برج بيزا المائل يُعد أحد أشهر وأبرز المعالم السياحية بإيطاليا، بل إنه من أهم المعالم الأثرية في العالم، واشتهر بكونه من المزارات السياحية المُهمة فى إيطاليا بشكل خاص، وفي أوروبا بوجه عام، وترجع شُهرة برج بيزا المائل إلى تاريخه العريق، والأساطير التي تم سردها عنه عبر القرون المختلفة.
سأصحبك معي عزيزي القارئ في رحلة مُثيرة في روايات وكتب ثقافية وكتب عن التاريخ لاكتشاف تاريخ برج بيزا المائل، واستكشاف ماذا يُخبئ هذا البرج من كنوز قيمة لا تُقدر بمال.
برج بيزا هو برج جرس كاتدرائية مدينة بيزا الإيطالية، يقع البرج في مدينة بيزا في ولاية توسكانا بإيطاليا داخل ميدان المُعجزات، وبُني في عام ١١٧٣ ميلادي، واستمر بناؤه حوالي ١٩٩ عاماً، وقد سُمى البرج بإسم بيزا المائل نسبة إلى وجود بعض الميل به وانحرافه عن المُستوى العمودي.
بعد الإنتهاء من بناء الطابق الثالث من الطوابق الثمانية المُقرر بنائها، توقفت عملية بناء البرج بسبب عدم استقرار أساساته في الأرض اللينة أسفل منه، وقد تزامن توقف بناء البرج مع اندلاع الحرب بين المدن الإيطالية.
كان ذلك من أهم أسباب توقف بنائه لمدة قرن كامل، وقد ساعد ذلك على حماية البرج من الانهيار، فقد استقرت أساساته خلال هذه المدة.
يتكون البرج من ثمانية طوابق مبنية من الرخام الأبيض على الطراز الروماني، ويبلُغ ارتفاعه ٥٦.٢ متراً، وبه دُرج داخل الجُدران يتألف من ٢٩٤ درجة، وفي عصرنا هذا تم تجهيزه بمصعد كهربائي للتمكن من صعود هذه الأدوار، وتقدر كُتلته ب ١٤,٥٠٠ طن، وتُقدر نسبة الميل الحالي به ٥.٥ درجة.
يبدو ميل البرج واضحاً للعين، حيث يبلُغ حوالي ١٨ قدماً، وهذا ما يُعادل أكثر من خمس درجات، وقيل أن سبب هذا الميلان هو وجود لين وهبوط فى التُربة المبني عليها البرج.
وقد ظهر هذا الميلان في المراحل الأولى لبناء البرج، وعلى الرغم من ذلك استمر المعماريون في عمليات البناء على أساس نفس الميلان، وفي بداية القرن العشرين تم إيقاف عمل أثقل الأجراس فيه، اعتقاداً بأن حركتها تزيد من ميلانه، وتم حقن الأساسات بالإسمنت وغيره لتقويتها.
لكن استمر البرج بالهُبوط بمعدل ١.٢ مم سنوياً، وتزامن ذلك مع نهاية القرن العشرين.
برج بيزا من الخارج عبارة عن مبنى حجري أسطواني الشكل. تتكون واجهته الخارجية من الشُرفات والأعمدة المرتكزة على دعامة سفلية، في أعلاه تقع غُرفة للأجراس.
لا يحتوي على غُرف من الداخل، ويتكون الجزء الأوسط به من أسطوانة مجوفة، و بُنيت الواجهة الداخلية لها من حجر فيروكانا المُزخرف. أما بالنسبة للواجهة الخارجية فهي مبنية من الحجر الجيري الأبيض، رمادي اللون، وقد تم جلبه من مدينة سان جوليانو.
في عام ١٢٧٥ ميلادياً وتحديداً وقت بناء الدورين الرابع والخامس من البرج، حاول المعماريون تحريك مركز ثُقل البرج لمنع وتلافي هذا الميلان، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل، وحتى وقتنا هذا تُجرى محاولات عديدة لوقف ميلان البرج عن طريق دعامات ساندة.
في عام ١٩٩٥ تم إغلاق البرج ومنع السياح من تسلقه، لأنه مُعرض للإنهيار في أي لحظة، وبعد الإنتهاء من بناء الطابق الثالث في عام ١١٧٨ ميلادياً مال البرج، وتوقفت أعمال البناء لمدة قرن من الزمان، ثم في عام ١٢٧٢ ميلادياً بُنيت أربعة طوابق إضافية بزاوية، وذلك من أجل تعديل ميلان البرج.
