رواية الحارس في حقل الشوفان من أهم الروايات التي صدرت للكاتب جيروم ديفيد سالينجر وهنا تبدأ الأحداث بحادثة مهمة تؤثر على هولدن بطل روايتنا على مدار الرواية وهي الحادثة التي تُحرك القصة حتى النهاية ولكن دعونا نتعرف علي أحداث الرواية بشكل أكثر تفصيلاً في الأسطر القادمة.
اسم الكاتب: J.D. Salinger – جيروم ديفيد سالينجر
تصنيف الكتاب: أدب واقعي، روايات مراهقين
تاريخ النشر: 1951
لغة النشر: الإنجليزية
عدد الصفحات: 234
تقييم جود ريدز: 3.81
يقول الشاعر روبرت برنز:
If a body meet a body comin thro the rye
If a body kiss a body need a body cry
من قصيدته Coming Through the Rye والتي يرددها بطل الرواية المراهق هولدن كولفيلد. ولكن هولدن لا يتذكر الكلمات بشكل دقيق ويستبدل كلمة “meet” بكلمة “catch” ولكن ليس بشكل عبثي، فيحمل ذلك الخطأ معنًا معين يقصده الكاتب جيروم ديفيد سالينجر.
وأيضًا كل من هولدن كولفيلد وروبرت برنز يعنيان شيئًا مختلفًا عندما يتعلق الأمر بهذه القصيدة.
فبرنز يقصد بهذا الجزء الذي يذكره هولدن هو تقابل حبيبين وحدوث علاقة جنسية بينهما مما جعل القصيدة مثيرة للجدل بعض الشيء في وقت نشرها. ولكن عندما غير سالينجر كلمة “يقابل” بكلمة “يمسك” أخذت القصيدة مُنحنًا أخر.
هولدن كولفيلد هو مراهق يبلغ من العمر ١٦ عامًا وتبدأ الأحداث بحادثة مهمة تؤثر على هولدن على مدار الرواية وهي الحادثة التي تُحرك القصة حتى النهاية. وهذه الحادثة هي طرد هولدن من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها. ولكنها ليست المدرسة الأولى التي يُطرد منها هولدن بسبب ضعف مستواه ورسوبه المتكرر.
لذلك ينتاب هولدن القلق والخوف في رواية الحارس في حقل الشوفان من رد فعل عائلته، فيحزم حقائبه ويغادر المدرسة مُبكرًا ويقرر التجول في شوارع نيويورك حتى يحين موعد عودته إلى المنزل. وفي تلك الأثناء تتدهور حالة هولدن النفسية والصحية
من خلال تلك الرحلة يخبرنا هولدن كل شيء عن حياته وحياة من حوله ويصف لنا المواقف التي يواجهها والأشخاص الذين يقابلهم والأماكن التي ينتقل من وإليها حتى نهاية الرواية، لذلك تعد الرواية من ضمن أفضل كتب للقراءة قد عرفت للكاتب سالينجر.
اشتهرت شخصية هولدن في رواية الحارس في حقل الشوفان على مر التاريخ ومنذ صدور الرواية بكونها شخصية مزعجة وثرثارة وكثيرة الشكوى، ورأى البعض كذلك أنه شخص مزيف ومتظاهر. يتظاهر بأنه أفضل من الجميع أو أن هُناك خلل ما يكمن في كل شيء حوله من الأشخاص إلى الأماكن.
وهذه النظرية جعلت الكثير يعتبر رواية الحارس في حقل الشوفان “red flag” أو علامة مثيرة للقلق إذا اعتبرها أحدهم روايته المفضلة وذلك للاعتقاد المترسخ في أذهان الجميع بأن هولدن شخصية مضطربة تكره المجتمع وكل شيء من حولها.
ولكن هل هذه هي الحقيقة؟
يمكن للجميع تفسير الأعمال الأدبية بأشكال عدة، وهذا هو الهدف من الأدب. أن يفسره كل مُتلقي بالشكل الذي يتلائم مع ظروفه وحياته ووجهات نظره. وفي الحقيقة، من الصعب أن تخبر شخص ما بأنه على خطأ عندما يتعلق الأمر بالفن والرسالة التي يستنبطها من أي عمل فني.
لأن الفن هو شيء حساس ويمكن أن يُصبح شخصي جدًا في بعض الأحيان.
ولكن في نفس الوقت، هذا لا يمنع اطلاقًا أن البعض يحيد تمامًا في تفسيره للعمل الفني أو الأدبي عن الهدف الأساسي منه للدرجة التي يتم فيها تشويه الرسالة الحقيقية والأساسية للعمل، فيخسر العمل جوهره.
وهذا ما حدث مع رواية سالينجر. فقد تم منع الرواية من المدارس والمكتبات ومهاجمتها وانتقادها بشكلٍ لاذع على مر السنين، حتى من قبل المراهقين الذين في عمر هولدن.
ربما هاجم البالغون الرواية لأنهم يميلون دائمًا لنسيان أنهم في فترة ما كانوا أيضًا مراهقين، ومدى صعوبة وتعقيد هذه الفترة في حياة أي شخص. فنلاحظ أن بعض البالغين يصبحون منفصلين تمامًا عن تلك الفترة في حياتهم، أو يحاولون تناسيها أثناء تعاملهم مع من هم في فترة مراهقتهم.
ولكن لماذا هاجمها المراهقون؟
نشوء الاضطرابات النفسية في فترة المراهقة شيء طبيعي ومُنتشر بشكلٍ كبير. ففي هذه الفترة غالبًا تبدأ تلك الاضطرابات في الاتضاح والنضج وتبدأ أيضًا في اكتساب تأثير، ولكن أغلب المراهقين لا يكونون على دراية بذلك أصلًا.
الكثير من المراهقين قد يعانون من اضطراب نفسي معين ينعكس على سلوكهم دون وعيهم بأن ذلك السلوك في أساسه هو ثمرة اضطراب نفسي ما.
ولا يدرك الكثير منهم ذلك إلا في فترة النضج، عندما يبدأ مصطلح الاضطرابات النفسية في الاتضاح وتبدأ المحادثات الخاصة بذلك الموضوع تتكرر على مسامعهم. ليجدوا أن بعض سلوكياتهم لم تكن مجرد سلوكيات مصاحبة لفترة المراهقة فقط بل هي نتاج اضطراب نفسي معين.
وربما لذلك انتقد الكثيرون منهم هولدن دون وعي أو إدراك للمعنى الكامن والتفسير الصحيح لتصرفاته وسلوكياته وشكوته الدائمة.
فهولدن في النهاية هو مجرد مراهق يحاول على مدار الرواية تكوين صداقات وروابط حقيقية مع من حوله ولكن يفشل في كل مرة وينتهي بشعور عميق بالتهميش والانفصال عن الواقع والمجتمع.
ولا يعود ذلك لحقيقة طرده من المدرسة فقط، ولكن يعود أيضًا للضغط الأسري والنفسي والمجتمعي الذي يساوي هوية وقيمة هولدن بعلاماته المدرسية، دون النظر إلى قيمته الإنسانية.
بالاضافة إلى معاناة هولدن في تكوين رابط حقيقي مع عائلته بسبب الخوف من الانتقاد أو المقارنة. ولا يفلح هولدن في تكوين رابط حقيقي مع أي من البالغين ممن حوله ولا حتى مع أي من أقرانه، فنجد الرابط الحقيقي الوحيد في حياته هو علاقته بأخته الصغيرة فيبي التي تبلغ من العمر عشر سنوات.
ومن هُنا نعود إلى قصيدة روبرت برنز.
في مشهد معين في الرواية يتحدث هولدن عن رغبته في أن يعمل حارس في حقل مهمته هو مراقبة الأطفال وهم يلعبون في الحقل والعناية بهم حتى لا يقترب أحد منهم من الحافة أو المنحدر ويسقط.
لذلك يخطئ هولدن في تذكر الكلمات ويحولها من “يقابل” إلى “يمسك”، لأن مهمته ستكون إمساك الأطفال إذا اقتربوا من الحافة. أو ربما تلاعب عقله الباطن بها ليجعلها ملائمة لحُلم هولدن بالبراءة الدائمة والمطلقة.
فرغبة هولدن ليست حقًا هي أن يصبح حارس للأطفال في الحقل، ولكن رغبته هي حماية براءة هؤلاء الأطفال إلى الأبد. وهنا تكمن الاستعارة والصورة الخيالية، فيُشبه سالينجر سقوط الأطفال من الحافة بخسارتهم لبراءتهم عندما يصبحون في سن هولدن.
ذلك الحلم بالتحديد وهو أساس وجوهر الرواية، يُبين لنا الجانب الأكثر هشاشة لهولدن. ويبين لنا هدف سالينجر من الرواية ككل.
هولدن هو مجرد ولد مراهق ضائع ومتخبط وعاجز عن تكوين أي تواصل أو رابط حقيقي مع من حوله. ولا يستطيع إيجاد مصدر للتنفيس عن كل هذه المشاعر المعقدة والمتقلبة التي تعتريه، فنجده يحول غضبه تجاه المجتمع ككل بانتقاده المستمر لكل ما حوله سواء كان انتقاده ذو أساس أم لا.
وفي كثير من المشاهد، مثلًا عندما تعتري هولدن رغبة قوية في البكاء، أو عندما يقع في مشكلة ولا يستطيع كبح هذه الرغبة فنجده يبكي دون إرادة منه، يحاول سالينجر إخبار المُتلقي أن هولدن في النهاية هو مجرد طفل، يبكي ويتوتر عندما يقع في مأزق.
أو ربما يحاول إخبارنا أن هناك دافع أخر وراء ذلك البكاء. أن هولدن كولفيلد يتملكه حزن شاسع وعميق يتقلب في صدره كطائر جريح.