سقراط أحد وأهم الفلاسفة القدماء فالروح التي تعيش لينهشها الألم، يفترسها العذاب حتى يختارها قرباناً للموت، يعيشون في ظلام أرواحهم، ويبددون عتمة الإنسانية، نتحدث اليوم عن واحدة من تلك الأرواح وهو سقراط، واحد من أعظم رواد تلك الحضارة وأشهرهم.
لذلك يعتبر مؤسس الفلسفة الغربية، وقبل الحضارة الغربية قامت الحضارة الإسلامية بترجمة تلك الأفكار العظيمة نجدها في كتب فلسفة كثيرة حيث وضعتها كحجر أساس لحضارتها وانطلقت منها، وقد اعتمدت الحضارة الغربية على ترجمات الحضارة الإسلامية، تتلمذ على يديه أفلاطون وحكى تفاصيل كثيرة وأرخ لمعلمه.
وُلد سقراط بالعام 470 قبل الميلاد، فيلسوف ومفكر ومعلم، يهتم بالتربية والفلسفة، وقد ابتدع طريقة جديدة للتربية تعتمد على السؤال، تميز بالأصالة والإبداع، يفضل أساليب التواصل الشفهية عن إسهاب الكتابة، مهرج ساخر دفع حياته ثمن أفكاره كبرهان على صدق ما عاش من أجله، فحُكم عليه بالإعدام بالسم.
والده هو (سوفرونيسكوس) يعمل بناء، ووالدته (فيناريت) تعمل داية، فقر عائلته جعله لا يتلقى إلا التعليم الأساسي، مارس مهنة والده لفترة من الزمن ثم بعدها توجه للفلسفة، ويعتبر سقراط من الأشخاص الذين لاقت حياتهم الخاصة اهتماماً كبيراً، لأنه اشتهر بقبح وجهه وقصر قامته.
تزوج سقراط من سيدة شديدة الجمال تُدعى (زانثيبي) والتي تصغره بكثير، أعجبت هي بفلسفته ومكانته فسعت للزواج منه، بعدها أنجبت ثلاث أبناء هم (لامبروكليس) و(سوفرونيسكوس) و(مينيكسينوس)، عاش سقراط وزوجته حياة تعيسة جداً، فالسؤال دائماً من أين ينفق الفيلسوف؟
ما وصل من مصادر أكدت أنه لم يكن له عمل آخر يُرزق منه، قال البعض أنه تقاضى من طلابه نظير تعليمه بعض المبالغ، بينما أكد البعض الآخر أنه رفض تماماً تقاضي مقابل لعلمه، فضاقت زوجته من الفقر الشديد، بالإضافة إلى انشغاله الدائم بعلمه وطلابه، فقال عنها:
“أنا مدين لهذه المرأة، لولاها ما تعلمت أن الحكمة في الصمت والسعادة في النوم”.
عُرفت زوجته بصوتها العالي فهي سليطة اللسان، ذات مرة دخلت على سقراط وهو يدرس لطلابه وسكبت الماء فوق رأسه، فلم يثور وبهدوء قال لها:
“كان يجب أن نتوقع أنها ستمطر بعد كل هذه الرعود”.
عاش معتبرا أنها والتعاسة الزوجية سبب توهجه في الفلسفة، بينما هي لم تتحمل فقره وانشغاله وهدوءه فماتت بمرض قلبي بعد إحدى نوباتها العصبية وصراخها كالبركان الثائر.
اشتهر سقراط بالجدال الطويل، لتأكيد نفس المعاني التي يوضحها دائماً، وسُمى منهجه بالمنهج (السقراطي)، اعتبروه منهج يلد الأفكار كما يولد الأطفال.
يطرح الأسئلة ويتم تبادل النقاش، وطرح الإجابات المختلفة، فيتحفز التفكير النقدي والاستنتاجي، وتستبعد فرضيات وتقر فرضيات أخرى، حتى نصل لما يسمى الحقائق العامة.
على خلاف من عاشوا بعصره اعتبر سقراط الروح هي أهم ما يميز الإنسان لا ماله ولا مكانته الاجتماعية ولا قدرته الجسدية، ويرجى ملاحظة أن سقراط عاش قبل ظهور المسيحية، في مجتمع وثني، وبالتالي القيمة الروحية لم تكن واضحة، يرى سقراط أن الإنسان يعيش ليعرف ويميز بين الخير والشر، ويتبع الخير وتسمو روحه.
للأسف لم تصلنا أفكار سقراط بمؤلفات محددة، فقد اعتاد أن يجوب الشوارع هو وتلاميذه، وبالطبع ركز على الشباب لأنهم الأكثر قابلية للتعلم والإستفادة من العلم وإفادة المجتمع، وأكثر ما وصلنا عنه عن طريق كتابات تلاميذه.
لذلك أحياناً يشكك البعض مثلاً فيما كتبه أفلاطون عن موقف سقراط من الديمقراطية، لأنهم اعتبروها أفكار أفلاطون ذاته، وبالنهاية سقراط رجل عظيم غامض لم نعرفه جيداً.
