سنقدم لكم في هذا المقال مراجعة لسلسلة العبقريات لعباس محمود العقاد. حيث أن في القرن العشرين، لم يحظَ عالمُنا العربي قط بشخصية كشخصية عباس محمود العقاد، والذي ساهم في إثراء الثقافة العربية كلها، والمتتبع لمسيرة ذلك الرجل وكتاباته، لا شك، سيقف منه موقف الحائر؛
اليك ايضاً مراجعة كتاب حالات نادرة من هنا.
ذلك أنه يُعد أكثر الأدباء إنتاجية وثقافة، رغم أنه لم يتلقَ تعليمًا أكاديميًا كاملًا. إلى اليوم، مازال العقاد إمامًا للمُفكرين جميعهم، بل ولثقافته وشجاعته، لقبه سعد زغلول باشا بـ “جبار المنطق”.
وللعقاد العديد من المؤلفات، تربو على المئة أو أكثر، أشهرها العبقريات، ولن نتحدث في ذلك المقال عن سلسلة العبقريات فحسب، بل علينا أولًا أن نعرف ما الدافع الرئيس وراء كتابة العقاد لتلك العبقريات.
مؤمن بالديمقراطية مهما حدث، علّ السبب الرئيس الذي دفع بالعقاد لصياغة العبقريات هو إيمانه الشديد بالديمقراطية ومبادئها، فالعقاد كان ليبراليًا واضح التوجه، لا يأبه بالتيارات الأُخرى، وبسبب نزعته نحو الحرية تلك، قضى في المحبس تسعة أشهر؛ لأنه رفض أي تدخل من الحكومة أو الملك في دستور 1923م، ولمّا خرج كانت قد وافت سعد زغلول المنية، فوقف العقاد على قبره وقال:
“وكُنتُ جنينَ السجنِ تسعةَ أشهر ** فها أنذا في ساحة الخلد أولدُ
عداتي وصحبي لا اختلاف عليهمُ ** سيعهدني كلٌ كما كان يعهدُ”
ظهر في مصر إبان الحرب العالمية الثانية العديد من التيارات، وكل تيار كان مصبوغًا بصبغة من التطرف والتشدد؛ التيار الإسلامي الممثل في جماعة الإخوان المسلمين، والتيار اليساري الممثل في حزب التحرر الوطني الشيوعي، والتيار الفاشي المُمثل في حزب مصر الفتاة.
فكان على العقاد أن يواجه تلك التيارات كلها بأفكاره مُدافعًا عن الديمقراطية، فقد اجتمعت التيارات الثلاثة على عداوة الليبرالية والديمقراطية، فالجماعات الإسلامية رأت أن الديمقراطية بدعة غربية كافرة، وأهل اليسار رأوا في الديمقراطية تبعية للغرب، أما أهل الفاشية فمثل أهل اليسار وأكثر، وكل تيار كان له جماعته المُسلحة، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
فكانت البلاد على شفا حفرة من حرب أهلية في أي وقت، لذا، كان على العقاد أن يواجه هؤلاء بالقلم، مما عرضه وحياته للخطر أكثر من مرة.
فواجه جماعة اليسار بكتب تنقد الفلسفة الشيوعية ككتاب “الدين أفيون الشعوب”، والجماعة الفاشية واجههم بكتاب “هتلر في الميزان”، أما الجماعة الإسلاموية – والتي كانت أخطرهم – فواجهها بالعبقريات.
وهناك سبب آخر لكتابة العبقريات، غير السبب الوارد ذكره، وهو أن العالم الإسلامي والشرقي كافة، كان يتعرض لحملة شعواء على كل ما هو تراثي ومقدس –مثل ما يحدث في عصرنا الحالي– على يد المُستشرقين، أو لنكمن دقيقين، على يد مُتعصبي الاستشراق، وليس كل المستشرقين.
فكان على العقاد وغيره من الكتاب العرب الرد والذب عن دين الإسلام ونبيه، مثل طه حسين، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، وغيرهم.
تلك السلسلة تضم عددًا من الكتب، اقتبس العقاد فيها عددًا من الشخصيات الإسلامية التاريخية المرموقة، ووضعها تحت المجهر لدراستها على غرار مدرسة الفيلسوف الإيطالي “لومبروزو”، وهي مدرسة تهتم بدراسة الشخصية من ناحية السلوك النفسي السيكولوجي، والتأثير الجسماني عليها.
ومن تلك الشخصيات؛ النبي الأعظم محمد (ص)، أبو بكر الصديق، عمر ابن الخطاب، عثمان بن عفان، الإمام عليَّ، خالد ابن الوليد، عمرو ابن العاص.
اليك ايضاً ملخص كتاب أربعون لأحمد الشقيري من هنا.
من مراجعة لسلسلة العبقريات، تناول العقاد في عبقرية النبي الأعظم محمد وسيرته العصماء العطرة؛ فتنقل بين ميلاده وانعزاله ونشوء فلسفته، إلى نزول الوحي عليه وإنشائه لأمة من العدم. وفي أثناء ذلك كان العقاد يعرض كتابات المستشرقين ويرد عليها ويفند اتهاماتهم مُدافعًا عن نبي الإسلام بالمنطق والقلم، مما لا يدع مجالًا للشك في أن نبي الإسلام كان رجلًا عبقريًا عظيمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
تضمنت محتويات الكتاب خمسة عشر فصلًا:
يتناول العقاد في ذلك الكتاب (الجزء الثاني من سلسلة العبقريات) السبب الرئيس وراء إيمان أبي بكر بالنبي محمد، هو الإعجاب، فقد أُعجب أبو بكر بالنبي الأعظم محمد، وحاول أن يقلده في كل شيء، فكان بذلك أول من آمن به من المسلمين، وقد فسّر العقاد السبب وراء ذلك أنه عائد إلى شخصية وهيئة أبي بكر الصديق، فيقول:
“كان أبو بكر – كما رأينا – رجلًا عصي المزاج، دقيق البنية، خفيف اللحم، صغير التركيب. تكوين يغلب على أصحابه أحد أمرين: إن كانوا من كرام النحيزة فهم مطبوعون على الإعجاب بالبطولة، والإيمان بالأبطال (كحال أبي بكر)، وإن كانوا من لئام النحيزة فهم مطبوعون على الحسد والكِبر”.
والعجيب أن العقاد في ذلك الكتاب أهمل الجانب التربوي (التربية النبوية) والذي حوّى تحت عباءته كل الصحابة بما فيهم الصديق، واكتفى بالإشارة إلى الإعجاب.
من مراجعة لسلسلة العبقريات أن ثالث العبقريات، رفع العقاد قلمه شاهرًا إياه في وجه المستشرقين المتعنتين الذي وصموا عمر بن الخطاب بالكثير من الألفاظ والصفات التي برأه الله منها، كالظلم والجبروت، ويعرض هنا العقاد السبب الرئيس وراء اختيار أبي بكر لعمر خليفة له على المسلمين،
وذلك لأن عمر شخصية جندي، زعيم، بطل مغوار، لا يخشى أحدًا، وفي العدل لا يعرف أباه ولا أمه ولا يحمل لأحد شفقة إن ظلم إنسيًا، فكان بذلك الفاروق عمر ابن الخطاب الذي وضع أساس الدولة الإسلامية.
وفي مراجعة لسلسلة العبقريات أن يتحدث العقاد في ذلك الجزء من سلسلة العبقريات عن الخليفة الثالث، وعن أريحيته لا عبقريته، مُقارنًا بين ما كان عليه العرب قبل الإسلام من ظلم الحكام إلى ما وصلوا إليه من محاسبة الحاكم؛ كإحدى أهم ركائز الديمقراطية.
ويتحدث عن مبايعته كخليفة وكيف تم اختياره من بين صحابيين جليلين هما: علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف، وأن اختياره لم يكن خدعة للإمام علي، ويعارض الكاتب رأي بعض المؤرخين الذين اتهموه بالضعف، مشيدًا بدوره في استتباب الأمن بعد الهجمات التي حدثت من دول الجوار بعد مقتل الخليفة الثاني.
كما يتحدث الكاتب عن إسلامه وجمعه للقرآن. كما يعرج على حادثة اغتياله كنقطة مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية.
إقراء ايضاً مقال رأي عن فيلم ريتسا من هنا.
الجزء الرابع من مراجعة لسلسلة العبقريات، والذي يتحدث فيه العقاد عن أمير المؤمنين وإمام المتقين، الإمام عليّ – عليه السلام – عارضًا سيرة حياته، وشخصيته، وعبقريته، كما يعرج على الفتنة الكبرى وخروج معاوية وأعوانه من أهل البغي الإمام الحق، مما تسبب بشقاق في تاريخ الأمة إلى يوم الناس هذا.
لضيق المقال، عرضت أهم العبقريات وأشهرها، رغم وجود عبقريتين لم أذكرهما، وهما عبقرية خالد وعبقرية عمرو، إلا أنني مقيد بمقال ضيق، ولضيق المقال، لا أستطيع أن أتحدث بأريحية عن العقاد وكتاباته، وذلك لأنه، كما نعلم، لا نقدر أن نوفيه حقه، ولنعلم قدرَ العقاد في أدبنا وثقافتنا، نطرح سؤالًا، ماذا لو لم يوجد العقاد، ولا عبقرياته؟!