‘العراب’ الذي ‘جعل الشباب يقرأون’ والذي آمن دوماً أن الكتابة لا يجب أن ‘تعذب القارئ أو أن تشعره بالهزيمة أو الفشل’ اتسمت كل أعماله بسلاسة السرد والمتعة وعدم التعقيد ووصلت إلى ملايين القراء.
لم يتعارض تخصصه العلمي كطبيب أمراض المناطق الحارة ومنصبه الهام كعضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة بكلية الطب جامعة طنطا أن يلاحق حلمه الأدبي والذي لم يخلو في بعض محتواه من معلومات طبية وعلمية مزجها بالأدب والخيال. كما انشغل أيضاً بقضايا مجتمعه التي أهمته كثيرا فتناول فكرة الفجوات الاجتماعية والطبقية.
وقد ذاعت شهرة الأديب الكبير الراحل في مجال ما يسمى بالأدب ‘الغرائبي’ والفانتازيا والماورائيات فجذب جمهور عريض متعطش للقراءة في هذا النوع الأدبي الفريد الذي قلما تم التطرق إليه في الأدب العربي والذي كان هو من أهم كاتبيه وأكثرهم تنوعاً في محتواه.
وفي بداية التسعينيات، قام أحمد خالد توفيق بالبدء في كتابة أول أعماله من الخيال العلمي مع المؤسسة العربية الحديثة وهي رواية ‘أسطورة مصاص الدماء’. والطريف في الأمر أن تلك الرواية ما كانت لتخرج للقارئ ومن بعدها تتوالى سلسلة نجاحاته لولا تدخل الكاتب الكبير الراحل أ/ نبيل فاروق صاحب سلسلة “رجل المستحيل” والتي تصدرها نفس المؤسسة. كان الأستاذ/ مصطفى حمدي رئيس المؤسسة العربية غير محبذ لهذا النوع من الأدب في وقتها ومتحفظ على غرابته وكيف سيتقبله القارئ، وهو ما دفعه لتشكيل لجنة قراءة كان أ/ نبيل فاروق أحد أعضائها وأبدى حفاوة بالغة بموهبة أحمد خالد توفيق الأدبية.
ومن هنا توالت النجاحات فصدر له سلسلة ‘فانتازيا’ و ‘سفاري’ وايضا ‘سلسلة روايات عالمية للجيب‘، وهي سلسلة روايات صدرت من خلال المؤسسة العربية الحديثة وكان د.نبيل فاروق أول من بدأ في كتابتها حتى عددها السابع ولكن د.أحمد خالد توفيق كان تولى ذلك الأمر نيابة عن د.نبيل نظرًا لمشغوليات الأخير.
و لتعرف من هو احمد خالد توفيق يجب أن تتعرفعلى أبطال رواياته فقد كسر أحمد خالد توفيق القاعدة السائدة عن البطل النموذجي الخارق الوسيم المثالي إلى حد الكمال، وتبنى في أعماله فكرة ‘ضد البطل’ بمعنى أن يكون الأبطال شخصيات عادية ليست خارقة ومثالية ووسيمة إلى حد الكمال أو رائعة الجمال والمظهر فكان أبطاله أيضاً متفردين في شخصياتهم وهيئتهم. وعلى سبيل المثال فإن أشهر أبطال رواياته كالدكتور ‘رفعت إسماعيل’ بطل سلسلة ‘ما وراء الطبيعة’ كان نازحاً من الريف إلى المدينة، يعيش في شقة متواضعة جداً، وهو أيضاً نحيل، ومعتلّ الصحة غير مهندم بالشكل المثالي لمعظم أبطال الروايات.
كذلك كانت ‘عبير’ بطلة سلسلة ‘فانتازيا’ فتاة مصرية عادية جداً، ليست كسندريلا أو أحد الفتيات الخيالية الجمال. هي فتاة عادية يميزها حبها الكبير للقراءة وتعيش في عوالم خيالية مما تقرأ، وتصنع حياتها من وحي ما عايشته من عوالم الكتب التي كانت تطالعها بشغف وتعايشها بكل تفاصيلها الغريبة.
تأثر الكاتب الكبير أيضاً بخلفيته العلمية كطبيب، فكان ‘علاء عبد العظيم‘ بطل سلسلة ‘سفاري’ طبيباً ترك بلده كي يلتحق بالعمل في وحدة سفاري، وسلّط الضوء من خلاله على الكثير من مشاكل القارة الإفريقية واضطراباتها السياسية في ظل التدخل الأجنبي.
وللمرة الأولى في تاريخ الأدب أيضاً، يعطي أحمد خالد توفيق دور البطولة ل’فيروس‘ كمبيوتر، يتنقل بين الأجهزة ويجول في الشبكة العنكبوتية وفي الفضاء والعالم بأسره ليحكي خمس قصص مليئة بالأسرار والغموض في عالم الجاسوسية.
كل هذا دفع القارئ للتعرف على أبطال ذوو طبائع فريدة جذبتهم أكثر لمطالعة أعمال الكاتب الكبير الراحل.
تعرف أيضاً علي سلسلة فانتازيا و أفضل ٧ أعداد للعراب أحمد خالد توفيق
ومع نجاحات سلاسله الروائية الفانتازية، توالى إنتاجه الأدبي في التوسع مع مطلع الألفينات من القرن الحالي بكتابته في مجال الصحافة حيث انضم لمجلة الشباب الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية في مساحته الخاصة ‘الآن نفتح الصندوق’ وقدم العديد من المقالات أيضاً لجريدة التحرير حيث كان يُنشر له مقال بشكل أسبوعي كل يوم اثنين. كذلك كتب الكاتب الكبير الراحل مقالات أسبوعية لجريدة الاتحاد الإماراتية كانت تُنشر يوم السبت من كل أسبوع تحت عنوان ‘هلاوس’ وسلسلة مقالات متنوعة تحت عنوان ‘قصاصات قابلة للحرق’ والتي تم نشرها في كتاب هي ومجموعة مقالات ‘الآن نفتح الصندوق’.
وقد كانت مقالات الراحل الكبير علامات مضيئة، كتب فيها عن السياسة، والمجتمع والحياة، نقل لنا في بعضها تجارب الدول والحضارات الأخرى كي تستفيد بها تجربة المجتمع المصري، وتناول في بعضها الآخر تجاربه الشخصية مع الطب والمرض والحب والحياة.
واستمر أحمد خالد توفيق في امتاع عشاق رواياته ذات طابع الخيال العلمي مع إصدار سلسلة WWW في عام ٢٠٠٦ وتابع تميزه وذاعت شهرته بشكل كبير مع صدور روايات ‘يوتوبيا’ عام ٢٠٠٨ ثم ‘السنجة’ عام ٢٠١٢ ثم ‘مثل إيكاروس’ عام ٢٠١٥ و ‘في ممر الفئران’ عام ٢٠١٦.
وأحدثت رواية ‘يوتوبيا’ ضجة كبيرة بين القراء وفي الأوساط الأدبية كما تم ترجمتها وإعادة نشرها لما تناوله الكاتب الكبير من تنبؤ صادم وصادق لأوضاع المجتمع المصري حين تتسع الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء بشكل كبير فينعزل الأغنياء بذواتهم في مدينتهم الفاضلة وتكون الأوضاع غاية في البشاعة.
وقد عمت كتابات أحمد خالد توفيق نظرة تشاؤمية بعض الشيء بررها بقلقه البالغ مما يحدث للمجتمع المصري من طبقية بالغة فأبدع في التصدي لها في العديد من أعماله وحارب فكرة “المدينة الفاسدة”.
ازدادت تلك النبرة التشاؤمية بعد قيام ثورة يناير عام ٢٠١١ والذي رأى أحمد خالد توفيق أن تفاؤله بها كان تفاؤل ‘عبيط’ على حد قوله وما أشار له في مقدمة روايته ‘السنجة’ الصادرة عام ٢٠١٢ عبر عن الكثير مما دار بنفسه تجاه تلك الثورة حين كتب:
‘«وفي النهاية أشكر ثورة يناير العظيمة التي أخبرتنا بالكثير عن أنفسنا بما فيها من خيرٍ وشر. وأزعم أن من رأى تلك الثورة قد اكتسب قرونًا من الخبرة يفوق بها من لم يرها.»
“ في النهاية أنت تتجه إلى النهر المظلم.. النهر الذي عبره كثيرون من قبلك ولم يعودوا.. سوف تعبر إلى الجانب الآخر وسوف ينساك الجميع. ”
وكأن كل هذا الزخم الأدبي في تلك الفترة الزمنية القصيرة كان تعويضاً من الحياة عن غيابه المبكّر عنها وصراعاته المتعددة مع الموت. توقف قلب أحمد خالد توفيق أربع مرات خلال حياته حيث عانى من اضطراب ضربات القلب البطيني قبل أن يصل محطته الأخيرة في الثاني من أبريل عام ٢٠١٨ عن عمر ناهز ٥٥ عاماً وسط صدمة شديدة لمحبيه وقراءه والوسط الأدبي بأكمله.
لكن مخالفةً لما ذكره أحمد خالد توفيق، فإنه لم ينساه الجميع، وظل باقياً في قلوب وعقول ووجدان كل محبيه في جميع أنحاء العالم بعد توديع الراحل الكبير في مراسم مهيبة تاركاً خلفه إرث أدبي عظيم ستظل تتوارثه الأجيال ويظل كاتباً فريداً عملاقاً بكل المقاييس وصل إلى مناطق في روح ووجدان قراءة لم يصل إليها أحد من قبله على الإطلاق، أرجو أن تكون الآن تعرفت ولو لجزء بسيط عن من هو احمد خالد توفيق.