“تكلم حتى أراك”.
“احرص بكافة السبل على أن تتزوج، فإن حصلت على زوجة جيدة عشت سعيداً، وإن كانت زوجتك سيئة ستصبح فيلسوفاً”.
“راحة الحكماء في وجود الحق وراحة السفهاء في وجود الباطل”.
“خلق الله لنا أذنين ولساناً واحداً لنسمع أكثر مما نقول”.
“حذار من عقم الحياة المملوءة بالمشغوليات”
“الحب مرض جميل، ومن الحماقة أن نرفض الإصابة به.
لا يمكنني أن أعلم أي شخص أي شيء، كل ما يسعني فعله هو حثهم على التفكير”.
“الخير الوحيد في العالم هو المعرفة والشر الوحيد هو الجهل”.
نتحدث هنا عن أحداث قبل الميلاد بعدة قرون، وبالتالي لا يمكن القطع بدقة كل كلمة، فقط يمكن الرجوع للعديد من المصادر والروايات التي تدور حول نفس الوقائع ومضاهاتها، للوصول إلى بلورة هي أقرب ما يكون للحقيقة.
لسقراط أفكار جديدة ومختلفة فاعتبروه مخالف للمجتمع، واتهم بالكفر وتضليل الشباب والهرطقة، في العام 399 قبل الميلاد حُكم عليه بشرب السم، بعدها أمروه بالسير على قدمه خطوات عدة، ثم استلقى على الفراش، ثم ضغطوا على قدمه بقوة، وفارق الحياة بطريقة أكثر من درامية.
عاش سقراط في مجتمع وثني، يؤمن بآلهة كثيرة، أما هو فيبدو أنه ظن بوجود إله واحد عادل محب للبشر، وعندما شرب السم قال أنه ذاهباً للراحة، سواء هي حياة بعد الموت أو سبات طويل.
اعتقد الناس في عصره أن قيمة الإنسان مستمدة من مكانته الإجتماعية وماله، أما هو فقد دعا للتفكير والانخراط في نفس الإنسان، فهي الكنز الحقيقي عندما تسمو بها، فكما قال
“لا تتباهى بأن لديك ثروة وتباهى بحسن إدارتها”.
رفض قولهم أن العبقرية يصنعها المجتمع، فهو يعلم تماماً أن شيء ما بداخله خلق به جعله يفكر ويتأمل ويختلف مع المجتمع.
تحدث عن شيطان خاص به لعله حدسه الخاص الذي يلهمه ما يفعل ولا يفعل، يرى دائماً أن المهم هو اتباع الفضيلة وليس الآلهة، فعاب في الحكماء والوجهاء، واتبع مريديه من الشباب أسلوبه فاعتبر ملحداً متمرداً.
بحسب أفلاطون كره سقراط الديمقراطية، سقراط محب لأثينا وطنه وقد حارب بشراسة من أجلها، ولكنه اعتاد انتقادها على أمل إصلاحها، يرى أن الحاكم يجب أن يكون فيلسوفاً، وقد صار بعض تلاميذه من الحكام، فقد سخر من عملية الانتخاب، خاصة وأنه قد ثبت على بعض الديمقراطيين الخيانة والتعاون مع أسبرطة.
اعتقد البعض أن سقراط كان مؤمناً بفكرة أن العامة عندما ينتخبون حاكم لن يكون اختيارهم موفقاً، بينما الفيلسوف بحكمته وعلمه عندما يحكم سيرفع من شأن العامة.
رغم كل هذا رفض سقراط الهرب، واعتبر تلاميذه ذلك تخلي عن أولاده، فالرجل يحترم الجماعة وقرارها، فقد عاش بالمجتمع الأثيني أي أنه يرضى بالعقد المجتمعي وأحكامه، والأهم لو مات من أجل أفكاره ستعيش هي، أما الهروب سيجعل أفكاره تموت معه.
قدم شكوى للمحكمة ضده ثلاثة رجال، أحدهم ابن سياسي بارز والآخر شاعر، والثالث لا نعرف عنه غير أنه من تحدث للمحكمة.
عقدت المحكمة وتم اختيار خمسمائة فرد من العامة من الرجال الأحرار ليحكموا على سقراط -وهنا وبشكل شخصي لا يمكنني إلا تسجيل إعجابي بتلك الحضارة العريقة التي عقدت المحاكمات وشكلت هيئة محلفين مهما ضاقت بالنتيجة.
فالوصول لهذا الوضع قبل الميلاد ومقارنته بمحاكمات العصور الوسطى يجعلنا نقدر قيمة تلك الحضارة- بالبداية النتيجة إدانة سقراط بعدد 280 صوت أدانوه مقابل 220 صوت لم يدينونه، بسبب سخريته طوال المحاكمة فقد تعاطف العامة معه، تم فتح التصويت على قتله، ليصوت 360 بالموافقة، ليموت بالسبعين من عمره.