عندما يرشح لى شخص كتاب، فى أغلب الأوقات، لا اكون متحمسة جداً لقراءته. لأسباب كثيرة، منها: أننى أحب اختيار كتبي بنفسي أو بمعني أدق، أؤمن بوجود توافق وتناغم خاص بينى وبين الكتاب الذي سأقرأه و كي يحدث ذلك التناغم أو التوافق يجب على أن أقوم بتلك المهمة دون أي تدخل خارجي.
أولاً من خلال البحث فى النوع المفضل لدى ثم بعد ذلك قراءة نبذة مختصرة عن الكتاب وعندها اتخذ القرار. و لكن، –و دون استطراد– اكتشفت هذا العام أنه لا يوجد مكان للخطط.
و أننى لن يمكننى الذهاب إلى مكتبتي المفضلة حتى إشعار آخر.
و بالطبع لا يمكننى الوقوف أمام قسمى المفضل و تفحص كل رف و كل كتاب حتى استقر اخيراً –و بعد ٣ ساعات– على صديقي الجديد الذي سيرافقني إلى المنزل و يرافقني ايضًا في رحلة جديدة نخوضها سويًا.
و إن كنا صريحين، الكثير منا تخلى عن نمط حياته المعتاد بشكل او بأخر.. و خلقنا أنماط جديدة ربما اضافت لنا وربما ستستمر معنا إلى وقت لاحق.
و بالنسبة لى، تخليت عن كثير من عادات القراءة الخاصة بى التى لطالما قدستها، و من أول هذه العادات هو الانفتاح أكثر للقراءة فى مختلف انواع الكتب، دون التفكير كثيرًا فى مَن أو مِن أين تأتى ترشيحات الكتب الجديدة.
و إن وصلت إلى هذه النقطة فى القراءة فهذا يعنى انك على قدر كافى من التحرر فى إختياراتك عندما يتعلق الأمر بالكتب، ففى هذه القائمة سأرشح ستة كتب من أفضل قراءاتي لتكون ترشيحات كتب 2021 لنبدأ معها العام الجديد أو تأخذنا معها إلى عالم آخر.
يوجد نسخ مترجمة للعربية لجميع الكتب المذكورة.
من الطريف أن هذه الرواية، لكاتب مصرى –ربما بدأنا نسمع عنه مؤخراً حين صدرت نسخة مترجمة لروايته “بيرة في نادي البلياردو” وهو وجيه غالى –كُتبت باللغة الإنجليزية فى الأصل و صدرت عام ١٩٦٤ ثم بعد ذلك تم إصدار نسخة مترجمة منها نتيجة لولع المترجمة ايمان مرسال بالقصة و رغبتها فى أن تفسح المجال لغيرها من القراء للإستمتاع بهذا الكنز الثقافى و الاجتماعى و السياسى فقامت بترجمة نصفها و شاركتها فى الترجمة صديقتها ريم الريس.
“الهزلي في الموضوع هو كيف يواصل الناس –ملايين وملايين من الناس– مشاهدة التلفزيون والغناء والترنم على الرغم من حقيقة أنهم قد فقدوا أخًا أو أبًا أو حبيبًا في حرب؛ والأكثر غرابة، إنهم يعتزمون بكل رباطة جأش توديع أخوة أو أحباء آخرين ذاهبين إلى حرب أخرى. لا يرون المأساة في كل ذلك. من حين لآخر يقرأ واحد من هذه الملايين كتابا، أو يبدأ في التفكير، أو يهزه شيء ما فيرى عندها مأساة في كل مكان. أينما ينظر، يجد مأساة.”
يلخص “رام” بطل الرواية –ليس كلياً– جنب من جوانب قصته و مأساته فى هذا الجزء و يأخذنا إلى عالمه الفوضوي المعقد الذى يبدو فى خارجه فى سلاسة الماء. ولد لعائلة ارستقراطية، من أقباط مصر، رام هو شاب تلقى تعليمة فى بريطانيا وغرق حتى النخاع في الثقافة الأجنبية فيواجه معضلة و أزمة فكرية بعد قيام ثورة ١٩٥٢ و يجد نفسه مُمزق عاطفياً بين انتمائه للثقافة الاستعمارية و بين محاولته لفهم ذاته المصرية والتواصل معها من خلال فهمه للمواطن المصرى البسيط المغاير له فى الحياة الاجتماعية و الثقافية. تدور الأحداث بين مدينتى القاهرة و لندن و مع تطور الأحداث نتابع تخبط رام بين ما هو عليه وما يريد أن يكونه.
هذه الرواية تتواصل بشكل مباشر مع المغتربين بشكل فعلى، و كل من شعر بالاغتراب الفكرى و السياسى و الثقافى بين ابناء بلده نتيجة للفكر الاستعماري فى ذلك الوقت و ايضًا نتيجة للانفتاح الثقافي فى وقتنا الحالى . كما تطرح الرواية قضية مهمة بشكل خفيف و عاطفى و هى الفروق الطبقية فى العهد الناصري و عدمية التواصل الوجداني ما بين المواطن المصرى الحقيقى و متعددون الهوية والانتماء.
إستفزني الاسم فى أول مرة وقعت عيناى على هذه الرواية. فكيف يكون السلام مُنفصلاً؟ و ماذا يعنى ذلك الإسم و مدلوله بالنسبة للقصة؟
هى أشهر رواية للكاتب جون نولز و التى كانت فى أصلها قصة قصيرة من تأليفه حُولت إلى رواية و اُصدرت عام ١٩٥٦. و هي ايضًا –بالنسبة للكثيرين– واحدة من أهم روايات القرن العشرين التي ناقشت ظروف الحرب العالمية الثانية و مفهوم الصداقة و الذكورية بالنسبة للأولاد المراهقين فى ذلك الوقت. و ايضًا معضلة العثور على الهوية و الصراع على التفرد فى ظل وجودنا حول غيرنا من الأقران.
حجزت “سلام منفصل” بسهولة مكان فى قائمتي الخاصة لأفضل روايات. فهى بالفعل سلام منفصل، سلام خاص لعالم خاص، يعزلنا بعيداً عما يجري خارج أوراق الكتاب في تعزلنا الشخصيات معها فى مدرسة “ديفون” الداخلية فى ولاية نيو هامبشير.
جين و فيني، بطلا الرواية، صديقان مقربان على الرغم من اختلافهما الجزري. جين انطوائي، مُفكر، عاقل، هادىء فى حين أن فينى عكس كل ذلك تماماً: اجتماعى، مُحب للرياضة و مُنفتح، لذلك تجمعهما صداقة من نوع غريب مشوبة بالغيرة المكتومة و المشاعر المتضاربة لتصل بهما إلى طريق مسدود و مصير لم يتوقعه اياً منهما و لا نحن ايضاً.
تبدأ الرواية بزيارة جين لمدرسته القديمة ليسير بنا فى ممرات ذاكرته محاولًا اخبارنا سره الذى لم يكن من المفروض أن يوجد من الأساس.
كلمة “أورفية” هى كلمة مستوحاة من اسم الإله اورفيوس و هو شاعر و موسيقى و نبى فى الديانة اليونانية القديمة و الأساطير الإغريقية و هى تعنى فاتن أو أسر.
للكاتب هنري كول، باريس الأورفية، تجمع بين الأدب و الفن و الأدباء و الفنانون فى مدينة العُشاق و مُحبى الجمال، باريس، و من منا لا يريد خوض هذه التجربة؟
علاوة على ذلك فإن الكتاب ليس من النوع التقليدى عندما يتعلق الأمر بالسرد، فعندما تبدأ فى القراءة، لا يمكن بالضبط ان تحدد اذا كان المكتوب شعر أم يوميات أم سيرة ذاتية أم فوتوغرافيا.. لتجد أنه بالفعل كل ذلك.. فيأخذنا الكتاب في رحلة داخل روح باريس الحقيقية، لنتنقل بين شوارعها ومقاهيها وأزمنتها المختلفة ونكتشف بعض اسرار سحرها و لكن لا تتركنا هناك وحيدين بل بصحبة فنانين مارسوا مختلف أنواع الفن من همنغواي إلى ريلكه فتأثروا بها وأثروا فيها.
“لم أستطع البكاء.. اختفت الحجارة فى المياه، و أخذت تغرق مُتجانِبة كما لو كان باستطاعتها أن تُعيد معاً بناء مارغريتا زيليه فى القاع. لكننى لم اُرد أن أكونها من جديد..” هكذا تحدثت الراقصة “ماتا هارى” عن نفسها.
و ربما يرن ذلك الإسم جرس فى ذهن القارىء، فعندما يذكر المرء إسمها حتى تتجسد أمامنا الراقصة الهولندية الأصل بجمالها الفاتن و المثير للجدل. و لم يكن فقط نشاطها و جمالها هو المثير للجدل بل كانت ماتا كشخص و كفكرة موضع جدل لا يخلو من الاعجاب و احياناً الاستنكار.
تبدو الرواية كسيرة ذاتية، و لكنها ليست كذلك، فهى بقلم الرائع باولو كويلو الذى إهتم بشخصية ماتا هارى و قرر تحويل قصتها الى رواية تعطى، فى رأيي، صوت لماتا لنرى قصتها بعين اخرى. حيرتني تلك الرواية لفترة من الزمن و طاردني كثيراً شبح ماتا بعدما انتهيت منها، و سحرني كويلو بتقمصه لشخصيتها من خلال تخيله أنها كتبت رسالة مطولة تحكي فيها قصتها وهي تمكث –فى مثواها الاخير– فى سجن سان لازار بتهمة التجسس لصالح الألمان ضد الفرنسيين أثناء الحرب العالمية الأولى.
ولكن من هى ماتا هارى بجانب كونها راقصة استعراضية و راقصة شرقية؟ أو السؤال الأهم من هى ماتا هارى الحقيقية؟ و هل حقًا تستحق اللقب الذى لازمها قبل و بعد وفاتها و إلى الآن: “الجاسوسة” ؟
لا يسعنى أنا شخصيًا الإجابة عن هذه الأسئلة، و لكن، بالطبع، بولو كويلو يستطيع.
ننتقل من ماتا هارى إلى “ريبيكا“. و كما طاردتني ماتا، طاردت ريبيكا بطلة روايتنا التى لم تعطها الكاتبة “دافني دو مورييه” اسم ليؤكد على نقطة مهمة سنكتشفها لاحقًا مع تطور الأحداث.
قبل أن أقرأ الرواية، ظننت بالطبع، كقارئي، أن بطلتنا هي ريبيكا و لكن هل يمكن فعلًا الجزم أن ريبيكا ليست بطلة الرواية؟
تروى بطلتنا القصة من نهايتها، فتخبرنا عن افتقادها لمكان ما يُدعى “ماندرلي” و عن رغبتها فى العودة إلى هناك هى و زوجها ماكسيم رغم استحالة الظروف و مرارة الذكريات.
قابلت البطلة زوجها ماكسيم اثناء عملها كمرافقة لسيدة أميركية في مدينة “مونت كارلو” ليعرض عليها الزواج و تنتقل معه إلى قصره فى ماندرلي، لتقابل بصدمة تكشف لها أن ذلك القصر الذى تخيلت انها ستصبح سيدته ليس سوى قصر من رمال ستدفن احلامها أسفله.
تضعنا هذه القصة أيضًا فى جو قوطي أو كما يُسمى بالانجليزية “gothic” و هو نوع من الأدب انتشر فى القرن الثامن عشر يمزج بين الرعب و الخيال و الموت و ايضًا الرومانسية. و هذا ما تنتمي إليه روايتنا. فبطلتنا المجهولة تجد نفسها وكل من حولها من شخصيات مُطاردين من قبل “ريبيكا“.. و لكن من هى؟ إجابة هذا السؤال بالطبع فى القصة.
ثلاثة أجيال و ثلاث سيدات يحملن ثلاث أزمنة فى أفواههن و قررت الأخيرة منهم أن تنقلهم جميعاً لنا فى هذه السيرة الذاتية المغلفة بطابع الرواية. فأغلب الأحداث التي ترويها “آن ايديلستام” المؤلفة، حدثت لها بالفعل او حكتها لها “انجريد” والدتها التى بدورها عاشت فى القاهرة و ايضًا ورثت نصيبها الخاص من تلك القصص من والدتها “هيلدا” جدة آن.
تتركنا آن فى حيرة و دهشة لما استطاعت أن تنقله لنا كمصريين عن بلدنا دون أن تكون هى بذاتها مصرية أو اياً من افراد اسرتها مما يطرح مسألة مهمة وهي فكرة الانتماء إلى المكان بفعل الارتباط النفسى و الانسانى دون الحاجة لرابط أو صلة دم ليجعلنا جزء منه.
عاصرت الثلاث سيدات مصر منذ فترة العشرينات وحتى ثورة الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١ فنجد أن الرَاوية لا تحكى قصة شخصية بل تحكى تاريخ بلد كامل على مدار أكثر من نصف قرن من خلال ثلاث تجارب متفردة و لكن فى ذات الوقت تصب فى مجرىً واحد و هو التعرف على تاريخ مصر و خاصةً القاهرة و اغلب ما مرت به من تغيرات و ثورات و تغير فى الظروف الاجتماعية و السياسية و الثقافية من أول المواطن المصرى البسيط إلى الطبقة الأرستقراطية والجاليات الاجنبية.
في رأيي، إذا أردت كقارئ أن تعرف تاريخ مصر بطريقة سهلة و مبسطة خاصةً اذا لم تَكن من هواةِ كُتب التاريخ، فعليك بهذه الرواية.