كتاب الموتى الفرعوني، أو كما أطلق عليه قدماء المصريين «برت إم هرو» بمعنى الخروج للنهار، هو عبارة مجموعة من النصوص المكونة من الصلوات والابتهالات والتعاويذ المصرية المصحوبة برسومات توضيحية، كل هذا ستجده في كتاب الموتى الفرعوني الغني عن التعريف.
توضح طقوس دفن المتوفي والقرابين المقدمة، وترتيب حاضري الطقوس، ووظيفة الكهنة، والتعرف على الأماكن التي يمر بها الموكب الجنائزي، وما يلاقيه بعد لقائه بـ أنوبيس والترانيم التي ُتتلى من أجله، فما هي تلك النصوص؟ وكيف عُثر على الكتاب ومتى تمت ترجمته؟ كل هذا نجيب عليه من خلال مقال اليوم، فتابعوا معنا.
ملوك الفراعنة والحضارة الفرعونية وحضارة مصر القديمة من أقدم الحضارات وأهمها، وصاحبة أعتق الأسرار تحنيط الموتى وتخليد ذكراهم على المعابد والبرديات ونقوشات المقابر، منذ خمسة آلاف عام تقريباً نشأت الحضارة المصرية وامتدت حوالي ألفي سنة، يشق نهر النيل بمائه العذب أرض مصر موفراً الخصوبة ونبض الحياة.
فاستقر بجواره المصري القديم واكتشف مهنة الزراعة، وطفت المراكب على نهر النيل تنقل البضائع والبشر، بالإضافة إلى اعتباره جزء من طقوس الموتى.
أسس المصري القديم حياته بجوار نهر النيل، وعرف ببشرته السمراء كشمس النهار وشعره الأسود كليل بدون قمر، خضعت البلاد إلى القوانين وأمر الحاكم الملقب بالفرعون مثل رمسيس والملكة حتشبسوت، وقتها تولى الحاكم المهام من بعده الوزراء.
كما الأهرامات الثلاث عاش المصريون في شكل هرمي، الطبقة السفلى يسكنها المزارع والعامل، والطبقة الوسطى يشغلها الحرفيين والتجار، وأما على رأس الهرم جلس الملك وعائلته ومن حوله من ملاك الأراضي أصحاب المال والنفوذ، ورجال الدين والأطباء مُنحوا امتيازات خاصة.
كما ذكر في كتاب الموتي أمور كثيرة عن المرأة في مصر القديمة والتي تشاركت مع نهر النيل في الرمز إلى الخصوبة، ومُنحت حق التجارة وحكمت البلاد والجيش، وتُوجت ملكة تتشارك العرش مع زوجها.
يوضع كتاب الموتى مع المتوفي كرفيق يؤمن رحلته إلى العالم الآخر، فقد اعتقد قدماء المصريين بوجود حياة ثانية يبعثون إليها من جديد في صورة ولادة تُعاد فيها أرواحهم للخلود الأبدي.
يحتوي كتاب الموتى الفرعوني على نصوص جنائزية وتعاويذ سحرية كتبها مجموعة من الكهنة واسترشد بها القدماء المصريين في العصر الحديث للدولة المصرية القديمة، تصف تلك النصوص ما تواجهه أرواح الموتى من حساب يؤدي إلى فرض عقاب أو ثواب على حسب أعمالهم الدنيوية.
هناك نسخة متاحة للعرض من كتاب الموتى الفرعوني في المتحف البريطاني، ومتاح طبعات مترجمة يمكنكم الاطلاع عليها، وأبرز مواضيعها التي تعد مادة خام لكُتاب سيناريوهات الأفلام والروايات «مشهد وزن قلب المتوفى»، فكما شاهدنا على جدران المتاحف والمعابد وجود شرح بجانب الرسومات التوضيحية.
تمت إضافة ذاك المشهد إلى الكتاب حيث يجلس الآلهة كما لقبوهم القدماء ناظرين إلى ميزان تحمل إحدى كفتيه قلب المتوفى يرمز إلى الضمير والكفة الأخرى تستقر عليها ريشة.
ترمز إلى العدل والحق وأنوبيس برأس ابن آوى يختبر لسان الميزان الذي تترنح كفتيه حسب حياة الشخص الدنيوية ويقف تحوت بقلم ولوح كتابة يسجل ما يحدث في المحاكمة.
يوم الدفن أو كما سُمي في الكتاب الظهور في النهار، يتم إعداد موكب جنائزي للمتوفي أثناء التوجه به إلى المقبرة أو المثوى الأخير، يوضع الناووس وهو تابوت مصنوع من الحجر في زورق بمجاديف ويُسحب من قِبل الثيران والأبقار وعدد من الخدم الذكور.
يجب أن يمر الموكب الجنائزي بثلاثة مراحل، مرحلة النقل من المنزل إلى النهر، ثم عبور النهر، تليها السير في موكب من النهر إلى القبر.
