روايات كوميدية ومن منا لا يبحث عنها حيث يعد الأدب الساخر واحد من المجالات التي من الصعب جدًا الكتابة فيها، فقدرة الكاتب على توصيل فكرة معينة إلى القراء بأسلوب فكاهي مضحك في إطار مجموعة من حكايات أو روايات كوميدية أمر لا يتقنه سوى القليلين.
حيث يتطلب منه القدرة على الإقناع وتوصيل الفكرة مع النجاح في رسم الضحكة على وجوه القارئين حتى لا يصيبهم الفتور أو الملل.
ويعتبر هذا النوع من الأدب هو المفضل ومحط الاهتمام الأول لدى الكثيرين سواء من الكتاب أو القراء، أما بالنسبة للقراء فلأنهم يبحثون عما يدخل إليهم السرور والبهجة ويفصلهم عن حياتهم اليومية بكافة مشاكلها وهمومها.
وبالنسبة للكتاب فهو يبرز موهبته الكتابية ويجذب إليهم أكبر عدد من المتابعين وليس هذا فقط، فلربما يحتاج الكاتب إلى عرض وجهة نظره فيما يخص شؤون المجتمع والقضايا السياسية بطريقة ذكية تحت ستار الفكاهة والضحك.
وقد يكون الهدف من كتابة روايات كوميدية لدى بعض الكتاب هو إحداث ثورة فكرية والتمرد على كل ما هو موروث، فسواء كانت هذه الروايات سياسية أو إجتماعية فإن لم يكن للكاتب قضية أو فكرة يسعى إلى توصيلها للقارئ فلا فرق بينه وبين المهرج، فطبقًا لما قاله الكاتب الكبير إبراهيم المعلم
الكاتب في الأدب الساخر مثل النحلة تلسع ثم تطير قبل أن يشعر الإنسان بألم اللسعة.
إذا كنا نتحدث عن أفضل روايات كوميدية فلابد أن تأتي أعمال الكاتب الراحل الأستاذ الدكتور أحمد خالد توفيق رائد من رواد كتابة الأدب الساخر في مصر، وقد قيل عنه بعد رحيله أنه من جعل الشباب تقبل على القراءة بفضل أعماله الكتابية المتنوعة، وقيل أن هذه الرواية قد نجحت في تحقيق أرقامًا قياسية وقت نزوله.
حيث يتناول الكتاب افضل مقالات أحمد خالد توفيق التي تم تجميعها ودمجها تحت مسمى زغازيغ لتكون واحدة من أفضل روايات كوميدية في مصر.
ويبلغ عدد المقالات حوالي 29 مقالة يحاول من خلالهم الكاتب طرح بعض أفكاره الفلسفية فيما يخص الأوضاع الحالية للمجتمع ونظرته إلي مجريات الأمور، وقد أجمع القراء على أنه جعلهم ينفجرون من شدة الضحك بفضل أسلوبه الساخر المميز.
والجدير بالذكر أن الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق قدم العديد من الكتب الساخرة من الطراز الفكاهي، ومن أمثلتها
رواية حياة غارغانتوا وبانت غرل هي واحدة من السلاسل القصصية التي تناولت قصة عائلة تتكون من مجموعة من العمالقة بقيادة الشاب جارجانتوا الذي يخوض العديد من المغامرات برفقة أسرته.
ذلك بعد أن أصابه الجنون المثير للفكاهة والضحك، حيث تعلم على يد عدد من الأغبياء والمغفلين، وهي تندرج تحت مسمى روايات كوميدية اجتماعية.
في القهاوي الشعبية تدور العديد من الأحاديث التي تحكي عن مختلف الحكايات والقصص منها الفكاهي وما هو دون ذلك، حيث تدور أحداث القصة حول مكان يحمل اسم قهوة كتكوت وهو أشبه ما يكون بأحد النوادي الاجتماعية التي يقصدها العديد من الرجال كل مساء من أجل التسامر وتناول بعض المشروبات.
فأحدهم يحكي عن أنه هارب من منزله بمشاكله وهمومه، والآخر يناقش ويحلل العديد من القضايا السياسية والاجتماعية الموجودة، بالإضافة إلى مجموعة الأدباء والشعراء الذي يعقدون كل يوم ندوة أدبية أو شعرية، وبالفعل ستجد نفسك مهتم لتعرف حكاية كل منهم.
