يشعر الفرد بمسؤولية كبرى ، فى العموم ، حين يتعين عليه اختيار كتاب للقراءة و تثير هذه المهمة فى نفسه – و نفسى ايضًا – توتر خفى: ماذا اذا لم يكن اختيارى موفقًا؟ ماذا إذا تعين عليّ البدء من جديد و اختيار كتابًا آخرًا لأن الأول لم يكن مناسبًا؟ و تصبح المهمة أشبه بالكابوس فى فصل الصيف.
ينتابك شعورًا بأن أحدًا ما يحمل جهاز تحكم و يعبث بإعدادات سير الأحداث و يجعلها بالحركة السريعة و تشعر أن كل شىء يسابق الشىء الذى بجانبه ( و هل يجب علينا حقًا أن نذكر حرارة الجو؟ ) فتثقل كل المهمات و لا يسعك أن تقضى ساعة أخرى من وقتك لتبديل هذا الكتاب أو ذاك فتجد نفسك مضطر أن تواصل رحلتك مع أي كتاب كان.
و لكن بالنظر إلى التقويم و تاريخ اليوم ، لا يجب أن نقلق حيال كل ذلك. و إن كانت مهمة اختيار كتاب تثقل أحيانًا فى فصل الصيف فهى تصبح خطرة أكثر فى فصل الشتاء لأسباب مختلفةٍ تمامًا و هى ببساطة أن: تغيرات الجو تزيد من نسب البقاء فى المنزل فتبدو حينها كل الأوقات مناسبةً للقراءة و تزيد شهية القارىء الضعف فيحتاج دائمًا لاختيارٍ جديدٍ كل يومين أو ثلاث.
لهذا السبب أنت/أنتِ هنا الآن. و لا داعى للقلق.
و كما قالت الشاعرة الانجليزية اديث سيتول عن فصل الشتاء أنه
“هو الوقت المناسب للراحة و الطعام الجيد و الدفء و لمسة يد ودودة و للتحدث بجانب النار: إنه وقت المنزل“
اذا سمحت لى فسوف أضيف أن الشتاء ، أيضًا ، هو وقت القراءة و الكُتب. فبهذه القائمة سأقوم بملء قوائمك الخاصة و أيامك الشتوية باختيارات ملائمة للقراءة.
ليست فقط من روائع القرن التاسع عشر ولكنها أيضًا من الكلاسيكيات التى تُدرس حتى يومنا هذا فى المدارس والجامعات لدارسيّ الآدب و اللغات فى كل انحاء العالم.
رواية مرتفعات ويذرينغ بشكل أو بأخر تُضىء فى رأس القارىء كضوء المنارات عندما يسمع اسمها فهى من القصص التى تمر على أغلب مُحبى القراءة حتى و إن لم يلتقطوها يومًا من على رف مكتبة مدرستهم أو جامعتهم أو محالهم المفضلة لبيع الكتب و لكن بالطبع مرت أمامهم فى وقت من الأوقات.
تبدأ أحداث القصة عندما يقرر رجل يُدعى لوكوود استئجار مكان للسكن في ثراشكروس غرانغ ثم يقرر مقابلة مالك المكان – و هو رجل يُدعى هيثكليف – فى بيته الريفي المنعزل فى مرتفعات ويذرينغ.
عندما يصل هناك يُقابل عدة شخصيات تشترك فى كونها غريبة الأطوار و عدائية و لكن على الرغم من ذلك تتم دعوته للمكوث بسبب تغير الجو وسقوط الثلوج ، فتصادفه سلسلة من الأحداث الغريبة أثناء تواجده فى منزل الرجل الغامض هيثكليف .
التى تبعث فى نفسه الرُعب و القلق فيضطر للمغادرة فى الأجواء السيئة ليقع طريح الفراش بعد وصوله إلى منزله مما يحفز شعوره بالملل فتقوم مدبرة المنزل – أثناء فترة تعافيه – بإخباره قصة مالك المكان و عائلته الغريبة.
