المماليك من أكثر القبائل التي ذكرها التاريخ فعزيزي القارئ، نحن أمام مجموعة من البشر حفروا أسماءهم على جدران التاريخ وشيدوا معالم من مساجد وقصور وأضرحة من أجل توثيق حقبة، فحفظها لهم الزمن.
إذا سيرت ليلًا في شوارع القاهرة وأغمضت عينيك وأمعنت التنصت ستسمع صوت أقدام الخيول ستسمع صوت إغلاق أبواب القلاع، وصوت أقدام الجنود، أنهم المماليك ستجدهم في كتب التاريخ المصري الكثير والكثير عنهم وعن تاريخهم في مصر.
المماليك هم من (قفجاق) من شمالي آسيا وكانت من المستعمرات الإسلامية فكانوا يجعلون عليها ولاة من أمراء السلاف الذين كانوا من حكام روسيا. فلما غزا المغول تلك البلاد تحت قيادة (باتو خان) حفيد (جنكيز خان) أخرجوا منها سكان الولايات (القزوينية والقوقازية). فتشتتت قبائلهم وتفرقوا في القارة.
فالخوارزميون نزلوا أعالي سوريا وما بين النهرين وحطوا رحالهم هناك. أما ما بقي من تلك القبائل التائهة فلم يجدوا لهم مقرًا يقيمون فيه فكان مصيرهم تجارة الرقيق، حيث كان التجار ينتقون الأجمل ويبيعونه بيع السلع والقبيح كان مصيره الذبح. أكثر أمراء سوريا وملوكها من اقتناء أولئك الأرقاء البيض ودعوهم بالمماليك.
الملك الصالح من سلاطين الدولة الأيوبية كان قد ابتاع منهم نحو الألف حتى جعل منهم أمراء دولته وخاصة بطانته والمحيطين بدهليزه. كما فعل الخليفة المعتصم العباسي بالاستكثار من المماليك الأتراك.
وكانت مماليك الملك الصالح صفوفًا يميز كلًا منهم بعلامات خصوصية يجعلونها على ثيابهم وأسلحتهم. فكانت بعضهم الورد وعلامة البعض أشكال الطيور. فاتخذوا أهم المناصب وأصبح زمام البلاد في أيديهم وأمنع حصون البلاد في قبضتهم.
وفي كتب عن التاريخ ذكر أنهم ابتنوا بأمر الملك الصالح قصوراً عظيمة في جزيرة الروضة قرب المقياس (منيل الروضة) ولأنهم كانوا أكثر عدد فنصبوا الملك الصالح آخر ملوك بني أيوب بدلاً من السلطان ولما طغى الأخير قتلوه.
لما قتل الملك الصالح اختلفت الأحزاب على من يبايعون بعده وكل فئة منهم تحاول استبقاء الحكم في يدها. وازداد الخصام حتى كاد يفضي إلى حرب فتداركت الأمر شجر الدر بعد أن رأت ما حل بالملك.
رأت أن حزب المماليك أعز جانبًا من الجميع حتى تمكنت بطريقة غريبة لم يسبق لها مثيل في الإسلام أن تستلم زمام الحكم بموافقة الجميع، وحدث ذلك بأنها تواطأت مع عز الدين أبيك، وكان من أعظم الأمراء المماليك وأقواهم نفوذًا وكان بينهما علاقات ودية منذ أيام الملك الصالح.
بويع عز الدين أيبك على حكم مصر ولقب بالملك المعز الجاشنكير التركماني الصالحي وتزوج بشجر الدر فانضم حزبها إلى حزبه واحتفلوا بتولية السلطنة على جاري عاداتهم في الاحتفالات الكبرى.
ركب هو بشعاٍر وحملت على رأسه القبة والطير ولعبوا أمامه بالغواشي الذهب وجلس على سرير الملك وجميع الأمراء قبلوا الأرض تحت قدميه.
