برج القاهرة؛ أحد أهم المعالم السياحية في العاصمة المصرية. تم بناؤه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بين عامي 1956 و 1961 من تصميم المهندس نعوم شبيب، يجذب برج القاهرة العديد من السياح الأجانب بفضل تصميمه الفريد وموقعه المتميز الذي يقع في قلب القاهرة.
يقع البرج في قلب القاهرة وتحديداً في جزيرة الزمالك بنهر النيل، لذلك سمي بـ برج الجزيرة، يبلغ ارتفاع برج القاهرة 187 متراً ويعد ثاني أطول برج في العالم بعد برج إيفل، وفي كتب عن التاريخ وأصل الحكاية ذكر فيهم ما قصة هذا البرج، ولماذا تم بناؤه، ولم سُمي بـ “شوكة عبد الناصر”؟ تابع القراءة لتعرف معنا.
توجد عدة روايات حول سبب بناء برج القاهرة، ومنها أن الرئيس جمال عبد الناصر ومعه أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا يريدون بناء برج لاسلكي للاتصالات العالمية، علم عبد الناصر أنه تم شراء بعض المعدات من قبل، لكنه لم يجد أموالاً مرصودة في الميزانية لهذا الأمر، وقيل له وقتها أن الأموال تم الحصول عليها من اعتماد أمريكي خاص.
دُهش عبد الناصر لذلك فلم يكن يسمع بمثل هذا الاعتماد، وتم إخباره وقتها أن وكالة المخابرات الأمريكية قد وضعت 3 ملايين دولار أمريكي تحت تصرف اللواء محمد نجيب، وكان هذا المبلغ بمثابة رشوة من المخابرات الأمريكية للتأثير على موقف مصر المؤيد للشعب الجزائري في قضية تحرره من الاحتلال الفرنسي.
تم تسليم المبلغ في حقيبة ضخمة بواسطة عميل أمريكي إلى ضابط في المخابرات المصرية، وتمت عملية التسليم في بيت العميل الأمريكي الواقع ناحية المعادي، ما إن سمع عبد الناصر بذلك حتى استشاط غصباً، وتوجه مسرعاً إلى محمد نجيب -الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك- وطلب منه تفسيراً لذلك.
أصر نجيب على عدم علمه بأمر الرشوة، وأنه فهم أن المبلغ مرسل من الرئيس أيزنهارو، الذي خصص اعتماداً مالياً لبعض الدول من أجل الدفاع عن بلادهم ضد الشيوعية، وأنه ليس للمخابرات الأمريكية يد في هذا الأمر، وعندها طلب عبد الناصر إيداع المبلغ في خزينة المخابرات وعدم صرف أي شيء منه دون إذن من مجلس قيادة الثورة.
في النهاية، تم استخدام المبلغ في بناء برج القاهرة، وبعد أن كان مخططاً أن يكون مجرد برج عادي يعلوه هوائي لاسلكي؛ أراد عبد الناصر أن يكون برج القاهرة نصباً يشهد على كرامة الشعب المصري وحماقة وكالة المخابرات الأمريكية.
وفي مؤتمر للفدائيين الفلسطينيين في القاهرة وقف عبد الناصر في شرفة فندق هيلتون ثم تطلع إلى برج القاهرة، وأشار إلى البرج قائلاً بنبرة هازئة:
“لا تتكلموا واحذروا.. إننا موضع مراقبة وكالة المخابرات الأمريكية”.
في كتابه مذكرات محمود الجيار السكرتير الخاص لعبد الناصر، يروي الكاتب سليمان الحكيم رواية أخرى حول قصة بناء برج القاهرة. فيقول الكاتب أن السفير الأمريكي قد حضر فجأة إلى مكتب عبد الناصر في بيته، وأخبره بأن الشعب الأمريكي قد كلفه بتوصيل هدية خاصة للرئيس عبد الناصر وعائلته وتبلغ 5 ملايين دولار.
أبلغه عبد الناصر أنه قد قبل الهدية، وخرج السفير الأمريكي سعيداً، وبمجرد خروجه أصدر أوامره بالاتصال بكبار أساتذة الهندسة لتنفيذ مشروع لا ينساه الأمريكيون بهذه الأموال، مخلداً بذلك فشل المخابرات الأمريكية في رشوة الشعب المصري والتأكيد على وقوف الشعب المصري مع أي بلد عربي يدفع الاحتلال الأجنبي عن بلاده.
أطلق الأمريكيون على البرج اسم شوكة عبد الناصر في حين أطلق عليه الشعب المصري “وقف روزفلت” نسبة إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وكتب عنه المؤرخون أنه أطول لا في التاريخ.
