عزيزي قارئ المقال، ربما تكون حالياً في مرحلة الرغبة في البدء برحلة المطالعة والقراءة، يراودك شغف بالتعرف إلى عالم الكتب الكبير الواسع. ربما أيضاً يدور برأسك الكثير من الأسئلة حول ما الذي يجعل القراءة أمراً ممتعاً؟ ولماذا هناك الكثير من الناس قد أدمنوا عليها ووقعوا في غرامها بشكل كبير؟ إن كانت كل تلك الأسئلة تدور برأسك، فدعنا نساعدك قليلاً بالتعرف على الأسباب التي ستجعلك بالفعل تعشق القراءة وتدمن على مطالعة الكتب، وسنجاوب على سؤالك كيف تحب القراءة.
إن الأشخاص القارئين هم أشخاص في ارتقاء ونمو دائم. فالشخص القارئ بعكس من هم سواه هو دائماً متجدد الأفكار، متطور الشخصية. أنت بكل حرف تقرأه تكتسب معرفة جديدة وتطور جزء مهم في شخصيتك وتوسع آفاق مداركك. لا تبقى عقلية القارئ محدودة وجامدة أبداً ولا يبقى هو ذات الشخص بعد الانتهاء من كل كتاب جديد. القارئ شخص مرن، منفتح على أفكار مختلفة، ومتقبل لعقليات وآراء الغير. هو لا يقف في نفس المربع رقم واحد حيث بدأ، وحيث بقى هناك من لم يحاول أن يوسّع من مداركه ويطور من أفكاره. هو ليس حبيس قالب نمطي محدد، وشخصيته مرنة في التعاملات والمناقشات الحياتية واليومية كونه دائم الاطلاع على أفكار ورؤى جديدة ووجهات نظر مختلفة لكل كاتب يقرأ له. كل ذلك يجعله أكثر جاهزية لمواجهة تحديات الحياة بشكل أكثر انفتاحاً ولديه حلول كثيرة لأية مشاكل أو عوائق تصادفه على طريق الحياة.
الكثير من الكتب من شأنها أن تذهب بك حيث تريد ومتى تريد دون مغادرة مكانك. أنت حين تقرأ تنتقل بين العوالم والأزمنة، تستكشف الحضارات القديمة والحديثة، تزور البلدان وتعبر المحيطات وتسافر آلاف الأميال بين صفحات كتاب دون التحرك من مقعدك. العالم بأسره على أطراف أصابعك التي تطوي صفحات كتب تُحدثِّك عن بلدان جديدة، وعن ثقافة شعوبها وعاداتهم وتقاليدهم وأماكنهم الشهيرة. الكاتب يستطيع أن يأخذك في كتابه إلى أزمنة لم تعاصرها شخصياً، يعود بك في الزمن إلى حقب تاريخية وشوارع قديمة ومقاهي وبشر وأحداث.
يمتعك بوصف تفاصيل فريدة وكأنك ترى تلك الملابس، وتعيش داخل تلك البيوت وتسمع تلك الأصوات وكأنك استقللت آلة الزمن العجيبة. أنت كذلك لست بحاجة لأن تقطع تذكرة باهظة الثمن لتذهب إلى غابات وجبال وأنهار، تتسارع دقات قلبك مع طبول أفريقية حيناً، تعانق أضواء باريس وشوارعها وعطورها حيناً آخر، أو ربما تسير في نزهة قصيرة في أجواء لندن مدينة الضباب وتستشعر لسعة البرد اللطيفة مع شاي المساء فالكاتب سيتكفل بكل ذلك حيث يأخذك مع شخصياته وأحداث كتابه حيث تريد ومتى تريد بلا مشقة مادية أو جسدية.
أثبتت العديد من الدراسات البحثية أن الكثير ممن فرضت عليهم الظروف العيش في وحدة أو عزلة عن الآخرين لسبب أو آخر قد وجدوا في الكتب ملاذاً آمناً ورفقة ممتعة. المغتربون، كبار السن الذين يعيشون وحدهم، الأشخاص المستقلين بحياتهم عن الأسرة في بعض البلدان بسبب ظروف عمل أو دراسة أو ما إلى ذلك، قد ساعدتهم القراءة كثيراً في تخطي الشعور بالوحدة وما قد يترتب عليها من آثار سلبية اختفت باقتنائهم لكتب جيدة ومطالعتها وقت شعورهم بالحاجة لرفقة.
وكما اشتهرت دائماً مقولة أن الكتاب هو خير جليس، فقد أكد محبي القراءة على أنهم بالفعل يجدون في كتبهم صداقات حميمة كونوها مع أبطال رواياتهم وصفحات كتبهم المفضلة وهو ما يجعل القراءة وسيلة رائعة وهادفة ومفيدة للتغلب على شعور الوحدة تحت أي ظرف من الظروف.
