نكتب لنحيا، ليبقى الأثر فنُخلد. هذا فيما يخص مؤلف الرواية، فماذا عن بطلها؟! منذ قديم الزمان ونحن كبشر مولعون بالحكايات. حتى إذا ما أراد شخص إسداء نصيحة، أو إعطاء حكمة، صاغها على شكل حكاية، تدور فكرتها حول شخصيات خيالية تتعرض لمواقف وأحداث.
وإذا كان لي الحق في تسجيل وكتابة التاريخ، فإنني أجد بداية اختراع مصطلح “هواية القراءة” مرتبط أشد الارتباط بزمن إختراع الحكايات والروايات، والوقوع في حب شخصياتها حد الهوس.
فمنذ طفولتنا تجسدت الحكايات البسيطة في ساحرة شريرة، و أميرة جميلة طيبة القلب. وفي المراهقة والشباب تظهر لنا الشخصيات بحكايات أكثر تعقيداً، متجسدة في البطل المغوار، أو كاشف الحقيقة، أو منصف الفقراء والمساكين.
فالرواية بمشاهدها الدرامية المشوقة والمثيرة أو المرعبة أحياناً، تدور في الغالب حول قيم ورؤى وفكر، تُنسج في خيال المؤلف فيلفظها في شخصيات، يكاد من فرط شرح تفاصيلها، أن يظن البعض أنها حقيقية، وأن المؤلف ما هو إلا راوي لما رأى لا غير.
وبالشخصية يستطيع الروائي جذب القراء وتكوين قاعدة جماهيرية من مختلف الأعمار. يجد فيها القارئ تجسيداً أقرب ما يكون للواقع، أو لحياة متخيلة تصل إلى حد الأمنية لو أنه كان جزء منها.
فالكاتب يبني شخصية مكتملة الأركان. يصف لنا بإسهاب تقاسيم وجهها. ويحدد سنة لميلادها، و تخصصها الجامعي، وعنوان بيتها، وحالتها الاجتماعية، وعلاقتها بالمحيطين. والمزاجية المتمثلة في هوايتها، ومخاوفها، وحالاتها النفسية المختلفة. وصولاً لمشهد الختام حيث ترحل الشخصية لمثواها الأخير، بحبكة درامية حزينة.
يشعر معها القارئ بالذعر، والألم، والحزن، على ذكريات امتدت لعقود مع شخصية من فرط الحنين لها، لاتزال أعين البعض تفيض دمعاً كلما مروا على مشهد الرحيل الأخير.
ولأنني أردت استرجاع بعض من الحنين والقليل من الذكريات، سأعرض لكم قائمة شخصيات خيالية روائية ملهمة، نتمنى لو كانت حقيقية.
فمن شخصيات عربية وأخرى غربية، وصولاً لشخصيات نسائية وأخيراً معاصرة، تعددت وتنوعت قائمتنا. وإليكم هذه القائمة:
أستاذ أمراض الدم، الأعزب السيئ الحظ، الذي يقطن ضاحية الدقي في الجيزة، ويدخن “كبرلين حين دخلها الأعداء”، ببذلته الكحلية التي تجعله فاتناً، وحبه لماجي الذي امتد إلى الأبد.
نعم إنه رفعت إسماعيل عبدالحفيظ، مواليد الأول من يناير ١٩٢٤. يضعه القدر في مواقف يضطر فيها للتعامل مع ظواهر ما ورائية. فقد لقبه البعض بـخبير الأشباح. فمن مواجهة مومياوات حية، ومستذئبين، ووحوش وعساس، وصولاً لآكلي لحوم بشر، والزومبي، والنداهة، وحتى مراسلة أشخاص خاضوا تجارب مماثلة للأخذ من خبرته.
فيجوب العالم مسافراً، ويلاحقه شيئان أينما حل الأشباح، والحظ العاثر.
تباينت الآراء حول رفعت، فالبعض وجدها شخصية مسلية لا تخلو من السخرية، مع إجادة عرض نفسه بنظرة تهكمية سهلة، جعلته قريب من بساطة قرائه. أما البعض الآخر، فوجد فيها شخصية معقدة تحب الإنعزال والغموض، واثق من نفسه، وشغوف بسرد حياته على هيئة مذكرات.
