شجرة الدر الجارية المملوكة التي أصبحت سلطانة مصر لمدة ثمانين يوماً. من هي شجرة الدر وما قصتها؟ كيف صعدت إلى كرسي الحكم في مصر؟ هل رضي المماليك بذلك؟ وهل تقبل الشعب أن تُولى أمورهم امرأة؟ وكيف كانت نهايتها؟ كما ذكرنا مسبقاً حكاية الملكة حتشبسوت والملكة نفرتيتي إليكم حكاية شجرة الدر.
اختلف المؤرخون حول أصل شجر الدر، فالبعض يرجح أنها جارية من أصل تركي والبعض يرى أنها من أصل أرميني، ولا توجد معلومات مؤكدة حول تاريخ ومكان ولادتها.
بدأت قصتها عندما اشتراها الملك الصالح نجم الدين أيوب كجارية قبل توليه حكم مصر، أعجب بجمالها وذكائها وحظيت عنده بمكانة عالية، حتى أنه أعتقها وتزوجها رغم وجود زوجته وأم ولده الغيث توران شاه لكن، تمكن حب شجر الدر من قلب الملك الصالح أيوب.
أصبحت هي الوحيدة في قلبه بعد وفاة زوجته الأولى، وتُوج هذا الحب بقدوم مولودهما الخليل، وتميزت شجر الدر بذكائها الحاد وقوتها وشجاعتها وحكمتها الشديدة وعقلها المدبر، وكلها صفات قد جعلت منها امرأة ذات طابع خاص في التاريخ، كيف دخلت شجرة الدر التاريخ؟ دعونا نرى.
عندما توفي الملك الكامل حاكم مصر، كان نجم الدين أيوب آنذاك حاكماً لحصن كيفا، وهو حصن يقع على حدود تركستان وبوفاة الأب انتقل حكم مصر إلى الابن الأصغر سيف الدين، والذي لقب بالملك العادل الثاني.
آثار هذا الأمر غيرة نجم الدين، حيث كان يرى أنه الأحق بحكم مصر كونه الابن الأكبر، فقرر أن يأخذ الحكم من أخيه بالقوة واتجه إلى مصر بصحبة زوجته شجر الدر وابنه وجارية كانت تصاحب شجرة الدر اسمها مرجانة.
لم تسر الأمور كما خطط لها نجم الدين، ففي الطريق اعترضه ابن عمه الناصر داوود صاحب قلعة الكرك الواقعة على نهر الأردن. ألقى الناصر القبض على نجم الدين وجيشه ووضعهم في السجن لسبعة أشهر كاملة، صحبته فيهم شجرة الدر.
وفي يوم استدعى الناصر نجم الدين للوصول إلى اتفاق حول تقسيم النفوذ والغنائم في حال تولى نجم الدين حكم مصر، واتفقا على أن يستقل الناصر بحكم الشام في مقابل ترك نجم الدين لانتزاع الحكم من أخيه.
توجه نجم الدين ومعه شجرة الدر وابنه والجارية إلى مصر، وبالفعل نجح نجم الدين في انتزاع الحكم من أخيه سيف الدين وألقى به في سجن القلعة، وفي عام 634 ه قتل سيف الدين خنقاً ليتولى نجم الدين حكم البلاد بشكل كامل، وتصبح شجرة الدر صاحبة كلمة عليا في شؤون الدولة.
لم تستمر هذه الفرحة كثيراً، فسرعان ما اهتز عرش شجرة الدر عند وفاة ابنها الخليل ودخولها في صدمة، وما إن استجمعت شجر الدر قواها حتى أتاها خبر وفاة زوجها نجم الدين عام 647 ه، لتبدأ بذلك شجر الدر فصل جديد تماماً في حياتها.
توفي نجم الدين في مرحلة حرجة تماماً من تاريخ الدولة، فقد كانت الحروب مشتعلة بين المصريين والصليبيين بقيادة لويس التاسع عشر، حيث كانت الجيوش الصليبية في طريقها في الزحف نحو القاهرة عن طريق المنصورة.
لم تستسلم شجر الدر لحجم الكارثة، وكثفت جهودها لمواجهة الخطر الصليبي أولاً، استجمعت شجرة الدر قواها واستخدمت ذكاءها وحكمتها وقررت إخفاء نبأ موت زوجها الملك الصالح عن الجيش وعن المصريين، وأكملت هي المسيرة وبدأت في تصريف أمور البلاد والجيش بمساعدة مجموعة من المقربين إليها والمخلصين لها.
أصدرت شجر الدر التعليمات والمراسيم مختومة بختم نجم الدين وعللت غياب الملك بأنه يعاني من مرض شديد. انزالت الغمة وتمكنت شجرة الدر من تحقيق انتصارات كبيرة على الصليبيين، فتفرقت جيوشهم وتوقفوا عن الزحف.
في هذا الوقت كانت شجر الدر قد استدعت الحاكم توران شاه الابن الأكبر لنجم الدين، وفور وصوله أعلنت شجرة الدر وفاة الملك، وتم تسليم مقاليد الحكم لتوران شاه الذي قام بقيادة الجيش وانتصر على الصليبين وأسر لويس التاسع في معركة المنصورة الشهيرة.
زادت هذه الانتصارات من غرور توران شاه وابتدأ في معاملة شجر الدر بقسوة، كما تعالى على الأمراء وطالب بثروة أبيه، زاد الغضب من توران شاه وكثرت المؤامرات للتخلص منه.
استفزت ممارسات توران شاه الاستعلائية المماليك، فحيكت ضده المؤامرات وقرروا التخلص منه، وفي عام 648 ه قطع بيبرس البنقداري يد توران شاه بالسيف هم توران شاه بالهروب لكن سرعان ما أدركه الحاقدين عليه وقتلوه في وسط النيل، وكان ذلك بعد 5 أسابيع فقط من تسلمه للعرش.
كان موت توران شاه إعلاناً لانتهاء دولة الأيوبيين في مصر، وبعد موته أصبح العرش خالياً حتى اتفق الأمراء ورجال الدولة والمماليك على مبايعة شجر الدر وإسنادها مهام الحكم، لتكون بذلك أول امرأة تتولى حكم البلاد في التاريخ الإسلامي.
لُقبت الملكة شجر الدر باسم الملكة عصمة الدين، ونقش اسمها على الدراهم والدنانير، كما بدأ في عدها نقل كسوة الكعبة من مصر إلى الحجاز إضافة إلى إرسال المؤن والأموال إلى أهل البيت.
بعد تولي شجر الدر حكم مصر، لم تسلم بالطبع من ردود الفعل الغاضبة كونها أول امرأة تتولى العرش في التاريخ الإسلامي، حتى أن قاضي القضاة وقتها العز بن عبد السلام أصدر فتوى لا تجيز لامرأة تولي إمارة الرجال. زادت هذه الفتوى من غضب الغاضبين وخرج المصريون في مظاهرات تطالب بعزل شجرة الدر.
أدركت شجر الدر بذكائها الحاد أنها لن تستطيع مجابهة هذا الرفض وحدها، فما كان منها إلا التخلي عن الحكم بعد ثمانين يوماً لصالح عز الدين أيبك التركماني الذي تزوجت به، والذي وافق المماليك على توليه الحكم.
لم يكن أيبك الأجدر بين المماليك بتولي الحكم، ولكن يرى المؤرخون أن اختياره كان غطاءاً شرعياً لوجود المماليك، إضافة إلى أن شخصيته الضعيفة ستمكن شجر الدر من السيطرة ومتابعة أمور الحكم.
بعد زواج أيبك من شجر الدر وتوليه الحكم بدأ في التخطيط لمستقبله ولمن سيترك الحكم من بعده، وخصوصاً أن شجر الدر لم تعد تستطيع الإنجاب، فقرر أيبك الزواج من ابنة حاكم الموصل آنذاك بدر الدين لؤلؤ. ثارت شجرة الدر لهذا الأمر وغضبت من أيبك فور علما بتخطيطه للزواج فقررت التخلص منه.
وفي 29 أبريل 1259 استدعت شجرة الدر أيبك ولبى دعوتها، فما كان منها إلا أن سلطت عليه غلمانها ليقتلوه ضرباً بالقباقيب حتى الموت.
حاولت شجر الدر إخفاء مقتل أيبك وإظهار الأمر كما لو أنه مات عندما وقع عن حصانه، لكن سرعان ما انكشف ما حاولت شجرة الدر إخفاؤه، فثارت ثورة أنصار أيبك من المماليك وهاجموا شجرة الدر وقادوها إلى أحد أبراج القلعة وسجنت هناك.
استدعى المماليك ابن عز الدين أيبك من جاريته واسمه نور الدين وبايعوه على الحكم، فما كان من شجرة الدر إلا أن استجمعت من بقي معها من أعوانها وقاموا بقتل نور الدين.
أما عن مقتل شجرة الدر، فقد اختلفت الروايات حول الطريقة التي قتلت بها، إلا أن أشهرها يرجح أنه بعد مقتل نور الدين ووصول الخبر إلى أمه اجتمعت بالمماليك وطلبت منهم قتل شجرة الدر، فاقتادوها إليها وأشارت إلى جواريها أن يضربنها بالقباقيب حتى الموت.