في كتب التاريخ المصرى ذكر أن عبد الناصرقام بتكليف المهندس اللبناني البارع نعوم شبيب، والمشهور بتصميماته للعديد من المنشآت والمباني العالمية، واشترك معه في هذه المهمة المهندس عقيد عز الدين فرج، بينما أشرف على عملية البناء اللواء حلمي نجيب سويلم.
بدأ نعوم بوضع كل أفكاره على الورق أولاً، ثم ابتكر طريقة تنفيذ فريدة سجلها في براءة اختراع فيما بعد تحت اسم أقواس شبيب، وتتمثل هذه التقنية عن طريق تشكيل الشكل المطلوب لقالب صب خرساني من التربة، ثم القيام بوضع أسياخ الحديد وتشكيلها تبعاً للتصميم الإنشائي، بعد ذلك يتم صب الخرسانة فوقها.
لم تكن التربة في موقع بناء البرج قادرة على تحمل الأحمال المركزة، لذلك قام نعوم بابتكار طريقة لها هي الأخرى، وصمم قواعد إنشائية تعتمد على توزيع الأحمال.
تم بناء البرج من خرسانة مسلحة مصممة على شكل زهرة اللوتس كرمز للحضارة المصرية العريقة، واستخدم حجر الجرانيت الأسواني في بناء قاعدة البرج، وقد استخدم هذا الحجر في بناء المعابد المصرية القديمة، وشارك في بناء البرج نحو 500 عامل مصري.
تم بناء البرج من 16 طابق ويبلغ ارتفاعه 187 متراً أي أعلى من ارتفاع الهرم الأكبر بمقدار 43 متراً، ليصنف بذلك كثاني أطول برج في العالم بعد برج إيفل.
احتفل العالم بافتتاح برج القاهرة، وحضر هذا الافتتاح رئيس المجلس التنفيذي للإقليم الجنوبي حينئذ كمال الدين حسين، وذلك نيابة عن الرئيس جمال عبد الناصر. وحضر الاحتفال كذلك صلاح الدسوقي محافظ القاهرة في ذلك الوقت، ورئيس المخابرات العامة صلاح نصر، إضافة إلى مدير مصلحة السياحة، كما اجتمع الوزراء للاحتفال.
يستغرق الزوار 45 ثانية للوصول إلى قمة البرج عن طريق المصعد، وعند الوصول إلى قمة البرج يستطيع السياح رؤية بانوراما كاملة للقاهرة ومعالمها السياحية، بما في ذلك الأهرامات وأبي الهول والنيل، ومبنى الإذاعة والتلفزيون، والأزهر وقلعة صلاح الدين الأيوبي.
في الطابق الـ 15 تم إنشاء مطعم سياحي على قاعدة دوارة تستغرق دورتها ساعة كاملة، بحيث يمكنك رؤية معالم القاهرة من جميع الزوايا وأنت جالس، ويتسع هذا المطعم لأكثر من 100 زائر.
ظلت تذكرة الدخول البرج بسعر 10 قروش في الأيام العادية، أما في أيام الجمع والآحاد والأعياد فكانت ترتفع إلى 15 قرش، مع دخول الأطفال بالمجان، قبل أن تتغير الأحوال في فترة السبعينات.
لم يقتصر دور برج القاهرة في فترة الستينيات على كونه معلماً سياحياً بارزاً للعاصمة، بل تجاوز ذلك وتم تحويله إلى مركز لبث الإذاعات السرية والعلنية من القاهرة لتغطي قارتي آسيا وأفريقيا.
وفي تقرير صدر عن هيئة الإذاعة البريطانية عام 1960 جاء فيه أن مصر احتلت المرتبة السادسة في العالم من حيث عدد ساعات الإرسال متعدد اللغات، والذي بلغ وقتها حوالي 301 ساعة.
ثم ارتفع عدد الساعات في خلال أعوام قليلة ليبلغ 560 ساعة، ويقال أن هذه الإذاعات الثورية كانت سبباً من أسباب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
في عام 2006 بدأت عمليات ترميم وتجديد برج القاهرة، واستغرقت هذه العملية حوالي عامين أي من 2006-2008 نفذتها شركة المقاولون العرب المصرية بتكلفة حوالي 15 مليون جنيه.
تضمنت أعمال الترميم معالجة خرسانة البرج وإضافة 3 أدوار هياكل معدنية أسفل البرج، كما تم إضافة سلم للطوارئ، وفي عام 2008 تم افتتاح البرج مرة أخرى بعد أن زينت واجهته بإضاءات خارجية لتحاكي جمال القاهرة ليلاً.
ختاماً كان برج القاهرة عربياً في تنفيذه وإنشائه وبمثابة رمزاً للحرية وكرامة الشعب المصري ورفضه للتدخل الأجنبي في سياساته، لذلك هو أطول “لا” في التاريخ.