العلم يرفع بيتاً لا عماد له … والجهل يهدم بيت العز والشرفِ
أبو العلاء المعريّ
عند البحث تجد كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية، لو تساءل أحدنا عن فضل الغرب على العالم، لما استطاع السامع أن يجهل ذلك الأمر المحسوس والظاهر حاليًا، ولذكر البعض لنا كتابات في الفلسفة والمنطق والفيزياء والفضاء صاغها وسبر أغوارها كُتاب غربيون كُثر.
أما لو تساءل أحدنا عن فضل العرب على الغرب بل وعلى العالم بأكمله، فقد يعترف البعض بذلك الفضل –دون علم بنوع الفضل- وقد يجحد البعض الآخر أن يكون للعرب فضل على الغرب والعالم، لما يُعانيه عرب اليوم من أقصى حالات الضعف والتردي.
ولمّا كانت الحضارة عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات، لا يستأثر بها ركن دون آخر، كان علينا ذكر فضل أجدادنا على العالمين، وكان علينا أن نردّ بعض شبهات الجاهلين، الذين عيرونا بسوء المصير، وظنوا أننا خُلقنا وجُبلنا على حالنا المرير.
ودون بحث أو تقصي تشفى الجاحد في حالنا، ونسيّ ما قدمه أجدادنا، وقد عزمت على كتابة مقال يذكر بعض ما قدمه العرب للبشرية من أفضال لا تُعد ولا تُحصى في شتى العلوم والمعارف. فشأن الغرب والعالم بأسره تجاه العرب كشأن المتنبي حين مدح سيف الدولة الحمداني قائلًا:
“متى أحصيت فضلك في كلامي … فقد أحصيت حبات الرمالِ”
وفي ذلك المقال سأذكر لكم قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية ، ولكن عليك أن تعلم أن المقال يقدم نقطة من بحر فسيح، فمن الصعب ذكر ما قدمه العرب ولو في مئات المُجلدات والمؤلفات.
لِما قدموه طوال الألف سنة، حتى كانت الحضارة العربية مغنمًا للشعراء الذين تغزلوا بها وبإسهاماتها، فهذا جوتة يفتتح الكلام عن حضارة العرب ويقول:
رائع هو الشرق.. “
القائم خلف الحوض المتوسط..
فالذي يحب –حافظًا- ويعرفه..
يعلم وحده ما أنشده –كالدرون-..”
أول كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية هو مقدمة ابن خلدون؛ وهي مقدمة لكتابه الشهير العِبر، وبفضل ذلك الكتاب الذي شمل شتى المعارف المُختلفة رُفع مقام ابن خلدون لمصاف العلماء الكبار البارزين.
فقد تناول في الكتاب: التاريخ والفقه والسياسة والعمران، وفي العمران قسمه إلى عمران بدوي وحضري مدني، مما جعل من ابن خلدون هو المؤسس الأول لعلم الاجتماع.
وقد قام ابن خلدون بتأليفه عام 1377م، ويحتوي الكتاب على ستة أبواب؛ الأول يتناول العمران البشري بأنواعه، والثاني عن العمران البدوي، والثالث في أنواع الدول والخلافة والمراتب، والرابع في المجتمع الحضري، والخامس في الصنائع المختلفة التي يمتهنها البشر، والسادس في العلوم البشرية بأنواعه.
وبفضل ذلك العظيم علق أرنولد توينبي، مستعيرًا كلمة المقريزي:
“عمل لم يقم بمثله إنسان في أي زمان ومكان”.
ثاني كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية هو لمجموعة من العُلماء الذي اجتمعوا على طلب العلم والتزهد في الدنيا، إلى أن أنكروا أنفسهم وأسماءهم، وتسموا بـ إخوان الصفا وخِلان الوفا، ولهم ما يربو على 51 رسالة علمية.
فهم أول من ألفوا الرسالات العلمية، وشملت رسائلهم كل الميادين من الفلك إلى الدين والتاريخ والسياسة فالفلسفة والمنطق والأحياء فهم أول من تحدث عن مسألة النشوء والارتقاء.
ويكفي أن تعرف أن كارل يونغ مؤسس ورائد علم النفس الحديث تأثر في تصنيف شخصياته بكتابات هؤلاء الناس، خاصة الرسالة التاسعة تحت عنوان رسالة تهذيب الأخلاق.
ثالث كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية هو كتاب قيم وعظيم، لم يلقَ ما لقيه مقامات الحريري من نفس السيط والشهرة، يحتوي على 50 مقامة من أصل 400 مقامة
وذلك أن الرسالة رقم 167 ضاع أغلبها، إلا أن تلك المقامات كانت كافية لتصور بلاغة العرب وطرافة المواقف؛ كالمقامة الحمدانية التي يصور فيها مساجلة عقدها سيف الدولة لوصف فرس، والمقامة المارستانية التي صور فيها مجنونًا يصب جام غضبه على المعتزلة.
والمقامة الجاحظية التي وازن فيها بين الجاحظ وابن المقفع، والمقامة المُضيرية التي اشتملت على الكثير من مفردات الحضارة، وقد قام “الهمذاني” بتأليفها لأمير سجستان خلف بن أحمد، وقد خصه بست مقامات منها.
وهو من ضمن كتب لتحسين اللغة العربية لا يفوتك قرائته فهو من أهم الكتب التي ألهمت الكثير منا.
رابع. كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية صاغه الإمام الظاهري ابن حزم الأندلسيل في ثلاثين بابًا، عالج فيه مسألة الحب من النواحي النفسية والإنسانية، ويبدأ كتابه بعلامات الحب من نظرة وابتسامة واهتمام.
ويضم الكتاب بين دفتيه العديد من القصص والأشعار لأناس وقعوا أسرى للغرام، ومن تلك القصص ما هو حب عفيف عذري ومنه الفاحش البغيّ.
وإليك مطلع خطبته العصماء في الحب، والتي افتتح بها كتابه:
“الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين كثير”.
خامس كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية من أفضل كتب العلامة اللغوي المُعتزلي الجاحظ، والذي يعكس روحه الساخرة، وخفة ظله، وفكاهته الظاهرة، حين جمع قصص وأخبار البُخلاء في البصرة وخراسان.
ليتعظ الناس من البخل والإسراف، وقد تُرجم ذلك الكتاب الأدبي اللغوي العظيم إلى العديد من اللغات وعلى رأسها الفرنسية تحت إشراف المُستشرق كلود كاهن.
ويعد الكتاب من افضل كتب ملهمة للبدء من جديد لمؤلفه وملهم الأجيال الجاحظ.
سادس كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية هو كتاب لشيخ الرحالة العرب أبي عبد الله محمد ابن بطوطة، وقد لقبته جامعة كامبريدج بـ أمير الرحالة المسلمين.
وقد أملاها على القاضي ابن جزي بالمغرب بعد أن فرغ من رحلته؛ والتي انطلقت من طنجة إلى مصر حيث الإسكندرية ثم بلاد الحج فاليمن، ثم الهند بعد أن ركب البحر، وتعامل مع التتر وعاين حياتهم وسجل عنهم، ثم عاد إلى المغرب ليصعد شمالًا صوب الأندلس ثم يهبط نحو إفريقيا وبلاد السود هناك حيث الحاكم المسلم منسي موسى.
وقد جاء في خاتمة الكتاب:
“انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ أبي عبد الله محمد بن بطوطة، أكرمه الله. ولا يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحال العصر. ومن قال: رحال هذه الملة لم يبعد”().
جُمع ذلك الكتاب تحت اسم تُحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، وتم ترجمته للعديد من اللغات وأولها اللغة الفرنسية سنة 1853م على يد يفر يمري، وقد علق جوستاف لوبون الفيلسوف والمستشرق الفرنسي على رحلات ابن بطوطة والتي شملت أغلب العالم القديم المعروف وقتذاك:
“فرياداتٌ كالتي أتاها تكفي لتمجيد من يقوم بها في زماننا أيضًا”.
