الهكسوس هم شعوب بدوية، دخلت مصر من خلال سيناء في فترة ضعف خلال نهاية حكم الدولة الوسطى أي تقريباً في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر. معنى الهكسوس في اللغة المصرية القديمة هو حكام البلاد الأجنبية، لم يتفق خبراء التاريخ على أصلهم. ولكن الراجح أنهم أصحاب أصول آسيوية متعددة.
منهم من كان سامي الأصل، بحيث كانت أسماء ملوكهم سامية عمورية مثل صقير حار وخيان وابوفيس وخامودي، وأصنام ومعبودات الهكسوس سامية مثل بعل وعناة، وذًكر في روايات حربية أنهم انتقلوا من صحراء النقب إلى شبه جزيرة سيناء ثم إلى مصر.
استمر احتلال الهكسوس لمصر حوالي مائة عام، أدخلوا فيها إلى مصر العديد من الصادرات الثقافية كبعض الآلات الموسيقية الجديدة والكلمات الأجنبية. وتضمنت هذه الصادرات وسائل جديدة في صهر البرونز وصناعة الفخار، ومحاصيل زراعية جديدة لم تكن معروفة سابقاً.
قدم أيضاً الهكسوس لمصر بعض من التكنولوجيا الحربية التي كانت تستعملها الشعوب السامية من عربات تجرها الخيول والأقواس المركبة والفؤوس الخارقة والسيوف المنحنية كما ذُكر في كتب عن التاريخ المصري .
يقال إن المصريين في فترة غزو الهكسوس كانوا قليلي العدد بحيث لم يتعدوا المليون نسمة وبالفعل غزا الهكسوس الدلتا، وتركزوا في مكان أطلق علیه حت وعزت ومن المحتمل أن ھذه المدينة تقع في شرق الدلتا فوق تل الیھود حالیاً بین الزقازيق وقناة السويس.
وقد حصنھا الھكسوس لكي تكون لھم عاصمة، مما يجعلھم قريبين من قاعدتھم الآسيوية ويسمح لھم بالتحكم بسھوله في إقليم الدلتا، واندفع الھكسوس بقوتھم حتى منف وما ورائھا بعد ذلك.
بدأ استيلاء الھكسوس على الحكم في شمال البلاد تدريجياً وعلى مراحل، فقد وطدوا أقدامهم في برعشة وتل الصحابة عند مخرج وادى الطليمات، وفي بوباستس وانشاص وفي تل الیھود على مسافة 20 كم شمال ھلیوبولیس، واستغرق هذا الزحف قرابة خمسين عام لینتھى عام 1675ق.م.
تبين تلك الصورة الملامح الرئيسية لعھود الأسرات الھكسوسیة التي شملت الأسرات الخامسة عشر والسادسة عشر وجزء من السابعة عشرة، وشغلت مائة عام وثمانية أو ما ھو أقل من ذلك بكثير.
كما جعل الهكسوس بین أسمائھم الأجنبية مثل خیان وإيبى أسماءً مصرية، وتشبھوا بالفراعنة المصريين في ألقابھم وملابسهم وھیئات تماثيلهم وادعوا التقرب من الأرباب المصريين، فقد حاولوا أن يتمصروا.
وكما يرى كثير من الباحثين أن بدء تسلل الهكسوس كان في منتصف الأسرة الثانية عشر ثم ازداد عددھم مع نھاية الأسرة الثانية عشر ومنتصف الأسرة الثالثة عشر في عھد كل من “نفر حوتب الأول” و”ساحتحور” و”سوبك حوتب الرابع” و”يع ايب رع –إبي” وقد جرت ھذه الأحداث في الفترة من 1720 إلى 1700 ق.م.
كانت مملكة الهكسوس تتركز في شرق دلتا النيل ومصر الوسطى، وكانت محدودة في المساحة حيث لم تمتد أبداً لتشمل صعيد مصر والتي كان يحكمها حكام مصريون من طيبة.
ويبدو أن علاقة الهكسوس بالجنوب كانت ذات طبيعة تجارية، ومع ذلك فمن الظاهر أن الأمراء اعترفوا بالحكام الهكسوس، وربما اضطروا لدفع جزية لفترة من الزمن.
أقام حكام الأسرة الخامسة عشر من الهكسوس عاصمتهم ومقر حكومتهم في ممفيس والمقر الصيفي في زوان (أواريس، صان الحجر حالياً).
تداخل حكم الملوك الهكسوس مع حكم الفراعنة المصريين للأسرتين السادسة عشر والسابعة عشر، وتعرف تلك الفترة بالفترة الانتقالية الثانية.
يرى الباحثون الاستخدام المتزايد للجعارين وتبني الفن المصري من قبل الأسرة الخامسة عشر على أنهم تمصروا تدريجياً، كما استخدم الهكسوس الألقاب المصرية والمقترنة بالفراعنة المصريين، واتخذوا الإله ست ليمثل معبودهم الفخري.
استمر المصريون في اعتبار الهكسوس غزاة أجانب حتى تم طردهم من مصر في آخر المطاف، وصار حكام الأسرة الثامنة عشر مصريون، وهم الخلفاء المباشرون للأسرة السابعة عشر لطيبة، والذين كانوا قد بدأوا وقادوا الحرب ضد الهكسوس لتحرير وطنهم مصر.
يبدو أن حاكموا طيبة الوطنيين الذين كان حكمهم حكماً مستقلاً قد توصلوا عملياً إلى تسوية مؤقتة مع آخر حكام الهُكسوس ، وتتضمن هذه التسوية حقوق التنقل خلال مناطق سيطرة الهكسوس في مصر الوسطى والسفلى، وحقوق الرعي في مناطق الدلتا الخصبة.