من الصعب الإلمام بحبكة القصة من خلال التلخيص فهو يعتبر خادع قليلًا. البعض شبّه أبطال روايتنا بروميو و جوليت و البعض الاخر اعترض على هذا التشبيه و قال كيف لشخصيات مثل تلك أن تُقارَن برقة و عاطفة روميو و جوليت تجاه بعضهم؟ و فى الحقيقة لا يوجد وجه مقارنة بين هذه القصة و غيرها من قصص الحب و الأخوة و الصداقة و العائلة.
فهى تعالج الأربع مواضيع و لكن بشكل غريب و من وجهة نظر مختلفة و سوداوية بشكل ما.
و ليس فقط التلخيص هو الخادع عنوان القصة ايضًا. فأول ما يلفت نظر القارىء بالطبع هو العنوان و لكن لا داعى لأن تجهدوا أنفسكم فى البحث عن موقع مرتفعات ويذرينغ لأنها مكان خيالى من صنع الكاتبة ايميلي برونتي و لربما اختلقت هذا المكان لتُضفي عليه سمات خاصة داعمة لجو قصتها.
فمرتفعات ويذرينغ مكان غامض و مُنفر و يغلب عليه الظلام فى معظم الأوقات و الذى يُذكرنا بالأجواء القوطية أو “gothic” باللغة الانجليزية.
و من الطريف أن الأجواء القوطية غالبًا ما تحدث فى فصل الشتاء. فنجد سقوط الثلوج و الأمطار و سيطرة الأضواء الخافتة و المنازل و المواقع الغامضة المنعزلة فيمكن بكل سهولة إدراج قصتنا فى قائمة الروايات القوطية و ادراجها أيضًا فى قائمة الروايات الملائمة لفصل الشتاء.
مرتفعات ويذرينغ تجمع بين الخيانة و الحب الميؤوس منه و الحقد و الغيرة و الفروق الطبقية و الاعتلالات النفسية التى ينتج عنها كل ما ذكرناه.
صدرت رواية مرتفعات ويذرينغ لأول مرة عام ١٨٤٧ تحت اسم مستعار “اليس بيل” حيث لم يكن من المتعارف عليه أن تعمل النساء ككاتبات فكانوا يقمن بنشر أعمالهن تحت أسماء رجال.
رواية قوطية أخرى فى هذه القائمة و إن تشابهت رواياتنا فى الأجواء فهى بالطبع تختلف فى الحبكات و المفاجآت.
اُشتهر أوسكار وايلد بكونه كاتب مثير للجدل ( و أيضًا على المستوى الشخصى ) و بالطبع لا تقل أعماله إثارةً للجدل عنه خاصةً رواية صورة دوريان غراي وهي تُعتبر أشهر أعماله.
“دوريان ، منذ اللحظة التي التقيت فيها بك ، كان لشخصيتك التأثير الأكبر عليّ. لقد هيمنت عليّ ، روحًا و عقلًا و قوةً. لقد أصبحت بالنسبة لي التجسيد المرئي لتلك المثالية غير المرئية التي تطاردنا ذكراها كفنانين مثل حلم رائع.”
هذا ما قاله الرسام باسل هالورد عن الشاب فائق الجمال و مُلهم الصورة التى سميت الرواية باسمها والتي تحمل اسم الشاب ذاته دوريان غراي.
بعد تعرف باسل هالورد بدوريان غراي – و الذي هو مضمون لوحته – و نمو صداقتهما تنمو صداقة اخرى بين شخص يُدعى لورد هنرى و دوريان من خلال كون باسل صديق مشترك بينهما. تتوطد علاقتهما و كما سحر دوريان صديقه باسل من الناحية الانسانية يسحر لورد هنرى هو الآخر دوريان من الناحية الفكرية و يبدأ بغرس أفكاره و مفاهيمه و آراءه فى رأس دوريان صغير السن و يقنعه بأن لا شىء يستحق السعى أو التقدير فى الحياة سوى الجمال ولا شىء يستحق الإشباع سوى الجانب الحسى لدى الانسان.
تُسيطر الفكرة على دوريان فتجتاحه الرغبة فى أن يحتفظ بجماله و شبابه إلى الأبد. و بالفعل يقوم دوريان بعقد اتفاق يضمن له الحفاظ على صورته ذاتها التى يراها فى صورة باسل. و لكن ماذا يقدم دوريان فى المقابل؟
تُعتبر صورة دوريان غراي رواية فلسفية من الدرجة الأولى و قوطية و رومانسية من الدرجة الثانية. و لكن رومانسية هذه الرواية ليست بالضرورة تحمل معنى الرومانسية المتعارف عليها و المالوفة.
فبوسع الإنسان أن يجد لمسة رومانسية فى كل شىء إن أراد و يتمثل ذلك فى شخصية باسل هالورد. فهو رسام مرهف الحس يرى كل شىء جميل بعين التقديس إلى حد العبادة فعند تعرفه بدوريان يسحره شبابه اليافع و جماله السارق للعيون و القلوب فيقرر أن يرسم له بورتريه و يصبح أحد أجمل أعماله.
و على الجانب الاخر تُمثل الشخصيات الاخرى – و دوريان معهم – الجانب السوداوي و الصادم من مُقدسيّ الجمال و الملذات. فهى معادلة يصعب توازنها. فهناك من الجمال ما يُفسد و يدنس و يدمر صاحبه.
هذه الرواية مناسبة بشكل كبير للاجواء الشتوية لكونها رواية قوطية ( gothic ) فهذا النوع من الروايات تُبنى أجواءها فى الأساس على أجواء فصل الشتاء فنجد هطول الأمطار و الثلوج و تغيرات الجو المستمرة. و من جانب اخر نجد القصور و المنازل القديمة المُظلمة.
و الجوانب السوداوية من المفاهيم الفلسفية و الفنية و الكثير من الأسرار و الخبايا و عنصر الجريمة و السحر و التى يربطها الكثيرين بلا شك بأجواء فصل الشتاء.
إذا كات شريكك من محبي القرأة اليك افكار هدية مميزة
ننتقل من الجو القوطى إلى السيرة الذاتية المُطعمة بالخيال.
رواية مدار السرطان رواية بطابع خاص لكونها تحكى قصص واقعية ممزوجة بمذاق من خيال و فلسفة الكاتب.
هذا الكتاب لمن لا يفضلون الكُتب القوطية و لكن يريدون قراءة ملائمة لهذه الأشهر.
تدور قصتنا حول شخصية الراوي فهو ينقل لنا كل شىء من خلال نظرته الخاصة. كاتب يعيش في مدينة باريس في منتصف الثلاثينات ينتقل من مكان إلى مكان و من بيت صديق إلى آخر ، ينقل لنا كل ما
يراه و كل ما يراه أصدقاءه و كل ما يمرون به من تجارب و من يقابلوه من أشخاص بعينه هو. لا يملك عمل ثابت أو مأوى فيتجول فى شوارع باريس معانيًا من الجوع والضياع فتشبعه صدقات الغير تارة و الفنون و لهب المدينة الساحرة تارة.
قصتنا عن المهمشين الذين يظهرون عند التقاط الصورة بشكل ضبابي. الفنانين و الكتاب و مُحبى الفن الذين يقفون فى المنتصف. كل من عاش فى المدينة الكبيرة دون أن يُصبح جزء منها.
السيرة الذاتية من أفضل الاختيارات فى فصل الشتاء لعدة أسباب ، أولها: أنها لا تحتوى على حبكة معينة أو سير أحداث معين و عادةً لا يوجد بها تعقيد أو تصاعُد للأحداث – و الذى ينتظره أغلب القُراء و يثير فى نفوسهم شعور بالقلق و نفاد الصبر – فهى تجرى فى مجرىً خاص بها يتسم فى الغالب بالهدوء و الدفء و انعدام وجود ذلك الانفعال.
مما يتوائم و يتماشى مع جو الشتاء الدافىء و الهادىء – كأنك تقرأ مجموعة قصصية عشوائية كل ما يربط بين قصصها هو كونها حدثت للشخص ذاته.
فماذا إذا كانت هذه القصص تَحدُث فى مدينة باريس؟ أعتقد أن ذلك يجعلها أكثر ملائمة بعشر مرات.
انتقل كاتبنا هنرى ميللر إلى باريس فى أواخر العشرينات و مكث هناك لمدة تصل إلى العشر سنوات فغادرها عام ١٩٣٩. و تم إثبات أنه فى هذه السيرة الذاتية يروى الفترة التى قضاها هُناك بالفعل و يقول البعض أن كُل أسماء أصدقاء الراوي هى أيضًا أسماء أصدقاء ميللر الحقيقيين.