سابع. كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية يُعد أعظم كتاب في الطب بعد كتاب أبقراط، بل وظل كتاب ابن سينا أهم مرجع بل والمرجع الأوحد في الطب حتى أواخر القرن السابع عشر في الدول الأوروبية وقد قال ابن سينا عن السبب وراء تأليف ذلك الكتاب:
“فقد التمس مني بعض خلّص إخواني، ومن يلزمني إسعافه بما يسمح به وسعي أن أصنف في الطب كتابًا مشتملًا على قوانينه الكلية والجزئية اشتمالًا يجمع إلى الشرح والاختصار وإلى إيفاء الأكثر حقه من البيان الإيجاز فأسعفته بذلك”.
وقد تُرجم أول الأمر إلى اللاتينية على يد جيرارد كريمونا بترجمة الكتاب إلى اللاتينية باسم Canon medicinae
وظل الكتاب المرجع الرئيسي حتى أواخر القرن السابع عشر، وكان مقررًا في كليات الطب، وتم اعتباره أحد أهم الظواهر الفكرية في جميع الأوقات، وقال عنه وليام أوسلر أن القانون في الطب ظل الكتاب الطبي المقدس لمدة أطول من أي كتاب آخر.
ثامن كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية هو كتاب مصدره الحكايات والأقاصيص الشعبية العربية، والتي تحكي عن الحاكم الجبار شهريار وزوجته شهرزاد التي تحكي له كل ليلة قصة جديدة لتحمي رقبتها من البتر بسيف مسرور الجزار.
يُع الكتاب وقصص ألف ليلة وليلة أقدم منبع من منابع الخيال في العالم كله، وأصل الحكايات شرقية؛ بعضها عربي والآخر فارسي، وفيه رموز ودلائل كثيرة، وتتشابه أقاصيصه مع أقاصيص الخليفة العباسي هارون الرشيد.
ترجمه أنطوان غالان إلى الفرنسية عام 1704 ثم تمت ترجمته إلى الإنجليزية عام 1706 باسم ليالي عربية وحتى الآن يتم قراءة هذا الكتاب بكل اللغات.
تاسع كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية هو حي ابن يقظان. بين الصوفية والفلسفة تشكلت نواة رواية ابن يقظان، فتحكي عن عائلة تخلت عن رضيعها ليعيش في رعاية ظبية، وحين يكبر يبدأ في البحث عن ذاته وعن معنى للحياة ووجوده.
لينتهي به المطاف بالتعرف على الروح والإله، وتلك الرواية العربية أول من صاغ حبكتها كان الفيلسوف ابن سينا ثم السهروردي، ثم ابن طفيل انتهاءً بـ ابن النفيس، ولكنها ارتبطت في الأذهان بابن طُفيل الفيلسوف الأندلسي أكثر.
وقد ألهمت تلك الرواية العديد من المُفكرين والكُتاب في العالم، كـ دانيال ديفو في روايته روبنسون كروس.
عاشر كتاب معنا في قائمة كتب عربية ألهمت الحضارة الغربية هو كتاب من قِبل أبي الفيزياء الحديثة ورائد علم المنهج العلمي الحديث ابن الهيثم، من أهم الكتب في تاريخ علم البصريات وتطوره.
وضع فيه أسس البصريات الفيزيائية الحديثة، وغير من طرق فهم الضوء والرؤية. وقد ألفه ابن الهيثم خلال إقامته الجبرية في مصر في سبعة أجزاء.
مازال هناك العديد من الكُتب، ولكن المقال لا تستوعب كلماته حصر وشمل كل تلك الكتب التي تسببت في خلق حياة جديدة للعالم الغربي، بعد أن كان قابع في ظلمات الجهل بعيدًا كل البُعد عن نير التطور والتقدم.
فكُتب ابن رشد كـ شروح أرسطو استعان بها فريدريك الثالث للقضاء على توغل الإقطاعيين في الحياة السياسية والعامة، وكُتب ابن البيطار في الكيمياء، وكتاب التصريف لمن عجز عن التأليف لـ عباس الزهراوي الذي أفاد الجراحيين بل ووضع أسس ذلك العلم، فقد كان ذلك الكتاب ركيزة أساسية لكل طبيب جراح.
فذلك المقال ليس إلا لذكر نقطة من بحر المعرفة العربية الدسمة، التي أضاءت العالم بنيرها الجليّ الواضح، الذي لم يخفت إلا مع تشرذمنا وتشتتنا.