كريستوفر كولومبوس في رحلة بحثه الدائم والدؤوب عن العوالم الجديدة والأرض التي لم تطأها قدم بشر انطلقت رحلات الرحالة الإيطالي الشهير وسط أمواج المحيط الأطنطلي الهائجة للبحث عن طريق جديد يقوده نحو الهند بدلاً من عبوره من خلال أرض العرب.
ليكلل رحلاته البحرية التي استمرت أكثر من سبعة أعوام بالنجاح بعد اكتشافه لقارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، فمن هو كريستوفر كولومبوس الذي يسري اسمه في جميع زوايا الكواكب حتى الآن؟ وما هي قصته؟ وحقيقة اكتشافه للولايات المتحدة الأمريكية؟ هذا ما نتناوله سوياً من خلال هذا المقال، فتابعوا معنا.
عند بحثك في كتب السير الذاتية ستجد بالطبع منهم كريستوفر كولومبوس وهو الرحالة الإيطالي الشهير الذي وُلد سنة 1451 في مدينة جنوة الإيطالية وسط بدايات عصر النهضة التي بدأت تطل بأشعتها على أوروبا والتي انطلقت من إيطاليا لتحرر الغرب من براثن الجهل الذي كان قد ظل غارقاً فيه لقرون.
فنشأ كريستوفر وسط بيئة تقدس العلم والعلماء وتدعو للبحث والتفكير وإمعان النظر في الأمور والظواهر الكونية والطبيعية المحيطة.
التحق بجامعة بافيا المكان الذي درس فيه الرياضيات والعلوم الطبيعية، ولطالما كان يتسم بامتلاكه لنفس تواقة إلى السفر والترحال وشق عباب الأمواج الهائجة لاكتشاف عوالم جديدة والتعرف على الثقافات والشعوب الأخرى.
حتى تبلورت وتشكلت لديه الفكرة النهائية والهدف الأسمى الذي طمح إليه طوال حياته ألا وهو اكتشاف طريق جديدة تؤدي إلى الهند واستغلالها في مد طرق تجارية مع الدول الأسيوية بدلاً من طرق العرب أو المحمديين على حد وصفه الذي جاء في مذكراته.
وجدير بالذكر أنه ذهب في أولى رحلاته البحرية وهو في عمر المراهقة وخاض الكثير من المغامرات في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه وجزيرة خيوس اليونانية، وهناك روايات مشهورة كثيرة تحدثت عنه وعن أعماله.
ذهب إلى المحيط الأطلسي سنة 1476 مع أسطول تجاري وكاد أن يفقد حياته خلال هذه الرحلة عندما تعرض الأسطول إلى هجوم على يد القراصنة الفرنسيين الذين أحرقوا سفينته واضطر أن يسبح حتى وصل إلى شواطئ لشبونة في البرتغال.
كانت الهند في ذلك الوقت تمثل كنزاً ثميناً للأوروبيين يتمثل في التوابل والبهارات مرتفعة القيمة والتي كانت تمتلك في ذلك الوقت أهمية كبيرة للعديد من دول العالم.
قد فكر كولومبوس في البحث عن طرق جديدة للوصول إلى الهند، ولهذا فكر في الإبحار غرباً من جزر الكناري بدلاً من الشرق حيث يوجد العرب والمسلمين الذين كانوا يمثلون في هذه الحقبة أقوى عدو للجمهوريات والإمبراطوريات الأوروبية.
تشكلت الفكرة لدى كريستوفر كولومبوس وبدأ يخطط لها بشغف ورغبة عارمة في القيام بها إلا أن طموحاته اصطدمت بصخرة الواقع التي تتحطم عليها العديد من الأحلام؛ لأنه كان يحتاج إلى الدعم المادي الذي لم يكن متوفراً لديه في هذا الوقت، إلى أن وجد ضالته في النهاية وبدأ الاستعداد للرحلة.
لكن قبل ذلك علينا التعرف على الأسباب التي دفعته إلى خوض غمار مثل هذه المغامرة الخطيرة التي كادت أن تودي بحياته في أغلب الأحيان، وتتمثل في التالي:
بدأ كريستوفر كولومبوس في عرض فكرته على العديد من الجهات التي تستطيع تمويل الرحلة وتحمل نفقاتها المادية إلا أنه واجه الاعتراض والرفض في بداية الأمر من مجلس الشيوخ في جنوة وملك إنجلترا هنري السابع، الأمر الذي اضطره إلى إرسال برقية إلى مستشار الملك البرتغالي خواو الثاني.
يعرض فيها فكرته ويمنيه بالمكاسب والكنوز المادية الكثيرة فضلاً عن المكاسب الاستراتيجية التي سيجنيها من هذه الرحلة إذا ما وافق الملك على دعمه ومده بالسفن التي يحتاج إليها، إلا أن فكرته قوبلت بالرفض أيضاً من ملك البرتغال.
وعلى الرغم من الخيبات المتتالية التي تعرض إليها والفقر المدقع الذي بدأ يطل برأسه وينغص عليه حياته إلا أنه لم يفقد الأمل ولم يتخلى عن حلمه وحاول مجدداً عساه يجد من يقتنع بفكرته.
جاء لقائه هذه المرة من ملكي إسبانيا فرناندو الثاني ملك أراغون وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة اللذان أعجبا بفكرته واتفقا معه على منحه 10% من الذهب والبضائع التي سيجمعها من هذه الرحلة بالإضافة إلى منحه رتبة أمير البحار والمحيطات بقرار ملكي.
جهزت له المملكة الإسبانية ثلاث سفن عملاقة مختلفة الأحجام رست في ميناء بالوس دي لا فرونتيرا، وهي:
انطلقت الرحلة الأول لكريستوفر كولومبوس سنة 1492 بمباركات من ملكي إسبانيا والبابا ليبدأ من خلالها تسطير حقبة جديدة في تاريخ البشرية أعادت رسم خارطة العالم ورجحت كفة الأوروبيين على كافة الدول الأخرى.
جاءت أولى اكتشافاته في الثاني عشر من أكتوبر وهي الجزر المعروفة اليوم بجزر الباهاماس وأطلق عليها في ذلك الوقت جزيرة سان سالفادور.
اكتشف بعدها كوبا في الثامن والعشرين من الشهر نفسه لتعود بعدها السفينتن بيتنا ونينيا إلى إسبانيا في السادس عشر من سبتمبر 1492 ووصلت في الخامس عشر من مارس 1493.
عادت السفينتان محملتان بالبشائر إلى ملكي إسبانيا اللذين غمرهما الفرح بالاكتشافات والأراضي الجديدة التي وصل إليها كريستوفر فضلاً عن الذهب الكثير الذي أُرسل إليهما بعد أن حصل كريستوفر على النسبة المحددة له، والجدير بالذكر أنه اعتقد خطأً أنه وصل إلى الهند فأطلق على هذه الأماكن اسم جزر الهند الغربية.
لم تتوقف رحلة كريستوفر عند هذا الحد بل انطلقت مرة أخرى للبحث عن أراضي أخرى لم يتم اكتشافها بعد وهذه المرة تم تزويده بأسطول بحري مكون من 17 سفينة و1500 بحاراً ومحملة بتموين يغطي احتياجاتهم لمدة ستة أشهر.
جاءت هذه الرحلة كسابقتها حيث واصل اكتشاف المزيد من الجزر في شرق أمريكا منها جزر الأنتيل والبحر الكاريبي.
وواصل إبحاره ورحلة بحثه حتى وصل إلى جامايكا في شهر مايو سنة 1494 والعديد من الجزر الأخرى الواقعة بجوار قارة أمريكا الشمالية، وعلى الرغم من أنه لم يصل أبداً إلى الهند إلا أنه لم تحدثه نفسه بهذا الأمر يوماً وظل غارقاً في وهم وصوله إلى قارة آسيا .
بدأ في وضع الخرائط للعالم الجديد الذي يسمى اليوم قارة أمريكا الشمالية وهو الاكتشاف الذي غير ملامح العالم فيما بعد وخلق لنا قوى عالمية تسمى الآن الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يكن كريستوفر كولومبوس أول من وصل واكتشف الأمريكيتين كما هو معروف بين الكثير من الأشخاص الآن، بل هناك العديد من الدراسات التي تؤكد على تواجد السكان الأصليين فيها قبل اكتشافها من قبل كريستوفر.
قد تعرضوا للقتل والذبح على أيدي الغزاة الأوروبيين الذين رافقوا الحملات الاستكشافية، كما تشير بعض الاكتشافات الأثرية أنه لم يكن أول من وصل إليها من أمريكا بل سبقه الفايكنج بحوالي 500 عام، وهناك بعض النظريات الأخرى عن وصول كل من اليابانيين والصينيين والعرب إليها قبل ذلك.
في العشرين من مايو سنة 1506 ميلادياً انتهت مغامرات كريستوفر كولومبس البحرية وتلقفته أيدي المنية إثر إصابته بوعكة صحية حادة، وتم دفنه في إسبانيا دون القيام بالمراسم الجنائزية المعهودة في هذه الحقبة.
وفي الختام نتمنى أن نكون قد وفقنا في عرض مقال اليوم الذي استعرضنا من خلال قصة حياة الرحالة الإيطالي الشهير كريستوفر كولومبوس واستكشافاته الجغرافية في المحيط الأطلنطي.