عندما قبض الملك نور الدين على قاتلة أبيه شجر الدر عهد بها إلى النساء في بيته، فأماتوها ضربًا بالقباقيب على رأسها وطرحوا جثتها في خندق القلعة. فأكلت الكلاب نصفها ودفن النصف الباقي قرب مدفن السيدة نفيسة. واستقر نور الدين بسيف الدين قطز نائب للسلطنة.
سيف الدين شريف الأصل من عائلة ملوكية لسلفه فهو ابن مودود شاه ابن أخي ملك خراسان فتح التتار بلاده فتشتت أسرته ولما تولى حكم مصر لقب بالملك المظفر. وحالما استوى على السلطنة قبض على نور الدين وأمر بقتله فحاول شرف الدين الدفاع عنه فصلبه على باب القلعة.
وفى خلال ذلك جاء قائد تتري ناقلاً منشورًا من هولاكو ملك المغول حفيد جنكيز خان وكان التتار قد انتشروا في جميع آسيا الشمالية الشرقية، وكان هولاكو قد غزا العراقيين بجيش عظيم واستولى على مدينتي الموصل وحلب وقتل الخليفة المعتصم بالله.
كما تقدم ونزل ملك التتار هولاكو على سوريا ففتح دمشق والسواحل البحرية حتى قصد مصر فبعث إليها منشورًا مضمونه:
من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم ونهت فيه نفسه بألفاظ معظمة وذكر في الكتاب شدة سطوته وكثرة عساكره وما جرى على أهل البلاد منه ولا سيما ما فعله في بغداد وما جرى على أهلها منه إلى أن قال (يا أهل مصر أنتم قوم ضعاف فصونوا دماءكم مني ولا تقاتلوني ابدًا فتندموا)
ولما قرأ قطز ذلك المنشور وعلم ما كان من أمر فتوح هذا التتري وما هو عليه من القوة أوجس خيفة. غير أن جيوشه كانوا قد حاربوا الجيوش الصليبية وانتصروا عليها ولم يزل في نفوسهم عزة النصر فاستخفوا بقول هولاكو وأصروا على القتال فحشدهم قطز وجهزهم وعاد الملك المظفر ظافرًا.
بويع أخوه بدر الدين سلامش وسنه سبع سنوات وبضعة أشهر ولقبوه بالملك العادل وأقاموا سيف الدين قلاوون الألفي وصيًا عليه ولم يكن هم هذا الوصي إلا خلع السلطان الرضيع.
وفي رجب من تلك السنة تمكن من مراده فبعثه إلى قلعة الكرك منفيًا واستلم هو زمام الأحكام وطلب مبايعة القوم ولقبوه بالملك المنصور وهو لقب ثاني سلاطين هذه الدولة.
وسلطنة بن قلاوون أكثر أهمية من السلاطين سلفائه لكثر ما حدث فيها من التقلبات السياسية والثورات المتعددة. ونظرًا لصغر سنه أقاموا له وصيًا يدعي زين الدين كتبغا الملقب بالمنصوري لأنه كان من مماليك المنصور قلاوون فخلعه وتولى مكانه سلطانًا على مصر ونفاه إلى الكرك ولم يحكم هذه المرة الا سنة واحدة.
كان المماليك إلى ذلك الحين يلبسون لباس الزينة بما يناسب جمالهم كانت عمم الرأس تسمى (كلوتات) من الصوف الأزرق الغامق وكانوا يربوا ذوائب من الشعر خلفهم يجعلونها في أكياس حرير أحمر أو أصفر وكانت خفافهم برغالي أسود.
المماليك الشراكسة، دعيت هذه الدولة بدولة المماليك الشراكسة نسبة إلى منشأ سلاطينها فهم من الشعب الشركسي ويدعى أيضا بالأسماء الأتية
لم ينشأوا في آسيا كمماليك الدولة الأولى إنما جاءوا من سيبيريا ونواحي بحيرة بيقال منذ القرن السادس للميلاد ثم هاجروا غربي بحر قزوين، من أهم سلاطينهم: