ثورة ١٩١٩ من أهم الثورات التي نالت اهتمام كبير من الجمهور ومالا تعرفه أن مصادرة ممتلكات الفلاحين من المحاصيل الزراعية والمواشي الحيوانية دون وجه حق طوال أربعة سنوات متتالية من العذاب في الفترة ما بين ١٩١٤-١٩١٨ هي فترة الحرب العالمية الأولى.
تجنيد مئات الآلاف من شباب الفلاحين بالإجبار للذهاب للحرب ضد أعداء الإنجليز الذين كانوا يسيطرون على مصر آنذاك، إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي يحتاجها الجيش في الغذاء وشراؤها بثمن بخس أو الاستيلاء عليها مجانا، موت الآلاف من المصريين في الحرب.
وفي كتب عن التاريخ كثيراً ما نجد أنه قد تفشت الأوبئة والأمراض بسبب سوء التغذية والفقر الشديد وعدم القدرة على العلاج، وكل تلك العوامل السابقة كانت الدافع لاندلاع ثورة ١٩١٩وهنا نعرض لكم أهم المعلومات عن ثورة ١٩١٩.
“نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول ورفاقه في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقًا لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى.” بيان حزب الوفد المصري – ١٩١٨.
عانى الشعب كثيرا من قسوة وبطش الاحتلال الإنجليزي منذ سيطرته على مصر عام ١٨٨٢، وقد قام باستغلال خيرات البلاد لصالح الشعب الإنجليزي وتكوين الإمبراطورية البريطانية.
قد ازدادت أفعال الظلم والاستبداد مع بداية الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤ التي استمرت طوال أربعة سنوات متتالية ذاق فيها الشعب المصري كافة ألوان الظلم والاستبداد التي بدأت من الاستيلاء على محاصيلهم الزراعية دون مقابل إلى قتل الأرواح المصرية بتجنيدها مجبرة للقتال في الحرب.
انتشر الفقر بين المصريين خاصة الفلاحين كما انتشرت بعض الأمراض التي عجز المواطن المصري البسيط عن معالجتها نظرا لشدة فقره، وبدأ بعض المثقفين والوطنيين أمثال سعد زغلول وأحمد لطفي السيد و محمد فريد محاولة البحث عن حلول للشعب المصري.
وفي عام ١٩١٨ طرأت إلى الزعيم سعد زغلول فكرة تكوين حزب الوفد المصري ليكون لسان الشعب المصري في المطالبة بحقوقه، وقد انضم للحزب كل من مصطفى باشا النحاس، أحمد لطفي السيد، مكرم عبيد، عبد العزيز فهمي، هدى شعراوي، محمد الفريد.
قد بدأ الحزب في المطالبة بحقوق المصريين من الاحتلال الانجليزي بالطرق السلمية المشروعة، ولكن الإنجليز كانوا رافضين أية مقاومة من جانب الشعب المصري فأمر قوات الاحتلال بنفي سعد زغلول إلى جزيرة مالطة ٨ مارس ١٩١٩ ومن ثم اندلعت ثورة ١٩١٩ من قبل الشعب المصري احتجاجا على ذلك القرار.
«نحن لسنا محتاجين إلى كثير من العلم، ولكنا محتاجون إلى كثير من الأخلاق الفاضلة.» سعد زغلول
ولد سعد زغلول في مدينة كفر الشيخ عام ١٨٥٨ توفي والده في عمر الخمس سنوات، تلقى تعليمه في الكتاب ثم انتقل للدراسة في الأزهر القاهرة، عين قاضيا في عام ١٨٩٢، شارك في تأسيس حزب الأمة الذي كان يدعو إلى مقاومة الاحتلال الإنجليزي.
في عام ١٩١٠ عين وزيرا للعدل و استقال من المنصب عام ١٩١٢ نظرا لخلافه مع الخديوي عباس الثاني، ثم تم تعيينه نائب لرئيس للجمعية التشريعية في عام ١٩١٣.
أثناء الحرب العالمية الأولى شكل مع أعضاء الجمعية هيكلا تشريعيا في جميع أنحاء مصر يعمل على مقاومة الاحتلال وطالبوا المفوض السامي البريطاني بإلغاء الحماية البريطانية على مصر ولكن تم رفض طلبه ونفي زغلول إلى جزيرة مالطا لمدة أربع سنوات عاد بعدها في عام ١٩٢٣.
قد عين رئيس مجلس الوزراء في عام ١٩٢٤، ثم رئيس لمجلس النواب عام ١٩٢٦، وتوفى عام ١٩٢٧ ميلادية، وقد تجد في روايات أشرف العشماوي بعض المعلومات المهمة عن سعد زغلول قائد الثورة.
“ثورة شعبية أصيلة، خرجت من القرى والكفور قبل أن تخرج من المدن والبنادر، انطلقت من الأزقة والشوارع قبل أن تنطلق من الشوارع والميادين الواسعة، وكادت المظاهرات أن تبدأ وتستمر ثم تنتهي في القاهرة؛ لولا ما حدث في المحافظات، والتي نقلها من مفهوم المظاهرات إلى الثورة الشاملة”.
مصطفى أمين – ثورة ١٩١٩.
اجتمع سعد زغلول بأعضاء الجمعية التشريعية للبحث عن حلول للشعب المصري، وقرر الذهاب إلى دار الحماية البريطانية لمقابلة السير ونجت هو وكل من عبد العزيز فهمي،علي شعراوي ومطالبته بالسماح لهم بالذهاب إلى مؤتمر فرساي للسلام المنعقد في ٦ مارس ١٩١٩ للمطالبة بإلغاء الحماية البريطانية على مصر.
لكن تم رفض طلبهم واعتقالهم في ثكنات قصر النيل ثم نفيهم الى جزيرة مالطة في الثامن من مارس ١٩١٩ فأشعل ذلك التصرف الغضب في قلوب المصريين، وزرع الإحباط داخل نفوسهم بعدم تحقيقهم الحرية واندلعت ثورة ١٩١٩ في اليوم التالي لنفي أعضاء حزب الوفد الموافق التاسع من مارس.
بدأت الثورة بخروج مظاهرات من جامعة القاهرة تسير في جميع أنحاء المدينة لمدة يومين متتاليين، تبعتها بعد ذلك خروج طلبة جامعة الأزهر ثم بدأت المظاهرات وعمليات الإضراب تخرج من كل مدن وقرى الجمهورية فقام عمال الترام بعمل اضراب عن العمل مطالبين بتخفيض عدد ساعات العمل وزيادة الأجور.
ثم تبعتها حركة وقف جميع المركبات نهائيا، ثم قام عمال السكة الحديد بعمل اضراب تبعه حركة اتلاف بمحولات السكة الحديدية، ثم قاموا بقطع السكة الحديدية، ثم قام كل من عمال البريد والكهرباء والجمارك وسائقي التاكسي بعمل إضراب عن العمل.
خرج الأهالي من كافة البيوت مسلمين ومسيحيين يد واحدة تحت شعار علم واحد هو تعانق الهلال مع الصليب، ولم يكتفوا بالمظاهرات السلمية بل قامت الأهالي البسيطة التي تسكن الكفور والنجوع بقطع قضبان السكك الحديدية لمنع السفر بين المدن، ومهاجمة الضباط الإنجليز داخل مراكز الشرطة.
وفي كتب التاريخ المصري ذُكر أن بريطانيا اضطرت الى الاستجابة الى مطالب المصريين بعزل الحاكم الانجليزي والافراج عن سعد زغلول وزملائه والسماح لهم بالسفر الى مؤتمر السلام بباريس ولكن مع الأسف لم يوافق المؤتمر على مطالبهم بإلغاء الحماية البريطانية.
عاد الشعب إلى إشعال الثورة ثانيا وقاموا بمقاطعة البضائع البريطانية ثم تم القبض على سعد زغلول ونفيه إلى جزيرة سيلان مما أشعل غضب المصريين واستمروا في إشعال الثورة والمظاهرات والاحتجاجات والإضرابات ومهاجمة الإنجليز ومحاولة الاشتباك معهم.
الى أن استجابت بريطانية الى مطالبهم بإلغاء الحماية البريطانية في الثامن والعشرين من فبراير عام ١٩٢٢.
لم تستجب انجلترا لمطالب الشعب المصري مباشرة بل ظلت ثورة ١٩١٩ قائمة لمدة ثلاث سنوات متتالية منذ اندلاعها في التاسع من مارس عام ألف تسعمائة وتسعة عشر حتى إعلان تصريح الثامن والعشرين من فبراير عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين.
ثلاث سنوات متتالية فقد فيها الألاف من الشعب المصري برصاص جنود الاحتلال الانجليزي الغادرة أثناء سيرهم في المظاهرات السلمية وهشمت رؤوسهم برؤوس بنادقهم وتم سحلهم أرضا حتى الموت دفاعا عن حرية أرضهم وتحرير وطنهم من الاحتلال .
لكن تم الحصول على الحرية بعد سقوط الآلاف من الشهداء حيث تم إعلان إلغاء الحماية البريطانية على مصر من خلال تصريح ٢٨ فبراير عام ١٩٢٢ الذي كان أهم نتائج الثورة وقد نص على:
اعلان مصر دولة مستقلة.
إلغاء الحماية البريطانية على مصر.
صدور أول دستور مصري في عام ١٩٢٣.
الافراج عن سعد زغلول باشا وعودته من المنفى وتشكيل وزارة جديدة يعين رئيسا لها عام ١٨٢٤