ولكن مع الأسف توقفت أعمال البناء مرة أخرى في عام ١٣۰١، وفي عام ١٣٧٢ بُنيت الطوابق الأخيرة من البرج وتم وضع جرس بداخله.
تعددت وظهرت الخلافات حول هوية المعماري الذي قام ببناء برج بيزا المائل، فكان من المُعتقد لسنوات أن “بونانو بيزانو” هو من قام ببناء البرج، وبونانو فنان معروف من بيزا، وُلد في القرن الثاني عشر.
اشتهر بونانو بأعماله البرونزية، خاصة في كاتدرائية بيزا، وأنشأ البرج في عام ١١٧٤ ميلادياً، وتم استكمال بنائه بعد توقف طويل على “جوفانى بيزانو “، وفي النصف الثاني من القرن الرابع عشر استكمل “تومازو دى اندريا بيزانو” بناء البرج.
من القصص الشهيرة عن برج بيزا المائل هي ارتباط العالم الإيطالي الشهير “غاليليو غاليلي” ببرج بيزا المائل من خلال تجربته بالتعجيل الأرضي.
يُقال أن غاليليو غاليلى أسقط كرتين من قذائف المدافع ذات الكُتل المختلفة من هذا البرج، ليُوضح أن سرعة سقوطهما لا تعتمد أبداً على هذه الكُتل، وهذه القصة تعتبر من الشائعات التي رُوجت عن برج بيزا المائل.
في يوم ما أمر “بينيتو موسوليني” بإعادة البرج إلى وضعه الأفقي، فتم صب الأسمنت في أساساته، ولكن مع الأسف كان نتيجة ذلك أن البرج غاص أكثر في التربة.
أثناء الحرب العالمية الثانية دمر الجيش الأمريكي كل الأبراج الموجودة في مدينة بيزا الإيطالية خوفاً من احتمال وجود قناصة الأبراج، ومن ضمن المخططات السيئة تفجير برج بيزا، ولكن في اللحظة الأخيرة صدر قرارا بالإنسحاب، وتم إنقاذ البرج من التدمير.
كان برج بيزا معرضاً للسقوط والدمار أكثر من مرة، ففى يوم ٢٧ فبراير عام ١٩٦٤ طلبت الحكومة الإيطالية مساعدات من الدول الأوروربية المجاورة لمنع سقوط البرج، حيث تم تعيين مجموعة متعددة ومتنوعة من المهندسين، والمؤرخين، والرياضيين.
واجتمع أفراد هذه المجموعة فى جزر أوزوريس لمناقشة حماية البرج من السقوط، وإيجاد حلول عملية وواقعية لتثبيته، وبعد عدة أعوام من البحث والعمل حول هذا الموضوع تم إغلاق برج بيزا أمام الزوار في يناير عام ١٩٩۰، وبعد عقد من الزمان، وبذل الجهد في تثبيت البرج، أُعيد فتح أبوابه للزوار في الخامس عشر من شهر ديسمبر عام ٢۰۰١.
تم اقتراح العديد من الحلول لتثبيت البرج، ومن ضمن هذه الحلول على سبيل المثال إضافة ٨۰۰ طن متري من الرصاص كثُقل مُقابل على الطرف المرتفع من قاعدة البرج، وكان الحل النهائي لتصحيح الميلان هو إزالة ٣٨ متر مُكعب من التربة من تحت الطرف المُرتفع من قاعدة البرج، وتم إعلان استقرار البرج وتصحيح ميلانه لحوالي ٣۰۰ عام قادم.
ومن أهم الطرائف والمغامرات التى حدثت داخل برج بيزا المائل، هو قيام شخصان بالقفز منه باستخدام الباراشوت وهذان الشخصان هما: “مايك مكارثى” الذي قام بعملية القفز من أعلى برج بيزا في الخامس من أغسطس عام ١٩٨٨.
أما الشخص الثاني وهو بوستون غلوب فقد قفز من البرج في السادس من أغسطس في نفس العام أيضاً.
ولايزال حتى الآن برج بيزا المائل محط أنظار السُياح وزوار إيطاليا، ويعتبر هذا البرج تُحفة في فن المعمار، نظراً للخامات المُستخدمة في بنائه، بالإضافة إلى شكله وتكوينه الخارجي، ويُعد برج بيزا المائل البصمة التي تُميز إيطاليا عن غيرها في المعمار، كما أنه بمثابة الوجه الآخر الذي يعكس ثقافة الشعب الإيطالي وحضارته.