بينما أصبحت سمة حياتنا هي السرعة وسادتها الكثير من الضغوطات، وبينما تتسارع وتيرة الأحداث والأخبار من حولنا في كل وقت ومكان فإن القراءة تساعدنا في التغلب على كل مشاعر التوتر والقلق التي من شأنها أن تنجم عن ذلك السباق المستمر في الحياة. الوقت الذي تستقطعه من يومك المزدحم مع كتابك المفضل بعد ساعات عمل طويلة أو بعد مهام يومية شاقة يساعدك على الاسترخاء وتفريغ ذهنك.
القراءة تفصلك عن صخب العالم من حولك وتساعدك كذلك على نوم مريح إذا قمت بقراءة بعض صفحات من كتاب قبل خلودك للنوم.
إن كنت من محبي الكتابة وتواجه بعض الصعوبات أحياناً في ترجمة ما يدور بداخلك إلى كلمات على تلك الورقة البيضاء التي تجلس أمامها لساعات سارحاً في البحث عما تكتب، فإن القراءة ستساعدك كثيراً من خلال الاطلاع على أساليب وتراكيب جديدة وتمنحك الكثير من مخزون الكلمات والعبارات التي يمكنك أن تستخدمها.
هي كذلك وسيلة فعالة جدا لإتقان اللغات والتصريف النحوي والبلاغي وتلافي الأخطاء الشائعة في الكتابة ويُنصح بها لمحبي الكتابة وللطلبة.
إن كنت تعاني من مشاكل مع الذاكرة أو مشاكل مع الحفظ والتركيز، فإن القراءة بشكل مستمر هي حل ناجح وفعال جدا للتغلب على تلك المشكلة. حاول دائماً أن تعود لما تقرأ أكثر من مرة، وقم بقراءته بشكل تحليلي ونقدي حتى تساعد عقلك على تمرين الذاكرة وتشكيل وجهة نظر عن أي موضوع تقوم بقراءته.
اذا كنت تفقد تركيزك بسهولة اقراء مقال كيف لا انسى ما قرأت للاستمتاع بقراءة عالية الجودة.
الكثير من الأشخاص الذين مروا بتجارب حياتية صعبة أو مؤلمة أدت إلى إصابتهم بالاكتئاب قد أكدوا أن القراءة قد ساعدتهم بشكل كبير على تخطي تلك التجارب المؤلمة جنباً إلى جنب مع تلقيهم للعلاج. وأكدت الكثير من الأبحاث على أن عملية القراءة تمنح شعور بالسلام والتشتيت الآمن للعقل المُرهق بسبب أحداث غير مرغوبة، لذلك ينصح الكثير من علماء النفس والطب النفسي باللجوء للقراءة بشكل منتظم لمقاومة مشاعر الحزن والاكتئاب والضغوطات النفسية وإبعاد المريض لبعض من الوقت عن التفكير فيما يؤذيه أو يؤلمه.
عندما تصبح القراءة هواية وعادة دائمة لديك، فإنك تجد نفسك مشترك بعدد كبير من منتديات القراءة ونوادي الأدب والمطالعة، كذلك ستقوم بحضور ندوات وحفلات أدبية ومحافل ومهرجانات ثقافية خاصة بالكتب والقراءة. كل ذلك من شأنه أن يساعدك على التعرف على أشخاص ذوي اهتمامات مشتركة ومن ثم تكوين صداقات جديدة يملأها شغف المطالعة ومتابعة أحدث الإصدارات ومناقشة ما تقرؤون من كتب.
في عصرنا الحالي، أصبح طريقك للقراءة سهلاً للغاية، حيث أتاح التقدم التكنولوجي سهولة الوصول إلى ما تريد. يمكنك دائماً مطالعة الكتب الرقمية على منصات عديدة تتيح مكتبة شاملة وواسعة من أفضل الكتب، كما يمكنك أن تطلب كتابك المفضل من مواقع كثيرة تتيح لك فرصة الشراء عبر الانترنت مع وجود عروض وعضويات تتيح لك خصومات وتوفير كبير. هناك أيضاً تطبيقات الهاتف المحمول والعديد من الوسائل التي يمكنك من خلالها الاطلاع على أبحاث، مترجمات، رسائل علمية والعديد من فروع القراءة الكثيرة دون مغادرة منزلك، وبذلك تم تبسيط الحصول على المعرفة بكافة الوسائل.
وفي ضوء كل ما سبق، نعدك دائماً أنك على موعد مع رحلة ممتعة طالما قررت أن تبدأ في عالم الكتب والقراءة. إنها بالفعل رحلة مشوقة للغاية، لن تنساها ما حييت وستجد أنك بمرور الوقت قد أدمنت عليها بالفعل وأصبحت جزء لا يتجزأ من حياتك وشخصيتك، و نتمى أنك قد عرفت كبف تحب القراءة.
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة