من هو موليير؟ دور الملهاة أن تُصلِح أخطاء الإنسان من خلال إضحاكه’. مقولة شهيرة من أقوال الكاتب المسرحي والشاعر الفرنسي الكبير موليير والتي كانت أيضا نهجاً مميزاً اتسمت به أعماله التي خلدها تاريخ المسرح الكوميدي بالرغم من كل الخلاف عليها والضجة التي أثارتها وقت عرضها.
أعمال ساخرة بديعة أثرى بها المسرح الفرنسي والأوروبي متمرداً على جميع رذائل مجتمعه ومشكلاته آنذاك، ورافضاً للنفاق الديني والاجتماعي حتى لو لم يُعجِب ذلك أصحاب السلطة المجتمعية ورجال الكنيسة المهمين في عصره.
تمرد موليير على كل ما لم يعجبه حتى يقوم بتوصيل أفكاره ورؤيته حتى لو كلفه هذا الأمر الخروج من عباءة العائلة والدراسة وحتى تغيير اسمه طالما لزم الأمر.
‘جُون بَابتِيسْت بُوكْلَان’ المشهور عالمياً بلقب موليير هو ابن لأسره كانت الأم فيها متدينة من عائلة برجوازية وكان الأب موّرداً للسجاد والمفروشات للقصر الملكي وخادماً للملك. لا توجد سجّلات دقيقة تخبرنا عن يوم مولده تحديداً، ولكن بحسب سجلات الكنيسة فقد تم تعميده في ١٥ يناير عام ١٦٢٢.
تدرج في تعليمه حتى وصل لإعدادية ‘كليرمون’ الفرنسية التابعة لليسوعيين الجزويت ثم إحدى المدارس الثانوية الباريسية ومنها إلى كلية الحقوق رافضاً تماماً لفكرة توريث مهنة الأب له وراغباً بشدة في خوض غمار الفن الذي كان مولعاً به بشكل كبير بتشجيع من جده لأمه ‘لويس كريسيه’ الذي كان يصطحبه في صغره إلى المسرح.
وبخلاف هذا الشغف الفني الكبير، فنستطيع أن نُرجِع عبقرية موليير أيضاً إلى تتلمذه على يد عدد من نوابغ فرنسا وأشهرهم ‘فولتير’ الذي درسّه في مدرسته الإعدادية. وبالإضافة لدراسة القانون، فقد درس ‘موليير’ أيضاً الفلسفة واللغة اللاتينية وتأثر كثيراً بالشعر اللاتيني خاصة للشاعر ‘لوكريس’ فقام بترجمة أشعاره واستخدم فقرات منها في إحدى مسرحياته فيما بعد.
وعلى الرغم من تأهله لمزاولة مهنة المحاماة بعد تخرجه في كلية الحقوق، فقد قرر أن يترك كل ذلك خلفه ويتفرغ في عام ١٦٤٣لمزاولة الفن المسرحي الذي ازداد ولعاً به بعد متابعته للكثير من عروض مسرح ممثلي الشوارع في أماكن عرض قرب دكان والده.
ثم تعرّفه على عائلة فنانين تدعى ‘بيجار’ أصبح صديقاً مُقرباً لهم وقرر تغيير اسمه للقب ‘موليير’ ولا أحد يعرف بالتحديد سبب اختياره لهذا اللقب دون غيره من الألقاب.
على مدار تاريخه الفني، قام موليير بتمثيل ٩٥ مسرحية، ٣١ منها من تأليفه وكانت تقوم بالأساس على مناقشة المشكلات والمواقف بطريقة هزلية مضحكة للغاية وهو ما استحق به لقب ‘مؤسس الكوميديا الراقية’ وتوّج كواحد من أهم أساتذة الهزليات في تاريخ المسرح الأوروبي.
بعد تخليه عن مزاولة مهنة المحاماة وتعرفه على الأخوة ‘بيجار’، قام ‘موليير’ بتكوين فرقة مسرحية كان هو مديرها وعضواً فيها مع الأخوة الثلاثة ‘بيجار’ وسبعة آخرين بالإضافة إلى أستاذه ‘جورج بينيل’ والذي قام بتغيير لقبه هو الآخر إلى ‘لاكوتور’.
