحتمس الثانى فى عام ١٥۰١ قبل الميلاد وبعد وفاته بوقت قصير، شهدت الملكة حتشبسوت فى المعبد احتفالا ضخما يخرج فيه موكب الإله آمون، وقفت المحفة التى تحمل تمثال آمون ثابتة أمام كاهن صغير لا تتزحزح من مكانها أبدا.
وأقر جميع الحاضرين بالموافقة على أن هذا الحدث ليس إلا علامة بأن آمون قد اختار هذا الكاهن الصغير ليتقاسم الحكم معها.