إلا أن الإجماع كان على حبهم وهوسهم وتعلقهم الشديد بشخص رفعت، إلى حد إقامة جنازات عند وفاته، والتي كانت في الرابع من أغسطس ٢٠١٤ في الجزء الثاني من رواية أسطورة الأساطير.
مما لا شك فيه أن رفعت شخصية استثنائية نادرة ومتداخلة في تركيبها البنائي. أجادت إبهار الناس ليس بعضلة الساعد وإنما بعضلة العقل. بأمراضه المزمنة من ضيق شرايين القلب، إلى قرحة المعدة، وانحناءة ظهره وهزال جسمه، كان أقرب إلى واقعنا وقلوبنا.
شكّل العراب الشخصية بإتقان، وأجاد تقديمها حتى سحرت عقول جيل السبعينات والثمانينات، والأجيال اللاحقة.
يُذكر أن السلسلة استمرت في عرض الشخصية بقصص وروايات مشوقة ومثيرة ولمدة استمرت واحدة وعشرين عاماً. وتحولت أجزاء منها إلى مسلسل عام ٢٠٢٠، سلسلة ما وراء الطبيعة احمد خالد توفيق
رجل وطني ونبيل جداً. يُجيد كل فنون القتال كالكاراتيه والمصارعة، واستخدام الأسلحة والمركبات والمحركات بأنواعها. وقدرة التحدث بأكثر من سبع لغات، وتقليد الأصوات والتنكر. مثالي ولا يدخن، وولائه لوالده أحد الضباط الأحرار والذي تُوفي بعد أن دربه جيداً على المسدسات منذ أن كان في الثامنة من عمره، ليحقق حلمه بأن يصبح رجل مخابرات وفي، يحمي بلاده ويدافع عنها.
كل هذه الصفات وأكثر جسدها فاروق في رجل من المستحيل إيجاد رجل مثله، يختزل كل صفات النبل والقوة والشجاعة، عدا أدهم صبري. فهو ضابط المخابرات المصري، والذي رأى فيه البعض نسخة معربة من جيمس بوند وعارض الفكرة البعض الآخر.
زرع فاروق بشخصية أدهم قيم نبيلة في جيل بأكمله، حيث استمرت الروايات في صدورها، وفي إبهار الجمهور ولمدة عقدين كاملين. فقد كان حلم المراهقين، ورمز يُحتذى به في القوة والشجاعة والولاء.
يُقال أن أدهم ما هو إلا شخصية حقيقية التقى بها المؤلف ذات مرة، محاطة بسياج من السرية ويُرمز لها بالحرفين “أ. ص” ومن مواليد١٩٥١، وهو ما زاد الجمهور حماسة وحب لهذا المجهول.
أنهى الكاتب مسيرة صبري المحفوفة بالمخاطر بنهاية مفتوحة في مطلع الألفية الجديدة. وذلك بإختفاء أدهم في ظروف غامضة بعد أن فقد ذاكرته لفترة جراء مهمة له في المكسيك. ذهب أدهم ولكنه لازال في قلوب محبيه باقٍ وحي، فقد كان شعلة شجاعة في زمن كثر انهياره.
وكان هذا الكتاب من أفضل أعداد رجل المستحيل التي عرفت علي مر التاريخ وعشقها الكثير من القراء .
هذه المرة بطلنا ليس من سلسلة روايات، وإنما من رواية واحدة لخصت معاناة شريحة كبيرة من المجتمع الفرنسي في فترة الثورة الفرنسية، أكثر فترة زمنية حرجة وصعبة في تاريخ البلد والمنطقة ككل. حيث يُترك فيها الطاغية بكل ظلمه، ويُحبس ويُعاقب فيها الفرد الفقير الضعيف على سرقة كسرة رغيف ليسد بها جوعه.
جان فالجان هو أحد هؤلاء الضحايا، ضحايا المجتمع. يُحبس خمس سنوات بتهمة سرقة رغيف لأسرته الجائعة. يحاول الهروب مرراً، لتمتد معها فترة معاقبته حتى تصل إلى تسع عشرة سنة. يخرج بعدها رجل مهزوم كهل، في الأربعين من عمره، حاقد وناقم على المجتمع الذي عاقبه على جوعه، وقد ضاع جُل عمره في الحبس.