يشارك في الموكب اثنان من الكهنة، الأول وظيفته الإمساك بقارورة التطهير والمبخرة، بينما الآخر يمسك بأداة سحرية تسمى أور – حقا أداة ثانية لفتح فم المتوفى على شكل السهم، كما يوجد قارئ أو منشد ممسكاً بلفافة بردي يتلو منها الختمة الجنائزية.
بالإضافة إلى مساعد يحمل فخذ ثور كنوع من القرابين ويضاف إلى القربان ثور وعجل وأعشاب وبقول وفاكهة، كما تتواجد نساء نائحات يلطمن وجوههن في حياتنا الحالية بعض النساء من أهل المتوفي يفعلن ذلك تعبيراً عن حالة الحزن الشديدة.
يرجع أصلها إلى القدماء المصريين والزوجة والأبناء على رأس الموكب، أثناء السير يتلون أغاني المديح والتمجيد والترانيم الجنائزية التي يمكنكم الاطلاع عليها في كتاب الموتى الفرعوني.
لقد أتيت لكم أيها الأمراء العظام الذين في «رستاو» و أحضرت إليكم «أوزوريس – آني» حتى تهبوه أن يكون من أتباع «حورس» وتضمنوا له الكعك والماء والهواء والمستقر في «سخت – حتب».
يعد الكتاب دليلاً على طريقة تحضير الموتى لحياة ما بعد الموت، دُونت على ورق البردي وشُرحت بها مجموعة من النصوص والصلوات والحكايات والنصائح، وعُثر عليها في القبور بجوار المومياوات وخاصة مقابر الملوك والأعيان؛ ظناً منهم أنها تساعده على الانتقال إلى النهار الجديد نهار ما بعد الموت.
يعتبر الكتاب مرجع هام للمهتمين بحياة وعادات ومعتقدات القدماء المصريين، فهم تعاملوا مع الموت على أنه بوابة عبور من حياة فانية إلى حياة خالدة وليست نهاية أبدية.
اللافت في الأمر هو عثور المستكشفين على نسخ ممزقة أدت إلى اختفاء المقاطع الأولى والأخيرة في البرديات، لذا كثفوا جهودهم من أجل توحيد النصوص ومعرفة ما تحتويه المقاطع الممزقة، صادفهم الحظ عندما عثروا على نسخة أكثر اكتمالاً تم أخذها ووضعها في متحف تورينو الإيطالي،و
كما أن أول من قرأ الكتابة الهيروغليفية بطريقة صحيحة هو الباحث الألماني رز ليبسينس، ووضع الكتاب تحت اسم «كتاب الموتى لدى المصريين»، بينما من ترجمه هو الألماني إميل بروغش، ومن بعدهم جاء العالم الإنجليزي بدج وقام بنشر النصوص وترجم بردية «آني».
كُتبت النسخة الأصلية بالحروف الهيروغليفية، ثم بلغتين تفرعت من اللغة الأصلية الحيراتية ثم الديمونية مما يعكس اهتمام القدماء المصريين بتطور اللغة، وحتى وقتنا هذا ما زالت الترجمات والأبحاث متوالية.
الجلال لك أيا ملك الملوك سيد السادة أمير الأمراء من رحم نوت لقد حكمت العالم وإخرت يا من جسدك من الذهب ورأسك من اللازورد والضوء القرمزي يحيط بك.
يوضح كتاب الموتى الفرعوني إعطاء الموت أهمية كافية ورؤيته على أنه جزء لا يتجزأ من الحياة، فكُتبت التعاويذ والتوجيهات لكي تساعد الميت على البعث والانتقال إلى حياته الأبدية التي تتشابه مع حياته على الأرض.
يكمن الفرق بين الحياتين في عدم الإصابة بالأمراض، والتمتع بصحة جيدة لا يشيخ فيها، وعلى عكس قدماء المصريين لم تتبنى الشعوب الأخرى فكرة الخلود وتخيل المعيشة في الآخرة بعد الموت.
أما عن الثواب والعقاب يُصنف على حسب الأعمال الصالحة في الدنيا، مثل مساعدة الأغراب وتقديم القرابين والامتناع عن سرقتها، وتلاوة الصلوات ومساعدة الأيتام والأرامل، بمعنى أن تكون حياة صالحة لم يؤذى فيها إنسان أو حيوانات حرم قدماء المصريين مهاجمتها.
في إحدى حلقات برنامج العلم والإيمان تحدث الدكتور مصطفى محمود عن كتاب الموتي الفرعوني، وأكد على أنه إثبات على توحيد قدماء المصريين وعبادتهم إله واحد، واستشهد بنص يخاطبون فيه الخالق سبحانه وتعالى يقولون فيه:
أنت الأول و ليس قبلك شيء، وأنت الآخر و ليس بعدك شيء، كما أحد على وجوب إعادة صياغة الكتاب وإثبات الأمر.
في النهاية، نرجو أن تكون أصبحت الآن على دراية كبيرة بما يحويه كتاب الموتى الفرعوني من أسرار قدماء المصريين، كما ويوضح لك كتاب الموتى مدي تقديسهم للحياة الأبدية وسعيهم إلى التطور، ونظرتهم المختلفة عن الشعوب الأخرى آنذاك إلى أكثر ما يخشاه الإنسان.