حملت الفرقة اسم ‘الوستر تياتر’ أو ‘المسرح الباهر’ وظلت تتنقل من مسرح لآخر يقومون باستئجاره لعرض أعمالهم ولكن للأسف فقد كان للمجال المسرحي وقتئذٍ نجومه البارزين مما لا يدع ل’موليير’ وفرقته مساحة لمنافستهم خاصةً وأن عدد جمهور المسرح في ذلك الوقت كان ضئيلاً.
لذلك أدرك موليير وجوب الانتقال بفرقته من باريس إلى الأقاليم حيث قدموا العروض لجمهور الأرياف وظلوا في مرحلة تنقلهم بين أقاليم الريف الفرنسي لمدة وصلت إلى ثلاثة عشر عاماً بداية من العام ١٦٤٥.
في ذلك الوقت، بدأ موليير تأليف أول العروض التي قام بكتابتها بنفسه،ومن مسرحيات موليير “الطبيب الطائر” و”غيرة باربويلية” و”المغفل”. لم تكن فرقة ‘المسرح الباهر’ هي الوحيدة التي تقدم العروض لجمهور الأقاليم، بل انتشرت في ذلك الوقت الفرق المسرحية المتجولة.
تعرّف موليير على صاحب فرقة أخرى يُدعى ‘شارل دوفريسن’ والذي كان يفوقه في الخبرة وفي علاقاته بالسلطات التي كان من شأنها إعطاء التصاريح للفرق المسرحية واتفقوا على دمج فرقتهما وهو ما ساعدهما على تحقيق نجاح ملموس بأداء عروض تراجيدية وكوميدية ولكن لاحظ ‘موليير’ أن الجمهور ينجذب أكثر للكوميديا.
تلك الفترة التي قضاها موليير متنقلاً بين قرى فرنسا وأقاليمها أتاحت له الانغماس بشكل أكبر مع فئات مختلفة من المجتمع وشخصيات كثيرة استلهم منها فيما بعد شخصيات لأعماله الشهيرة.
في عام ١٦٥٨، عاد موليير بفرقته لباريس وبدأ بتقديم أول أعماله الشهيرة مثل ‘المغفل’ و’شجار حب’ وقد حضر الكاتب الفرنسي الكبير ‘بيير كورنيه’ أحد عروض الفرقة وأبدى إعجاب كبير بها.
إذا كنت من محبي الأدب الفرنسي اليك أفضل كتب فيكتور هوغو اكبر أدباء فرنسا.
بدأت رحلة الشهرة في محطة القصر الملكي أمام الملك ‘لويس الرابع عشر’ في عام ١٥٦٨ حيث قدم ‘موليير’ عرضاً أمام الملك أدى فيه عرضاً تراجيدياً تبعه بعرض ‘الطبيب العاشق’ الذي نال استحسان كبير وثناء بالغ على أداء ‘موليير’ وفنه من جميع الحاضرين.
من هو موليير الذي أثار الجدل بين سيدات الريف الفرنسي؟ فقد توالت عروض ‘موليير’ الشهيرة في باريس والتي بدأها بكوميديا ‘المتحذلقات السخيفات’ عام ١٦٥٩. انتقد ‘موليير’ في تلك المسرحية حياة البذخ والرياء والإسراف من خلال مجموعة من السيدات نزحن من الريف الفرنسي ورحن يقلدن سيدات الصالونات الأرستقراطيات وهو ما فتح عليه أبواب الحرب.
حيث قامت احدى السيدات الارستقراط بالأمر بهدم مسرح ‘بيتي بوربون’ التابع لمتحف ‘اللوفر’ والذي كان يقدم عليه العرض غضباً من تجرؤ ‘موليير’.
تابع موليير تناوله لمشكلات المجتمع بشكل ساخر فقدم عدد من المسرحيات الشهيرة نذكر منها ‘مدرسة الأزواج’ عام ١٦٦١، ‘المخابيل’ عام ١٦٦١ ‘مدرسة الزوجات’ عام ١٦٦٢، ‘أزواج بالإكراه’ عام ١٩٦٣ وهي جميعاً تناقش مشاكل مجتمعية في إطار كوميدي ساخر تميز به ‘موليير’ كثيراً لتقويم الكثير من السلوكيات والنماذج والأخلاقيات التي رأي أهمية تناولها.
وفي عام ١٦٦٤، قام موليير بتقديم عرضه الشهير ‘طرطوف’ والذي أثار جدلاً واسعاً في وقتها كونه تحدث عن الرياء والنفاق تحت التستر بستار الدين. تلك المظاهر الخادعة من التقوى الظاهرية والتخفي داخل عباءة الدين كان سمة ‘طرطوف’ بطل العمل وطريقته لتملّق السلطة المتمثلة في أحد ضباط الحرس الملكي السابقين الذي سمح ل’طرطوف’ بالتحكم بحياته وحياة أسرته.
تعرض موليير لهجوم كبير من رجال الدين الذين رأوا أنه يقوم باتهامهم بالخداع والنفاق بينما أوضح هو احترامه الشديد لرجال الدين المخلصين.
وعلى مدار الأعوام التالية، قدم ‘موليير’ مجموعة من أشهر وأهم أعماله، سائراً على ذات النهج الكوميدي في طرح قضاياه، فقدم ‘طبيب رغم أنفه’ عام ١٦٦، ‘البخيل’ عام ١٦٦٨، ‘عدو البشر’ عام ١٦٧٠، ‘النساء المتعلمات’ عام ١٦٧٢ ثم آخر مسرحياته ‘المريض بالوهم’ عام ١٦٧٣.
تعرف أيضاً علي أفضل روايات تشارلز ديكينز أعظم الروائيين الإنجليز.
لكي تعرف من هو موليير فيجب ان تعرف كيف كان يعاني حتي لحظة وفاته. توفي ‘موليير’ في ١٧ فبراير ١٦٧٣ عن عمر ناهز ٥١ عاما بعد معاناته مع السل الرئوي. وبسبب إثارته للكثير من الجدل، فإن طلب زوجته لطبيب وقسيس وقت وفاته قد قوبل بالرفض ولم يقبل أحد أن يذهب لمساعدته وتوفي على سريره.
حتى كنيسة ‘سانت أوستاش’ الفرنسية رفضت دفنه في مقابر المسيحيين بسبب آراؤه التي اعتبروها تطاولاً على الدين ورجاله، فاستنجدت زوجته بالملك ‘لويس’ وتم دفنه بعد أربعة أيام من وفاته ليلاً بدون طقوس ولا صلاة في مقابر المنتحرين. وفي عام ١٨١٧ تم نقل رفاته إلى مدافن ‘بيير لا شيس’.
وبالرغم من كل شيء، ظل ‘موليير’ خالداً بعظمة أعماله، والقيمة الكبيرة التي تركها خلفه من روائع فنية ناقشت قضايا هامة وشهادة جميع من تعامل معه من فنانين وأدباء وأعضاء فرقته بحسن خلقه ومحبته للجميع وفق ما أرّخه أحد أعضاء فرقته الذي انضم إليها عقب عودتها لباريس ويدعى ‘لاجرنج’ .
والذي كتب في يومياته التي دونها عن الفرقة: ‘كل الممثلون كانوا يحبون السيد ” دي موليير” لأنه كان يعاملهم بطيبة وشرف ولم يكن يتأخر في تقديم مساعدات إليهم مهما كانت ولهذا قرروا أنهم يشاركوه في مصيره وبلغوه أنهم لن يتخلوا عنه مهما كانت الإغراءات ومهما كانت المرتبات التي ستعرض عليهم عالية.’
إقرأ ايضاً أفضل روايات دوستويفسكي الفيلسوف الروسي.
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة