تاج محل، واحد من عجائب الدنيا السبع الجديدة ولطالما اُعتبر رمزاً حقيقياً ومثالاً نقياً للحب، يُضرب به المثل في كافة الأمور الرومانسية والمشاعر الصادقة، في الوفاء لرفيق الروح حتى بعد غيابهم عن الحياة، الإخلاص للرابطة التي تنشأ بين شخصين ليجتمعوا في قلب واحد، يُميزه كافة المشاعر السامية.
خلال هذا المقال سنتحدث عن تاج محل الأيقونة الهندية التي تُبهر الجميع، والتي ذكرت في بعض كتب ثقافية حصلت علي إعجاب الكثير من القراء.
ذُكر في كتب عن التاريخ أن القصة بدأت عندما كان الإمبراطور المغوليّ شاه جهان، وهو ابن الإمبراطور المغولي جهانكير وحفيد الإمبراطور أکبر أعظم، في عمر الـ 14، ووقع في حب الأميرة الفارسيّة المُسلمة ممتاز محل، والتي كان اسمها قبل الزواج أرجمان بانو بجيم.
وفي عام 1612، أي بعد خمس سنوات من لقائهما الأول، تزوّجها شاه جان، وفى عام 1631 ماتت زوجته الثالثة ممتاز محل، وذلك أثناء ولادة طفلهما الرابع عشر جوهرا بيقام. من خلال السجلات لعزاء شاه جيهان، توضح قصة الحب بينهما والتي أصبحت مصدر إلهام لبناء تاج محل.
بدأ بناء تاج محل في عام 1632 ووضع تصميمه فريق من المهندسين، برئاسة المهندس المعروف أحمد اللاهوري. وتم الانتهاء من الضريح الرئيسي في عام 1648 ومن المباني والحديقة المحيطة انتهت بعدها بخمسة سنوات. وصفه شاه جاهان،
هل يجب على المذنب أن يلجأ إلى هنا،
مثل العفو عنه، أصبح خالي من الخطيئة.
هل يجب على الآثم أن يشق طريقة لهذا القصر،
جميع خطاياه السابقة تم التخلص منها بعيداً.
مرأى هذا القصر خُلِق تناهيد الأسى;
والشمس والقمر تذرف الدموع من عيونهم.
في هذا العالم تم بناء هذا الصرح;
لإظهار مجد الخالق فيه.
يعتبر تاج محل من أرقى الأمثلة على العمارة المغولية، وهو بناء يجمع بين الطراز الإسلامي والمعماري الفارسي والتركي والعثماني والهندي. يوجد بأكرة بأوتار برادش بالهند.
شُيِد بالمرمر الأبيض المجلوب من جدهابور على مصطبة يغطى سطحها بالمرمر الأبيض، وأقيمت عند كل زاوية من زوايا المصطبة مئذنة متناسقة الأجزاء ارتفاعها 37 م.
يحيط بدائرة كل منها ثلاث شرفات، وفي وسط المصطبة يرتفع الضريح في شكل رباعي، وتشغل الجزء الأوسط من البناية القبة الرئيسية، وقطرها 17 م. وارتفاعها 22.5 م.
ولكل من واجهات البناية الأربع مدخل عال مغطى بعقد، وتحت القبة الكبرى التي تعلو وسط البناية ضريح الأميرة ممتاز محل، وإلى جانبه ضريح زوجها الامبراطور، وكلاهما مزخرف بالنقوش الكتابية.
ويعتبر تاح محل من أجمل نماذج طراز العمارة الإسلامي حيث يعرف على نطاق واسع بأنه جوهرة الفن الإسلامي في الهند وإحدى الروائع الخالدة في العالم. في عام 1983، أصبح تاج محل من مواقع التراث العالمي لليونسكو.
بلغت القوى عاملة عشرين ألف عامل من جميع أنحاء الهند، ونحاتين من بخارى، وخطاطين من سوريا وبلاد فارس، فنيو الزخرفة والتطعيم من جنوب الهند، والحجارين كانوا من بلوشستان.
