سافرت صديقتي داليا مع أسرتها إلى جمهورية رواندا بوسط شرق إفريقيا؛ لقضاء إجازة أعياد الكريسماس، وحكت لي عجائب وطرائف هذه الدولة. فبينما كانت كل معلوماتي أن روندا وأحيانًا يطلق عليها اسم «الأرض ذات الألف تل» وتقع بأكملها على ارتفاع عالٍ، أنها ظلت تعاني لفترات طويلة من الاستعمار الألماني والبلجيكي ثم حرب أهلية ضارية دارت بالبلاد في التسعينيات وأدت إلى مقتل حوالي مليون مواطن! وكانت تعاني من حروب ومجاعات وفقر مدقع، لكن ما سمعته من صديقتي أذهلني ..فقد حكت لي أن رواندا تلك الدولة الإفريقية الصغيرة فقيرة الموارد الطبيعية التي خرجت من حروبها مجرد بقايا دولة لم تستسلم لأزماتها الأمنية والاقتصادية، بل عملت على بناء المؤسسات، إلى أن أصبحت الآن تسجل مستويات منخفضة من الفساد مقارنة بالدول المجاورة لها ؛ حيث جاءت في الترتيب الـ52 من إجمالي 180 دولة عالميًا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021، ليس هذا وحسب بل تتميز تلك الدولة بوجود أغلبية نسائية في البرلمان تصل إلى 55%.
وقد حققت قفزات اقتصادية سريعة، إذ وصل متوسط معدل النمو الاقتصادي المتحقق بها خلال العقد الأخير نحو 6.5%، لدرجة أنه أصبح يطلق عليها أنها من دول النمور الإفريقية الصاعدة أسوة بدول النمور الآسيوية الصاعدة، ورغم افتقارها للموارد الطبيعية والسواحل الشاطئية باعتبارها دولة حبيسة، إلا أنها اعتمدت بشكل كبير على قطاع السياحة سريع النمو؛ حيث مثلت إيراداتها من السياحة ما نسبته ثلث إجمالي صادراتها، وحوالي 40% من الدخل الإجمالي لها، وبفضل ترويجها العالمي الناجح لزيارتها، ازدادت أعداد السائحين لأكثر من 1.6 مليون سائح في العام 2019، مقابل 664 ألف سائح عام 2009، وقد صنفت مدينة كنغالي العاصمة كأجمل مدينة في إفريقيا عام 2015.
وعرفت أن رواندا مازالت كغيرها الكثير من الدول الإفريقية جنوب الصحراء تمتاز بانتشار الزراعة القائمة أغلبها على زراعة الكفاف. وهي زراعة يركز فيها المزارعون على زراعة الأطعمة التي تكفيهم لإطعام أنفسهم وعائلاتهم. كما تعد القهوة والشاي من أهم الصادرات السلعية لرواندا.
وأجمل ما لفت اهتمامي في رواندا أن الموسيقى والرقص جزء لا يتجزأ من الثقافة الرواندية، ولا سيما الطبول والرقص الداخلي عالي التصميم، كما تنتج الفنون والحرف التقليدية في جميع أنحاء البلاد.
ومن وجهة نظري، إن الجميل في رواندا أنها استطاعت أن تخلق لنفسها نوعًا فريدًا من السياحة، فمع انقراض الأسود في رواندا في أعقاب الحرب الأهلية في عام 1994، تعلموا من أخطائهم وأخذوا يحافظون بشكل كبير ومذهل على الغوريلا الجبلية، وتم إدراج الغوريلا الجبلية على أنها مهددة بالانقراض في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.
واستثمرت ذلك بأنها أنشأت حديقة البراكين الوطنية كموطن لأكبر عدد من الغوريلا الجبلية في العالم، ودعت العالم لزيارتها، ويدفع الزوار أسعارًا عالية للحصول على تصاريح تتبع الغوريلا. ويقومون بزيارتها بأمان، ولكن بعد عمل مسحة؛ للتأكد من سلبيتها وعدم حمل الزائر لفيروس الكورونا. ويتراوح عمر الغوريلا عادة ما بين 35 و40 عامًا.
والملفت في مقابلة السائحين من قبل موظفي الفندق وفي الأماكن السياحية أنهم يطلبون من الوافدين لبلادهم أن ينشروا ويرسلوا الإيجابية عن بلادهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم كقرية صغيرة. وعند إعطاء إكرامية يتعقبها شكر وثناء وكيف هذا سيطعم عائلته لمدة شهر كامل!
وختامًا؛ لم تكن زيارتي لرواندا مجرد إجازة ترفيهية، بل كانت درسًا لي لنموذج دولة استطاعت توظيف مواردها المحدودة في قطاع السياحة لجعلها أهم مصدر من مصادر الدخل القومي; لما تدره الدولة من أموال كثيرة، وما تسببه في المجتمع من نشاط تجاري ورواج اقتصادي، وهي توفير العملة الصعبة للدولة؛ حيث يقوم السائحون بشراء السلع والبضائع المميزة، ويقيمون في الفنادق الراقية، ويركبون وسائل المواصلات، ويرتادون دور السينما والمسرح; فهم بذلك يؤدون إلى تنشيط التجارة وازدهار حركة الحياة داخل المجتمع.
ونحن هنا في مصر نستطيع أن نستفيد من تجربة تلك الدولة الإفريقية الملهمة، خاصة أن مصر دولة سياحية تمتلك إمكانات جمة، فتتميز بموقع ممتاز في وسط العالم بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وقد جعلها ذلك الموقع ملتقى الخطوط الجوية والبرية والبحرية، وجوها رائع صيفًا وشتاء، ومن مميزاتها أنها ملتقى الحضارات، وبها الكثير من الآثار الخالدة التي تجذب السائحين من مختلف أرجاء العالم.