في كل عصر حظيَّت الكتابة بعدد من كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، إما من حيث الأفكار أو التوقعات والرؤى، ولو قمنا بحصر هؤلاء فلن نستطيع، فمثل هؤلاء يُعد فلا يُحصى، ولذا، كان من الواجب أن نحاول إبراز أشهرهم، أو بعض النماذج المشهورة منهم.
نقدم لك في ذلك المقال عددًا من كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم بكل معنى الكلمة، بل وأثروا في الحياة الأدبية والعلمية في العصور اللاحقة.
أدرجنا أسماء كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم وقُمنا بإدراجها هم مجموعة من الفلاسفة، وليس فقط مجموعة كُتّاب، بل وحظيت أعمالهم كلها بكم من التساؤلات الفلسفية التي لا تنضب أبدا.
أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي، من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، المُلقب بحجة الإسلام وزين الدين الطوسي الفقيه الشافعي، لم يكن للطائفة الشافعية في آخر عصره مثله، كان صاحب منهج متصوف، وكان أول من أنشأ الخانكة، وهي مقر للتعبد والتصوف والتزهد عند تلامذته.
له العديد من الكُتب التي حظيت بقبول واسع، ومنها كتاب إحياء علوم الدين الذي شمل فيه أمورًا شتى، من الفقه والشريعة إلى الفلسفة، فلم يترك مجالًا إلا وبحث فيه، حتى قيل عن ذلك الكتاب: من لم يقرأ الإحياء فليس حيًا.
وقد اشتغل بدراسة الفلسفة فترة من الزمن إلى أن انتهى أن الفلسفة والدين قد يجتمعان في نقاط ويختلفان في باقي النقاط كلها، بل ورأى أن الفلسفة من الممكن أن تكون في أغلبها ضد الدين، ولم يكن ذلك الرأي موجهًا للفلسفة ككل وإنما للفلسفة الدهرية وقتها، وهي التي تدعي أزلية الكون، وتشكك في العديد من الثوابت الدينية.
لكنه الغزالي هاجم العديد من الفلاسفة ومنهم ابن سينا، ووضع كتابه الأشهر تهافت الفلاسفة الذي أخذ يُفند فيه كل الحجج الفلسفية ويُناقشها.
بعد عصر الغزالي أتى الإمام والفقيه ابن رشد الذي كان مختلف الرؤية عن الغزالي، فالأخير كان رجعيًا أصوليًا أحيانًا، أما الأول ابن رشد .
فهو صاحب رؤية تقدمية فلسفية تجلت في رأيه عن الفلسفة بأنها ابنة الدين الصُغرى، وأن الفلسفة والدين لا يفترقان وليسا ضدين، ووضع كتابًا يرد فيه على كتاب الغزالي بعنوان تهافت التهافت وقام بتفنيد مقالة أبي حامد مُدافعًا عن الفلاسفة وعلم الفلسفة كأحد أهم أركان العلوم الإنسانية.
وللتنبيه، استطاع الإمام أبو حامد الغزالي والذي كان من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، أن يؤثر على اللاحقين، وخاصة أهل أوروبا، وعلى رأسهم ديكارت صاحب كتاب مقال في المنهج الذي كان متأثرًا فيه بكتب الإمام الغزالي.
الشيخ الرئيس، العالم الطبيب، الفيلسوف والفقيه، إمام العلم والعلماء، الفيلسوف الرابع بعد سقراط وأفلاطون وأرسطو،ومن منا لم يسمع عن كتب ابن سينا، فهو من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، لم يُعرف في قدره أحدٌ، لا في الأقدمين، ولا اليوم، حتى يوم الدين.
كان ابن سينا من مواليد بلخ في نواحي بخارى في قرية خرميثنا، تعلم القرآن وحفظه صغيرًا، وأخذ من الأدب والشعر، والطب، والفلسفة، وحين شبّ عوده، أخذ يُعالج الناس تأدبًا لا تكسبًا.
وكان سنه وقتها 16 سنة، وكان يُطالع كل العلوم، وحين تقف مسألة عليه، كان يتوضأ ويتجه صوب المسجد يدعو الله أن يفرجها ويحل عقدتها.
وقد ألف رحمه الله العديد من الكُتب، وصلت إلى مئة كتاب، ومنها القانون في الطب والذي لم تعرف الجامعات الأوروبية حتى بداية القرن العشرين مرجعًا سواه، وكتاب الشفاء في الحكمة، وكتاب النجاة والإشارات كذلك في الحكمة.
وله العديد من الرسائل وأغلبها ذات الطابع الفلسفي، فهو أول من وضع رسالة حي ابن يقظان وهي تُعد أولى الروايات في تاريخ العرب، والتي تحكي قصة طفل يولد على جزيرة يتوصل إلى ذاته وروحه وأسرار العالم دون مساعدة من أحد، فقط من خلال التأمل، وله كتاب الطير، وكتاب سلامان وابسال.
وكان أن كتب الشعر، وقال في النفس وأسرارها قصيدة كانت هي الأكثر فلسفة فيما قيل في النفس البشرية عبر التاريخ الفلسفي بشهادة جبران خليل جبران:
“هبطت إليك من المحل الأرفع ** ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف ** وهي التي سفرت فلم تتبرقع”
وقال ينصح الناس بالاهتمام بصحتهم البدنية (رغم أنه كان يشرب الخمر بدرجة لا تسكره، ويُجامع النساء كل ليلة بقوة):
“اجعل غذاءك كل يوم مرة ** واحذر طعاماً قل هضم طعام”
وقال في قيمة العلم والعُلماء:
“هذب النفس بالعلوم لترقى ** فترى الكل فهي للكل بيت
إنما النفس كالزجاجة والعلـ ** م سراج وحكمة الله زيت
فهي إن أشرقت فإنك حي ** وهي إن أظلمت فإنك ميت”
وذلك القول يتفق مع ما قاله أمير المؤمنين الإمام علي (كرم الله وجهه):
“ففز بعلم ولا تبغِ به بدلا** فالناس موتى وأهل العلم أحياءُ”
علّك سمعت عن كتاب دانتي ألجيري الكوميديا الإلهية والتي يحكي فيها عن قصة صعود أحد الصالحين إلى السماء وزيارته للجنة والجحيم وعالم البرزخ بينهما، وصنف السماء لثلاث عوالم، ولكن هل سألت نفسك من أين جاء دانتي بتلك القصة الخيالية المحبوكة؟
سأكفيك الجواب، هي قصة رسالة الغُفران لأبي العلاء المعري، التي يحكي فيها –بشكل خيالي- رحلة عروجه إلى السماء ومقابلته لشعراء الجاهلية، ومعارضته لهم شعريًا، ورغم أن أبا العلاء المعري كان أعمى، إلا أن الكتاب أظهر إبداعه اللغوي والوصفي كذلك.
وكان أبو العلاء من أهم الداعيّن إلى إعمال العقل والأخذ بالفلسفة وكان من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، فقد قال في ذلك:
“اثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا دين** وآخر دين بلا عقل”
وقد استفاد العالم كله بكتابات وخيال المعري الخصب الواسع وأول المستفيدين كانت إيطاليا عن طريق دانتي صاحب الكوميديا الإلهية.
مولانا كان من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، هو إمام المتصوفة ومولانا العاشق الأكبر والأعظم، محَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْنَ بَهَاءٌ الدِّين البَلَخي الْبَكْرِيّ، ولد في بلخ وتوفي في قونية بتركيا، تعلم مولانا قد س الله سره الفقه على يد والده، ثم الحديث على يد الإمام الترمذي.
كان دائم الاطلاع على الأدب، وكان أن حدث له خواء شعوري، حيث صار تائهًا لا يعرف قيمة نفسه، إلى أن قابل شمس الدين التبريزي الذي قلب حياته رأسًا على عقب، فجعل من جلال الدين الرومي شخصًا آخر، يبحث في ذاته، ويصل إلى نقطة السماع التي يتصل بها العبد بخالقه.
بدأ الإمام في إرساء قواعد صوفية جديدة، سُميت بعد ذلك باسم “المولوية” نسبة لمولانا، وأساسها الرقص المولوي المتصوف، وله كتاب في الشعر اسمه المثنوي عبارة عن أشعار ثنائية، تحمل في طياتها كلَ معاني النفس البشرية بشكل فلسفي.
ومن أقوله:
“كُنْ في الحُبِ كالشمس، كُنْ في الأخوة والصداقة كالنهر، كُنْ في ستر العيوب كالليل، كُن في الغضب كالميت، وأيًا كنت من الخلائق؛ إما أنت تكون كما أنت، أو تكون كما يبدو”
وكان مولانا من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، فقد فتش وشرّح النفس البشرية بفلسفته إلى درجة جعلت كل الأمم التي لحقته، خاصة أوروبا، ترى فيه الفيلسوف الأصدق، متأثرة بأدبياته، وإلى الآن مازال الكثيرون يكتبون في الأدب الصوفي متأثرين به، كـ إليف شافاك صاحبة رواية قواعد العشق الأربعون.
قال عنه الفيلسوف الألماني نيتشة:
“إنه أكثر الكُتاب فلسفة”
وقال عنه أينشتاين:
“استفدت منه أكثر من الفيزياء”.
كان الأديب الروسي دوستويفسكي من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، ابن العائلة الفقيرة والذي حُوكم في قضية تمرد كانت المقصلة قاب قوسين أو أدنى من رقبته أعلم الكُتاب بما يدور في خلد النفس البشرية وبما يُعانيه الفقراء.
ففي رواياته الفقراء والإخوة كرامازوف والأبله يحكي عن الصراع الدائم بين الإنسان والحياة بشكل عام، فكيف يعيش الإنسان في ظل ذلك الظلم القابع على كاهله، وما هي قيمة الإنسان؟ وقيمة الحياة؟
أسئلة كثيرة طرحها دوستويفسكي في رواياته باحثًا عن معنى للحياة وعن سبب لوجود الإنسان بشكل أو بأخر، مما جعله من الفلاسفة الوجوديين الذين سبقوا عصرهم في رواياته التي تناقش الحياة فكثيراً ما نجد القراء يبحثون عن أفضل روايات دوستويفسكي الروسي.
كانت مناقشاته أكثر سوداوية إلا أنه لا يدع مجالًا في نفس البشر إلا ويخوض في صميمه، لذا كان من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، ومن الممكن أن تطلع على رواية رسائل من تحت الأرض لترى كيف يفكر الإنسان الذي تراه أنت شريرًا سيئًا.
ذلك الكاتب الذي حظي بشهرة لا مثيل لها في عالم الأدب والرواية فكان من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم، من خلال أشهر روايتين له مزرعة الحيوان و1984م، فكان سبّاقًا على كل العصور، وذلك لِمَا تضمنته الرواية الأخيرة له والتي كانت من أفضل كتب جورج أورويل.
هي رواية 1984م من تنبؤات حول مستقبل العالم تحت حكم الأنظمة الاستبدادية والشمولية؛ حيث تزوير التاريخ، والمراقبة المُشددة على الناس، والاعتقالات والسجن الدائم.
كل تلك الأمور جعلت أورويل حيًا بين الناس بشعاراته وكتاباته وتنبؤاته ورموزه، وأشهرها رمز الأخ الكبير يراقبك، لذا كان من ضمن كُتاب مشهورين سبقوا عصرهم.