فور خروجه من سجنه في العام ١٨١٥، يتوجه لمنزل أسقف طيب القلب يدعى ميريل، فيُكرم الأخير ضيافته. إلا أن فالجان وبسبب ما تعرض له في السجن، أصبح عدواني وفاقد للثقة. ومؤمن بأن خلف الخير شر كثير.
يتسلل ليلاً من منزل الأسقف سارقاً أواني الفضة. وفي الصباح يجده الشرطة، فيعيدوه لمنزل الأسقف حتى يعترف بسرقته. والمفاجأة أن الأسقف ادعى أنه منحه الأواني هدية. بعدها يتبدل حال فالجان، وكأن بموقف ميريل الطيب يلتمس بصيص الخير في هذا العالم، وتعود ثقته بمن حوله.
فالجان لاحقاً يصبح مثال لرجل الخير. فيكثر ماله، ويستخدم هذا المال في إيواء الكثير من الفقراء والأرامل والأيتام. لكن كل هذا الخير متخفي تحت اسم مستعار هو مادلين.
يلاحقه عار فالجان حتى الممات، فالمجتمع رغم ما وجد فيه من خير بعد ذلك، إلا أن فور معرفته أن فالجان هو نفسه مادلين، يعود لنبذه من جديد. وكأن الجوع الذي بسببه دخل السجن هو دين لا يقضى، وجرم لا يغتفر.
إنها ببساطة، الشخصية التي ارهقتها الحياة. ومن خلالها وجدت شعوب العالم من يمثل معانتها بكل صدق. فالكرم والحب والعطاء اللامحدود الذي منحه البطل للناس رغم قسوتهم عليه، يشبه الشمعة التي تحترق لتضيء دائماً وحتى النهاية.
إقراء ايضاً روايات محمد المنسي قنديل
البلجيكي صغير الحجم، الذي لا يتعدى طوله ١٦٠ سم. واسع الذكاء، وأكثر الشخصيات ارتباطاً بالكاتبة، والتي قدمتها بكل احترافية.
“بوارو” مواليد بلجيكا العام ١٨٨٥. قادم إلى لندن كلاجئ من الحرب، يشتهر لاحقاً في إنكلترا كمحقق خاص في قضايا وجرائم تتصف بالتعقيد، فيجد لها الحل السحري، بتركيزه على تفاصيل بسيطة تستطيع خلايا دماغه الرمادية حلها بكل سهولة.
فمن خلال تنقله ما بين الغرب إلى الشرق، يبهرنا بوارو دائماً بعينيه الحادتين النظر، وشاربه المعقوص الصغير واهتمامه بأناقته وهندامه، وبحثه الدائم والمتواصل في كل شيء يدور من حوله.
جريمة في قطار الشرق السريع، الموت على النيل، جريمة في بلاد الرافدين، الأربعة الكبار، وغيرها الكثير من الأسماء المشوقة التي يظهر فيها بوارو بكامل حلته وبتحليلاته المبهرة. وكلما يقرر أن يتقاعد فيهرب إلى مزرعة، أو إلى بيت ريفي للعزلة والانقطاع، تلاحقه الجرائم والقضايا أينما حل.
ظهرت شخصية بوارو في ست وثلاثين رواية. آخرها رواية الستارة: قضية بوارو الأخيرة، حيث يرحل فيها بوارو عن عالمنا بوفاة هادئة بعد رحلة دامت خمسين عاماً حافلة بالإثارة والكثير من الالغاز.
عادت شخصية بوارو مجددا للظهور في عام ٢٠١٤ بعد أربعين عاماً من وفاة الكاتبة نفسها. حيث قامت الكاتبة المعاصرة صوفي هانا بنشر روايتين أحيت فيها الشخصية مجدداً وكأنها امتداد لأعمال كريستي.
أما درامياً، فقد جُسد بوارو في عمل تلفزيوني باسم Agatha Christie: Poirot، أغاثا كريستي: بوارو. والذي تم عرضه من العام ١٩٨٩ إلى ٢٠١٣.
تعرف علي جوان رولينغ مؤلفة هاري بوتر و كتب أخرى لها ستدهشك
من قال أن الشخصيات النسائية ليس لها وجود في الأدب. فـ “شهرزاد” هي واحدة من أكثر الشخصيات التي أثرت في نفوس القراء، والأدباء والفنانين، ومن بينهم “توفيق الحكيم” في مسرحيته والتي تحمل نفس الاسم. حيث جُسدت شخصيتها بأشكال متعددة ومتنوعة وبالكثير من الأعمال الدرامية والسينمائية.
شهرزاد الشجاعة والمنقذة، التي حكت للملك “شهريار” ١٠٠١ حكاية، لتنقذ نفسها والنساء من موت محتم، وهو الذي يتزوج كل يوم بامرأة ليقتلها في الصباح. فهي نموذج للمرأة الواسعة الاطلاع، المجيدة للشعر، الدارسة للفلسفة والعلوم والفنون. وبسبب ثقافتها وحكمتها استطاعت أن تحمي كل النساء، وتجذب القارئ قبل شهريار بقصصها المشوقة المترابطة.
“أدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح”
فمع كل مرة نقرأ فيها هذه الجملة، ندرك أننا عدنا من أحداث قصة نقلتنا فيها الشخصية إلى عالم مليء بالسحر، والحكايات المشوقة والمتشابكة.
هي الشخصية الثانية بعد بوارو شهرة في أعمال كريستي. فقد ظهرت في اثني عشرة رواية. بريطانية الجنسية، حيث اتصفت بالحنكة وسرعة البديهة رغم كبر سنها.
تحب أعمال التريكو، بينما عقلها يدور لحل أعتى القضايا والجرائم. وأول ظهور لها كان في قصة قصيرة، أُدرجت لاحقاً لتصبح الفصل الأول لرواية لغز المشكلات الثلاث عشر.
الكثير من الحكمة التي اتصفت بها هذه المرأة حتى في القضايا العاطفية، جعلت من روايات كريستي محفزة كفاية لقراءتها والغوص فيها.
أول ظهور له كان في رواية ملائكة وشياطين، وآخرها رواية الأصل. فهو الرجل الخمسيني الذي أسقط عليه الكاتب الكثير من شخصيته الحقيقية، فاختار له نفس تاريخ الميلاد ٢٢ يونيو ١٩٦٤.
لانغدون هو أستاذ علم الرموز الدينية في جامعة هارفارد. يخوض مغامرات بوليسية، ويحل المشكلات التي تهدد العالم بكله. فيربط خيوط الأحداث بعبقرية. ويدمج الخيال، والفانتازيا، بالدين، بثقافة الشعوب. مع الخوض كثيراً في معلومات فنية ومعمارية حقيقية.
يُدخلنا براون في عمق الشخصية بمعرفة هوايات لانغدون، كالسباحة والغوص. والكشف عن مخاوفه النفسية، كفوبيا الأماكن المغلقة. وأسلوبه في اللبس، كارتداء ساعة تحمل صورة ميكي ماوس هدية عيد ميلاده التاسع، وآخر ما تبقى له من ذكرى في طفولته التي يحن لها على ما يبدو.
تحولت الشخصية إلى حقيقة من خلال سلسلة أفلام تحمل نفس اسم الروايات. والجميل أن الكاتب لازال يحمل في جعبته الكثير ليبهرنا بشخصية لانغدون الفريدة في أعمال منتظرة.
سبع روايات، وعوالم ما ورائية ساحرة فانتازية. في جو مدرسة غير اعتيادية، تطل علينا شخصية هاري بوتر التي تعلق بها الكبار قبل الصغار. وقد تحولت السلسلة الروائية، والتي تعد من افضل روايات الفانتازيا، إلى سلسلة أفلام حازت على شهرة منقطعة النظير. فمن هو هاري بوتر؟!
هاري هو صبي ضئيل البنية، شعره فاحم السواد، ويرتدي نظارة دائرية، وندبة تميزه على جبينه تدل على جرح قديم. عاش حياة صعبة قبل أن يكتشف قدراته ويلتحق بمدرسة السحرة. وذلك بعد أن تُوفي والداه على يد ساحر شرير، وهو لازال طفل صغير. فانتقل للعيش مع خالته التي أساءت معاملته.
بعد انتقاله لمدرسة السحر تتبدل حياته، وتبدأ سلسلة من المغامرات برفقة صديقيه رون وهيرمايني.
استطاعت الكاتبة بخيالها الجامح، أن تجعل من شخصية طفل صغير القدرة الكافية على خطف قلوب وعقول القراء. وحلم البعض الذي امتد لرغبة جامحة في أن تصبح شخصية هاري بوتر ومدرسته هوغوورتس للسحر والشعوذة، حقيقة وواقع يوماً ما.