فلاسفة اليونان من ظهروا طيلة الفترة اليونانية، وقتها مرت الفلسفة بالعديد من الأطوار، منها البذور الأولى حيث النمو والنشأة، ومنها الازدهار والانحدار، والثورة والتأسيس من جديد، كُلها مراحل شهدت العديد من الأفكار والفلاسفة الذين مهدوا للفلسفة طريق العالمية بين جميع الحضارات.
واحتضنت الكُتب سجالاتهم ومناقشاتهم، حتى يستفيد منها العالم بأسره إلى يومنا هذا، وفلاسفة اليونان يُقسمون إلى ما قبل سقراط، وما بعد سقراط؛ كل عصر له مذاهب وأمزجة مختلفة في الفلسفة، كان لها الدور الرئيس والفاعل الفعال في إثراء العقل البشري فيما بعد.
في عصر ما قبل سقراط كانت البدايات الأولى للفلسفة، فهنا بدأ الإنسان يسأل عن السبب وراء وجوده والغاية من الحياة والهدف من بقائنا فيها، فانتشرت العديد من المذاهب، منها ما كان يسعى لفهم الحياة والتعايش معها، ومنها ما كان خبط عشواء، كلام لا يقين فيه ولا معنى كما كان الحال مع السوفسطائيين.
يُعد طاليس هو أول فلاسفة اليونان في التاريخ بشكل عام، وتعود إليه المدرسة المالطية المادية، ويُعزى إليه التنبؤ بكسوف الشمس، ومحاولة إيجاد عنصر أوحد تكون منه الكون، وسط العناصر الأُخرى، فكان الماء هو العُنصر الأمثل، فالكون كله من الماء خُلق وإلى الماء يعود.
أحد أهم فلاسفة اليونان وصاحب كتاب في الطبيعة والذي بحث من خلاله في ماهية الطبيعة والكون، طارحًا السؤال الأعقد، هل هناك وجود أم عدم؟ وانتهى بعد سبر أغوار الفلسفة والأسئلة إلى أن الوجود يستحيل استنباطه من عدم.
أي أن كل شيء موجود لابد وأن تكون له صفة الأزلية الوجودية، والأبدية الدهرية، أي أنه موجود دائمًا، ولا توجد نقطة بدء للكون، أي أنه لا وجود للعدم.
وبذلك الاستنتاج وضع بارمينيدس الفلسفة كلها في موقف محرج، فبإنكاره للعدم، صار الجزم باللا شيء من المستحيلات، فلم يعد هناك ما يُسمى اللا شيء، بل هناك شيء وهذا الشيء قائم بذاته منذ الأزل.
يُعد بارمينيدس من أشهر الفلاسفة الذين تربوا وتعلموا على يد الفيلسوف الإغريقي الأعظم فيثاغورث، كما يُعد من أشد المُريدين لعلمه والمُطبقين لأحكامه.
يُعد أناكسوجراس من أشهر فلاسفة اليونان، فهو من وضع مذهبًا فلسفيًا في أثينا كاد أن يكون هو المذهب الأوحد، وبسبب ذلك المذهب تعرضت حياته للخطر، ودفع ثمن مذهبه حياته، فصار شهيدَ الفلسفة؛ يدور مذهبه حول فكرة أن الكون لم يكن على حالته الحالية أول الأمر.
فقد كان كتلة واحدة ممتزجة ببعضها البعض، ولكن، دخلت قوى خفية وبثت فيه روح الفوضى والحركة ليتشكل ويتكون على الشكل الحالي، تلك القوى أسماها “العقل الكلي” أو “النوكس”.
ذلك النوكس كان له الفضل في خلق الكون على حالته الحالية، فقد بثَّ نظامًا فوضويًا، أي أنه يعتمد على بعثرة الأشياء يمينًا ويسارًا مما يجعل لكل شيء استقلال تام عن الآخر، من بعد أن كان التمازج مذهبهم.
أحد فلاسفة اليونان العظماء وهنا كان أنكسمندر يُعد ثورة للفلسفة في عهده لِمَا تبناه من أفكار وقضايا تخص الكون، كان تلميذًا نجيبًا لطاليس، بل أكثر من ذلك، يُعدُ مكملًا لمنهج أستاذه، وأول من سجل وكتب في الفلسفة، ورغم شح ما وصلنا عنه، إلا أنه يُعد من أهم العقول النيّرة في اليونان.
حاول التوسيع من نطاق فكرة أستاذه “طاليس” عن الكون ونقطة البدء، فرأى أن نقطة البدء هي الأساس الذي من خلاله تم تحديد الأشياء وتضادها، فتلك النقطة، المكون الأول والأساسي – العنصر الأصيل (Arche).
هي من أعطت لكل شيء صبغته، فصار الظلام ظلامًا والنور نورًا، وكل شيء له ضده بفضل ذلك العنصر، فحال كل هؤلاء الفلاسفة الأوائل كان البحث عن العنصر الأول والرئيس المكون للكون والصابغ لصبغته الأساسية.
من أشهر فلاسفة اليونان الذين بحثوا أيضًا في عنصر الكون الأول، مثل طاليس وغيره، فكان أول من أشار إلى النار على أنها المكون الأساسي للكون، وذلك لأنها أكثر المكونات تغيرًا وحركة، وغير ثابتة ومتحولة.
فهو من أشهر فلاسفة اليونان الذين تبنوا نظرية التحول والصيرورة، وقد استفادت الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر من فلسفة هرقليطس، وذلك لما فيها من تغير وحركة ودعوة للتطور والتحول، فمن أشهر مقولات هرقليطس:
“إن الإنسان لا ينزل النهر نفسه مرتين، فالماء يجري ويغير نفسه”.
يعد أول من قدّم شكلَ الحوار في الفلسفة، وعرف بمفارقاته المنطقية، التي تتكون من أسئلة سالبة حول الطبيعة الجدلية للحركة، كما بلغت مفارقاته المنطقية درجات متقدمة جدًا إلى حد استحالة البرهنة منطقيًا على كثرة الأشياء، وكان يعتقد بأن الوجود غير متناقض، إذ أن الوجود المتناقض هو مجرد وجود ظاهريّ.
ويُعد زينون هو أحد فلاسفة اليونان ومؤسس مذهب الرواقية الفلسفي، وهو المذهب الذي بدأ يُذاع صيته الآن في عالمنا، لما فيه من دعاوى لتقبل الحياة والتأقلم معها بما فيها من حلو ومُر، وعدم البحث عن السعادة وإرهاق النفس بالأحلام والخيالات غير المُجدية.
وقد سُمي هذا المذهب بذلك الاسم نسبة إلى الرواق الذي كان يستضيف فيه العظيم زينون تلامذته، وهو أول فيلسوف تكلم عن الما لا نهاية، وقد افترض أن الزمان والمكان لا نهاية لهما، إذ لو كانا لهما نهاية، كالمسافة (مثلًا)، لعرفنا نصف المسافة على الأقل.
نعرف عنه – مع الأسف – القليل، سواء في الفلسفة أو الرياضيات، وهو أستاذ لـ أنارمينديس وغيره من فلاسفة اليونان الآخرين، كان أول من أنشأ مدرسة فلسفية.
وقدم للرياضيات الكثير والكثير من النظريات التي حملت اسمه فيما بعد، فكان أعظم فلاسفة عصره، رغم أن ما قدمه في الفلسفة يُعد قليلًا يجانب ما ورثناه عنه في الرياضيات.
كما اتضح لنا أن ما قبل سقراط كان فلاسفة اليونان يبحثون عن العنصر الأوحد المكون للكون، هل هو الماء أم النار، أم عنصر غير مرئي عاقل تمامًا بشكل كلي تسبب في خلق ما نحن فيه الآن، اختلفت الأسباب والنتائج، لكن السعي كان واحدًا.
سعي في الطبيعة وما وراء الطبيعة، لم يكن للإنسان جانب هام في تلك المباحث، حتى ظهر عصر انحطاط الفلسفة على يد السوفسطائيين، والذين ضربوا بالفضيلة والقيم الأخلاقية عرضَ الحائط أمام رغبة الإنسان الكاسحة، إلى أن جاء الثائر سقراط، والذي غيّر كل شيء.
كان سقراط أحد فلاسفة اليونان العظماء والذي أحدث بأسلوبه الجدلي دويًا هائلًا في الفلسفة، فقد بدأ بمعارضة العقلية السائدة في أثينا، وهي عقلية الفرد السوفسطائي، التي ترى أن الفرد هو معيار كل شيء، وبالتالي فإن الأخلاق نسبية، ولا يوجد اتحاد على شيء من قيم الأخلاق.
وبدأ بإرساء قواعد الأخلاق، وذلك من خلال الإدراك، فالإدراك أساس المعرفة، فلو ملكت الإدراك كان من السهل عليك معرفة الفضيلة بشقيّها؛ الخير والشر. وبالتالي سيكون من السهل عليك فعل الخير وتجنب الشر.
أما لو ارتكبت الشر عن جهل فأنت جاهل غير مُدرك، ولو ارتكبت الشر عن عمد فأنت إنسان فاسد، لكن ارتكابك للشر وأنت تعلم أنه شر خيرٌ من فعلك الخير وأنت جاهل أنه خير، فالمعرفة في الأخيرة مجهولة أما الأولى فهي معلومة وقد تستغلها فيما بعد في التحرر من الشر وفعل الخير.
لن نُبالغ لو قُلنا إن أفلاطون هو أحد عظماء فلاسفة اليونان وهو الأب الروحي لكافة الأديان والفلسفات الشرقية والغربية، فما أرساه أفلاطون سواء في مجلداته كفيدروس والجمهورية، يكفي الفلسفة عن كل إسهامات السابقين واللاحقين، فقد كان أكثرهم صيتًا ودراية.
وإلى الآن ستجد شذرات من آرائه وأفكاره في أدياننا وفلسفاتنا الحياتية، كأنه شبح يُلاحقنا في كل مكان وزمان، قسّم نجيب محفوظ في إحدى مقالاته الفلسفية في مجلة المعرفة حياة أفلاطون إلى ثلاثة أطوار؛ الأول التعلم على يد سقراط، الثاني الرحلات إلى مصر وغيرها من البُلدان، الثالث العودة إلى أثينا والتدريس.
كان الطور الأول يتسم فيه أفلاطون باتباعه لمعلمه سقراط دون مخالفته في أي رأي، بل إن أفلاطون أضاف صبغة شبه مقدسة على أستاذه، جعلته أشبه ما يكون بالقديسين.
أما الطور الثاني، فبعد قتل سُقراط بالسم أخذ أفلاطون التلميذ الوفيّ على عاتقه البحث عن العلم، فغادر البلاد طلبًا للحكمة في كل أنحاء العالم وأول البلاد التي حط فيها رحاله كانت مصر، خاصة مكتبة الإسكندرية.
أما الطور الثالث والأخير، فبعد أن عاد أفلاطون إلى أثينا مُشبع بالعلم أخذ يُدرس التلاميذ والمُريدين كل خبراته وعلومه الخاصة، وعلى رأس هؤلاء التلاميذ كان أرسطو النجيب.
تتسم فلسفة أفلاطون بالمُعارضة الشديدة للسوفسطائيين كأستاذه سُقراط، فمن الفلاسفة الذين انتقدهم أفلاطون بشدة، بروتوجراس، والذي رأى أن الإنسان معيار كل شيء وأن المعيار أساسه الإدراك، وذلك الإدراك يختلف من شخص إلى آخر.