بالإضافة إلى مختصين في بناء الأبراج وأشخاص مهمتهم الوحيدة قطع الرخام على شكل أزهار وكانوا جزءا من مجموع عمال بلغ عددهم سبعة وثلاثين عاملا شكلوا مجتمعين الوحدة الإبداعية للبناء.
الضريح هو محور المجمع بأكمله في تاج محل، البناء من الرخام الأبيض الكبير الذي يقف على قاعدة مربعة، يتألف من مبنى متناظر مع إيوان وهو عبارة عن مدخل مقوس الشكل تعلوه قبة كبيرة وهي النتيجة النهائية، مثل معظم الأضرحة المغولية، أماكن الناووس لقبري ممتاز محل وشاه جيهان غير حقيقية؛ لأن القبور الحقيقية تقع في الطابق السفلي.
تعتبر القبة الرخامية التي تعتلي الضريح من أروع التصاميم على الإطلاق، يقدر ارتفاعها بـ 35 قد أطلق عليها اسم القبة البصلية أو القبة الجوافية، أعلى القبة مزُيّن على شكل زهرة اللوتس والذي يعطي انطباعاً بالارتفاع العالي، أحيطت القبة بأربع قباب صغيرة ذات نتوءات جانبية.
وهذه القباب مشابهة للقبة الرئيسية في الشكل والتصميم البصلي، وموضوعة في زوايا المبنى قواعد أعمدة، القباب الأربع مرتفعة عن السقف لتزويد المكان، شكل زهرة اللوتس تكرر في تصاميم الأبراج والنتوءات في القباب الأربع.
كانت الزخارف في الأصل مصنوعة من الذهب، ولكن تم استبدالها بنسخة من البرونز المطلي بالذهب في مطلع القرن التاسع عشر. هذه الإضافة تعتبر مثال واضح على الدمج بين عناصر الزخرفة والتزيين التقليدية الفارسية والهندوسية.
يعتلي الزخارف هلال أطرافه تواجه السماء وهو شعار الدين الإسلامي. تُظهر المآذن والتي يزيد ارتفاعها عن 40 متر وقد صُممت لتكون مآذن فعلية يستخدمها المؤذن لينادي منها المسلمون للصلاة.
وتنقسم كل مئذنة إلى ثلاثة أجزاء متساوية بشرفتين تطوقان البرج. وفي أعلى البرج شُرفة يعلوها قبة مجنحة تعكس تصميم الأخريات الموجودة على الضريح.
استخدمت التصاميم التجريدية في كل مكان، كما اسُتخدمت بشكل أقل في تزيين الأضرحة. وزخرفة القبب والسراديب المبنية من الأحجار الطينية بالنقش لخلق أشكال هندسية.
رصعت الأشكال الهندسية المتعرجة بالأحجار للربط بين الأشكال الزخرفية المنقوشة، حيث اَستخدمت الأحجار البيضاء في المباني الحجرية، بينما الأحجار السوداء أو الغامقة في تزيين الرخام. طَليت المناطق البارزة من المباني الرخامية بالألوان الموحدة أو على شكل بقع مختلفة الألوان.
أما النصف السفلي من الأضرحة، وَضع عدد من البلاط الأبيض المنحوت على شكل أزهار وأشجار والتي عادة ما تكون قليلة البروز. تختلف تصاميم التجويفات الداخلية لتاج محل كل الاختلاف عن عناصر التصاميم التقليدية، حيث تستخدم الأحجار الكريمة والأحجار الشبه كريمة في مرحلة ترصيع الأحجار بدلاً من أحجار الفسيفساء.
صَممت الحجرات الداخلية على شكل ثماني الأضلاع مع تجويفات صغيرة في كل ناحية للسماح للجمهور بالمشاهدة، بالرغم من ذلك يَسمح بمشاهدة هذه الحجرات من خلال الباب الجنوبي المواجه للحديقة فقط.
بلغ طول الجدران الداخلية حوالي 25 متراً وفي قمتها القبة الداخلية التي زينت بأشكال الشمس، وأقواس فيشتاق الثمانية توضح مساحة الطبقة الأرضية.
