حكاية بير الوطاويط، رواية لوكاندة بير الوطاويط للكاتب والروائي أحمد مراد من الروايات التي أحدثت جدل كبير فور صدورها، كما إنها تصدرت قوائم الكتب الأكثر مبيعًا. ومن أكثر الأسئلة التي طرحها القراء هو مكان حدوث الرواية، هل هو من محض خيال الكاتب أم كان هناك بالفعل لوكاندة بهذا الإسم؟ في هذا المقال سوف نجيب على هذا السؤال.
هناك في 4 ميدان ابن طولون، بحي السيدة زينب، في قلب العاصمة المصرية القاهرة، بجوار مسجد أحمد ابن طولون، بعد أن تعبر البوابة الإلكترونية، ستجد بيتًا يتكون من مبنييّن، وأمامهما يوجد ضريح، عليه لافتة مكتوب عليها “ضريح سليمان الكريتلي”،
وإن نظرت عن يمينك ستجد مرشدًا سياحيًا، أو راوٍ كما يسمونه، سيأخذ بيدك ليبدأ بسرد قصة ذلك البيت الذي كان شاهدًا على العديد من القصص والأساطير الفلكلورية الشعبية.
اليك رحلة داخل عالم لوكاندة بير الوطاويط من هنا.
كان ذلك البيت كعبة تعلقت به أفئدةُ المثقفين والفنانين، فقد شهدت جدرانه مبيت السيد أحمد عبد الجواد في رواية بين القصرين – رائعة العالمي نجيب محفوظ، بجانب تصوير العديد من الأفلام، كفيلم لجيمس بوند سنة 1977م، ومسلسل الإمام الغزالي، وأغنية “بانو.. بانو” لسعاد حُسني،
وأخيرًا سليمان السويفي، بطل رواية لوكاندة بير الوطاويط لأحمد مُراد. اجتمعت تلك الشخصيات في ذلك البيت، الذي مازال إلى اليوم لغزًا محيرًا، يحمل الكثير من الأسرار، والتي أحسب أنك ستستمتع بالتعرف عليها، وقد يُلهمك ذلك البيت بزيارته حتى تكوّن قصتك الخاصة معه، كما حدث لسابقيك.
فإليك قصة “بيت كريتليت”.. أو متحف جاير أندرسون.
في عام 1908م، أصدر الضابط السابق “جاير أندرسون” كتابًا بعنوان “أساطير بيت الكريتليه”، يحكي فيه قصته مع ذلك البيت، وكيف اشتراه، وما السبب الذي جعله يتعلق به.
فيحكي أنه إبان خدمته في مصر، مرّ من أمام ضريح “سليمان الكريتلي”، ولمّا اقترب من البيت، أشارت له فتاة من داخل صحن الدار بوشاح أحمر قائلة: “تعالَ يا خواجة، من هنا”، وعلى الفور اتجه دون تفكير مُلبيًا نداءَ تلك النداهة الجميلة،
لكن ما إن دخل الصحن حتى اختفت الفتاة. وظلت صورتها تراوده طيلة فترة سفره خارج مصر، فقرر العودة إليها، وشراء ذلك المنزل والعيش فيه، علّ تعود إليه تلك الفتاة مرة أُخرى، فقد ظن أن ذلك البيت فيه سحر خاص، فيقول “أندرسون”: إن هذا البيت يحرسه إله العشق عند الرومان: كيوبيد.
لمّا عاد “أندرسون” إلى مصر، وجد أن هناك قرار بإزالة البيت، فتطوع بشرائه على حسابه، وإعادة ترميمه، مع إضافة صبغة عثمانية عليه، ثم عاد البيت تحت إدارة الدولة بعد موته كمتحف إسلامي خالص، فيه العديد من الآثار والتُحف الإسلامية التي وضعها أندرسون في البيت لإضفاء الروح التراثية عليه.
شرع جاير أندرسون بكتابة كتاب “أساطير بيت الكريتليه”، الذي يُظهر فيه عشقه وولعه بمصر أكثر من وطنه الأم إنجلترا، ويبدو أن خيالَ صاحب الكتاب (الذي ترجمه تامر الليثي إلى العربية) خصب وواسع جدًا، فقد سرد قصصًا لا ترقى أن تُصنف سوى أساطير في مخيلة جماعية.
يقول أندرسون في كتابه عن قصة البيت: “البيت الأول أنشأه المعلم عبد القادر الحدّاد، عام 1540م، وعُرف باسم بيت آمنة سالم، كونها آخر من امتلكه، أما البيت الثاني، فقد بناه أحد أعيان القاهرة، وهو محمد بن سالم بن جلمام، سنة 1631م، وكان آخر من سكنه سيدة من جزيرة كريت، فعرف ببيت الكريتليه”.
أورد أندرسون في كتابه ثلاث عشرة أسطورة عن البيت العتيق، ولكن قبل الخوض في تفاصيل تلك القصص، أو بالأحرى أشهر تلك القصص، سنتجه صوب قصة الضريح وصاحبه، الشيخ سليمان،
والذي قال عنه جاير أندرسون: “عزيزي الشيخ سليمان، أراه الآن بمخيلتي، مرتدياً قفطانه الأبيض الطويل، وسترته السوداء، على رأسه طربوش أحمر مهلهل بدون العمامة الخضراء التي عادة ما يلفها أولياء الله حول طرابيشهم، وبيديه مجموعة خواتم من الفضة والفيروز، أصابع يديه مصبوغة بالنيكوتين، فقد كان يدخن السجائر بشراهة، وهو يحتسي أكواب القهوة، أو يرشف القرفة”.
الغريب أن هذا الرجل – أقصد سليمان الكريتلي – لم يظهر لأحد إلا في مخيلة جاير، والأغرب أن جاير ادّعى أن الشيخ أفضى إليه بكل الأسرار حول ذلك البيت، فقرر الخواجة مُتحمسًا سرد كل تلك القصص بلا مواربة.
تعرف ايضاً على تاريخ مدينة الإسكندرية من هنا.
احتوى الكتاب على ثلاث عشرة أسطورة مُتعلقة بالبيت، ولأن المقال لن يتسع لسردها كلها، سنكتفي بأشهر تلك الأساطير:
بُني البيت على جبل “يشكر”، ذلك الجبل دارت حوله أربعة أساطير؛ الأولى تقول: إن مرسى سفينة نوح كانت على ذلك الجبل، وليست على الأرآرات (في العهد القديم) ولا الجودي (في القرآن)، وإنما على جبل في مصر.
الأسطورة الثانية تقول: إن النبي إبراهيم حين قرر ذبح ابنه، كان على ذلك الجبل! الأسطورة الثالثة تقول: إن الله تجلى لموسى على ذلك الجبل حين تكلم معه. الأسطورة الرابعة تقول: إن المُبارزة التي حدثت بين موسى وسحرة فرعون كانت في منطقة الجبل.
من القصص الأعجب عن بناء المسجد في ذلك المكان، هي أن أحمد ابن طولون وزع قطعًا من اللحم على ست مناطق متفرقة في ذلك المكان، والمنطقة التي لم يفسد فيها اللحم بنى عليها مسجده!
تحكي الأسطورة أن ملك الجان طلب بنفسه من سليمان الكريتلي أن يبني له البيت الحاوي لبئر المياه، أو بير الوطاويط، ليسكن فيه مع بناته السبع، فقام سليمان – الشيخ – بفعل ذلك، وصار ذلك المكان مسكن ملك الجان.
في أحد الأيام طلبت الأم من ابنتها كوبًا من الماء البارد، وأثناء ذهاب الفتاة حيث المياه، كانت هناك حيّة تبث سمها في إناء المياه، ظانًا منها أن سكان الدار أشرار، ولكن بعد أن سمعت الحيّة الأب يزجر أبناءه لأنهم يؤذون أبناء الأفعى الصغار، شعرت الحيّة بالخجل فقامت (قبل مجيء الفتاة) بتطويق الإناء بجسدها ثم شدّت عليه حتى كُسر إلى أجزاء كي لا يتسمم أحد.
ومنذ ذلك اليوم الغريب، ظلت الأفعى هي حارسة ذلك الدار!
أرى – حسب رأيي – أن تلك الأسطورة هي أفضلهم وأجملهم، وتحكي الأسطورة عن بئر، مَن يُدقق النظر فيه يرى وجه محبوبه. وفي يوم من الأيام نادت سيدة تُدعى “أم لطفية” ابنتها وأمرتها بجلب بعض الماء من البئر، وبعد تردد قامت الفتاة مرتديةً شالها واتجهت صوب بئر الوطاويط،
ومع أنها كانت تخشى البئر (نظرًا لِما كان يُقال عنه من سحر) فإنها كانت متشوقة لرؤية المياه التي ألهمت الشعراء، فكل من دقق النظر فيه يرى المحبوب! وعندما وصلت، لم يستطع البئر مقاومة جمال لطفية، ففاض! ما دفع لطفية إلى الهروب من بيتها،
نحو البيت المقابل حيث كان “أمين” جالساً، يفكر في لطفية التي سكنت خياله، لكنه لا يستطيع الاعتراف لها. ولمّا عبرت الفتاة الطريق الضيق المُسمى باسم البئر “بير الوطاويط” ودخلت على أمين، انتهز الشاب الفُرصة لطلب يدها، وقد كان.
ذلك البيت ألهم العديد من الكُتاب والشعراء – نظرًا لما احتواه من أساطير – ليكتبوا عنه أو يجعلوه مركزَ اهتمامهم، فهو المكان الذي أشار إليه عميد الرواية العربية نجيب محفوظ في اغلب رواياته، وبالأخص بين القصرين، وهو المكان الذي صُور فيه فيلم بين القصرين، ومسلسل الغزالي، وفي باحته رقصت سعاد حسني على أغنية “بانو.. بانو”،
وقام العميل السري (دابليو – أو – سيفن) في إحدى أفلام جيمس بوند، بالظهور في ذلك المكان الخلّاب عام 1977م، وأخيرًا كان هو المكان الذي زاره الروائي أحمد مُراد لنسج آخر رواياته الصادرة عن دار الشروق عام 2020م لوكاندة بير الوطاويط والتي اشتملت على وصف كامل شامل لذلك المكان المهيب، الذي يحوي أسرارًا لا تقل في حماستها عن رواية مُراد الأخيرة.
تعرف ايضاً على تاريخ العباسيين من هنا.
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة