منذ اليوم الأول للإعلان عن ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين أواخر عام 2019، تابعت بقلق بالغ تطورات هذا الفيروس اللعين وسرعة انتشاره وأعراضه، وبدأت منذ ذلك الحين في البحث عن سبل الوقاية من هذا الوباء الذي ينهش جسد الانسان بوحشيه وبلا رحمة، ولم أجد سوى دعم مناعة الجسم واتباع اجراءات احترازية تمنع انتقال الفيروس من شخص مصاب أو من سطح يحمله.
ومع الإعلان عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في مصر، بادرت مصر بوضع ضوابط شديدة تضمن سلامة المواطنين، وكنت من أكثر المواطنين التزاما بتلك الاجراءات سواء في أماكن العمل أو في المنزل أو حتى في الزيارات الميدانية بمواقع العمل المختلفة، مع الاهتمام أيضا بتناول الفيتامينات التي تعمل على رفع المناعة، والتزمت بهذه الإجراءات لشهور عديدة مع متابعة الأرقام والاحصائيات التي تعلنها وزارة الصحة كل يوم حول تطورات أعدد الإصابات التي كنت أظن أنني في مأمن منها.
وذات ليلة، كنت أجلس في منزلي بعد يوم عمل طويل وشاق، ورن جرس هاتفي ليبلغني أحد الأصدقاء الذي التقيته في مكتبي خلال اليوم أنه أجرى مسحة أظهرت إصابته بالفيروس اللعين!! لم تكن تبدو عليه أي علامات للإصابة، وأنا أيضا لا أشعر بأي أعراض! قررت على الفور إجراء المسحة، ولم تكن الصدمة في الإصابة بفيروس كورونا فحسب، بكل كانت صدمتي الأكبر في البحث عن سبب وصول إليّ هذا الوباء اللعين!!
لم استغرق وقتا طويلا حتى بدأت العلاج، ولم تستغرق الأعراض أيضا وقتا طويلا حتى ظهر الواحد تلو الآخر. لم يرهقن الفيروس ولم ترهقن الأعراض بقدر ما أرهقتني المخاوف والتفكير العميق في مفهوم الحياة بشكل كامل، وبعد عزل استمر قرابة الـ 15 يوما بين ايجابية العينة وسلبيتها، توصلت إلى العديد من القناعات التي أطمح أن تغير حياتي للأفضل خلال الفترة المقلبلة.
ولعل أهم القناعات هي أن الفيروس لم يكن محنة كما كنت أتصور، بل أنه منحة كبيرة تتيح لنا الفرصة لنقف مع أنفسنا ونفكر في أمور عديدة شغلنا عنها صخب الحياة اليومية وبريق العمل والنجاح. ولعل أهم هذه الأمور هي أسرتي الصغيرة التي غمرتني بفيض المشاعر الدافئة التي كانت خير معين في برد الشتاء. ابنتي الكبرى التي كانت الدعم والسند وابنتي الصغرى التي لم تدخر أي جهد ولم تضع في أولوياتها سوى شيء واحد، أن أعبر هذه الفترة بسلام. لقد كانت فترة العزل الإجباري في المنزل فرصة عظيمة لأتعرف فيه على جوانب انسانية رائعة زرعتها في أبنائي ولم يكن لدي الوقت لأتأكد من ثمارها.
وكنت دائما على يقين أن النظام الغذائي المعتمد على أكل صحي في حياتنا اليومية أمر مهم للغاية، ولكن الوقت لم يكن حليفا دائما لتحقيق هذا اليقين كما ينبغي. وخلال فترة العزل تأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن حياتنا مهما كانت مستقرة ولكنها ليست طبيعية ما دام نظامنا الغذائي غير منضبط.
وخلال هذه الفترة أيقنت تمام اليقين أن كل ما يتردد على وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات واتساب من وصفات أو نصائح لعلاج كورونا هي مجرد أكاذيب لا علاقة لها بالواقع، بل إنها تؤذي كل من يعمل بها بشكل أعمى دون استشارة طبيب متخصص، وذلك لأنني أدركت أن كل شخص يختلف عن الآخر في الأعراض وأيضا في تأثير الفيروس على أجهزة ووظائف الجسم، فالفيروس حتى الآن ليس له نمط ثابت في التأثير، وهو ما يتطلب علاجا يناسب التأثير حتى اتمام الشفاء. بل إني أيقنت تمام اليقين أن هناك أشخاص عجزوا عن مواجهة تداعيات الفيروس اللعين بسبب التعامل بشكل نمطي مع فيروس متحور وغامض ولم يكشف العلماء كامل أسراره حتى اليوم. والحقيقة أن الوصفات المتداولة قاتلة ولا بد أن نتوقف تماما عن تداولها ونشرها.
ولعل القناعة الأهم في هذه التجربة الصعبة هي أن الصحة النفسية والأهل والأصدقاء هم العلاج الأهم لهذا الفيروس اللعين الذي أتمنى أن تنجح جهود القضاء عليه في أقرب وقت.
وختاما، أوصيكم بالالتزام بجميع الإجراءات الاحترازية دون تقصير، وأتوجه بالكثير من الحب والود لكل من تفضل علي بالسؤال ووافر الشكر والامتنان لكلماتكم الجميلة والرقيقة والمشجعة، وأسأل الله الشفاء العاجل لكل مرضى كورونا، والحماية والنجاة لكل من لم تصبهم العدوى وأن يرحم ويغفر لكل من غادرنا بسبب هذا الوباء اللعين.