قطع الرخام الثمانية التي تحدد التابوت مصنوعة من ثمان لوحات رخام نُحتت بجهد ودقة عالية وبقية الأسطح طُعمت بصورة دقيقة جدا بالأحجار شبه الكريمة تشكل بها تؤمة الكروم والأزهار والفواكه.
ولأن التعاليم الإسلامية تحرم تزيين القبور تم وضع جثث ممتاز محل وشاه جيهان في سرداب منبسط نسبيا تحت الغرفة الداخلية ووجهت وجوههم نحو مكة، وضع تابوت ممتاز محل في منتصف الغرفة الداخلية بالضبط في قطعة رخام مستطيلة الشكل بمقاييس 1.5 متر و2.5 متر.
القاعدة والتابوت مرصعين بأحجار كريمة وشبه كريمة، وتتميز النقوش الكتابية على التابوت بالثناء عليها، ويغطي التابوت المستطيل الشكل ارتفاع على شكل معين يشير إلى لوحة كتابية، ويقع نصب شاه جيهان التذكاري بجانب زوجته ممتاز من الجهة الغربية، وهو العنصر المرئي الوحيد في كل المجموعة.
ويعتبر ضريحه أكبر من ضريح زوجته، لكنه يعكس نفس العناصر، النعش أكبر والقاعدة أطول بقليل، وهو كذلك مرصع بأحجار كريمة مضبوطة الدقة ويميزه خط يدوي رائع الشكل، ويوجد على غطاء الضريح مجسم صغير مغطى بنحوت تقليدية.
كان التصميم التقليدي المغولي للقبور يغطي توابيت الرجال والنساء، وتوجد كذلك أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين بشكل رائع على جوانب ضريح ممتاز محل وأسفله، ويوجد أيضا نقش رائع بخط اليد على قبر شاه جيهان يقول:
“غادر من هذه الدنيا إلى دار الخلود في ليلة السادس والعشرين من شهر رجب”.
تصل مساحة الحديقة إلى حوالي 300 متر مربع وتسمى الحديقة بحديقة شارباغ أو حديقة المغول. وتقوم الحديقة على الممرات التي تقسم الأجزاء الأربعة من أجزاء الحديقة إلى 16 روضة منخفضة أو أحواض زراعية. ووُضع خزان ماء رخامي في منتصف الحديقة في نصف الطريق ما بين البركة والقبر.
وفي منتصف الحديقة بين المحور الشمالي والجنوبي، توجد هُناك بركة عاكسة لصورة الضريح. وقد سُمي خزان الماء الرخامي بوعد الكوثر نسبة إلى وعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للحوض الكبير الذي ينتظر المسلمين في الجنة.
وفي جهة أخرى من الحديقة، توجد أشجار ونوافير، وحديقة شارباغ المستوحى تصميمها من تصاميم الحدائق الفارسية، والتي أدخلها إلى الهند الإمبراطور المغولي الأول بابور.
وتمثل الأنهار الأربعة المتدفقة باسم الجنة وفي النصوص الإسلامية الصوفية التي وُجدت في فترة المغول، وُصفت الجنة بالحديقة المثالية من حيث وفرة أنهارها الأربعة التي تتدفق من ينبوع أو جبل مرتفع يُقسم الحديقة إلى الجهات الأربع الشمال والغرب والجنوب والشرق.
معظم الحدائق الفارسية والمغولية مستطيلة الشكل يتوسطها ضريح أو هيكل، إلا أن حديقة تاج محل خالفت ذلك التصميم السائد إذ بني الضريح في أخرها، وتصف الحسابات المبكرة للحديقة وفرة غطائها النباتي بما في ذلك الورود الكثيرة وأزهار النرجس البري والأشجار المثمرة.
ولكن عندما تهاوت الإمبراطورية المغولية، فقد تراجعت الرعاية بالحديقة أيضا، وعندما استولى البريطانيون على إدارة تاج محل خلال حكم الإمبراطورية البريطانية غيروا تصميم مناظر الحديقة لتبدو مشابهة لتصميم المسطحات الخضراء في لندن.