فطالما كنت أرى شيئًا خيرًا فهو خير، ولو رأيت العكس فهو كذلك حسب رؤيتي ولو خالفني الناس، فلا اتفاق بينهم. فرد أفلاطون عليه بالقول:
“إن صح كلامك، فبالتالي عليك الاعتراف بحجة مخالفيك والرافضين لمنهجك، فإدراكهم يختلف عن إدراكك لطبيعة الأمور وبالتالي هم – على حسب منهجك – على صواب!”
رأى أفلاطون أن الحقائق تكمن في الأفكار، والأفعال تنبع من الإدراك، والإدراك ينبع من الأفكار، ومركز الأفكار في العقل، والمعرفة هي رؤيتنا للأمور المادية الخارجية، وإدراكنا هو الصورة الماثلة في أذهاننا عن الأشياء الخارجية.
ورأى أن الكون على نوعين، متغير غير ثابت (متحول) يمر عبر الزمان، تُدركه حواسُنا، كتقدم العُمر، وهذا يختلف عليه الناس، وثابت غير متحول أزلي، وهذا يُدركه العقل (الأفكار)، وهذا لا خلاف عليه.
ويُعد أفلاطون أول من أسس للمثالية، فرأى أن العالم خارجي، وداخلي، الخارجي المُمثل في المعرفة (العالم المادي)، والداخلي المُمثل في الأفكار والعقل والحقائق وهو سبّاق على المعرفة والمادة، فكل مادة في عالمنا الخارجي لها مثال واضح في عالمنا الداخلي في عقولنا.
فمثلًا لو أردنا رسم دائرة، فإن لها مثال في عقولنا قبل أن نرسمها على الورق كمادة، فعقلنا صاغها ورسمها وشكلّها قبل أن تُشكل في الخارج، وكل ذلك ليُثبت من خلاله أن (المثال) أي العقل وحقائقه ثابته لا تتغير وهي تتضمن الأخلاق وأعلاها قيمة الخير.
فلا تتجزأ كما ادعى السوفسطائيون، أما المعرفة أو (الماثل) المادة في عالمنا الخارجي فهي على حسب إدراكنا ورؤيتنا.
وقد آمن بتناسخ الأرواح، وورثها لديانات وفلسفات الشرق جميعها، كما أنه أشار لوجود القوى الروحية الناتجة عن القوى الإبداعية الأزلية التي خلقت من عالم المثالية والمادة عالمًا متناغمًا بينهما، الوسيط فيه هو الروح التي لابد وأن ترقى بالإنسان نحو الآفاق.
ومن أشهر كتبه: الجمهورية، وفيها تخيله عن المجتمع المثالي الذي يطمح إليه.
كان أرسطو أحد فلاسفة اليونان – معلم البشرية – أكثر تلاميذ أفلاطون تأثرًا به وتأثيرًا في العالم جملة وتفصيلا، وبنى معلم البشرية تفسيراته على الحقائق المكتسبة من التجربة الحياتية، وهذا اتجاه يختلف عن أسلوب أستاذه الذي فضّل منهجًا متجاوزًا للمحسوسات.
أثبت أرسطو والذي كان من عظماء فلاسفة اليونان مقدرة كتابية خصبة ولغوية مبدعة، حيث أعاد صياغة وهيكلة المفاهيم السائدة في معظم مجالات المعرفة في الوقت الذي كانت فيه الخبرة بالمعارف البشرية تسبح في العموميات.
قام أرسطو بترتيبها في أصناف مستقلة؛ كالأخلاقيات، علم الأحياء، الرياضيات، والفيزياء – وهو التقسيم الذي ما يزال مُتبعًا ليومنا هذا، أشهر كُتبه الأورغانون، وهو مُلخص أفكاره وآرائه المنهجية.
هنا نكون قد عرضنا لكم أهم وأشهر فلاسفة اليونان وأهم الأفكار الفلسفية التي غيرت البشرية.