صدرت رواية مدار السرطان عام ١٩٣٤ و كان ميللر لا يزال فى باريس فى هذه الفترة. نُشرت الرواية فى باريس ، فرنسا و لكن تم منع نشرها فى الولايات المتحدة الأمريكية ، موطنه ، بسبب جرأتها و احتوائها ، كما كان يقول البعض ، على محتوى صريح و خادش للحياء. و لم يتم طرحها فى أمريكا حتى عام ١٩٦١.
“قد يؤدى الاهتمام الشديد بالأشياء إلى تدميرك. فقط إذا كنت تهتم بشىءٍ ما بشكل كافٍ فإنه يحصل على حياة خاصة به ، أليس كذلك؟”
اخترت هذا الاقتباس بالتحديد لأنه يُلخص روح و فكرة الكتاب بشكل كبير.
من التاريخ السرى إلى الحسون. تتميز روايات دونا تارت دائمًا بكونها علامات استفهام كبيرة. فكيف للكاتب أن يأخذ الفن ليحوله لفن؟ أو يأخذ أسطورة ليحولها لأسطورة جديدة؟ دونا تارت بالطبع تستطيع.
ثيو ديكر ولد يبلغ من العُمر ثلاثة عشر عامًا. يمر بتجربة مؤلمة يخسر فيها والدته ، العائلة الوحيدة التي يملكها فتتطوع عائلة صديق ثيو باستضافته فى منزلهم فى بارك افينيو بعدما أصبح يتيمًا. يتخبط ثيو نفسيًا و يشعر بالاغتراب بين أسرته الجديدة و بانعدام هويته فلم يعد يرتبط بماضيه سوى بشيء واحد. لوحة.
تقع يدا ثيو على هذه اللوحة فى ظروف غريبة و بشكل ما تصبح هى الشىء الوحيد الذى يملكه والذي يحمل روح أمه بداخله. يصنع ثيو حياةً خاصةً لنفسه و لكن تصنع اللوحة أيضًا حياةً لذاتها ليقع ثيو فى مجال جذبها. تدور الأحداث فى مدينتيّ نيويورك و أمستردام.
يُخيم على جميع أعمال دونا تارت حُب للفن و التاريخ و اللغات فى العموم خاصةً الأساطير اليونانية ( الإغريقية ) و غالبًا ما تختار الحوادث الغامضة و ذات الجانب الفلسفي والفكري الغريب و المُظلم من كل هذه الأشياء.
استغرَقت الكاتِبة حوالى عشر سنوات لتنتهي من كتابة هذه الرواية. و لوحة الحسون هى بالفعل لوحة حقيقة و موجودة فى متحف ماورتشهاوس في لاهاي فى هولاندا. و هي لوحة لفنان العهد الذهبي الهولندي كارل فابريتيوس. و تعود لوحة الحسون إلى عام ١٦٥٤.
بشكل عام تشتهر دونا تارت بين أوساط مُحبى الأجواء المُظلمة و السرية و الغامضة و كذلك مُحبى الجريمة. فنجد أن أغلب أحداث كُتبها تحدُث فى فصل الشتاء أو الخريف و نجد إنتشار سقوط الثلوج و الأمطار.
حتى شخصيات كُتبها ، دائمًا ما تصنع طقس يُعبر عن طبيعتهم فنجد أن ثيابهم أيضًا تتماثل مع الأجواء العامة للكتاب ( و مع فصل الشتاء ) مثل المعاطف السوداء الطويلة و البدلات و السترات الصوفية. علاوة على ذلك فإن أبطال دونا تارت فى أغلب الأوقات يكونوا مُحبين للدراسة و العلم و الفن و اللغات و أجواء الدراسة ترتبط فى ذهن القارىء دائمًا بفصل الشتاء.
لذلك إذا أراد قارئي أن يعزز من أجواء الشتاء من حوله و أن ينغمس بها أكثر فعليه بالطبع بروايات دونا تارت.
صدرت رواية الحسون عام ٢٠١٣ و بيعت ثلاث ملايين نسخة منها.
لأن من المهم ان تعمل علي نفسك طوال الوقت، إقراء ايضاً كتب ستؤثر و تغير فيك