جامع السلطان حسن فصول من التاريخ استطاع أن يلخصها في مبنى واحد والذي يقال أنه الجامع الذي لا ثاني له في مصر، وأحد أهم جوامع القاهرة، واعتبره البعض درة العمارة الإسلامية الشرقية، وواحد من أهم ما انتجته الحضارة الإسلامية من معمار قاطبة.
ليكون بذلك قد تربع على عرش المركز الأول في مصر بهندسته الفريدة، وتفاصيله الضخمة المدروسة بدقة، والمصحوبة بالزخارف المتقنة الصنع. وبعمر يزيد على الـ 700 عام، صامد وشامخ على مر القرون ولازال.
يعد جامع السلطان حسن، والمعروف اختصارًا بـ جامع السلطان حسن، دار للعبادة متمثلًا في المسجد، ودار للعلم متمثلًا في المدرسة، مشكل بذلك جامع السلطان حسن ذو طابع تاريخي، ومعلم مهم يزين خط سماء العاصمة.
إضافة ثرية لواجهة المدينة، ولربما تجد في روايات ريم بسيوني العديد من القصص عن تاريخ مصر القديم والذي منهم جامع السلطان حسن هرم مصر الرابع، كما ويعد هذا الصرح أبرز ما أنتجته العمارة المملوكية، وباكورة مذهلة لأعمالها وبلا منافس.
في يوم من أيام الزمن البعيد، حيث القاهرة تحت حكم المماليك، عبر السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، وهو حاكم مصر خلال فترة حكم المماليك، عن رغبته في إنشاء تحفة معمارية دينية تعليمية، تنشر الدين وعلومه، وتخلد اسمه وفترة حكمه للأبد، فكان جامع السلطان حسن نتاج هذه الرغبة.
لتُجهز العدة، ويُجلب أفضل المعماريين، ويُجتذب الصناع والحرفيين من اكل أرجاء الدولة المملوكية. وليقع اختيار الموقع على مساحة كان يشغلها قصر تم هدمه لاحقًا، وبدء أعمال انشاء جامع السلطان حسن عليه.
قد خُصصت لبناء جامع السلطان حسن ميزانية صُرفت بسخاء وقُدرت بمليون دينار، حتى أن السلطان حسن بنفسه قال عن ذلك:
لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه، لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرفت عليه.
وهكذا انخرطت السنوات واحدة تلو الأخرى، وسكان المدينة وحاكمها في حالة ترقب وتأمل للجامع بدأت تتضح ملامحه، والذي تقدر مساحته بـ 7906 متر مربع. وبعدد اثنين من المآذن، ارتفاع الواحد منها قرابة الـ 81 متر.
وبقبة كبيرة يقدر ارتفاعها بـ 48 متر، مبني بالحجر الخالص وعلى النمط المعماري المملوكي، المُطعم بالرخام والخشب كزخارف.
وقد اخذ بناء جامع السلطان حسن من العمر سبعة أعوام في الفترة من (1356 – 1363) م. والى جانب أن البناء كان لأجل إقامة العبادة، فهو أيضًا ملتقى تعليمي ديني ثقافي. يحوي مدرسة تعلم المذاهب الأربعة، وعلوم القرآن، والحديث النبوي، والقراءات السبع، والكتابة والخط.
وقد استمر العمل على البناء لإتمام الجامع، وشهد السلطان ملامح اكتماله عدا القبة الفسقية وافتتاح المسجد، أما المدرسة فقد انتهت في عهد السلطان، وافتتحها بنفسه، وصلى فيها، وقرر لها وقف خاص، وعين فيها الموظفين والمعلمين والقراء وعمال نظافة.
أما المسجد فلم يشهد افتتاحه، فكان الموت سباق، فرحل عن الدنيا قتلًا بالخنق على يد بعض أمراء المماليك وهو في رحلة صيد عام 1360م، ويقال أن جثته القيت في النيل، ويقال تم دفنه في داره في قلعة الكبش الواقعة بحي السيدة زينب.
ويقال أنه دُفن في الفسطاط، وفي النهاية تعددت الأقاويل، إلا أن الشيء المؤكد الوحيد أنه لم يُعرف له قبره إلى اليوم. وبعد وفاته قام تلميذه الأمير بشير الجمدار بإتمام البناء، لينتهي الجامع بصورة كاملة بعدها بأربع سنوات.
بهذا المبنى استطاع السلطان حسن أن يخلد اسمه فعلًا، ويجعل لمجموعة احجار قيمة تضاهي الذهب بطرازها المعماري الغني، وفن البناء العريق. وبهذا المعلم بنى أجمل جوامع القاهرة ومصر والشرق الأوسط وحتى اليوم.
الجدير بالذكر أن السلطان حسن هو الملك التاسع عشر من المماليك، واسمه بالكامل السلطان حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون، وقد كان حاكم ذو هيبة وشجاعة وتدين وورع وذكاء.
هو الابن السابع للملك الناصر. وأحد السلاطين المملوكين الـخمسة والخمسين الذين حكموا مصر وأُطلق عليهم أولاد الناس، وأولاد الناس يقال أنهم المملوكين الذين تم عتق رقابهم وجاءوا لمصر فتزوجوا مصريات، فنتج عن ذلك ذرية مملوكية مصرية، وتولت زمام الحكم، وأصبحوا أمراء وملوك حكموا مصر.
وقد مات الخمسة والخمسون حاكم بنفس طريقة السلطان حسن، إما مقتولين أو مختفين.
من هو المهندس المعماري الذي أرسى المخططات التصميمة لمبنى جامع السلطان حسن؟ للأسف لم يُعرف لليوم، لكن وحسب المؤرخين وكتب التاريخ المصري، ومن خلال دراسة الاسلوب المعماري، يرجح أن يكون المعماري لا عربي ولا مصري، بل أجنبي من أصول بيزنطية وتعلم الطراز المعماري الإسلامي تعلمًا.
فأبدع حكاية من حكايات الزمن، وأيقونة يبرز فيها الطراز السلجوقي وتأثيره على العمارة المصرية، أما شكل القباب والزخارف الخارجية، يُرجح أن المعماري استوحى بعضها من العناصر الأرمينية.
قائمة فكرة التصميم المعماري على مبدأ التخطيط المتعامد عن طريق أربعة إيوانات متقابلة مدلى منها المعلقات على شكل قناديل، والإيوان هو مساحة مربعة أو مستطيلة مغلقة من ثلاثة أضلع فقط، وضلعها الرابع مفتوح.
أكبر هذه الإيوانات هو إيوان القبلة المحلى بالرخام الملون والزخارف. ويتوسط الإيوانات صحن مفتوح مكشوف للهواء.
أما المنارات فكان التصميم قائم على أربع منارات، تم تنفيذ ثلاث منها، لكن الثالثة لم تصمد وسقطت بعد وقت بسيط من بنائها، ويقال أن سقوطها نتج عنه وفاة 300 طفل من تلاميذ المدرسة، ليقرر بعدها السلطان الاكتفاء بمنارتين بدلًا عن أربع.
المبنى أربع واجهات. في الواجهة الشرقية تقع القبة والمنارتان. وفي والواجهة القبلية، وهي الأقدم في البناء، وبها مدرستي الحنابلة والحنفية. أما الواجهة البحرية وكانت بها المنارة الثالثة السابقة. والواجهة الغربية يقع تحتها دورة المياه والساقية، والجدير بالذكر أن المدخل الرئيسي يقع في الركن الغربي للواجهة الشمالية.
أما في زوايا الصرح الأربع وبالقرب من كل واحدة منها، يوجد أربعة ابواب توصل للمدارس المذهبية الأربع.
وفي وسط الصرح توجد الميضأة، وقد استحدثت لإضافة مواسير الماء لاحقًا، ثم تم تعطيلها في وقت ما. ويقال أنها في الأصل لم تكن ميضأة، بل نافورة تنبع منها مياه عذبة، وفي أيام الاحتفالات والأعياد والمناسبات، يمزجوا مع الماء سكر وليمون، ويوزعوا الكؤوس ليسقوا بها الناس المتواردة.
أم القبة الفسقيةفي جامع السلطان حسن فأتم عملها من بعده الأمير الجمدار، وهي قبة خشبية قائمة على ثمانية أعمدة رخامية، وبداخلها كُتبت آية الكرسي. وأساسها مبني من خشب، وتم تغطيتها بألواح الرصاص، لتصبح في ترتيبها رابع أكبر قبة في مصر.
أما القبة الرئيسية للمبنى فقد زُينت بمقرنصات وأشرطة قاشاني، واعمدتها حُليت بالكتابات الكوفية. وارتفاعها لذروتها يبلغ 48 متر. ويوجد فيها محراب من الرخام محلى بالزخارف. ووسطها رخام كُتب عليه سنة الانشاء، وتربة السلطان الملك الناصر حسن وذريته، إلا أن السلطان لم يُدفن فيها، ودُفن فيها لاحقًا ولداه وأخيه.
واحد من أكثر ما يميز الجامع السلطان هو المدخل المحلى بالمقرنصات المغطى بالرخام الاخضر، وله باب بظلفتين من الخشب. وقد تم أخذه عنوة بأمر من السلطان المؤيد، ونقله لمسجده بالسكرية في منطقة باب زويلة عام 1416م.
ومازال إلى الآن هناك مغطى بالمعدن والنحاس، وحامل لاسم “السلطان حسن”. وبشكل عام لم يسلم الجامع من هجمات نهب وسرقة لبعض قطعه الخشبية على مر التاريخ.
لم يرغب السلطان حسن أن يكون لأيقونته المعمارية طابع تعبدي فقط، بل أراد لها أن تكون منارة للعلم وتعلم الدين والقراءة والكتابة. فجاءت المدرسة كعنصر مهم من عناصر المبنى، ومكون محوري في تصميم الفكرة المعمارية.
وكان لاهتمام السلطان بالمدرسة أثر انصب على تعيين الموظفين والمعلمين، لكل واحد منهم ثلاثين طالب. وألحق بالمدرسة مكتبة وعين لها أمين، ولكل منهم وظيفة وراتب شهري، وبها مدرس مختص لتفسير القرآن وعلومه، ومدرس للحديث النبوي.
ومراقبو دوام عددهم اثنين، واحد للحضور، والآخر للغياب، أحدهم دوامه بالليل والآخر بالنهار. وأمر بتعليم الأيتام القراءة والقرآن والخط، وصرف الكسوة والطعام لهم والمكافآت المجزية. كما ألحق بها ثلاثة أطباء، طبيب باطني، وطبيب عيون، وطبيب جراح.
وفي سالف الذكر يحيط بالصحن أربع مدارس، هي المذاهب الاربعة الشافعي، المالكي، الحنبلي، والحنفي وكان أكبر هذه المدارس مساحة هي المدرسة الحنفية لكثرة مريديها، وتقدر بـ 898 متر.
وكان لكل مذهب شيخ ومائة طالب، ومقسمين على فرق لكل فرقة خمسة وعشرين طالب، وثلاثة معيدين بجانب الشيخ. والجميل أن اجتماع المذاهب في صحن واحد هو درس في التعايش نفتقده حاليًا، ودليل على سعة ويسر اتاحه الدين ضمنت حرية الاختيار لا الاكراه.
الجامع كحصن هو مصطلح دخيل على المبنى، فالتصميم المعماري للجامع لم يتضمن حصن. ولا رغب السلطان في أن يكون جامعه منارة حرب.
إلا أن أمراء المماليك المتتابعين اتخذوا من سطح الجامع، لقربه من القلعة، حصن يرمون المنجنيق على الخصم المتمركز في القلعة.
وذلك عندما تثور الفتن بين أمراء المماليك، لتكون القلعة وسطح جامع السلطان حسن ساحة معركة. مما دفع بعض السلاطين بالتفكير جديًا بهدم جامع السلطان حسن بشكل تام وللأبد، وهو ما لم يحدث لحسن الحظ.
إلا أن تكرار هذه الحوادث دفع ببعض الأمراء بإيجاد حلول، حيث أمر السلطان الظاهر برقوق بهدم السلم المؤدي للسطح. إلا أنه لاحقًا تم إعادة بناء السلم لعودة الآذان في المنارتين.
ثم هُدم السلم مرة أخرى بأمر من السلطان أبو سعيد، بعد معاودة الأمراء التمركز فيها وضرب بعضهم البعض، وبسبب هذه الهجمات، حدثت ثغرات في مادة الرصاص في قبة الجامع وأصيب هلالها بالاعوجاج.
كما وتأثرت قناديل المدرسة ورخامها ليلتي الأمير طومانباي الثاني، ويجدد الحرام ويصلح ما تُلف، ولاحقًا وبعد تهدم جزء بسيط من الجامع، عاد ملك مصر العادل طومان وأمر بترميم المهدم، وسد الباب الكبير للجامع لمدة واحد وخمسين عام.
أما في عام 1785م أصلح سليم آغا المسجد، وفتح بابه من جديد، وأمر بإزالة الدكاكين من أسفله، واعاد بناء سلالمه التي تؤدي للمآذن مرة أخرى.
يقع مبني جامع السلطان حسن حاليًا في ميدان صلاح الدين – القلعة بمصر القديمة، حي الخليفة، القاهرة، في منطقه يحيطها عدد من المعالم الأثرية والمساجد والمتاحف التاريخية، أهمها مسجد الرفاعي بعمر تخطى الـ 110 عام.
في القرن الماضي وتحديدًا في العام 1915م قامت لجنة حفظ الآثار العربية بأعمال اصلاح وترميم للمسجد ومحرابه والمدرسة وإعادة الرونق لها.
أما في القرن الحالي فعملت وزارة الآثار المصرية بترميم المسجد الذي يعاني من تصدعات، وإضافة بوابة إلكترونية، وإعادة فحص وصيانة الاسلاك الكهربائية، بالإضافة لفنيات أخرى من تغيير سجاد المسجد وتركيب كاميرات مراقبة.
بالإضافة لإعداد مكتبة بداخل الجامع هي مكتبة تراثية، بها كتب تلخص مصر في العصر الإسلامي. والدعوة لتفعيل الأنشطة الدينية والثقافية في جامع السلطان حسن.