ولوحة كارنارفون الأولى هي إحدى النصوص المتعلقة بهواجس المجلس الاستشاري لحكام طيبة عندما اقترح كاموس التحرك ضد الهُكسوس الذين اعتبرهم وصمة عار في جبين أرض مصر المقدسة. ومن الواضح أن أعضاء المجلس لم يرغبوا في الإخلال بالوضع الراهن:
“نحن مرتاحون في منطقتنا بمصر. والفنتين أول شلال قوي، ونفوذنا بالأراضي الوسطى يصل إلى قوص، ويتم حرث أنعم حقولهم من أجلنا، وأبقارنا ترعى في الدلتا. ويتم إرسال الشعير إلى خنازيرنا. ولم يتم انتزاع ماشيتنا. هو يسيطر على أراضي الآسيويين ونحن نسيطر على مصر”.
يبدو الأمر كما لو أن إدارة الهُكسوس كانت تلقى قبولاً في معظم الدوائر، إن لم تكن مدعومة فعلياً بالعديد من رعاياهم من المصريين الشماليين.
لقد اعتبر العلماء أن استخدام ملوك الأسرة الخامسة عشر المتزايد للجعارين، واتباعهم بعض أشكال الفنون المصرية، وانتشار ذلك على نطاق واسع، مؤشراً على أنهم أصبحوا مصريين بشكل تدريجي.
واستخدم الهُكسوس الألقاب المصرية المرتبطة تقليدياً بالملكية المصرية، واتخذوا المعبود المصري ست ليمثل معبودهم الخاص.
أما المصريين فنظروا إلى الهكسوس على أنهم “غزاة” ليسوا مصريين، وعندما تم طردهم في نهاية المطاف من مصر، قد تم محو كل آثار احتلالهم.
لم يتبقى روايات تسجل تاريخ هذه الفترة من وجهة نظر الهُكسوس ، وما تبقى فقط هي روايات المصريين الأصليين الذين طردوا المحتلين، وفي هذه الحالة فإن حكام الأسرة الثامنة عشر كانوا هم الخلف المباشر للأسرة السابعة عشر. فالأسرة السابعة عشر هي من بدأت وقادت حرباً مستمرة ضد الهكسوس.
ويرى البعض أن ملوك طيبة الوطنيين كان لديهم حافزاً لإزاحة الحكام الآسيويين في الشمال، وذلك يعلل تدمير آثارهم.
في عهد الملك سقنن رع الثاني نحو 1580 ق.م كانت طيبة قد بلغت من القوة والمكانة السياسية شأناً جعل الصدام مع الهُكسوس أمراً لا مفر منه. وهذا ما دفع ملك الهُكسوس «أبوبي» إِلى اختلاق الأعذار لبدء الصراع.
وحقق سقنن رع في هذا الصراع بعض النجاح إِلا أنه سقط فيه صريعاً 1575 ق.م، في معركة خاضها مع الهُكسوس وقد لوحظ وجود جروح وإصابات قاتلة في جمجمته
وخلفه في عرش طيبة ابنه الأكبر كاموس 1560- 1570 ق.م، وهو آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة، وامتد حكمه خمس سنوات فقط تابع فيها الحرب التي شرعها أبوه فشن هجوماً مفاجئاً على معاقل الهُكسوس المتاخمة لحدوده بقوات من الجيش وأسطول نيلي كبير، وراح يتقدم شمالاً حتى بلغ عاصمة الهكسوس نفسها.
وعلى الرغم من أن المدينة لم تسقط في يد الحكم الطيبي إلا أنهم قاموا بتخريب الحقول المحيطة بها.
قُتل الملك كاموس، وانتقل الحكم إلى أخيه أحمس الأول الذي لم يكن يبلغ إلا 10 أعوام وقامت والدته بحثه على التدرب على القتال مع المحاربين القدامى.
وعندما بلغ ال 19 عاماً قام بعض من رجاله بالتقاط رسالة مبعوثة من ملك الهُكسوس إلى ملوك النوبة يحثونهم بالزحف على طيبة مما أدى إلى قيام أحمس بالهجوم على الهُكسوس وهزمهم في عدة معارك.
وقام بشن عدة هجمات خارجية عليهم في أراضيهم الأصلية، ولم تقتصر جهود أحمس الحربية على مقاتلة الهُكسوس ، فقد تحول بعدها إِلى جنوب مصر فقاد ثلاث حملات كبيرة متوالية استهدف فيها بلاد النوبة لتأديب أميرها الذي تعاون مع الهكسوس عليه.
بعد نهاية حكم الهُكسوس بدأ عصر النهضة الثاني في مصر وكان بداية النهوض للإمبراطورية المصرية والتي عرفت أقصى امتداد لها في عصر الملك العظيم تحتمس الثالث حيث تحولت الإستراتيجية المصرية من الدفاع داخل الأرض المصرية إلى الدفاع من خارجها.
تغيرت العقيدة القتالية المصرية من الدفاع إلى الهجوم والغزو وذلك بعدما اتضح لهم أن جيرانهم من الشعوب الأخرى يريدون احتلال أرضهم ولذلك يجب الدفاع عن مصر بخلق بُعد استراتيجي لها في أراضي أخرى مما جعل الدولة الحديثة التي أسسها كاموس الأخ الأكبر لأحمس تؤسس جيشاً نظامياً محترفاً ومدرباً لأول مرة في مصر.
وقد حدث من أسلحته مما جعلهم يوسعون حدود مصر ويقيمون أول وأكبر إمبراطورية في العالم آنذاك من الأناضول شمالاً إلى القرن الأفريقي جنوباً ومن الصحراء الليبية غرباً إلى الفرات شرقاً.