ومن أهم الاقتباسات المأخوذة عن رواية حكايات قهوة كتكوت
ولكن هناك أيضًا ضحك مقدس، وهناك ضحك هلفوت .. الضاحك إذا كان حزينًا في الأعماق صار عبقريً، وإذا كان مجدبًا من الداخل أصبح بلياتشو يستحق اللطم على قفاه!
ونحن أكثر الشعوب حظًا في إنتاج المضحكين.. مصر العظيمة كان في كل جيل عشرات من المضحكين، ولقد استطاع بعضهم أن يخلد ولمع بعضهم حينًا ثم فرقع كبالونة منتفخة بالهواء، بعضهم أصيل وبعضهم فالصو، بعضهم مثل الذهب البندقي وبعضهم مثل الذهب القشرة.
ماذا لو كان أكبر علماء الفيزياء نيوتن وأينشتاين وموبيوس متظاهرون بالجنون للتمكن من الدخول داخل أحد المصحات النفسية والعقلية لإجراء بعض الاختبارات.
ولسوء الحظ يتورطون في مشكلة كبيرة تمس المجتمع والسياسة، وذلك بسبب اتهامهم باستغلال علمهم ونظرياتهم وتسخيرها من أجل مصالح وشؤون الدولة، كل ذلك داخل إطار هزلي كوميدي.
ويذكر أن الهدف الذي سعى الكاتب إليه هو تعرية الواقع الأليم والمزيف وكشف العديد من الحقائق والخلل الذي ينخر في كافة أنحاء وزوايا الدولة، وذلك من خلال التطرق إلى القضايا الشائكة والمصيرية المتعلقة بسياسات الدولة وخططها المستقبلية.
ويذكر أن هناك العديد من العبارات التي وردت خلال المسرحية وبقت خالدة حتى زمننا هذا، أبرزها على سبيل المثال
محتوى الفيزياء يهم الفيزيائيين، والتأثير يهم جميع الناس.
القصة لا تنتهي حتى تأخذ المنعطف الأسوأ، فإذا بدأت من قصة عليك التفكير فيها حتى النهاية.
من منا لا يتابع مسلسلات مصرية من هذا النوع مثل مسلسل عايزة أتجوز المعروف، والذي قامت ببطولته الفنانة هند صبري والفنانة سوسن بدر بالمشاركة مع الفنان القدير أحمد فؤاد سليم ومجموعة من الفنانين الشباب.
حيث تم اقتباس قصة المسلسل عن رواية عايزة أتجوز التي تندرج تحت مسمى روايات كوميدية، وعلى الرغم من كونه كتاب من الطراز الفكاهي إلا أنه تناول جانب شائك من حياة كل فتاة وهو شبح العنوسة الذي يطاردها.
وتتناول الرواية قصة فتاة في سن الزواج تقع تحت ضغوط الأسرة والمجتمع لكي تتزوج حتى لا يفوتها قطار الزواج كما يقولون، وتبدأ بعدها بمقابلة العديد من العرسان المرشحين لها، فكلهم من الخارج يظهرون وكأنهم بلا عيوب وأنهم فرصة لا تعوض.
لكن بعد المقابلة الاولى تكتشف مالم تكن تتوقف، حيث تفجر الكاتبة مجموعة من المفاجئات المضحكة بعد كل مقابلة عريس، وهذا بالفعل ما يحدث مع أغلب الفتيات في سن الزواج، وخاصة أن معظم المتقدمين لخطبتها يقال عنهم عريس الهنا كما يقولون، لتكتشف في النهاية أنه للأسف عريس الغفلة.
ومن أبرز الاقتباسات التي وردت عن هذا الكتاب
زمان كنتوا تشوفوا في الأفلام العربي أي بنت تدخل فرح وهي لابسة شيك شوية كده.. يتلموا عليها الشبان ويبقوا عايزين ياكلوها.. وماتخرجش م الفرح إل بعريس.. دلوقتي نفس التجمعات بس بالعكس.. تلاقي كل أم قاعدة هي وبناتها مراقبين الشباب ويا ويله اللي يعدي جنبهم.
ماذا لو أنك هربت من المجتمع الذي تعيش به بمشاكله المعقدة ومعتقداته الخاطئه وركبت سفينة متوجهًا إلى أحد الأماكن البعيدة لكي تبدأ حياة جديدة، ولكن لسوء حظك تعترض سفينتك أحد الأمواج العالية كي تصيبها بالغرق.
فلا تجد لك ملجئًا وأنت ومن معك سوى جزيرة صغيرة تسكنوها حتى تتمكنوا من العودة إلى موطنكم ثانية، وشيئًا فشيئًا تتحول الجزيرة لمجتمع صغير يحمل كل ما تحمله المجتمعات الكبيرة التي هاجرت بسببها بكل مشاكله وعيوبه.
فقد تناول الكتاب قصة مجموعة من المسافرين الذين تعرضت سفينهم للغرق لسوء الحظ، بعدها ينتقلون للعيش في إحدى الجزر القريبة لتتحول الجزيرة إلى مجتمع تتخلله العديد من المعضلات.
أبرزها النزاع على من يتولى حكم الجزيرة، بالإضافة الصراع من أجل المال والنساء وغيرها، ثم يبدأ سكان الجزيرة في الهرب كل بمفرده ولكن دون جدوى، فإنهم يفشلون في كل مرة.
في النهاية ينتابهم الشعور باليأس ويفكرون مرارًا لماذا كل هذا الفشل، ليتوصلوا في النهاية أن الاتحاد هو أول خطوات النجاح، ويعقبه بعد ذلك التخطيط الجيد المعتمد على العقل والحكمة، كل ذلك قادر على إنقاذهم وانتشالهم مما هم فيه، حتى يصبحوا قادرين على تخطي العواقب التي يمكن أن تصادفهم وتغيير الواقع.
من أبرز الجمل التي وردت خلال رواية التفاحة والجمجمة ما يلي
لكني لم أقل له شيئًا، ثور كهذا ليس من الحكمة أن تقال له الأشياء.
البيولوجي تعلمنا ليه بنعيش والفسيولوجي تعلمنا ليه بنموت.
وصفعني ثالثًا فاغتظت، طول عمري اغتاظ بسرعة.
هل تخيلت يومًا أن هناك متجرًا يبيع الأخلاق، حيث يمكنك الذهاب إليه كلما احتجت المزيد من بعض الصفات التي تحتاج إليها، بعضًا من الصدق، قليل من النفاق، لا بأس بكمية من البخل أيضًا وغيرها من الأشياء التي لا تباع ولا تشترى كالشجاعة، الصدق، الإخلاص وغيرهم
هذا تمامًا ما حدث في رواية أرض النفاق والكثير من روايات كوميدية أخرى فقد تم تحويلها إلى فيلم سينمائي من بطولة الراحل فؤاد المهندس، ومؤخرًا قدمها لنا الفنان محمد هنيدي في إطار مسلسل تليفزيوني كوميدي بالاشتراك مع نخبة من الفنانين.
والفكرة الأساسية للرواية هو أن هناك متجر لبيع الأخلاق يذهب إليه كل من يريد صفة معينة من الصفات وبعطيه البائع على قدر ما يحتاج.
ليكتشف البائع في النهاية أن لا أحدًا يطلب الصفات الحميدة وأن سوقها بائر، وإنما سر نجاح المتجر في بيع النفاق لكل من يحتاجه وأنه هو المتحكم الأول والأساسي في كافة الأمور، حيث اعتمد الكاتب على كشف حقيقة المجتمع بأسلوب فكاهي طريف.
وقد ورد في الرواية العديد من الأقوال التي بقيت مأثورة حتى يومنا هذا، أبرزها على سبيل المثال
يا أهل النفاق !! تلك هي أرضكم .. وذلك هو غرسكم .. ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض ما بها .. فإن رأيتموه قبيحًا مشوهًا، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم .. لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة .. أيها المنافقون !! هذه قصتكم، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر.
وفي الختام وبعد أن طرحنا لكم أفضل كتابات وروايات كوميدية عربية ومترجمة، وذلك بعد أن تناولنا معًا مفهوم الأدب الساخر وأهميته لدى كلًا من الكتاب والأدباء وحتى المتابعين.
حيث نحتاج من وقت لآخر إلى إعادة النظر إلى كل ما يتعلق بقضايا المجتمع وأحواله بعين الفكاهة والمرح، حتى نتمكن من التفكير بشكل سليم في كيفية إحداث تغيير نحو الأفضل.